منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم المجلد 5

اشارة

سرشناسه : روحاني، محمدصادق ، شارح.

عنوان قراردادي : المكاسب. شرح.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم/ محمدصادق الروحاني.

مشخصات نشر : قم:انوار الهدي ، 1428ق. = 2007م. = 1386.

مشخصات ظاهري : 6 ج. در 3 مجلد.

شابك : ج.1 : 9789648812602 ؛ ج. 2 : 9789648812619 ؛ ج. 3 : 9789648812626 ؛ ج. 4 : 9789648812633 ؛ ج. 5 : 9789648812640 ؛ 15000 ريال (بهاي هر جلد) : ج. 6 : 9789648812657 ؛ 15000 ريال(بهاي هر جلد)

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : جلد پنجم اين كتاب قبلا توسط انتشارات سپهر منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1 و 2 المكاسب المحرمه .--ج. 3 و 4. بيع .--ج. 5 و 6. خيارات.

عنوان ديگر : التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب -- نقد و تفسير.

موضوع : معاملات (فقه).

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب. شرح.

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7034 1386

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : 1128879

الجزء الخامس

[مقدمة المؤلف]

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة و علي آله العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد،

فهذا هو الجزء الخامس من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعه و المرجو من الله تعالي التوفيق لنشر بقية المجلدات فانه ولي التوفيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 5

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة القول في شرائط العوضين]

مسألة: الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم، (1)
اشارة

فإن الظاهر الاجماع علي اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد و في التذكرة انه اجماع. و في المبسوط الاجماع علي عدم جواز بيع السمك في الماء و لا الطير في الهواء.

و عن الغنية انه انما اعتبرنا في المعقود عليه ان يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء و الطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف

______________________________

اعتبار القدر علي التسليم.

(1) قوله الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم و قبل الشروع في اقامة الدليل علي اعتبار هذا الشرط ينبغي تقديم امور:

الأول: ان ذكر هذا الشرط في شروط العوضين، مع ان القدرة قائمة بالمتعاقدين،

و هذا يناسب جعلها من شروط المتعاقدين لعله من جهة ان عدم القدرة علي التسليم بحسب الغالب يكون من جهة قصور في العين كالطير الطائر و العبد الآبق و نحوهما، بل ربما يقال انه إذا كان عدم القدرة علي التسليم من ناحية قصور العاقد- كما لو تعاوضا علي عين معينة و هما في السجن و لا يرجي اطلاقهما منه- لا يكون ذلك مانعا عن صحة البيع.

و أما ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في وجه ذلك من ان

القدرة مناط مالية المال، فمع عدمها لا يكون مالا عند العقلاء فيرد عليه: ما ستعرف من ان العجز لا يوجب سلب المالية.

الثاني: ان محل الكلام هو العجز عن التسليم من حين تحقق العقد، فلو كان حين حدوثه قادرا علي التسليم و طرأ العجز يدخل ذلك في طرو العيب الموجب لثبوت الخيار.

و بهذا ظهر الفرق بين تعذر التسليم الذي هو مانع عن صحة البيع، و تعذره الموجب للخيار.

و لعل هناك فرقا آخر، و هو انه إذا كان البائع غير قادر و لكن كان المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 6

و استدل في التذكرة علي ذلك بأنه نهي النبي (صلي الله عليه و آله) عن بيع الغرر (1) و هذا غرر و النهي هنا يوجب الفساد اجماعا علي الظاهر المصرح به في موضع من الايضاح و اشتهار الخبر بين الخاصة و العامة يجبر ارساله اما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير

______________________________

قادرا علي التسلم، يثبت الخيار.

و ان كان هو ايضا غير قادر بطل العقد. و سيأتي الكلام في ذلك فانتظر.

و من هنا ظهر الأمر الثالث، و هو ان محل الكلام عجز البائع و المشتري عن ذلك،

و أما إذا كان المشتري قادرا علي التسلم فهو خارج عن المقام. و سيأتي حكمه.

إذا عرفت هذه الأمور.

فاعلم: انه قد تكرر من الفقهاء دعوي الإجماع علي اعتبار هذا الشرط، بل يظهر من الانتصار ان عليه اجماع العامة و لم يذكر الخلاف عن احد سوي الفاضل القطيفي.

و قد استدل لاعتباره بوجوه.

(1) الأول: النبوي المشهور بين الفريقين- بل قيل انه اجمع عليه المخالف و المؤلف-:

نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر «1».

و تنقيح القول في هذا الحديث الشريف يقتضي

البحث في جهات:

الأولي: في سنده. و الظاهر انه من اقضية النبي صلي الله عليه و آله المروية من طرق اهل السنة برواية عبادة بن صامت مجتمعة، و هي بعينها مروية من طرقنا برواية عقبة متفرقة علي حسب تفرق الابواب.

و علي اي تقدير مع اعتماد الأصحاب عليه و تلقيهم اياه بالقبول و افتائهم مستندا إليه لا يبقي مجال الاشكال في سنده.

الجهة الثانية: في معني الغرر و تطبيقه علي بيع ما لا يقدر علي تسليمه. و قد ذكروا

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3- و المستدرك باب 31 من ابواب آداب التجارة حديث 1-

الدعائم ج 2- ص 19 سنن بيهقي ج 5 ص 338- و سنن الترمذي ج 3 ص 532- و اخرجه مسلم في صحيحه ج 5 ص 3

- و ابو داود في كتاب البيوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 7

من الفقهاء و اهل اللغة حيث مثلوا للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء مع ان معني الغرر علي ما ذكره اكثر اهل اللغة صادق عليه و المروي عن امير المؤمنين عليه السلام انه عمل ما لا يؤمن معه من الضرر.

و في الصحاح الغرة الغفلة و الغار الغافل و اغره اي اتاه علي غرة منه و اغتر بالشي ء اي خدع به و الغرر الخطر و نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر و هو مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء إلي ان قال: و التغرير حمل النفس علي الغرر، انتهي.

و عن القاموس: ما ملخصه غره غرا و غرورا وغرة بالكسر فهو مغرور و غرير كامير خدعه و أطمعه في الباطل إلي ان قال غرر بنفسه

تغريرا أو تغره أي عرضها للهلكة و الاسم الغرر محركة إلي ان قال: و الغار الغافل، و اغتر غفل و الاسم الغرة بالكسر، انتهي.

و عن النهاية بعد تفسير الغرة بالكسر بالغفلة انه نهي عن بيع الغرر و هو ما كان له ظاهر يغر المشتري و باطن مجهول، و قال الازهري: بيع الغرر ما كان علي غير عهدة و لا ثقة و يدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول و قد تكرر في الحديث و منه حديث مطرف ان لي نفسا واحدة و اني لأكره ان اغربها اي احملها علي غير ثقة و به سمي الشيطان غرورا لأنه يحمل الانسان علي محابه و وراء ذلك ما يسوؤه، انتهي.

______________________________

في تفسير الغرر امورا: الغفلة، و الخديعة، و الخطر، و عمل ما لا يؤمن معه من الضرر، و ما كان علي غير عهدة و ثقة، و ما له ظاهر محبوب و باطن مكروه. و قد افاد بعض المحققين: ان هذه التفاسير ليست كلها بيانا للمعني الحقيقي، بل بعضها بيان مفهومه، و بعضها الآخر بيان لازمه الدائمي، و بعضها بيان لازمه الغالبي، و بعضها بيان لمورده.

و معناه الحقيقي: ما يساوق الخديعة، و لازمه الدائمي هو الغفلة، و لازمه الغالبي هو الخطر و الوقوع في الضرر، و المنخدع لا يكون علي عهدة و ثقة، و مورده ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه.

و الحق ان يقال: ان لمادة الغرر معان ثلاثة لا جامع بينها اصلا علي ما يظهر من كتب اللغة.

لأن ما يكون بمعني الغفلة انما هو المعني المشتقي اللازم و هو غر يغر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 8

و قد حكي ايضا عن الاساس و المصباح

و المغرب و الجمل و المجمع تفسير الغرر بالخطر ممثلا له في الثلاثة الاخيرة ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء. و في التذكرة ان اهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين و مراده من التفسير التوضيح بالمثال و ليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير كما يظهر بالتأمل.

و بالجملة فالكل متفقون علي اخذ الجهالة في معني الغرر سواء تعلق الجهل بأصل وجوده ام بحصوله في يد من انتقل إليه ام بصفاته كما أو كيفا. و ربما يقال ان المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه و عدمه ضرورة حصوله في بيع كل غائب خصوصا إذا كان في بحر و نحوه، بل هو اوضح شي ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما.

و الحاصل ان من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة إلي التسلم و عدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر و فيه ان الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري اعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله فلا وجه لتقييد كلام اهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين و احتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا للجهالة بالصفات هذا مضافا إلي استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوي

______________________________

بكسر الغين، و مصدره الغرة بالكسر، و اسم فاعله الغار بمعني الغافل، و لا يكون له اسم مفعول لكونه لازما.

و ما يكون بمعني الخدعة انما يكون متعديا و هو غر يغر بضم الغين و اسم مفعوله المغرور، و غرير صفة مشبهة، و اسم مفعول

هذا الباب يلازم مع اسم فاعل ذلك الباب،

فالمغرور، يلازم مع كونه غافلا، و مصدره غرور، و المستعمل في القرآن الكريم انما هو المعني الثاني، و لا جامع بين البابين.

و أما لفظ الغرر فلم يستعمل في شي ء منهما، و انما هو بمعني الخطر، و لا يكون معناه حدثيا اشتقاقيا، بل هو جامد كما صرح بذلك في الأساس و المصباح و المغرب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 9

المذكور علي اعتبار القدرة علي التسليم كما يظهر من الانتصار حيث قال: فيما حكي عنه و مما انفردت به الامامية القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضميمة و لا يشتري وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري و خالف باقي الفقهاء في ذلك و ذهبوا إلي انه لا يجوز بيع الآبق علي كل حال إلي ان قال: و يعول مخالفونا في منع بيعه علي انه بيع غرر و ان نبينا صلي الله عليه و آله نهي عن بيع الغرر إلي ان قال: و هذا ليس بصحيح لأن هذا البيع يخرجه عن ان يكون غررا انضمام غيره إليه، انتهي.

و هو صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي علي اشتراط القدرة علي التسليم. و الظاهر اتفاق اصحابنا ايضا علي الاستدلال به كما يظهر للمتتبع و سيجي ء في عبارة الشهيد التصريح به، و كيف كان، فالدعوي المذكورة مما لا يساعدها اللغة و لا العرف و لا كلمات اهل الشرع و ما ابعد ما بينه و بين ما عن قواعد الشهيد رحمه الله

______________________________

و الجمل و المجمع و القاموس، و قد فهم العلماء قدس الله اسرارهم منه ذلك، و لذا افاد المحقق المشار إليه انه انما يحمل الغرر في الخبر علي الخطر لفهم العامة و الخاصة

لاتفاقهم ظاهرا علي ذلك كما يتضح بالمراجعة الي استدلالات الفريقين في ابواب المعاملات.

و بالجملة: الغرر بحسب تصريح اللغويين و فهم اهل العرف و العلماء انما هو بمعني الخطر.

فان قبل انه إذا كان جامدا فكيف يقال: غرر يغرر تغريرا.

اجبنا عنه: بان بعض الجوامد بواسطة بعض ابواب المزيد فيها يصير مشتقا كالماء المشمس و التحجير و غيرهما.

و المقام من هذا القبيل، فمعني غرر بنفسه اوقعه في الخطر.

و ما عن القاموس من تفسير غرر بنفسه عرضها للهلاكة، انما هو من جهة ان خطر النفس هو الهلاكة، و ما فيه من ان الاسم الغرر مراده منه ان اللفظ الأصلي هو معني اسمي غير قابل الاشتقاق و هو الغرر، و ما عن الامام علي (عليه السلام) من تفسير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 10

حيث قال: الغرر ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه قاله بعضهم و منه قوله تعالي:

(متاع الغرور) و شرعا هو جهل الحصول (1) و مجهول الصفة فليس غررا و بينهما عموم و خصوص من وجه لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل أو وصف الآن و وجود الجهل بدون الغرر في المكيل و الموزون و المعدود إذا لم يعتبر.

و قد يتوغّل في الجهالة كحجر لا يدري اذهب ام فضة ام نحاس ام صخر و يوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة و يتعلق الغرر و الجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق المجهول الوجود و تارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود و بالجنس

كحب لا يدري ما هو و سلعة من سلع مختلفة و بالنوع كعبد من عبيد و بالقدر ككيل لا يعرف قدره و البيع الي مبلغ السهم و بالعين كثوب من ثوبين

مختلفين و بالبقاء كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض الاصحاب. و لو اشترط ان يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلا و الغرر قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين و هو ممتنع اجماعا و قد يكون بما يتسامح به عادة لقلته كأس الجدار و قطن الجبة و هو معفو عنه اجماعا و نحوه اشتراط الحمل و قد يكون مرددا بينهما و هو محل الخلاف كالجزاف في مال الاجارة

______________________________

الغرر بعمل لا يؤمن معه من الضرر، غير ثابت، و لم يحرز صدوره عنه، و لو سلم الصدور لا بد من تأويله لعدم كون الغرر بمعني العمل علي اي تقدير.

و قد يقال: ان بيع ما لا يقدر علي تسليمه لا يكون غرريا بعد كون المبيع معلوما ذاتا و وصفا، و انما يكون الغرر و الخطر من ناحية الآثار الخارجية، اي التسليم و التسلم.

و فيه: ان الملكية المجردة لا يترتب عليها شي ء و لا يبذلون العقلاء بازائها شيئا،

فالبيع عليها غرري، و ما ابعد ما بين هذه الدعوي. و ما ادعاه الشهيد قدس سره.

(1) من اختصاص الغرر بمجهول الحصول، و ان كان هو ايضا لا يخلو عن محذور،

و يؤيد ما ذكرناه تمثيل اهل الفن للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء، و عن ابن مسعود عن النبي صلي الله عليه و آله: لا تشتر السمك في الماء فانه غرر. فلا ينبغي التوقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 11

و المضاربة و الثمرة قبل بدو الصلاح و الآبق بغير ضميمة، انتهي.

و في بعض كلامه تأمل ككلامه الآخر في شرح الارشاد حيث ذكر في مسألة تعين الاثمان بالتعيين الشخصي عندنا قالوا يعني

المخالفين من العامة تعينها غرر فيكون منهيا عنه. اما الصغري فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع.

و أما الكبري فظاهرة الي ان قال قلنا: انا نمنع الصغري لأن الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف بحيث لو تركه و بخّ عليه و ما ذكروه لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه،

انتهي.

فإن مقتضاه انه لو اشتري الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا لأن العقلاء يقدمون علي الضرر القليل رجاء للنفع الكثير. و كذا لو اشتري المجهول المردد بين ذهب و نحاس بقيمة النحاس بناء علي المعروف من تحقق الغرر

بالجهل بالصفة. و كذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقن منه فإن ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء بل يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا فالاولي ان هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية الي التنازع في المعاملات و ليس منوطا بالنهي من العقلاء ليخص مورده بالسفهاء أو المتسفهة

______________________________

في صدق الغرر و الخطر علي بيع ما لا يقدر علي تسليمه.

الجهة الثالثة: في بيان مفاد النهي.

الظاهر ان النهي عن المعاملة كما عرفت في اول الجزء الاول من هذا الشرح ظاهر في كونه ارشادا الي الفساد، فإذا ظاهر ذلك هو فساد البيع الغرري.

الجهة الرابعة: انه قد يقال: بان المانع عن الصحة ان كان هو الغرر فهو يمكن دعوي ارتفاعه بوجوه:

احدها: انه لو اشترط الخيار برد العوض مع عدم وصول المعوض إليه لا يكون هناك غرر.

و فيه: ان نفوذ الشرط مشروط بكونه في ضمن العقد الصحيح، فلا يعقل تصحيح العقد به.

ثانيها: انه مع تعذر تسليم المبيع له خيار التعذر، فله الفسخ و استرجاع الثمن.

و فيه: ان الخيار انما يثبت في العقد الصحيح، فكيف يصحح العقد به.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 5، ص: 12

ثمّ انه قد حكي عن الصدوق في معاني الاخبار تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة بكونها غررا مع انه لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة بناء علي ما فسر به من انه قول احدهما لصاحبه انبذ الي الثوب أو انبذه اليك فقد وجب البيع، و بيع الحصاة بأن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، و لعله كان علي وجه خاص يكون فيه خطر و الله العالم.

______________________________

ثالثها: انه بالفحص اما ان يحصل في يده، أو يصير مأيوسا من ذلك، فيكون بمنزلة التلف الموجب لانفساخ العقد الموجب لرجوع الثمن الي صاحبه، فهو مامون العاقبة من الخطر، لأنه اما ان يصل إليه المبيع أو بدله.

و قد ظهر الجواب عن ذلك مما تقدم، إذ الحكم بالانفساخ فرع صحة العقد.

رابعها: انه مع امتناع تسليم المبيع للمشتري الامتناع من تسليم الثمن فلا غرر و فيه: ان الامتناع من تسليم الثمن بعد فرض كونه ملكا للبائع لا يوجب تدارك ما ذهب من ملكه.

هذا كله مع ان الغرر باعتبار الغرض المعاملي لا ينجبر بالفسخ و لا بالانفساخ.

فالحق دلالة النبوي علي الفساد، الا انه مختص بصورة عدم احراز امتناع التسليم،

لأن الخطر انما يطلق فيما إذا احتمل الحصول و لو ضعيفا.

و لكن في هذا الفرد يثبت الحكم بالاولوية القطعية.

الثاني: ان بذل المال بازاء ما لا يمكن تسليمه سفهي، فلا تشمله ادلة نفوذ المعاملات فانها مسوقة لبيان انفاذ المعاملات العقلائية.

و فيه: اولا: ان بذل المال القليل بازاء مال كثير يرجي حصوله ليس سفهيا بل ربما يعد عدم البذل سفهيا.

و ثانيا: ان ادلة نفوذ المعاملات تدل علي نفوذ كل معاملة، و الدليل انما دل علي

عدم نفوذ معاملة السفيه و لم يدل دليل علي عدم نفوذ المعاملة السفهائية.

الثالث: ان المعاملة علي ما لا يقدر علي تسليمه: اكل للمال بالباطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 13

و كيف كان فلا اشكال في صحة التمسك لاعتبار القدرة علي التسليم بالنبوي المذكور الا انه اخص من المدعي لان ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة و نحوه ليس في بيعه خطر لأن الخطر انما يطلق في مقام يحتمل السلامة و لو ضعيفا لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال علي بطلانه بلزوم السفاهة و كون اكل الثمن في مقابله اكلا للمال بالباطل بل لا يعد مالا عرفا (1) و ان كان ملكا فيصح عتقه و يكون لمالكه لو فرض التمكن منه الا انه لا ينافي سلب صفة التمول عنه عرفا. و لذا يجب علي غاصبه رد تمام قيمته الي المالك (2) فيملكه مع بقاء العين علي ملكه علي ما هو ظاهر المشهور.

______________________________

و فيه: ان المراد بالأكل بالباطل بقرينة المقابلة بتجارة عن تراض التملك بالأسباب الباطلة كالقمار و نحوه، و الا فغاية ما هناك كون اعطاء المال مجانيا و بلا عوض، و ليس هذا من قبيل اكل المال بالباطل.

(1) الرابع: ان ما لا يقدر علي تسليمه لا يعد مالا عرفا فلا يصح بيعه.

و فيه: اولا: ان المال انما هو من العناوين المنطبقة علي الأشياء بانفسها مع قطع النظر عن الأشخاص، و هو ينتزع من كون ذلك الشي ء موضوعا لغرض موجب لحدوث رغبة الناس فيه، و هي صفة تنتزع من نفس المال و ان لم يكن هناك مالك.

و ثانيا: انه لو سلم ذلك فانما هو فيما لا يحتمل التمكن من التسليم كما لا يخفي.

(2)

و قد استشهد المصنف لسلب صفة التمول عنه: بانه يجب علي غاصبه قبلا ان يدفع تمام القيمة بصيرورته كذلك من باب بدل الحيلولة.

و فيه: ان لزوم اداء تمام القيمة انما يكون من جهة الحيلولة بين المالك و تمام المالية بالحيلولة بينه و بين العين لا من جهة التلف، و قد تقدم تفصيل القول في ذلك في مبحث بدل الحيلولة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 14

ثمّ انه ربما يستدل علي هذا الشرط بوجوه أخر منها ما اشتهر عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله: لاتبع ما ليس عندك، (1) بناء علي أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب و السلف إجماعا فهي كناية لاعن مجرد الملك لأن المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام و لاعن مجرد السلطنة عليه و القدرة علي تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من

الخاصة و العامة بها علي عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثمّ شرائها من مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعه و لو من نفسه فإن السلطنة و القدرة علي التسليم حاصلة هنا مع انه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين ان يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف علي الملك مع كونه تحت اليد حتي كأنه عنده و ان كان غائبا (2) و علي اي حال فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بادلته أو بحمله علي النهي المقتضي لفساده بمعني عدم وقوعه لبائعه لو اراد ذلك و كيف كان فتوجيه الاستدلال بالخبر علي ما نحن فيه ممكن. و أما الايراد عليه بدعوي ان المراد به الاشارة الي ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشي ء الغير المملوك ثمّ تحصيله

______________________________

(1) الخامس: ما ذكره المصنف

قدس سره بقوله: منها ما اشتهر عن النبي صلي الله عليه و آله من قوله: لاتبع ما ليس عندك …

لا يخفي ان اقضية النبي صلي الله عليه و آله المذكورة في كتب العامة مجتمعة عن عبادة ابن الصامت بعينها مروية من طرق الخاصة برواية عقبة بن خالد متفرقة علي حسب تفرق الأبواب.

و عليه فهذا النبوي «1» مروي من طرقنا و من طرق العامة،

فلا وجه للمناقشة في سنده.

(2) و أما من حيث الدلالة، فمحصل ما افاده المصنف قدس سره: ان محتملات قوله عليه السلام عندك اربعة:

احدها: الحضور الذي هو معناه الحقيقي.

ثانيها: الملك.

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود، و باب 2 من ابواب عقد البيع و سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 15

بشرائه و نحوه و دفعه الي المشتري، فمدفوع بعدم الشاهد علي اختصاصه بهذا المورد و ليس في الاخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد.

نعم يمكن ان يقال ان غاية ما يدل عليه هذا النبوي بل النبوي الأول ايضا فساد البيع بمعني عدم كونه علة تامة لترتب الاثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعي بانتفاء صفة الغرر و تحقق كونه عنده و لو ابيت الا عن ظهور النبويين في الفساد بمعني لغوية العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعي دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر و بين إخراج بيع الرهن و بيع ما يملكه بعد البيع، و بيع العبد الجاني عمدا و بيع المحجور لرق أو سفه أو فلس

______________________________

ثالثها: السلطنة عليه و القدرة علي تسليمه.

رابعها: السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف علي الملك مع كونه تحت اليد.

و من البين ان الأول

ليس بمراد قطعا لجواز بيع الغائب اجماعا.

و الثاني خلاف الظاهر، فان بيع المملوك بيع ماله لا بيع ما عنده، فبيع غير المملوك بيع ما ليس له، لا بيع ما ليس عنده.

و الثالث يدفعه استدلال الفقهاء بهذا النبوي علي عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير.

فيتعين الرابع، فيدل علي فساد بيع ما لا يكون مالكا له، و ما لا يقدر علي تسليمه،

فلا بد من اخراج بيع الفضولي عنه بادلته أو بحمله علي النهي المقتضي لفساده بمعني عدم وقوعه لبائعه لو اراد ذلك.

و فيه: ان ارادة القدرة علي التسليم خاصة من التصرفات الخارجية المماسة للعين،

اما وحدها أو مع الملكية خلاف الظاهر، بل اما ان يراد مطلق التصرفات الخارجية أو لا يكون ذلك بالخصوص بمراد، و حيث انه لا يعتبر السلطنة الخارجية المماسة للعين قطعا، فلا يكون ذلك بمراد لا مستقلا و لا ضمنا، بل الظاهر منه ارادة السلطنة الاعتبارية علي التصرفات التسبيبية المعاملية، فيكون اجنبيا عن المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 16

فان البائع في هذه الموارد عاجز شرعا من التسليم و لا رجحان لهذه التخصيصات. فحينئذ لا مانع عن التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه «مراعي بالتمكن منه» في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به.

و قد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضال و المجحود من غير اباق مراعي بإمكان التسليم و احتمله في التذكرة لكن الإنصاف ان الظاهر من حال الفقهاء اتفاقهم علي فساد بيع الغرر بمعني عدم تأثيره رأسا كما عرفت من الإيضاح.

و منها ان لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين الي صاحبه (1) فيجب ان يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع

______________________________

(1) السادس: ما ذكره المصنف قدس سره،

و حاصله: ان لازم العقد وجود التسليم،

و هو مشروط بالقدرة، فمع عدمها لا لزوم للتسليم فيلزم عدم نفوذ العقد، و الا لزم انفكاك اللازم عن الملزوم.

و فيه: انه ان اريد بذلك ان لزوم التسليم من مقتضيات الملك الذي هو مدلول العقد فهو مسلم لوجوب رد المال الي صاحبه، الا ان هذا اللازم ليس لازما لا ينفك، بل هو فرع التمكن منه، و مع عدم التمكن يكون ملكا له لا يجب تسليمه لعدم القدرة.

و ان اريد به انه من مقتضيات اطلاق العقد نفسه، فيرد عليه: ان العقد عبارة عن تمليك العين مثلا لا هو مع اعتبار امر آخر أو تكليف آخر.

و ان اريد به ان الملكية تكون مقيدة بما يتمكن من تسليمه، فيرد عليه: ان التعليق في العقد موجب للبطلان.

و ان اريد به ان لزوم التسليم من احكام العقد من جهة ان التسليم مصداق للوفاء بالعقد الذي وجوبه من احكام العقد، فيرد عليه:

اولا: ان (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» علي ما حققناه في محله يكون ارشادا الي لزوم العقد،

و علي فرض كونه تكليفيا يكون مفاده لزوم العمل بمفاد العقد بعدم فسخه، فعلي كل تقدير لا ربط له بالتسليم.

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 17

و يضعف بانه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا منعنا الملازمة و ان اريد مطلق وجوبه فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن كما لو تجدد العجز بعد العقد. (1) و قد يعترض باصالة عدم تقيد الوجوب، ثمّ يدفع بمعارضته باصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط (2) و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح، (3) فافهم

______________________________

و ثانيا: ان التكليف بالوفاء قد تعلق بالعقد الصحيح، فعدم لزوم الوفاء لعدم القدرة لا يكشف عن

عدم الصحة.

(1) و اجاب المصنف عنه: بانه يضعف بانه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم … متعنا الملازمة مراده: انه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا فعليا بحيث انه ان لم يكن قادرا عليه ينكشف عدم وجود الملزوم، نمنع الملازمة، اي لا دليل علي ان ذلك من لوازم العقد.

و ان كان المراد ان لازمه مطلق الوجوب الملائم مع الوجوب المشروط، فاللازم متحقق في الفرض، و كذلك الملزوم.

قال المصنف: و قد يعترض باصالة عدم تقيد الوجوب، ثمّ يدفع بمعارضته باصالة عدم تقيد البيع.

(2) المعترض، و دافعه، صاحب الجواهر قدس سره.

و حاصل الاعتراض بما ذكره المصنف من الجواب: ان مقتضي اصالة عدم تقيد الوجوب كون اللازم الوجوب المطلق، فمع عدمه ينكشف عدم تحقق الملزوم.

و محصل الدفع: انه معارض باصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط، فان اطلاق ادلة نفوذ البيع يكشف عن عدم اعتبار القدرة في النفوذ، فالحجة علي الاشتراط تعارض الحجة علي عدمه.

(3) و أما ما ذكره المصنف قدس سره من النظر الواضح في الاعتراض و المعارضة، فلعل وجه النظر في الاعتراض انه ان اريد باصالة عدم تقيد الوجوب الأصل العملي- اي اصالة عدم وجوب المقيد-- فيرد عليه: انه معارض باصالة عدم وجوب المطلق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 18

و منها ان الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه و لا يتم الا بالتسليم (1) و يضعفه منع توقف مطلق الانتفاع علي التسليم بل منع عدم كون الغرض منه إلا الانتفاع «بعد التسليم لا الانتفاع» المطلق.

و منها ان بذل الثمن علي غير المقدور سفه فيكون ممنوعا و أكله اكلا بالباطل.

و فيه ان بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها

بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم.

______________________________

و ان اريد به الاصل اللفظي، اي اطلاق دليل الوجوب- فهو مقيد بالقدرة عقلا.

و وجه النظر في الدفع: ان اطلاق دليل المقيد لو سلم لا ريب في حكومته علي اصالة عدم تقيد البيع كما لا يخفي.

(1) السابع: ما ذكره المصنف بقوله: و منها ان الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه، و لا يتم الا بالتسليم …

و فيه: اولا: ان تخلف الأغراض و الدواعي لا يوجب فساد المعاملة و بطلانها.

و ثانيا: ان الغرض من المعاملة ليس هو الانتفاع المطلق، بل الانتفاع علي فرض التسليم.

و ثالثا: نمنع توقف مطلق الانتفاعات حتي التصرفات الاعتبارية علي التسليم.

فتحصل مما ذكرناه: ان دليل اعتبار هذا القيد هو النبوي المشهور:

نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بين الغرر.

هل القدرة شرط أو العجز مانع

و ينبغي التنبيه علي امور:

الأول: هل القدرة علي التسليم شرط كما في التكاليف، ام يكون العجز عنه مانعا؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 19

ثمّ ان ظاهر معاقد الاجماعات كما عرفت كون القدرة شرطا كما (1) هو كذلك في التكاليف و قد اكد الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط (2) و مع ذلك كله فقد استظهر بعض من تلك العبارة ان العجز مانع لا ان القدرة شرط قال: و يظهر الثمرة في موضع الشك، ثمّ ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة و جعله دليلا علي ان القدر المتفق عليه ما إذا تحقق العجز و فيه ما عرفت من ان صريح معاقد الإجماعات خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هي شرطية القدرة ان العجز امر عدمي

لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا ان يقدر.

فكيف يكون مانعا من (3) ان المانع هو الامر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم، ثمّ لو سلم صحة اطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي و لا في غيرهما فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة و العجز مع سبق القدرة فالاصل بقاؤها اولا معه فالأصل عدمها اعني العجز سواء جعل

______________________________

و ملخص القول: ان الكلام في هذا التنبيه يقع في مواضع.

احدها: فيما هو مقتضي كلمات الأصحاب.

ثانيها: في معقولية مانعية العجز و عدمها.

ثالثها: فيما يقتضيه الدليل.

رابعها: في ترتب الثمرة علي هذا النزاع.

(1) اما الأول: فظاهر كلمات القوم حيث قالوا: و من شرائط العوضين القدرة علي التسليم كون القدرة شرطا.

و مورد نزاع المصنف قدس سره و صاحب الجواهر كلام الغنية، و ذيله الذي نقله المصنف قدس سره.

(2) و هو صريح في شرطية القدرة، اللهم الا ان يكون ذلك من كلام المصنف قدس سره.

(3) و أما الثاني فقد ذهب المصنف قدس سره الي عدم معقولية مانعية العجز، من جهة ان العجز امر عدمي لأنه عدم القدرة عمن من شانه ان يقدر، و المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 20

القدرة شرطا أو العجز مانعا و إذا شككنا في ان الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو شككنا في ان المراد بالعجز ما يعم التعسر كما حكي أم خصوص التعذر فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا. (1)

و الحاصل ان التردد بين شرطية الشي ء و مانعية مقابله انما يصح و يثمر في الضدين

مثل الفسق و العدالة لا فيما نحن فيه و شبهه كالعلم و الجهل و أما اختلاف الاصحاب في مسألة الضال و الضالة فليس لشك المالك في القدرة و العجز و مبنيا علي كون القدرة شرطا أو العجز مانعا كما يظهر من ادلتهم علي الصحة و الفساد بل لما سيجي ء عند التعرض لحكمها

______________________________

و فيه: ان المانع في باب العلة و المعلول غير المانع في باب العقود و الإيقاعات كما تقدم، فان المراد به في هذا الباب ما قيد صحة العقد بعدمه، أو حكم بفساد العقد معه،

و حيث ان هذا ممكن فمانعية العجز معقولة.

و أما الموضع الثالث: فالأظهر ان المستفاد من الأدلة مانعية العجز، و ذلك لأن ضم ادلة نفوذ البيع. بقوله صلوات الله عليه: نهي النبي عن بيع الغرر يقتضي ان يكون موضوع النفوذ البيع الذي ليس بغرري- اي لا يكون متصفا به- لا ان الموضوع هو البيع المتصف بما يضاد الغرر كما هو واضح.

(1) و أما الموضع الرابع: ففي المتن ان اللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا و لكن يمكن ان يقال بظهور الثمرة فيما إذا شك في القدرة، فانه علي القول بشرطية القدرة لا بد من احرازها في الحكم بصحة البيع، و أما علي القول بمانعية العجز فيحكم بالصحة، و ان لم يحرز ذلك.

لوجهين: الأول: اصالة عدم المانع: الثاني: قاعدة المقتضي و المانع من جهة ان العقد مقتض و العجز مانع، فإذا شك في المانع مع احراز المقتضي يبني علي تحقق المقتضي بالفتح.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن الشبهة اما موضوعية، أو حكمية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 21

ثمّ ان العبرة في الشرط المذكور انما هو في زمان

استحقاق التسليم (1) فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق و لو حين العقد

______________________________

فان كانت موضوعية فان كانت الحالة السابقة القدرة يبني عليها، و ان كانت هي العجز يبني عليه، و مع عدم احراز الحالة السابقة أو توارد الحالتين لا يجري الأصل الموضوعي و انما يرجع الي اصالة الفساد، من غير من فرق بين المسلكين.

و ان كانت حكمية، كما لو شك في ان الخارج هو العجز المستمر أو العجز في الجملة، أو شك في ان المراد بالعجز ما يشمل التعسر، يرجع الي عمومات الصحة اقتصارا في المخصص علي المتيقن منه.

و بالجملة: بعد كون العجز و القدرة من قبيل العدم و الملكة لا من قبيل السلب و الإيجاب، لا يبقي فرق بين مانعية الأول و شرطية الثانية كما لا يخفي.

و أما الثاني: فلعدم حجيتها اولا و عدم جريانها في الأحكام الشرعية ثانيا لعدم تمييز المقتضي عن المانع و الشرط. هذا كله مضافا الي ان المدرك لاعتبار هذا القيد بما انه النبوي فلا يتصور الشك الموضوعي لتقوم الغرر بالجهل.

المانع هو العجز في زمان الاستحقاق

(1) الثاني: هل العبرة في القدرة علي التسليم هي القدرة في زمان استحقاق التسليم، ام في زمان البيع؟ وجهان.

الظاهر انه لا إشكال كما لا خلاف في ان العبرة في الشرط المذكور انما هو في زمان الاستحقاق من غير فرق بين كون المستند وجوب التسليم، أو نهي النبي عن بيع الغرر، أو لزوم السفاهة مع عدمه، أو عدم الانتفاع، او لا تبع ما ليس عندك.

إذ لا وجوب للتسليم قبل الاستحقاق.

و المعاملة التي يقدر البائع فيها علي تسليم المبيع حال استحقاق المشتري لذلك ليست بغررية فعلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص:

22

و يتفرع علي ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري، (1)

و فيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا كما إذا اشتري من ينعتق عليه فإنه ينعتق بمجرد الشراء و لا سبيل لأحد عليه، (2) و فيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد اما لاشتراط تأخيره مدة و أما لتزلزل العقد كما إذا اشتري فضولا فإنه لا يستحق التسليم إلا بعد إجازة المالك (3) فلا يعتبر القدرة علي التسليم قبلها

______________________________

و الاقدام علي بيع ما يتمكن من تحصيله في حال الاستحقاق ليس اقداما سفهيا،

و لا يترقب الانتفاع من المبيع الا بعد استحقاقه.

و المراد من عدم بيع ما ليس عنده علي فرض دلالته علي هذا الشرط بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع و بحسب المتفاهم العرفي عدم الالتزام بما لا يقدر عليه، و من كان قادرا حين الاستحقاق غير قادر حين البيع لا يكون ملزما علي نفسه بما لا يقدر عليه.

فما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره من انه لو كان المدرك النهي عن بيع ما ليس عنده لا بد من القدرة حال ورود البيع عليه، غير تام، فهذه الكلية لا كلام فيها.

انما الكلام في الفروع التي فرعها المصنف قدس سره علي تلك:

(1) احدها: عدم اعتبارها اصلا إذا كانت العين في يد المشتري.

و فيه: ان عدم اعتبارها في هذا المورد ليس من متفرعات عدم اعتبار القدرة حال البيع، بل لو كانت العبرة بالقدرة حال البيع لم تكن معتبرة في الفرض، لأن التسليم طريق الي وصول المال بيد المشتري، فمع تحقق الوصول لا يعقل استحقاق التسليم.

(2) ثانيها: ما إذا اشتري من ينعتق عليه.

و فيه: ان عدم اعتبارها في المورد انما يكون من جهة عدم دخوله في ملكه أو خروجه

عنه بعد دخوله آنا ما، لا من جهة عدم اعتبار القدرة حين البيع.

(3) ثالثها: ما إذا اشتري فضولا فانه لا يستحق التسلم الا بعد اجازة المالك.

و فيه: ان المعتبر هو قدرة من له العقد لا مجري الصيغة، و حيث ان العقد انما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 23

لكن يشكل علي الكشف من حيث انه لازم (1) من طرف الاصيل فيتحقق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لم يقدر علي تحصيله.

نعم هو حسن في الفضولي من الطرفين و مثله بيع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فكه، (2) بل و كذا لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم (3) لان تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف علي تحققه فلا يلزم غرر و لو تعذر التسليم بعد العقد رجع الي تعذر الشرط. و من المعلوم ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله

______________________________

يستند الي من له العقد- و هو المالك من حين الإجازة لا قبلها- فلو كانت العبرة بالقدرة حال البيع لما كانت معتبرة في بيع الفضولي حال البيع لعدم تحقق بيع المالك قبل الاجازة.

(1) و ربما يشكل علي الكشف من حيث انه لازم من طرف الأصيل.

و الظاهر ان منشأ الإشكال انه علي القول بالكشف إذا كان احد الطرفين اصيلا، بما ان تمام الموضوع لوجوب الوفاء و المؤثر في الملكية هو العقد، فهو من حين البيع الي ما قبل الإجازة محروم عن التصرف في ما انتقل عنه، و ما انتقل إليه. اما في الأول فلخروجه عن ملكه، و أما في الثاني فلأنه لا يجب علي مالكه التسليم فلا يقدر هو علي تحصيله، فيلزم من

ذلك الغرر.

و فيه: ان منشأ الإشكال ان كان حرمانه عن التصرف فيما انتقل إليه فهو يتحقق في الفضولي من الجانبين، و ان كان حرمانه عن التصرف فيما انتقل عنه، فهو لا دخل له بالقدرة علي التسليم و التسلم، كما لا دخل له بالغرر.

(2) رابعها: بيع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فكه.

هذا التفريع حسن من جهة ان المشتري لا يستحق التسليم قبل اجازة المرتهن علي القول بتوقف نفوذه عليها، فلا تعتبر قدرته قبل الإجازة و انما العبرة بالقدرة بعدها،

و ان كان العقد منتسبا الي المالك من حين حدوثه.

(3) خامسها: ما لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 24

فإن الشروط المتأخرة لا يجب احرازها حال العقد و لا العلم بتحققها فيما بعد.

و الحاصل ان تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من احكامه لا من شروط تأثيره و السر فيه ان التسليم فيه جزء الناقل فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور.

و بعبارة اخري الاعتبار بالقدرة علي التسليم بعد تمام الناقل و لهذا لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده و المفروض أن المبيع بعد تحقق الجزء الاخير من الناقل و هو القبض حاصل في يد المشتري فالقبض مثل الاجازة بناء علي النقل و اولي منها بناء علي الكشف. و كذلك الكلام في عقد الرهن فإن اشتراط القدرة علي التسليم فيه بناء علي اشتراط القبض انما هو من حيث اشتراط القبض فلا يجب احرازه حين الرهن و لا العلم بتحققه بعده فلو رهن ما يتعذر تسليمه. ثمّ اتفق حصوله في يد المرتهن اثر العقد اثره و سيجي ء الكلام في باب الرهن. اللهم الا ان يقال ان المنفي في النبوي

هو كل معاملة يكون بحسب العرف غررا. فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف و السلم إذا وقع علي عوض مجهول قبل القبض أو غير مقدور غرر عرفا لأن اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي فيصدق الغرر و الخطر عرفا، و ان لم يتحقق شرعا إذ قبل التسليم لا انتقال و بعده لا خطر لكن النهي و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا. (1)

______________________________

محصل ما افاده في هذا الفرع: انه في بيع السلم بما ان القبض جزء السبب الناقل.

فقبل تسليم المشتري الثمن لا يكون السبب متحققا، فالعجز عن التسليم لا يقدح في الصحة، فلو اتفق حصوله صح البيع.

و بعبارة اخري: قبل ان يقبض الثمن لا يستحق البائع التسليم لأنه جزء المملك،

و بعده التسليم متحقق.

(1) و اورد عليه: بانه قبل القبض البيع العرفي موجود، و البائع بنظرهم يستحق التسليم، فالعجز عنه موجب لكون البيع غرريا عندهم فيشمله نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر، فان الموضوع فيه البيع الغرري العرفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 25

و من هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه لاعن المالك ما لا يقدر علي تسليمه. اللهم الا ان يمنع الغرر العرفي بعد الاطلاع علي كون اثر المعاملة شرعا علي وجه لا يلزم منه خطر، فإن العرف إذا اطلعوا علي انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر اصلا، و هكذا فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة، (1) فتأمل.

ثمّ ان الخلاف في اصل المسألة لم يظهر الا من الفاضل القطيفي (2) المعاصر

للمحقق الثاني.

______________________________

(1) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بان اهل العرف بعد اطلاعهم علي عدم ترتب الأثر شرعا قبل القبض لا يرونه غرريا في

الفرض.

و يمكن الجواب بوجه آخر، و هو: ان دليل اعتبار القبض يكون حاكما علي دليل مانعية الغرر، و يدل علي انه لا غرر في الفرض.

و أما ما افاده المحقق الإيرواني في الجواب عن ذلك: بان ظاهر النبوي ان البيع الذي لو لا الغرر كان صحيحا مؤثرا هو الذي نهي النبي صلي الله عليه و آله عنه إذا كان غرريا،

و البيع في الفرض قبل القبض لا يكون صحيحا، فالغرر فيه لا يكون مانعا.

فيرد عليه: ان دليل كل مانع انما يكون متكفلا لبيان مانعية ذلك الشي ء خاصة، و لا نظر له الي سائر الموانع و الشرائط، و لذا لو فرض اقتران العمل بمانعين لا سبيل الي دعوي عدم مانعية شي ء منهما، مع ان مقتضي البرهان المزبور ذلك، فان دليل كل منهما مقيد علي الفرض بعدم اقتران العمل بمانع آخر، و المفروض اقترانه به. فالحق ما ذكرناه.

(2) التنبيه الثالث: قال ان الخلاف في اصل المسألة لم يظهر الا عن الفاضل القطيفي:

و لكن الظاهر من كلامه انه لا ينكر اعتبار القدرة علي التسليم في الجملة، غاية الأمر انه يلتزم باعتبار امر في خصوص مورد الجهل و عدم الرضا.

و عليه فلا تنافي بين كلمات المصنف قدس سره حيث نفي الخلاف في اول المسألة، و هنا نقل الخلاف عن الفاضل القطيفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 26

حيث حكي عنه انه قال في ايضاح النافع ان القدرة علي التسليم من مصالح المشتري فقط لا انها شرط في اصل صحة البيع فلو قدر علي التسلم صح البيع و ان لم يكن البائع قادرا عليه بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز و ينتقل إليه و لا يرجع علي البائع

لعدم القدرة إذا كان البيع علي ذلك مع العلم فيصح بيع المغصوب و نحوه (1)

نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه ان يقبض عرفا لم يصح المعاوضة عليه بالبيع،

لأنه في معني اكل مال بالباطل و ربما احتمل امكان المصالحة عليه.

و من هنا يعلم ان قوله يعني المحقق في النافع لو باع الآبق منفردا لم يصح انما هو مع عدم رضا المشتري أو مع عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا و لو اراد غير ذلك فهو غير مسلم انتهي.

و فيه ما عرفت من الاجماع و لزوم الغرر الغير المندفع بعلم المشتري لأن الشارع نهي عن الاقدام عليه الا ان يجعل الغرر هنا بمعني الخديعة (2) فيبطل في موضع تحققه و هو عند جهل المشتري و فيه ما فيه.

______________________________

(1) و الظاهر ان المصنف قدس سره فهم من كلام الفاضل القطيفي انه يلتزم باشتراط الصحة بامر لا يجامع العلم و الرضا كعنوان الخدعة.

و بعبارة اخري انه يعتبر في صحة المعاملة القدرة علي التسليم ما لم يعلم المشتري عدم قدرة البائع علي التسليم، و الا فلو علم بذلك و رضي به فلا يعتبر القدرة علي التسليم.

(2) و لذا اورد عليه بان الغرر انما هو في النبوي بمعني الخطر لا الخدعة و لكن يحتمل ان يكون مراده ان القدرة انما تعتبر من ناحية حق تسلم المبيع للمشتري، فإذا علم بعدم القدرة و اقدم علي المعاملة راضيا بها فقد اسقط حقه.

و الجواب عنه: ان الشارع اعتبر القدرة و كون ذلك من قبيل الحق القابل للاسقاط،

غير ثابت، و الأصل يقتضي عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 27

ثمّ ان الظاهر كما اعترف به بعض الاساطين ان القدرة علي التسليم ليست مقصودة

بالاشتراط الا بالتبع و انما المقصد الاصلي هو التسلم (1) و من هنا لو كان المشتري قادرا دون البائع كفي في الصحة كما عن الاسكافي و العلامة و كاشف الرموز و الشهيدين و المحقق الثاني و عن ظاهر الانتصار ان صحة بيع الآبق علي من يقدر علي تسلمه مما انفردت به الامامية و هو المتجه لأن ظاهر معاقد الاجماع بضميمة التتبع في كلماتهم و استدلالاتهم بالغرر و غيره مختص بغير ذلك و منه يعلم ايضا انه لو لم يقدر احدهما علي التحصيل لكن يوثق بحصوله في يد احدهما عند استحقاق المشتري للتسليم كما لو اعتاد الطائر العود صح (2) وفاقا للفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم.

نعم عن نهاية الاحكام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة في الحال علي التسليم و ان عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث، و فيه ان العادة باعثة كالعقل

______________________________

(1) الرابع: الظاهر ان القدرة علي التسليم ليست مقصودة بالاشتراط الا بالتبع و انما المقصد الأصلي هو التسلم كما صرح به العلامة و غيره، و ذلك لأن المستند لاعتبار هذا القيد إن كان نهي النبي عن الغرر، أو لزوم السفاهة مع عدمه، أو كونه اكلا للمال بالباطل فواضح: إذ لا غرر و لا سفاهة و لا أكل للمال بالباطل مع تمكن المشتري من التسلم.

و ان كان لاتبع ما ليس عندك فالوجه فيه: ان الظاهر بقرينة المناسبة بين الحكم و الموضوع كون القدرة علي التسليم انما تعتبر من جهة الطريقة الي وصول المال الي صاحبه، و لا موضوعية لها، نعم إذا كان التسلم متوقفا علي بذل المال، للمشتري الرجوع الي البائع فيه، لأن ذلك وظيفته.

(2) قوله لو لم يقدر

احدهما علي التحصيل لكن يوثق بحصوله …

مرجع الضمير هو ما استدل به علي كفاية القدرة علي التسليم و هو عدم لزوم الغرر و عدم شمول غيره من الادلة الدالة علي المنع لتلك الصورة- فان مقتضاها كفاية الوثوق بحصوله في يد احدهما، لا- كون المناط قدرة المشتري علي التسلم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 28

مع ان الكلام علي تقدير الوثوق و لو لم يقدرا علي التحصيل و تعذر عليهما الا بعد مدة مقدرة عادة، و كانت مما لا يتسامح فيه كسنة أو ازيد. (1) ففي بطلان البيع لظاهر الاجماعات المحكية و لثبوت الغرر أو صحته، لأن ظاهر معقد الاجماع التعذر رأسا. و لذا حكم مدعيه بالصحة هنا، و الغرر منفي مع العلم بوجوب الصبر عليه الي انقضاء مدة، كما إذا اشترط تأخير التسليم مدة وجهان بل قولان، تردد فيهما في الشرائع، ثمّ قوي الصحة و تبعه في محكي السرائر و المسالك و الكفاية و غيرها.

نعم للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة، و لو كان مدة التعذر غير مضبوطة عادة كالعبد المنفذ الي هند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها،

ففي الصحة اشكال من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء لجهالة وقت تسليم العين. و قد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف للوقف المنقطع،

______________________________

فلا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره بان مسألة كفاية الوثوق بالحصول اجنبية عن المسألة السابقة فكيف يعلم منها هذه.

(1) التنبيه الخامس: و لو لم يقدر علي التحصيل و تعذر عليهما الا بعد مدة فان كان التعذر ابديا بطل البيع لما تقدم، و ان كان في مدة يتسامح فيها صح.

و ان كان في مدة لا يتسامح فيها كسنة

أو ازيد.

فان كان مدرك اعتبار هذا الشرط النبوي: نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر.

فالأظهر هي الصحة لما تقدم من انه في صورة العلم بالعجز لا يصدق الغرر، و انما التزمنا بالبطلان في صورة العلم بالعجز الي الأبد للاولوية غير الجارية في الفرض.

كما انه لا تكون هذه المعاملة سفهية و لا أكلا للمال بالباطل.

و ان كان المدرك النبوي: لاتبع ما ليس عندك. تعين البناء علي البطلان من جهة عدم القدرة الا مع شرط تأخير التسليم الي ذلك الزمان، فانه حينئذ يكون قادرا حين الاستحقاق، و قد مر كفاية ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 29

ثمّ ان الشرط هي المقدرة المعلومة للمتبايعين، (1) لان الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية.

و لو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع و تجددها بعد ذلك صح،

و لو لم يتجدد بطل. و المعتبر هو الوثوق، فلا يكفي مطلق الظن و لا يعتبر اليقين.

______________________________

و بذلك ظهر أن المصنف قدس سره يتعين عليه البناء علي البطلان، لأنه قده سلم دلالة هذا النبوي علي اعتبار هذا الأمر، كما انه ظهر أن الأظهر هي الصحة علي المختار.

و ان كان زمان التعذر غير معلوم بطل البيع للغرر.

(1) السادس: هل الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين، أو القدرة الواقعية.

ملخص القول في المقام: انه لا إشكال في البطلان إذا لم يكن قادرا واقعا و كانا عالمين بذلك، كما لا إشكال في الصحة إذا كانا عالمين بالقدرة و كان قادرا واقعا.

انما الكلام فيما إذا كانا عالمين بالقدرة و لم يكن كذلك، أو كانا جاهلين بها و كانت متحققة.

فلو كان الدليل لاعتبار هذا الشرط نهي النبي عن بيع الغرر تعين البناء علي الصحة في الصورة الأولي،

و البطلان في الثانية، من جهة ان الغرر قوامه بالجهل. ففي الأولي لم يقدم البائع علي المعاملة الخطرية بخلاف الثانية.

و ان كان المدرك لاتبع ما ليس عندك انعكس الأمر كما لا يخفي، و حيث انهما معا عند المصنف قدس سره مدرك ذلك تعين عليه البناء علي البطلان في الصورتين.

فما افاده من البطلان في الصورة الثانية لو تبين العجز، تام و لا يرد عليه ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، نعم ما ذكره من الصحة في تلك الصورة لو تجددت القدرة لا يتم، إذ المعاملة بعد وقوعها باطلة لا تصح بالتجدد.

و دعوي ان مدرك البطلان في تلك الصورة لاتبع ما ليس عندك و هو انما يدل علي عدم الصحة ما دام ليس عنده، فلو تجددت و صار مما عنده لا وجه للبطلان.

مندفعة بان المصنف و ان احتمل ذلك، لكنه لم يبن عليه كما يظهر من الفروع التي رتبها علي ان القدرة المعتبرة هي القدرة حال الاستحقاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 30

ثمّ لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لاما إذا وكيلا في مجرد العقد، (1) فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه. و أما لو كان وكيلا في البيع و لوازمه، بحيث يعد الموكل اجنبيا عن هذه المعاملة، فلا اشكال في كفاية قدرته،

و هل يكفي قدرة الموكل الظاهر. نعم (2) مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك، و ربما قيد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي المالك برجوع المشتري عليه (3)

______________________________

حكم ما لو كان الوكيل عاجزا و الموكل قادرا

(1) التنبيه السابع: قال المصنف: ثمّ لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لاما إذا كان وكيلا.

لو كان

المالك هو العاقد بالمباشرة لا إشكال في اعتبار قدرة نفسه.

و لو كان العاقد غيره.

فان كان وكيلا في اجراء الصيغة خاصة فلا اشكال في ان العبرة بقدرة الموكل و لا اعتبار بقدرته، لأنه ليس ملزما بالتسليم، و يكون كالأجنبي، نعم لو علم بقدرته و اعمال قدرته يكتفي بها لا من حيث انها قدرة من يعتبر قدرته بل من حيث الوثوق بحصول المال في يد المشتري الذي عرفت كفايته.

و أما لو كان وكيلا مفوضا في البيع و لوازمه، فلا اشكال في الاكتفاء بقدرة الوكيل من جهة انه ملزم بالتسليم و مأمور بالوفاء بالعقد، و المناط في رفع الغرر قدرة من هو ملزم بالتسليم و مأمور بالوفاء بالعقد.

انما الكلام في ما لو كان عاجزا و كان الموكل قادرا، فيه اقوال:

(2) الأول: ما عن المصنف قس سره و تبعه غيره، و هو الاكتفاء بذلك.

الثاني: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و هو: عدم كفاية قدرته من حيث انها قدرة من ينسب إليه العقد.

(3) الثالث: ما اختاره العلامة الطباطبائي صاحب المصابيح، و هو: الكفاية مع رضا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 31

و فرع علي ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي (1) لان التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الاجازة و قدرة المالك انما تؤثر لو بني العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع، لأن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور و هو غير متحقق في الفضولي و البناء علي القدرة الواقعية باطل، إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية إلي ان قال، و الحاصل ان القدرة قبل الإجازة لم توجد و بعدها ان وجدت لم تنفع.

______________________________

المشتري بالرجوع الي الموكل، و رضا الموكل برجوع

المشتري إليه.

و الأظهر هو الأول، لأن المناط هو ما يرتفع به الغرر، و هو يرتفع بقدرة من هو ملزم بالتسليم، و في الفرض كل من المالك و الوكيل ملزم به، فيكفي قدرة كل منهما في رفع الغرر.

و استدل للثاني: بان الوكيل الذي يستند إليه العقد ليس بقادر، و الموكل انما يجب عليه الوفاء بالعقد الصحيح المنسوب إليه، فلا بد من استجماع البيع الصادر من الوكيل،

و حيث فرضنا انه غير قادر فيبطل البيع.

و فيه: ان كلا منهما مكلف بالوفاء بالعقد الصحيح، و هذا مما لا كلام فيه، و العقد الصادر من الوكيل إذا كان الموكل قادرا علي التسليم صحيح لعدم الغرر و ارتفاعه بقدرته.

و بعبارة اخري: مع قطع النظر عن نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر، هذه المعاملة صحيحة و مستندة الي كل منهما، فكل منهما موظف بالوفاء بها، و لا يلزم منه الغرر لقدرة الموكل علي التسليم.

و استدل للثالث: بان الموكل و ان كان اجنبيا عن البيع- و لذا لا يكفي قدرته فقط- لكنه مع التراضي و التزام الموكل لا غرر في البيع و ان كان الوكيل عاجزا.

(1) و فرع علي ذلك بطلان بيع الفضولي، فان قدرة العاقد لا تكفي لعدم الوكالة و لا تراضي و لا التزام بين المشتري و المالك كي تكفي قدرته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 32

ثمّ قال: لا يقال انه قد يحصل الوثوق للفضولي بارضاء المالك، و انه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة علي التسليم حال العقد، (1) لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الاذن للبيع، غاية الامر حصوله بالفحوي و شاهد الحال، (2) و هما من انواع الاذن، فلا تكون

فضوليا و لا يتوقف صحته علي الاجازة و لو سلمنا بقائه علي الصفة، فمعلوم ان القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم علي هذا الفرض، (3) و فيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثمّ في تفريع الفضولي ثمّ في الاعتراض الذي ذكره ثمّ في الجواب عنه اولا و ثانيا تأمل، بل نظر (4) فتدبر..

______________________________

(1) ثمّ اورد علي هذا التفريع: بانه ربما يحصل للفضولي الوثوق بارضاء المالك فتتحقق له بذلك القدرة علي التسليم حال العقد للقدرة علي الإجازة المحققة لقدرته علي التسليم، و القدرة علي السبب قدرة علي المسبب.

و اجاب عنه بوجهين:

(2) الأول: انه تخرج المعاملة بذلك عن الفضولية لمصاحبة الإذن البيع، غاية الأمر حصوله بالفحوي و شاهد الحال..

(3) الثاني: ان صحة بيع الفضولي في هذه الصورة خاصة لم يلتزم بها احد..

(4) و المصنف قدس سره بعد نقله ذلك قال: و فيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثمّ في تفريع الفضولي ثمّ في الاعتراض الذي ذكره ثمّ في الجواب عنه اولا و ثانيا تأمل بل نظر.

اما وجه النظر في المبني، فهو ما عرفت من ان الموكل ليس اجنبيا عن العقد و ملزم بالتسليم، و العلم بقدرته يكفي في ارتفاع الغرر، و الا فمجرد التراضي لا يوجب رفع الغرر.

و أما وجه النظر في تفريع الفضولي، فهو: ان الفضولي اجنبي عن العقد، و لا يكون العقد تاما و منتسبا الي مالكه الا بعد الإجازة، و لذا بنينا علي كفاية القدرة حال الإجازة،

و عدم اعتبار القدرة حال البيع.

و أما وجه النظر في الاعتراض، فهو: ان قدرة العاقد لا اعتبار بها لعدم كونه مخاطبا بلزوم التسليم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 33

مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا علي المشهور بين علمائنا كما

في التذكرة،

بل (1) إجماعا كما عن الخلاف و الغنية و الرياض، و بلا خلاف كما عن كشف الرموز لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف و مع احتماله بيع غرر منفي اجماعا نصا و فتوي،

خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا، و لعله الاسكافي حيث ان المحكي عنه انه لا يجوز ان يشتري الآبق وحده، الا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع انتهي.

و قد تقدم عن الفاضل القطيفي في ايضاح النافع منع اشتراط القدرة علي التسليم.

و قد عرفت ضعفه لكن يمكن ان يقال بالصحة في خصوص الآبق لحصول الانتفاع به بالعتق، خصوصا مع تقييد الاسكافي بصورة ضمان البائع، فإنه يندفع به الغرر عرفا، لكن سيأتي ما فيه، فالعمدة الانتفاع بعتقه، و له وجه لو لا النص الآتي و الاجماعات المتقدمة، مع ان قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا يخرجه عن الغرر،

و كما لا يجوز جعله مثمنا

______________________________

و أما وجه النظر في الجواب الأول، فهو: عدم خروج المعاملة عن الفضولية بالوثوق بارضاء المالك مع عدم كونه راضيا بالفعل.

و أما وجه النظر في الجواب الثاني: فلم يظهر لي، لأن القائلين بصحة بيع الفضولي لم يقتصروا علي هذه الصورة.

عدم الحاق الصلح بالبيع

(1) التنبيه الثامن: و حيث عرفت اشتراط القدرة علي التسليم في صحة البيع فاعلم: انه لا يجوز بيع الآبق منفردا ان كان انه لو ضم إليه غيره صح بلا خلاف فيهما.

و لا يهمنا البحث في ذلك لعدم الموضوع، و انما نتعرض لخصوص هذه المسألة لما في ذيل هذه من المسائل التي تعرض لها المصنف قدس سره، و سائر الأساطين، و ان لم تكن مربوطة ببيع الآبق بل هي من تذييلات و فروع المسألة المتقدمة.

و هي مسائل.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 5، ص: 34

لا يجوز جعله منفردا ثمنا لاشتراكهما في الأدلة. (1) و قد تردد في اللمعة في جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا، و ان قرب اخيرا المنع منفردا، و لعل الوجه الاستناد في المنع عن جعله مثمنا الي النص و الاجماع الممكن دعوي اختصاصهما بالمثمن دون نفي الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق، و يؤيده حكمه بجواز بيع الضال و المجحود مع خفاء الفرق بينهما و بين الآبق في عدم القدرة علي التسليم،

و نظير ذلك ما في التذكرة حيث ادعي اولا الاجماع علي اشتراط القدرة علي التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر.

ثمّ قال و المشهور بين علمائنا المنع من بيع الآبق منفردا، الي ان قال: و قال بعض علمائنا بالجواز و حكاه عن بعض العامة ايضا، ثمّ ذكر الضال و لم يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا أو اشتراطه الضميمة، فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر،

و التوجيه يحتاج إلي تأمل..

______________________________

(1) الاولي: انه يختص اعتبار القدرة علي التسليم بالمثمن، بل هو يعتبر في الثمن ايضا لاشتراك الأدلة بينهما، فكما انه من عدم احراز القدرة علي تسليم المثمن يلزم الغرر،

كذلك يلزم الغرر من عدم احراز القدرة علي تسليم الثمن.

الثانية: في الحاق سائر المعاملات بالبيع.

و الكلام تارة: في غير الصلح.

و اخري: فيه.

اما في غير الصلح: فالأظهر اعتبارها لوجهين:

احدهما: ان المستفاد من نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر بمناسبة الحكم و الموضوع ان الموجب للبطلان هو الغرر من حيث انه غرر بلا خصوصية للبيع.

ثانيهما: ما ارسل عن النبي صلي الله عليه و آله انه نهي عن الغرر، «1» المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب لاستدلالهم في جميع المعاوضات كالإجارة و

المزارعة و المساقاة و الجعالة و غيرها، بل في غير المعاوضات كالوكالة بذلك.

______________________________

(1) التذكرة ج 1 ص 466- مسألة بيع الطير في الهواء- و نحوه عن الشهيد- و سبقهما الشيخ في الخلاف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 35

و كيف كان فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه. فيعتبر فيه القدرة علي التسليم (1) وجهان، بل قولان من عمومات الصلح و ما علم من التوسع فيه لجهالة المصالح عنه إذا تعذر أو تعسر معرفته. بل مطلقا (2) و اختصاص الغرر المنفي بالبيع،

و من ان الدائر علي ألسنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع حتي انهم يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات، كالاجارة و المزارعة و المساقاة و الجعالة. بل قد يرسل في كلماتهم عن النبي صلي الله عليه و آله انه نهي عن الغرر.

و قد رجح بعض الاساطين جريان الاشتراط فيما لم يبن علي المسامحة من الصلح، و ظاهر المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر علي تسليمه علي القول بعدم اشتراط القبض في الرهن جواز الصلح عليه..

______________________________

(1) و أما في الصلح: فالأظهر عدم اعتبارها و ذلك لوجهين:

الأول: ان دليل الغرر انما يكون حاكما علي ادلة المعاملات التي لها صنفان غرري و غير غرري..

(2) و أما الصلح الذي ليس له صنفان- بل هو بطبعه مبني علي المسامحة و المسالمة و التجاوز من جهة ان الغرض فيه ليس متقوما بالمبادلة و المقابلة- فلا يكون دليل الغرر حاكما عليه، بل هو حاكم علي دليل الغرر.

الثاني: صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام): انه قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه،

فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك و لي ما عندي، فقال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت انفسهما «1»

فانه يدل علي عدم مانعية الجهالة المحققة للغرر، و هو و ان لم يصرح فيه بارادة الصلح من تلك المعاهدة، الا انه محمول عليه بقرينة فهم الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل،- باب 5- من ابواب احكام الصلح حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 36

و أما الضال و المجحود و المغصوب و نحوها مما لا يقدر علي تسليمه فالأقوي فيها عدم الجواز (1) وفاقا لجماعة للغرر المنفي المعتضد بالاجماع المدعي علي اشتراط القدرة علي التسليم، الا ان يوهن بتردد مدعيه، كالعلامة في التذكرة في صحة بيع الضال منفردا و يمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض مضمونا علي البائع.

و أما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به، فهو ضرر قد اقدم عليه، و جهالته غير مضرة مع امكان العلم بتلك المدة، (2) كضالة يعلم انها لو لم توجد بعد ثلاثة ايام فلن توجد بعد ذلك و كذا في المغصوب و المنهوب.

و الحاصل انه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه في حكم التلف المقتضي لانفساخ البيع من اصله، و فرض عدم تسلط البائع علي مطالبته بالثمن، لعدم تسليم المثمن، فإنه لا خطر حينئذ في البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها هذا

______________________________

بيع الضال و المجحود و المغصوب

(1) الثالثة: ان مقتضي نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر، عدم جواز بيع الضال و المجحود و المغصوب كما افتي به جماعة. و بعبارة اخري: مقتضاه عدم الفرق بين المتعذر بنفسه، و ما تعذر بواسطة الغير و عن جماعة: الجواز،

و استدل له بوجوه:

احدها:

انه بالفحص عنه اما ان يحصل في يده أو ييأس منه. فان حصل، و الا فهو في حكم التلف الموجب لانفساخ العقد من اصله الموجب لرجوع الثمن الي صاحبه، فهذا البيع مامون العاقبة من الخطر..

(2) و أما فوات المنفعة مدة رجاء الظفر به فهو ضرر قد اقدم عليه، و جهالته غير مضرة خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها.

و فيه: اولا: انه مع عدم الحصول لا يحرز اليأس دائما، بل ربما يرجي حصوله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 37

و لكن يدفع جميع ما ذكر ان المنفي في حديث الغرر كما تقدم، هو ما كان غررا في نفسه عرفا، مع قطع النظر عن الاحكام الشرعية الثابتة للبيع، و لذا قوينا فيما سلف جريان نفي الغرر في البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم.

و من المعلوم ان بيع الضال و شبهه، ليس محكوما عليه في العرف بكونه في ضمان البائع، بل يحكمون بعد ملاحظة اقدام المشتري علي شرائه بكون تلفه منه،

فالانفساخ بالتلف حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي ليس في نفسه غررا عرفا و مما ذكر يظهر انه لا يجدي في رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعي بالتسليم،

فإن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به و الا تخير بين الفسخ و الامضاء، كما استقر به في اللمعة، (1) فإن ثبوت الخيار حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي فرض فيه العجز عن تسلم المبيع،

______________________________

و ثانيا: ان كون ذلك بمنزلة التلف الموجب لانفساخ العقد غير ثابت.

و ثالثا: ان الحكم بالانفساخ مرتب علي العقد الصحيح، فلا يمكن تصحيح العقد به.

و رابعا: ان الخطر من حيث الغرض المعاملي علي حاله لا يرتفع بالانفساخ.

(1) ثانيها: انه مع تعذر تسليمه له خيار

التعذر، فالصحة تكون مراعاة بالتسليم،

فان تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به فيها و الا تخير بين الفسخ و الإمضاء فلا غرر.

و فيه: اولا: ان الخيار مرتب علي العقد الصحيح، فلا يعقل تصحيح العقد به.

و ثانيا: ان الغرر من ناحية الغرض المعاملي لا يرتفع بذلك.

ثالثها ان له الامتناع من تسليم الثمن مع امتناع البائع من تسليم المبيع فلا خطر و فيه مضافا الي ما تقدم- ان الامتناع من تسليم الثمن مع عدم كونه مالكا له لا يوجب تدارك ما ذهب من ملكه- فالاظهر هو فساد بيعه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 38

فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع المبطل له، لكن قد مرت المناقشة في ذلك بمنع اطلاق الغرر علي مثل هذا بعد اطلاعهم علي الحكم الشرعي اللاحق للمبيع من ضمانه قبل القبض و من عدم التسلط علي مطالبته الثمن، فافهم.

و لو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد، فباعه علي ان يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده الي ثلاثة ايام، امكن جوازه لعدم الغرر حينئذ عرفا، (1) و لذا لا يعد بيع العين الغير المرئية الموصوفة بالصفات المعينة من بيع الغرر، لأن ذكر الوصف بمنزلة اشتراطه فيه الموجب للتسلط علي الرد، و لعله لهذا اختار في محكي المختلف تبعا للإسكافي جواز بيع الآبق إذا ضمنه البائع، فإن الظاهر منه اشتراط ضمانه، و عن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه، و ان كان قد يرد علي هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان، فتأمل.

______________________________

(1) رابعها: ان له شرط الخيال برد الثمن أو مثله إذا لم يحصل المبيع في يده الي ثلاثة ايام.

و فيه: اولا: ان نفوذ الشرط منوط بوقوعه في العقد الصحيح،

فلا يصحح العقد به.

و ثانيا: ان الغرر الناشئ من حيث الغرض المعاملي لا يرتفع بذلك.

الرابعة المشهور بين الاصحاب انه كما لا يجوز بيع غير المقدور منفردا لا يجوز بيعه منضما بغيره و عن ظاهر الانتصار جوازه.

و يشهد للاول ان بيع المجموع من مقدور التسليم و غيره في صفقة واحدة غرري،

و ما عن الانتصار من ارتفاع الغرر بذلك ضعيف.

و اضعف منه الاستدلال بالنص الوارد في بيع العبد الآبق الدال علي جوازه مع الضميمة إذ المناط غير محرز و التعدي يحتاج الي دليل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 39

مسألة: المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا، (1)

فلو باع بحكم احدهما بطل (2) اجماعا كما عن المختلف و التذكرة، و اتفاقا كما عن الروضة و حاشية الفقيه للسلطان، و في السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري ابطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن. فإنه باطل بلا خلاف بين المسلمين، و الأصل في ذلك حديث نفي الغرر المشهور بين المسلمين.

و يؤيده التعليل (3) في رواية حماد بن ميسرة عن جعفر عن ابيه عليه السلام انه كره ان يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم.

______________________________

اعتبار العلم بقدر الثمن

(1) قوله المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا لم يخالف في هذه الكلية احد و قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع و الاتفاق عليها.

(2) و صاحب الحدائق خالف الاصحاب في خصوص ما إذا باع بحكم المشتري للنص.

و الاسكافي خالفهم في ما إذا باع بسعر ما باع:

و المدرك لها حديث نفي الغرر المتقدم و في المتن.

(3) و يؤيده التعليل في رواية حماد «1»

و في مرآة العقول ان الخبر يحتمل وجهين، احدهما ان يكون المراد عدم معلومية نسبة الدرهم الي الدينار وقت البيع و ان كان آئلا

الي المعلومية و ثانيهما، ان يكون المراد جهالتهما بسبب اختلاف الدراهم أو باختلاف الدنانير و عدم معلوميتها عند البيع أو عند وجوب اداء الثمن و لعل هذا اظهر يعني الوجه الثاني.

ثمّ نقل عن المسالك انه يجب تقييد الخبر بجهالة نسبة الدرهم من الدينار بان جعله مما يتجدد من النقل حالا أو مؤجلا أو من الحاضر مع عدم علمها بالنسبة فلو علماها صح و في رواية السكوني «2» اشارة الي ان العلة هي الجهالة، و فيها فلعل الدينار يصير بدرهم

______________________________

(1) الوسائل باب 23 من ابواب احكام العقود حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 40

لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة، قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام فقلت له: ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي فقبضتها منه، ثمّ بعثت إليه بالف درهم فقلت له: هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها، فأبي ان يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بالف درهم، فقال: اري ان تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن كان قيمتها اكثر مما بعثتها إليه كان عليك ان ترد ما نقص من القيمة، و ان كان قيمتها اقل مما بعثت إليه فهو له قال: قلت له أ رأيت ان اصبت بها عيبا بعد ان مسستها، قال:

ليس عليك ان تردها عليه و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب، لكن التأويل فيها متعين (1) لمنافاة ظاهرها لصحة البيع، و فساده فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع، إذ لو كان صحيحا لم يكن معني لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص.

نعم هي محتاجة الي ازيد من هذا التأويل بناء علي القول بالفساد بأن يراد

من قوله باعنيها بحكمي قطع المساومة علي ان اقومها علي نفسي بقيمتها العادلة في نظري حيث ان رفاعة كان نخاسا يبيع و يشتري الرقيق فقومها رفاعة علي نفسه بألف درهم. اما معاطاة و أما مع انشاء الايجاب وكالة و القبول اصالة، فلما مسها و بعث الدراهم لم يقبلها المالك لظهور غبن له في البيع و ان رفاعة مخطئ في القيمة، أو لثبوت خيار الحيوان للبائع علي القول به

______________________________

و قد استدل صاحب الحدائق رد لما ذهب إليه بصحيح «1» رفاعة النخاس المذكور في المتن.

(1) و اورد عليه المصنف قدس سره: بان التأويل فيه متعين لمنافاة ظاهره لصحة البيع و فساده، إذ لو كان البيع صحيحا لزم تعين المسمي دون القيمة الواقعية، فلما ذا امر (عليه السلام) بتقويم الجارية بقيمة عادلة؟ و ان كان فاسدا فلما ذا حكم بتعين ما بعث إليه ان كانت القيمة الواقعية اقل؟ و لهذا التزم بانه يحمل علي ارادة التوكيل في التقويم و البيع بعده بما يتعين في نظره لا بالقيمة الواقعية، و الأمر برد ما نقص انما هو من جهة خيار الغبن، فكما انه إذا عين الموكل القيمة فظهر الغبن له الخيار كذلك إذا عينها الوكيل، و انما عين ذلك من جهة انه حيث لا حاجة للموكل في الجارية و الوكيل محتاج إليها

______________________________

(1) الوسائل- باب 18- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 41

و قوله ان كان قيمتها اكثر فعليك ان ترد ما نقص اما ان يراد به لزوم ذلك عليه من باب ارضاء المالك إذا اراد امساك الجارية. حيث ان المالك لا حاجة له في الجارية،

فيسقط خياره ببذل التفاوت. و أما ان يحمل علي حصول

الحبل بعد المس فصارت ام ولد، و تعين عليه قيمتها إذا فسخ البائع، و قد يحمل علي صورة تلف الجارية و ينافيه قوله فيما بعد فليس عليك ان تردها، الي آخره.

و كيف كان، فالحكم بصحة البيع بحكم المشتري و انصراف الثمن الي القيمة السوقية لهذه الرواية، كما حكي عن ظاهر الحدائق ضعيف، و اضعف منه ما عن الاسكافي من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت، و يكون للمشتري الخيار و يرده ان البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره الخيار.

و أما بيع خيار الرؤية فذكر الاوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر كما تقدم، عند حكاية قول الاسكافي في مسألة القدرة علي التسليم.

______________________________

فيسقط خياره ببذل التفاوت أو يحمل علي حصول الحبل بعد المس فصارت ام ولد.

و اجيب عن ذلك بجوابين:

احدهما: ما افاده المحقق الإيرواني قدس سره، و هو: ان ما ذكره يتم لو كان المراد من البيع بحكم المشتري في الرواية البيع بتعيينه المطلق، اما إذا كان المراد تعيينه لقيمة المثل و يكون تعيينه طريقيا محضا لا موضوعيا فيكون المراد من البيع بحكمه هو البيع بقيمة المثل من غير دخل لحكمه علي وجه الموضوعية، فلا حاجة الي التأويل، بل تنطبق الرواية علي القاعدة.

و فيه: - مضافا الي انها لا تنطبق علي القاعدة إذ مقتضي القاعدة هو الفساد مع عدم العلم بقيمة المثل للغرر: ان ما افاده يستلزم استرجاع الزائد ان كانت قيمتها اقل مما بعثه إليه، فهذا لا يلائم مع حكمه بعدم الرجوع الي الزائد.

ثانيهما: انه يحمل علي ارادة تعيينه بحكمه و ان تعيينه يكون موضوعيا، و لكن يشترط ان لا يكون اقل من قيمة المثل، و عليه فلو كانت

القيمة السوقية اقل كان ما بعثه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 42

مسألة: العلم بقدر المثمن كالثمن شرط (1)
اشارة

باجماع علمائنا كما عن التذكرة،

و عن الغنية العقد علي المجهول باطل، بلا خلاف.

و عن الخلاف ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا و ان شوهد اجماعا.

و في السرائر ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف و الأصل في ذلك ما تقدم من النبوي المشهور (2) و في خصوص الكيل و الوزن خصوص الأخبار المعتبرة (3)

منها صحيحة الحلبي في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، ثمّ ان صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال لا يصلح إلا بكيل. قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام و في رواية الفقيه فلا يصح بيعه مجازفة و الإيراد علي دلالة الصحيحة

______________________________

إليه له و لو كانت ازيد لا بد من رد الزائد لاشتراطه و فيه: انه خلاف الظاهر جدا و ان تم ما افاده المصنف قدس سره و لم نورد عليه: بان متعلق الوكالة ان كان هو البيع بقيمة المثل خاصة كان البيع بغيرها فضوليا و ان كان عاما لغيرها لم يكن وجه لثبوت خيار الغبن- و ايضا لا وجه لسقوط الخيار بمجرد بذل التفاوت.

و الا فيرد الصحيح الي اهله و علي أي تقدير لا يمكن الاستدلال به علي الصحة.

عدم صحة بيع ما يكال أو يوزن جزافا

(1) لا خلاف و لا إشكال في انه اشترط في المبيع ان يكون معلوما فلا يجوز بيع المكيل و الموزون و المعدود الا مع معرفة المقدار باحدها فلا يباع المكيل و الموزون و المعدود جزافا و

لو كان مشاهدا كالصبرة، و لا بمكيال مجهول كقصعة حاضرة و لا العدد المجهول كمل ء اليد و نحوها بلا خلاف، و عن غير واحد: دعوي الإجماع عليه.

(2) و يشهد له حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر «1»

(3) و جملة من النصوص: منها صحيح الحلبي «2» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

(2) باب 4 من ابواب عقد البيع حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 43

بالاجمال (1) و باشتمالها علي خلاف المشهور من عدم تصديق البائع (2) غير وجيه لأن الظاهر من قوله سميت فيه كيلا انه يذكر فيه الكيل فهي كناية عن كونه مكيلا في العادة. اللهم إلا ان يقال: ان توصيف الطعام بكونه كذلك الظاهر في التنويع مع انه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن إلا في مثل الزرع قائما، يبعد إرادة هذا المعني، فتأمل.

و أما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول علي شرائه سواء زاد أو نقص خصوصا إذا لم يطمئن بتصديقه لا شرائه علي انه القدر المعين الذي اخبر به البائع،

فإن هذا لا يصدق عليه الجزاف، قال في التذكرة: لو اخبره البائع بكيله ثمّ باعه بذلك الكيل صح عندنا.

و قال في التحرير لو اعلمه بالكيل فباعه بثمن سواء زاد أو نقص لم يجز.

______________________________

و اورد عليه بايرادات:

(1) الأول: ان قوله (عليه السلام): و ما كان من طعام سميت فيه كيلا … الخ مجمل،

إذ لو كان المراد به ما بيع بكيل فما معني لا يصح مجازقة؟ و ان كان المراد به ما من شانه ان يباع بكيل- اي يقال انه مكيل و يكون الخطاب الي الراوي بما هو من اهل العرف و

العادة- فلازمه تنويع الطعام، مع انه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن.

و فيه: انه يمكن اختيار الشق الثاني واخذ القيد توضيحيا، أو بان يقال ان من الطعام ما هو مكيل و منه ما هو موزون و لو في بعض البلدان، فيكون مفاد قوله (عليه السلام) ذلك، ان ما يكون من الطعام مكيلا انما اعتبر فيه الكيل من جهة انه لا يصلح بيعه مجازفة،

و لازم ذلك جواز بيعه بالوزن.

(2) الثاني: ان الخبر مخالف لفتوي المشهور، فانهم افتوا بتصديق البائع في اخباره بان كيل المبيع كذا، و هذا الصحيح يدل علي انه لا يعتمد عليه.

و فيه: انه في تلك المسألة انما يلتزمون بالصحة إذا وقع البيع علي ما اخبر به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 44

و أما نسبة الكراهة الي هذا البيع فليس فيه ظهور في معني المصطلح يعارض ظهور لا يصلح و لا يصح في الفساد. (1)

و في الصحيح عن ابن محبوب عن زرعة عن سماعة، قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن بغير كيل و لا وزن، فقال: اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن تشتري منه مرابحة، فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله أو لم تزنه إذا اخذه المشتري الأول بكيل أو وزن، و قلت له عند البيع إنّي أربحك كذا و كذا (2)

و دلالتها أوضح من الاولي.

______________________________

بعنوان ان كيله ما اخبر به و انه لو نقص يأخذ الزائد و لو زاد يرده، لا بيعه بما اخبر به سواء زاد أو نقص كما هو ظاهر الخبر، مع انه في تلك المسألة يعتبرون كون البائع مؤتمنا.

الثالث: ما ذكره جماعة منهم المحقق الإيرواني قدس سره، و

هو: ان المراد من قوله: و ما كان من الطعام سميت … الخ ان البيع إذا انعقد بعنوان الكيل كما إذا بيع منا من الحنطة- يعتبر الكيل في مقام التسليم صونا عن التعقب بالنزاع و المشاجرة- فهو اجنبي عن المقام.

و فيه: ان هذا خلاف الظاهر، فانه يتوقف علي تقدير كلمة قبضه أو تسليمه بعد قوله فانه لا يصلح كما لا يخفي، و هو خلاف الظاهر.

(1) الرابع: ان قوله (عليه السلام) هذا مما يكره من بيع الطعام ظاهر في عدم الفساد.

و فيه: ان الكراهة في النصوص غير ظاهرة في الكراهة المصطلحة، بل ظاهرها المنع،

مع انه لو سلم الإجمال و عدم ظهورها في ذلك بكون المرجع قوله عليه السلام لا يصلح مجازفة، بل المحكي عن الفقيه فلا يصح مجازفة.

فالأظهر دلالة الصحيح علي اعتبار الكيل في المكيل.

(2) و منها: موثق سماعة: «1» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 45

و رواية ابان عن محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله قال: لا بأس، قلت: أ يجوز ان ابيعه كما اشتريت بغير كيل، قال: اما انت فلا تبعه حتي تكيله دلت علي عدم جواز البيع بغير كيل إلا، إذا أخبره البائع فصدقه (1) و فحوي مفهوم رواية أبي العطارد و فيها قلت: فأخرج الكر و الكرين فيقول الرجل اعطنيه بكيلك فقال: إذ ائتمنك فلا بأس به، و مرسلة ابن بكير عن رجل سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل، فقال: أما ان يأخذ كله بتصديقه،

و أما ان يكيله كله فإن المنع من التبعيض المستفاد منه ارشادي محمول علي انه ان صدقه فلا حاجة الي كلفة كيل البعض و الا فلا يجزي كيل البعض، و يحتمل الرواية الحمل علي استيفاء المبيع بعد الاشتراء، و كيف كان. ففي مجموع ما ذكر من الاخبار و ما لم يذكر مما فيه ايماء الي المطلب، من حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند السائل و تقرير الامام كما في رواية كيل ما لا يستطاع عده و غيرها، مع ما ذكر من الشهرة المحققة

______________________________

وارد عليه المحقق الأصفهاني قدس سره: بان مورد الاستدلال.

ان كان هي الشرطية الأولي و هي قوله: فلا بأس ان اشتريته … الخ فمن الواضح ان نفي البأس عن اشترائه بلا كيل و لا وزن لا مفهوم له الا بلحاظ موضوع الشرطية و هو طعام قد كيل أو وزن، و هو من مفهوم الوصف.

و ان كان هي الشرطية الثانية و هي قوله: إذا اخذه المشتري الأول … الخ فمن البين انه تقرير لصدر الخبر حيث قال تاتي رجلا في طعام قد كيل و وزن و الشرطية إذا كانت لتحقيق الموضوع أو لتقريره لا مفهوم لها، فلا مفهوم في القضية الا مفهوم الوصف.

و فيه: انه يدل علي المفهوم من جهة وروده في مقام التحديد كما يظهر من ملاحظة السؤال و الجواب.

(1) و منها خبر «1» محمد بن حمران، و فحوي خبر «2» ابي العطارد، و مرسل «3» ابن بكير، المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الوسائل باب 5 من ابواب عقد البيع حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 6.

(3) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 46

و الاتفاقات المنقولة كفاية في المسألة، ثمّ ان ظاهر اطلاق

جميع ما ذكر ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي (1) و ان كان حكمته سد باب المسامحة المفضية الي الوقوع في الغرر، كما ان حكمة الحكم باعتبار بعض الشروط في بعض المعاملات رفع المنازعة المتوقعة عند اهمال ذلك الشرط، فحينئذ فيعتبر التقدير بالكيل و الوزن و ان لم يكن في شخص المقام غرر، كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه أو غيره (2) المتساوي له في القيمة فانه لا يتصور هنا غرر اصلا مع الجهل بمقدار كل من العوضين، و يحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الاخبار علي المورد الغالب، و هو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا علي التقدير فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفي

______________________________

و منها: غير ذلك من النصوص.

و لا يخفي ان ظاهر هذه النصوص اعتبار الكيل و الوزن في المكيل و الموزون، سواء ألزم من تركهما الغرر ام لا؟ كما ان مقتضي حديث نفي الغرر مانعية الغرر الشخصي، سواء أ كان العوض مما يكال أو يوزن ام لا، فالنسبة بينهما عموم من وجه، و حيث انهما مثبتان لا تنافي بينهما فيتعين العمل بالدليلين و البناء علي اعتبار الكيل و الوزن في المكيل و الموزون،

مع عدم كون البيع غرريا.

(1) قوله ظاهر اطلاق جميع ما ذكر ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخص لا إشكال في ان الغرر في حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر شخصي و ما لم يصر الغرر فعليا لا يترتب عليه حكمه كما في ساير العناوين المأخوذة موضوعا.

و أما في اخبار الكيل و الوزن فلم يؤخذ عنوان الغرر كي يصح ما ذكره المصنف قدس سره من ابتناء

الصحة و الفساد في الفروع التي ذكرها علي كون الحكم منوطا بالغرر الشخصي أو النوعي فما ذكره قدس سره من المبني لا أصل له.

(2) قوله كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه يدل علي فساد البيع في الفرض مضافا الي ادلة اعتبار الكيل حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر فانه و ان لم يلزم الغرر من حيث المالية الا انه يلزم من حيث الغرض المعاملي: إذ الاغراض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 47

كما في الفرض المزبور، و كما إذا كان للمتبايعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع، و كما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وزن الميزان لمثله كما لو دفع فلسا و اراد به رهنا لحاجة. فان الميزان لم يوضع لمثله فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين (1) و لا منافاة بين كون الشي ء من جنس المكيل و الموزون، و عدم دخول الكيل و الوزن فيه لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد كما نبه عليه في القواعد و شرحها و حاشيتها، و مما ذكرنا يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة،

فإنها و إن كانت من الموزون و لذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها الا انها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود في ان معرفة مقدار ماليتها لا يتوقف علي وزنها، فهي كالقليل و الكثير من الموزون الذي لا يدخله الوزن. و كذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس و الفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان، و كذا الدرهم و الدينار الخالصان،

فإنهما و ان كانا من الموزون و يدخل فيهما الربا اجماعا الا ان ذلك لا ينافي جواز جعلهما

عوضا من دون معرفة بوزنهما لعدم غرر في ذلك اصلا

______________________________

المعاملية و المقاصد العقلائية كما تختلف باختلاف الاجناس ذاتا أو وصفا كذلك تختلف باختلاف الحدود و المقادير من حيث الاحتياج الي مقدار خاص بلا نظر الي القيمة السوقية.

(1) و علي ما ذكرناه فان لم يكن المبيع مكيلا أو موزونا- لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد-، أو كان مكيلا و موزونا و لكن كان للمتبايعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع، أو كان الشي ء في اصله كذلك و لكن كان ماليته بالعرض تابعة لاعتبار من بيده زمام الأمر بلا دخل للمقدار فيها كالمسكوكات- غير ما هو من الذهب و الفضة و الأوراق المطبوعة- صح البيع بلا كيل و لا وزن ان لم يلزم الغرر الشخصي كما هو المفروض.

اما في الأول: فلعدم شمول ادلة الكيل و الوزن له و انصرافها عنه.

و أما في الثاني: فلأن الكيل و الوزن انما اعتبرا من جهة الطريقية الي معرفة المقادير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 48

لعدم غرر في ذلك اصلا.

و يؤيد ذلك جريان سيرة الناس علي المعاملة بهما من دون معرفة اغلبهم بوزنهما.

نعم يعتبرون فيهما عدم نقصانهما عن وزنهما المقرر في وضعهما من حيث تفاوت قيمتهما بذلك. فالنقص فيهما عندهم بمنزلة العيب. و من هنا لا يجوز اعطاء الناقص منهما لكونه غشا و خيانة. و بهذا يمتاز الدرهم و الدينار عن الفلوس السود و شبهها، حيث أن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها، فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه و إلي ما ذكرنا من الفرق. اشير في صحيحة ابن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشتري الشي ء بالدراهم فاعطي الناقص الحبة و الحبتين، قال: لا

حتي تبينه، ثمّ قال: الا ان تكون هذه الدراهم إلا و ضاحية التي تكون عندنا عددا. (1)

و بالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله مدار الغرر الشخصي قريب في الغاية إلا ان الظاهر كونه مخالفا لكلمات الأصحاب في موارد كثيرة.

______________________________

و الحدود لا لخصوصية فيهما بالخصوص، كما يشهد له- مضافا الي مناسبة الحكم و الموضوع- ما دل علي الاعتماد علي اخبار البائع بالكيل أو الوزن، و قوله عليه السلام في ذيل الصحيح المتقدم فانه لا يصلح مجازفة الدال علي ان المانع هو البيع جزافا. فإذا كان الحدس موجبا للاطمئنان كفي.

و أما في الثالث: فلعدم كونه مكيلا و لا موزونا.

هذا كله في المكيل و الموزون.

(1) قوله و إلي ما ذكرنا من الفرق اشير في صحيحة ابن عبد الرحمن «1» رواها في المتن و يمكن ان يكون وجه الفرق ان الدراهم الوضاحية هي الدراهم الصحيحة فلا تكون هي ناقصة بما لا يتسامح فيه فلا بأس باعطائها من دون التبيين.

______________________________

(1) الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 49

ثمّ ان الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون بلا خلاف ظاهر، (1) و يشير إليه بل يدل عليه تقرير الامام في الرواية الآتية، المتضمنة لتجويز الكيل في المعدود المتعذر عده، (2) و يظهر من المحكي عن المحقق الاردبيلي المناقشة في ذلك، بل الميل الي منعه، و جواز بيع المعدود مشاهدة، و يرده رواية الجوز الآتية، و المراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها باعدادها، كالجوز و البيض بخلاف مثل الشاة و الفرس و الثوب وعد العلامة البطيخ و الباذنجان في المعدودات حيث قال في شروط السلم من القواعد: و لا يكفي

في السلم و صحته العد من المعدودات بل لا بد من الوزن في البطيخ و الباذنجان و الرمان، و انما اكتفي بعدها في البيع للمعاينة، انتهي.

و قد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ و الرمان إذا كان رطبا، لعدم الوزن و ثبوته مع الجفاف، بل يظهر منه كون القثاء و الخوخ و المشمش أيضا غير موزونة،

و كل ذلك محل تأمل لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن.

فالظاهر ان تقدير المال عرفا في المذكورات بالوزن لا بالعدد كما في الجوز و البيض.

______________________________

(1) و أما المعدود فالمشهور بين الأصحاب لزوم معرفة العدد كما مر، و عن مجمع البرهان: انه لا دليل علي عدم جواز بيع المعدود الا عدا و ان الأصل و العمومات و حصول التراضي- الذي هو العمدة في الدليل- دليل قوي، فاثبات خلافه مشكل.

(2) و لكن الذي يظهر من صحيح الحلبي عن مولانا الصادق عليه السلام عن الجواز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ثمّ يعد ما فيه ثمّ يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال.

عليه السلام): لا بأس به «1»

من جهة ظهوره في اعتقاد السائل، لزوم العد، و تقريره (عليه السلام) ذلك- هو لزوم العد، و به تقيد اطلاقات الأدلة.

بيع المكيل بالوزن، و العكس

و استقصاء الكلام في المقام انما يكون ببيان امور:

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 50

مسألة: [التقدير بغير ما يتعارف التقدير به]
اشارة

لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل و الموزون و المعدود بما يتعارف التقدير به هو حصول الغرر الشخصي، فلا اشكال في جواز تقدير كل منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفي الغرر بذلك (1) بل في كفاية المشاهدة فيها من غير

تقدير أصلا. لكن تقدم ان ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدي الي التنازع المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في اكثر المعاملات زيادة علي التراضي الفعلي حال المعاملة، و حينئذ فيقع الكلام و الاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه.

فنقول اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس و عدمه، علي أقوال ثالثها جواز المكيل وزنا دون العكس، لأن الوزن أصل الكيل و اضبط، و إنما عدل إليه في المكيلات تسهيلا، فالمحكي عن الدروس في السلم جوازه مطلقا، حيث قال و لو أسلم في المكيل وزنا و بالعكس فالوجه الصحة لرواية وهب عن الصادق عليه السلام،

و كأنه أشار بها إلي رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (صلوات الله عليهم) قال لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن.

و لا يخفي قصور الرواية سندا بوهب و دلالة بأن الظاهر منها جواز أسلاف الموزون في المكيل و بالعكس، لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن و بالعكس، و يعضده ذكر

______________________________

(1) الأول: في تقدير كل من المقدرات بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفي الغرر بذلك.

و الكلام فيه في موردين:

(1) في بيع المكيل وزنا و بالعكس، و قد اختلفوا فيه علي اقوال.

ثالثها: التفصيل بين بيع المكيل بالوزن فيصح، و بين بيع الموزون بالكيل فلا يصح.

رابعها: التفصيل بين جعل كل من التقديرين طريقا الي التقدير المعتبر في المبيع في نفسه فيصح، و بين ملاحظته مستقلا فلا يصح.

فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في تقدير كل منهما بغير ما تعارف تقديره به من حيث جعله طريقا الي ما تعارف فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 5، ص: 51

الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن، فالذي ينبغي ان يقال ان الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر، من حيث جعله دليلا علي التقدير المعتبر فيه، بأن يستكشف من الكيل وزن الموزون و بالعكس، و تارة في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف. أما الأول فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة، و قد يكون مما لا يتسامح فيه. (1) اما الأول، فالظاهر جوازه خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف فيه، لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه، غاية ما في الباب ان يجعل التقدير الآخر طريقا إليه.

و يؤيده رواية عبد الملك بن عمر و قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشتري مائة راوية من زيت فاعرض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثمّ اخذ سائره علي قدر ذلك قال: لا بأس، استدل بها في التذكرة علي جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه (2) بوزن واحد من المتعدد و نسبة الباقي إليه

______________________________

الثاني: في تقديره به مستقلا.

(1) اما الأول: فقسمه المصنف قدس سره الي قسمين، إذ ربما يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة، و ربما يكون مما لا يتسامح فيه.

إذا كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة فالأظهر هي الصحة لما عرفت من ان اعتبار التقدير الخاص انما هو لمعرفة حد المبيع و مقداره، و التقدير بما هو طريق الي ذلك- مع كون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه ينتج ذلك و يخرج البيع عن كونه جزافيا- فيصح.

و يشهد له: - مضافا الي ذلك- صحيح الحلبي المتقدم بالتقريب الذي قدمناه و خبر «1» عبد الملك بن عمرو: المذكور في المتن.

(2) و ما عن

التذكرة من حمل الخبر علي صورة التعذر،

ليس من جهة هذا الخبر نفسه، فان اتزان مائة راوية زيت ليس بمتعذر، بل من جهة صحيح الحلبي الوارد في الجوز المختص بصورة عدم الاستطاعة.

و لكن يرد عليه: انه لا مفهوم له كي يقيد اطلاق هذا الخبر به.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 52

و اردفه بقوله و لأنه يحصل المطلوب و هو العلم، و استدلاله الثاني يدل علي عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر و التقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في مورد السؤال و هو تعذر وزن مائة راوية من الزيت. و لا يخفي ان هذه العلة لو سلمت علي وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال، انما يجب الاقتصار علي موردها لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير، و قد عرفت ان هذا في الحقيقة تقدير، و ليس بجزاف. نعم ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما سيجي ء.

و أما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه، (1) فالظاهر ايضا الجواز مع البناء علي ذلك المقدر المستكشف من التقدير، إذا كان ذلك التقدير امارة علي ذلك المقدار، لأن ذلك ايضا خارج عن الجزاف، فيكون نظير اخبار البائع بالكيل،

و يتخير المشتري لو نقص و ما تقدم من صحيحة الحلبي في اول الباب من المنع عن شراء احد العدلين بكيل احدهما قد عرفت توجيهه هناك، هذا كله مع جعل التقدير الغير المتعارف امارة علي المتعارف.

______________________________

(1) و أما إذا كان التفاوت المحتمل مما لا يتسامح فيه عادة فحكمه يظهر مما سنذكره في المقام الثاني.

و تصحيحه بالبناء علي ذلك التقدير مخدوش، إذ البناء عليه الراجع الي شرط الخيار لو

نقص لا يصحح العقد، لأن ذلك لا يخرجه عن الجزافية، و لذا لا يصح البيع بالمشاهدة مبنيا علي مقدار معين مما تعارف فيه.

و دعوي اطلاق الخبر.

ممنوعة، فان الظاهر و لا أقل من المحتمل كون ما بقي من مائة راوية متحد الوزن مع ما وزن كما يظهر لمن تدبر فيه.

و أما المقام الثاني: فالمشهور بين الأصحاب علي ما نسب إليهم في محكي الرياض:

جواز بيع المكيل وزنا، و عدم جواز بيع الموزون كيلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 53

و أما كفاية احد التقديرين عن الآخر اصالة من غير ملاحظة التقدير المتعارف، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا علي المشهور، كما عن الرياض لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة، المنهي عنه في الاخبار و معقد الاجماعات لان الوزن اضبط من الكيل و مقدار مالية المكيلات معلوم به اصالة من دون ارجاع الي الكيل و المحكي المؤيد بالتتبع ان الوزن اصل للكيل و ان العدول الي الكيل من باب الرخصة. (1) و هذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات و يشهد لأصالة الوزن ان المكاييل المتعارفة في الاماكن المتفرقة علي اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ الا الوزن، إذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكائيل عليه.

و أما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ففيه اشكال،

بل لا يبعد عدم الجواز.

و قد عرفت عن السرائر ان ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف، فإن هذه مجازفة صرفة

______________________________

(1) و استدل له المصنف قدس سره: بان الوزن اصل للكيل، و ان العدول الي الكيل من باب الرخصة، و عليه فبيع المكيل بالوزن ليس بيعا جزافيا بخلاف العكس.

و فيه: لا إشكال في ان الأصل للكيل هو الوزن، إذ

الأغراض المعاملية العقلائية تختلف باختلاف مقادير الأشياء من حيث الخفة و الثقل، و لهذه الحيثية مراتب معينة يعبر عنها بالمثاقيل و ما دونها و ما فوقها، و ليس الكيل طريقا الي معرفة ذلك في نفسه فلا محالة يقدر الكيل من حيث انه يسع مقدارا من الوزن، الا انه بعد تعارف الكيل في شي ء و عدم معرفة وزنه غالبا لا محالة لا يعرف مقدار تموله بالوزن، بل يكون ذلك ايضا بيعا جزافيا.

و ربما يستدل للجواز في الموردين بخبر وهب عن مولانا الصادق عليه السلام عن ابيه عن الإمام علي عليه السلام: لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب السلف حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 54

إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه وعاء منضبط، فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو ملأ اليد، فإن الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة، فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه الي كفاية المشاهدة.

ثمّ انه قد علم مما ذكرنا انه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر، (1) كالحقة و الرطل و الوزنة باصطلاح اهل العراق، الذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الاعاجم فانه غير جائز، لأن مجرد ذكر احد هذه العنوانات عليه و جعله في الميزان و وضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة. هذا كله في المكيل و الموزون.

______________________________

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لوهب.

و ثانيا: انه يدل علي انه يجوز ان يكون ثمن المكيل موزونا و بالعكس، و لا يدل علي جواز كل

من الكيل و الوزن في مورد الآخر.

فالأظهر هو عدم الجواز مطلقا.

(1) و لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند احد المتبايعين دون الآخر.

يمكن الاستدلال لصحتها:

- مضافا الي سيرة المتدينين من المسافرين علي الشراء بوزن البلد الذي يحضرونه أو بكيله مع جهلهم بالمقدار- بان الغرر لا يلزم- بعد فرض علم المشتري بان الكيل أو الوزن المشتري به متعارف في البلد- و نصوص اعتبار الكيل و الوزن تدل علي لزوم ان يكون البيع باحدهما.

و أما معلومية مقدار ما يوزن تفصيلا فلا تدل عليه، بل اغلب الناس لا يعلمون مقدار الكيل و الوزن المتعارفين في بلدهم.

و بعبارة اخري: ان تلك النصوص تدل علي المنع عن البيع جزافا و بالتخمين بلا وزن و لا كيل، و لا تدل علي ازيد من ذلك.

و لكن ثبوت السيرة المتصلة الي زمان المعصوم عليه السلام محل تأمل، و الظاهر صدق الغرر مع الجهل بالمقدار من حيث ذلك و ان لم يصدق من حيث المالية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 55

و أما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه فالكلام فيه كما عرفت في اخويه، (1) و ربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعده، فيكال بالمكيال ثمّ يعد ما فيه. ثمّ يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال: لا بأس به.

فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة، و لم يردعه الامام عليه السلام بالتنبيه علي ان ذلك غير مختص بصورة الاضطرار، لكن التقرير غير واضح، فلا ينهض الرواية لتخصيص العمومات و لذا قوي في الروضة الجواز مطلقا.

و أما كفاية الكيل فيه اصالة فهو مشكل

لأنه، لا يخرج عن المجازفة، و الكيل لا يزيد علي المشاهدة.

و أما الوزن، فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم انه لا يكفي العد في المعدودات، و ان جاز بيعها معجلا بالعد، بل لا بد من الوزن، انه لا خلاف في انه اضبط و انه يغني عن العد، فقولهم في شروط العوضين انه لا بد من العد في المعدودات محمول علي اقل مراتب التقدير

______________________________

و النصوص انما هي في صدد بيان اعتبار العلم بمقدار المبيع لا مجرد الكيل و الوزن من حيث هما.

فالأظهر بطلان تلك المعاملة.

و أما صحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام: لا يصلح للرجل ان يبيع بصاع غير صاع المصر «1».

فالظاهر منه المنع عن البيع بغير صاع المصر بتدليس انه صاع المصر، فلا يدل علي جواز البيع بصاع المصر و ان لم يعلم مقداره.

(1) المورد الثاني:

في بيع المعدود بالكيل أو الوزن.

لا كلام في انه إذا كان الكيل أو الوزن طريقا الي العدد يجوز ذلك كما تقدم، و صحيح الحلبي المذكور «2» في المتن المختص بصورة تعذر العد لا مفهوم له كي يدل علي عدم جوازه مع الإمكان، و تقريره عليه السلام لما في ذهن السائل من عدم الجواز مع الإمكان غير ظاهر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 2.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب عقد البيع حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 56

لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم و يكفي الوزن عن العد، فإنه يوهم كونه الاصل في الضبط، الا ان يريدوا هنا الاصالة و الفرعية بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة، فافهم.

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا (1) فقد قيل ان الموجود في كلام

الاصحاب اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع،

و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا، و الا فلا.

و عن ظاهر مجمع البرهان و صريح الحدائق نسبته الي الاصحاب، و ربما منع ذلك

______________________________

و أما إذا لم يكن ذلك بعنوان الطريقية فقد اختار المصنف قدس سره كفاية الوزن فيه،

و الظاهر ان وجهها اصالة الوزن في التقدير مطلقا حتي في المعدود.

و فيه: ان اصالة الوزن لو سلمت لا تفيد بعد فرض كون مناط المالية في شي ء العدد،

فانه يلزم من بيعه بالوزن الغرر. فالأظهر عدم الكفاية.

المناط في المكيل و الموزون

(1) الثاني: في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا.

و قبل الشروع في بيان المختار و دليله، ينبغي تقدير امور:

الأول: ان مورد البحث هو انه هل المدار علي ما كان مكيلا أو موزونا في عصر النبي صلي الله عليه و آله لا علي كيل عصره و وزنه، فانه لم يقل بذلك احد، و لا يكون ذلك رافعا للغرر.

و بعبارة اخري: مورد الكلام تعيين ما هو مكيل أو موزون لا تعيين الكيل و الوزن،

إذ لا كلام في ان المكيل يكال بالمكيل المتعارف في كل عصر، و الموزون يوزن بالميزان المتعارف في كل زمان. فما في عبارة المبسوط المنقولة في المكاسب و المكيال مكيال اهل المدينة و الميزان ميزان اهل مكة لا بد من تأويله، لا سيما و قد نفي الخلاف عنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 57

بعض المعاصرين قائلا ان دعوي الاجماع علي كون المدار هنا علي زمانه صلي الله عليه و آله علي الوجه المذكور غريبة (1) فاني لم اجد ذلك في كلام احد من الاساطين، فضلا عن ان يكون

اجماعا، نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة الي حكم الربا لا انه كذلك بالنظر الي الجهالة و الغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلي الله عليه و آله في رفع شي ء من ذلك و اثباته، انتهي.

اقول ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك هنا يعني في شروط العوضين و إنما ذكروه في باب الربا حق، إلا أن المدار وجودا و عدما في الربا علي اشتراط الكيل و الوزن في صحة بيع جنس ذلك الشي ء.

و اكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط و المعيار فيه هنا يعني في شروط العوضين الا ان الاكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا و في ذلك الباب.

و أما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا و عدم جريانه في شروط العوضين كما ذكره فهو حلاف الواقع

______________________________

الثاني: ان النزاع في المقام ليس في مفهوم المكيل و الموزون، فان مفهومهما اللغوي واضح، و لا حقيقة شرعية لهما قطعا، و لا تكون مكيلية شي ء أو موزونيته من الأمور الواقعية، و يكون نظر العرف و الشرع طريقا إليها حتي يكون الشارع مصوبا للعرف تارة و مخطئا لهم اخري، بل هما امران جعليان رتب الشارع علي هذا الأمر الجعلي البنائي الذي بني العرف عليه حكما، و حيث ان الجعل و البناء يختلف باختلاف الأعصار و الأمصار،

فلذا وقع النزاع في انه هل المعيار عصر خاص و مصر مخصوص، ام الميزان صدق عنوان كون الشي ء مكيلا أو موزون؟

الثالث: المحكي: عن ظاهر مجمع البرهان و صريح الحدائق: ان الأصحاب افتوا بان المراد بالمكيل و الموزون ما ثبت فيهما الكيل و الوزن في زمانه صلي الله عليه و آله، و حكم الباقي في البلدان ما هو

المتعارف فيهما.

(1) و اورد عليهما صاحب الجواهر قدس سره: باني لم اجد ذلك في كلام احد من الأساطين، فضلا عن ان يكون اجماعا نعم، قد ذكروا ذلك بالنسبة الي الربا.

و المصنف قدس سره ذكر طرقا ثلاثة لاستفادة ان الفقهاء افتوا بذلك:

58/

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 58

أما أولا: فلشهادة تتبع كلمات الاصحاب بخلافه، (1) قال في المبسوط في باب الربا: إذا كانت عادة الحجاز علي عهده صلي الله عليه و آله في شي ء الكيل لم يجز الا كيلا في سائر البلاد و ما كانت فيه وزنا لم يجز الا وزنا في سائر البلاد و المكيال مكيال اهل المدينة و الميزان ميزان اهل مكة هذا كله بلا خلاف، فإن كان مما لا تعرف عادة في عهده صلي الله عليه و آله حمل علي عادة البلد الذي فيه ذلك الشي ء فما عرف بالكيل لا يباع الا كيلا، و ما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا، انتهي.

و لا يخفي عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع لا لخصوص مبايعة المتماثلين و نحوه كلام العلامة في التذكرة.

و أما ثانيا: فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا. و في باب الربا ان الموضوع في كلتا المسألتين شي ء واحد، (2) اعني المكيل و الموزون قد حمل عليه حكمان، احدهما عدم صحة بيعه جزافا، و الآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا، و يزيده وضوحا ملاحظة اخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين.

______________________________

(1) الأول: ان التتبع في كلمات الأصحاب يشهد بذلك. و ذكر منها عبارة المبسوط.

و فيه: أن ما افاده في المبسوط الصريح في ذلك خيرة التذكرة و نهاية الأحكام

و المختلف و حواشي الشهيد و غيرها، و هو المنقول عن القاضي كما عن مفتاح الكرامة،

و لكن القدماء من الأصحاب لم يصر حوا بذلك.

(2) الثاني: ان المقطوع به بعد التتبع ان الموضوع في هذه المسألة و في مسألة الربا واحد و هو المكيل و الموزون، و قد حمل عليه حكمان:

احدهما: عدم جواز بيعه متفاضلا.

ثانيهما: عدم جواز بيعه مجازفة. فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين.

و فيه: ان ما ذكروه ان كان ضابطة لتعيين المفهوم، أو كان ضابطة لتعيين المصداق مع كونه ظاهرا في ضبط ما هو مصداق الموضوع في المقامين، كما إذا ذكروا المسألتين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 59

و أما ثالثا: فلأنه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا ان من شرط الربا كون الكيل و الوزن شرطا في صحة (1) بيعه قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل و الوزن في الربا تفريعا علي ذلك انه لا ربا في الماء إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن و قال في الدروس و لا يجري الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا. ثمّ قال و كذا الحجارة و التراب و الحطب و لا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان لأن الوزن غير شرط في صحته، انتهي.

و هذا المضمون سهل الاصابة لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا و شرح القواعد و حاشيتها للمحقق الثاني و الشهيد عند قول العلامة و المراد بالمكيل و الموزون هنا جنسه و ان لم يدخلاه لقلته كالحبة و الحبتين من الحنطة أو لكثرته كالزبرة و لازم ذلك يعني اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل و الوزن في صحة بيعه انه إذا ثبت

الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو موزونا علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله لزم ان لا يجوز بيعه جزافا و إلا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه.

و بالجملة فتلازم الحكمين اعني دخول الربا في جنس و اشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفي علي المتتبع في كتب الاصحاب و حينئذ فنقول: كلما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلي الله عليه و آله فهو ربوي في زماننا (2) و لا يجوز بيعه جزافا، فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا و ان لم يلزم غرر للاجماع.

______________________________

بنحو الاتصال و في ذيلهما ذكروا ذلك تم ما افاده.

و لكن بما ان ما ذكروه انما يكون في مقام ضبط ما هو المصداق في ذيل مسألة الربا خاصة و لا إطلاق له يشمل هذه المسألة، فلا يجدي ذلك في المقام بعد كون ظاهر الدليل ان الموضوع فيها كل ما صدق عليه هذا المفهوم لا خصوص مصداق خاص منه.

الثالث: ما هو مركب من امرين:

(1) احدهما: انه يشترط عند الأصحاب في الربا ان يكون الكيل و الوزن شرطا في صحة بيعه.

(2) ثانيهما: اتفاقهم علي ان العبرة في المكيل و الموزون الجاري فيه الربا علي ما هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 60

______________________________

و لما عرفت من ان اعتبار الكيل و الوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه فهو حكم لحكمة غير مطردة نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور، لرفع التنازع و اعتبار الانضباط في المسلم فيه، لأن في تركه مظنة التنازع و التغابن و نحو ذلك.

و الظاهر كما عرفت من غير واحد ان المسألة اتفاقية، و أما

ما علم انه كان يباع جزافا في زمانه صلي اللّٰه عليه و آله فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا.

و الظاهر انه اجماعي، كما يشهد به دعوي بعضهم الاجماع علي ان مثل هذا ليس بربوي و الشهرة محققة علي ذلك نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من اطلاق النهي عن بيع المكيل أو الموزون جزافا.

الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه السلام أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين أو احدهما و ان لم يتعارف في غيره، و كذلك قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة. الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب و في عرفه، و ان لم يكن كذلك في عرف الشارع.

اللهم الا ان يقال: انه لم يعلم ان ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة عليهم السلام و اصحابهم كذلك في عهد الشارع الأقدس. فانه يستنتج منهما اعتبار الكيل و الوزن في ما كان مكيلا و موزونا في عهده.

و ان شئت قلت: بهيئة الشكل الأول ما كان مكيلا أو موزونا في عهده يجري فيه الربا، و ما يجري فيه الربا يشترط ان يباع بالكيل أو الوزن، و نتيجتهما ان كل ما كان مكيلا أو موزونا في عهده يشترط ان يباع بالكيل أو الوزن.

و فيه: ان الأمر الأول- و هو الكبري في القياس- ان اريد به ان من شرط جريان الربا كون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه و لو في زمانه صلي الله عليه و آله خاصة فهو حق، الا انه لا يفيد للمستدل. و ان اريد به انه من شرطه كون ذلك شرطا في صحته الي الأبد، و ما

دام يجري فيه الربا فهو اول الكلام و غير ثابت.

فالإنصاف ان دعوي الإجماع، بل الشهرة في المقام في غير محلها.

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم: ان الكلام يقع في موردين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 61

كان غير مقدر في زمان الشارع، حتي يتحقق المنافاة، و الاصل في ذلك ان مفهوم المكيل و الموزون في الأخبار لا يراد بهما كل ما فرض صيرورته كذلك، حتي يعم ما علم كونه غير مقدر في زمان الشارع، بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم، و هذه الافراد لا يعلم عدم كونها مكيلة و لا موزونة في زمن النبي صلي الله عليه و آله لكن يرد علي ذلك مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال و يوزن، (1) انه لا دليل حينئذ علي اعتبار الكيل في ما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان، مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر، إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل و الموزون، بل لا بد من كونه احد المصاديق الفعلية في زمان صدور الاخبار و لا دليل ايضا علي الحاق كل بلد لحكم نفسه مع اختلاف البلدان.

و الحاصل ان الاستدلال باخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن علي ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلي الله عليه و آله، ثمّ بما اتفق عليه البلاد، ثمّ بما تعارف في كل بلدة بالنسبة الي نفسه في غاية الاشكال فالاولي تنزيل الاخبار علي ما تعارف تقديره عند المتبايعين

______________________________

الأول: في بيان ما يستفاد من الأدلة.

الثاني: في ما استدل به علي ما هو المنسوب الي المشهور.

اما المورد الأول: فالمستفاد منها: ان المدار في اعتبار الكيل و الوزن

علي ما هو مكيل أو موزون في زمان البيع و بلده، فما كان مكيلا أو موزونا في زمان البيع و بلده اعتبر في صحة بيعه ذلك، و ما لم يكن كذلك و ان كان في زمان الشارع مكيلا أو موزونا لا يعتبر في صحته ذلك، لأن دليل اعتبار هذا الأمر حديث نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الغرر «1».

و النصوص الخاصة المتقدمة.

اما الحديث فدلالته علي ما ذكرناه واضحة، فان من المعلوم عدم دخل المدخلية لزمانه صلي الله عليه و آله في رفع الغرر و اثباته.

(1) و أما النصوص فالمأخوذ فيها المكيل و الموزون من دون التقييد بزمان خاص و بلد

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 62

و ثبات ما ينافي ذلك من الاحكام المشهورة بالاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة، و كذا الاشكال لو علم التقدير في زمن الشارع و لم يعلم كونه بالكيل أو بالوزن. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ علي المتعارف عند الشارع (1) و لكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان. بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية و لكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه، انتهي.

و ذكر المحقق الثاني ايضا: ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله، فالمعتبر هو العرف

______________________________

مخصوص، و مقتضي اطلاقه دوران الحكم مدار فعلية هذا الموضوع عند ايقاع المعاملة من حيث زمانها و مكانها.

و

بعبارة اخري: قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا لا يصلح مجازفة من القضايا الحقيقية المتضمنة لإنشاء الحكم فيها علي الموضوعات المقدر وجودها، فكل ما صدق عليه هذا العنوان يشمله هذا الحكم، من غير فرق بين الأزمنة و الأمكنة.

و أما المورد الثاني: فالمنسوب الي المشهور دعويان:

الأولي: ان العبرة في التقدير بزمان النبي صلي الله عليه و آله.

الثانية: ان ما لم يثبت كونه مكيلا أو موزونا في عهده العبرة فيه بما اتفق عليه البلدان.

و قد استدل للأولي بالاجماع و بان المراد من المكيل و الموزون المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم.

(1) و بوجوب حمل اللفظ علي المتعارف عند الشارع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 63

السابق، و لا أثر للتغير الطارئ للاستصحاب و لظاهر قوله صلي الله عليه و آله حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة. و أما في الأقارير و الايمان و نحوها فالظاهر الحوالة علي عرف ذلك العصر الواقع فيه شي ء عنها حملا له علي ما يفهمه الموقع، انتهي.

اقول ليس الكلام في مفهوم المكيل و الموزون، بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم، فإن المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا فلا يباع جزافا أو لا يباع بعضه ببعض الا متساويا. اما ان يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف، و علي اي تقدير، فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد، فلا بد لبيان حكم غير المراد من دليل خارجي و ارادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها و خصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم

العلم بسابقه، لامع عدمه غير صحيحة كما لا يخفي.

و لعل المقدس الاردبيلي اراد ما ذكرنا حيث تأمل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع و العرف العام و العرف الخاص، معللا باحتمال ارادة الكيل و الوزن المتعارف عرفا عاما أو في اكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة الي كل بلد، بلد كما قيل في المأكول و الملبوس في السجدة من الامر الوارد بهما لو سلم، و الظاهر هو الاخير،

انتهي.

و قد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الالفاظ الواردة في الاخبار حملها علي

______________________________

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلما تقدم. و ما عن المبسوط من نفي الخلاف عنه، لا يدل علي الإجماع، إذ عدم الخلاف في اصطلاح القدماء محمول علي امر آخر غير الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم، مع انه لو ثبت ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

و أما الثاني: فلأن الظاهر من هذه القضية كسائر القضايا الشرعية كونها قضية حقيقية لا خارجية، أ لا تري انه لم يتوهم احد اختصاص ما دل علي حرمة تنجيس المسجد بالمساجد الموجودة في عهد الشارع. و بالجملة: ما ذكرناه واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 64

عرفهم صلوات الله عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب اجراء الحكم عليه في الازمنة المتأخرة، و ما لم يعلم، فهو بناء علي قواعدهم يرجع الي العرف العام الي آخر ما ذكره من التفصيل، ثمّ قال: و يمكن ان يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا، فإن الظاهر ان المرجع في كونه مكيلا الي تسميته عرفا مكيلا، و يمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام انتهي.

اقول: قد

عرفت ان الكلام هنا ليس في معني اللفظ، لان مفهوم الكيل معلوم لغة، و انما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم، (1) ثمّ لو فرض كون الكلام في معني اللفظ، كان اللازم حمله علي العرف العام إذا لم يكن عرف شرعي لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ علي المعني العرفي، بل لا بد من الاجتهاد في تعيين ذلك المعني الشرعي، و مع العجز يحكم بإجمال اللفظ، كما هو واضح، هذا كله مع ان الاخبار انما وصلت الينا من الأئمة (صلوات الله و سلامه عليهم) فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع. و أما ما استشهد به للرجوع الي العرف العام من قوله عليه السلام ما سميت فيه كيلا الخ

______________________________

و أما الثالث: فلما عرفت من ان النزاع في المقام ليس في المفهوم، فانه مبين معلوم و لا حقيقة شرعية له.

(1) و انما الكلام في انه هل العبرة بمصداق خاص من هذا المفهوم، ام الميزان كلما صدق عليه ذلك، مع ان النصوص انما وصلت الينا من الأئمة عليهم السلام لا منه صلي الله عليه و آله، فلو كان الميزان عرف المتكلم كان اللازم اعتبار كيل زمانهم و وزنه كما لا يخفي.

و استدل للثانية:

بالإجماع و بان الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية.

و بمضمر علي بن ابراهيم الطويل: و لا ينظر فيما يكال أو يوزن الا الي العامة و لا يؤخذ فيه الخاصة، فان كان قوم يأكلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم، لأن اصل اللحم ان يوزن، واصل الجوز ان يعد «1».

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الربا حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 5، ص: 65

فيحتمل ان يراد عرف المخاطب فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين. نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص لمقطوعة ابن هاشم الآتية، فتأمل و أبعد شي ء في المقام ما ذكره في جامع المقاصد: من ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله انتهي.

و بالجملة، فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل، لكن الظاهر ان كلها متفق عليها. نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة في ان لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا أو انه يغلب جانب التحريم، كما عليه جماعة من اصحابنا، لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير، ثمّ انه يشكل الأمر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع، لكن لم يعلم ان تقديره بالكيل أو بالوزن ففيه وجوه أقواها و أحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر، و أشكل من ذلك ما لو علم كون الشي ء غير مكيل في زمن الشارع أو في العرف العام، مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص و لا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفي الغرر لاحتمال كون ذلك الشي ء من المتبدلات في زمن الشارع أو في العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته. و قد بلغ عند قوم في العزة إلي حيث لا يتسامح فيها،

فالأقوي وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن أو العد.

و بالجملة فالاولي جعل المدار فيما لا إجماع فيه علي وجوب التقدير بما بني الامر في مقام استعلام مالية الشي ء علي ذلك التقدير، فإذا سئل عن مقدار ما عنده من

الجوز فيجاب بذكر العدد، بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان و البطيخ، فإنه لا يجاب إلا بالوزن، و إذا سئل عن مقدار الحنطة و الشعير، فربما يجاب بالكيل و ربما يجاب بالوزن لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن، إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن و قد تقدم ان الوزن اصل في الكيل و ما ذكرنا هو المراد بالمكيل و الموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل و الوزن عند البيع و بدخول الربا فيهما، و أما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير باحد الثلاثة كالماء و التبن و الخضريات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 66

فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير فإن اختلف البلاد في التقدير و العدم، فلا اشكال في التقدير في بلد التقدير. و أما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك لابتذال الشي ء عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة كفت المشاهدة، و ان كان لعدم مبالاتهم بالغرر و اقدامهم عليه حرصا مع الاعتداد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة، فلا اعتبار بعادتهم، بل يجب مخالفتها. فإن النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر و المجازفات، كبيع الملاقيح و المضامين و الملامسة و المنابذة و الحصاة علي بعض تفاسيرها و ثمر الشجر قبل الوجود و غير ذلك لم يرد الا ردا علي من تعارف عندهم الاقدام علي الغرر و البناء علي المجازفات الموجب لفتح ابواب المنازعات و إلي بعض ما ذكرنا اشار ما عن علي بن ابراهيم، عن ابيه،

عن رجاله ذكره في حديث طويل، قال: و لا ينظر فيما يكال أو يوزن الا الي العامة،

و لا يؤخذ فيه الخاصة، فإن كان قوم يكيلون

اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم،

لأن اصل اللحم ان يوزن واصل الجوز ان يعد، و علي ما ذكرنا،

______________________________

و أما الثاني: فلما عرفت من ان النزاع في المقام ليس في مفهوم المكيل و الموزون كي يتم فيه ذلك، بل في انه هل لمصداق خاص منه خصوصية ام لا.

و أما الثالث: فلعدم حجيته لعدم اتصال الخبر الي المعصوم، و عدم حجية قول التابعي من حيث هو.

مع ان المراد بالعامة ليس جميع الناس و الا لما كان يوجد- سيما في عصر الخبر- شي ء يحرز اتفاق الناس عليه، بل المراد منه ان بناء المتعاقدين لا يكفي، بل يعتبر بناء قوم كأهل بلد عليه، فهو ينطبق علي ما ذكرناه.

مضافا الي انه لو اغمض عن ذلك و سلم كونه دالا علي ما ذهب إليه المشهور يقع التعارض بينه و بين صحيح الحلبي الدال علي ان الميزان هو ما يسمي كيلا عند المتعاقدين بما هما من افراد البلد، و المحل و الترجيح معه كما لا يخفي.

و بناء علي ما اخترناه تسقط جملة من الفروع التي ذكرها المصنف قدس سره، و هو واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 67

فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع (1) لا ببلد العقد و لا ببلد المتعاقدين، و في شرح القواعد لبعض الاساطين، ثمّ الرجوع الي العادة مع اتفاقها اتفاقي، و لو اختلف فلكل بلد حكمه كما هو المشهور، و هل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين الأقوي، الأول و لو تعاقدا في الصحراء (2) رجعا إلي حكم بلدهما، و لو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم أو ذو الاعتبار علي ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه و المشتري في ثمنه أو يبني علي الأقراع مع الاختلاف، و ما اتفقا

عليه مع الاتفاق أو التخيير و لعله الأقوي، و يجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان و الأولي التخلص بإيقاع المعاملة علي وجه لا يفسدها الجهالة من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة و نحوها، و لو حصل الاختلاف في البلد الواحد علي وجه التساوي فالأقوي التخيير، و مع الاختصاص بجمع قليل اشكال، انتهي.

______________________________

نعم يبقي منها فرعان:

الاول: لو فرضنا كون المبيع في بلد، و العقد في بلد آخر، و المتعاقدين اهل بلد ثالث،

و كان ذلك الشي ء في احد البلاد مقدرا بغير ما يقدر به في البلاد الاخر.

(1) فهل العبرة ببلد فيه وجود المبيع كما اختاره المصنف قدس سره ام ببلد العقد.

ام ببلد المتعاقدين؟ وجوه:

اظهرها الثالث، فانه الظاهر من صحيح الحلبي ما سميت فيه كيلا فانه موجه الي البائع.

(2) الثاني: انه لو وقعت المعاملة في الصحراء و كان البلاد مختلفة في التقدير و لم يكن الصحراء ملحقة باحدها، فان كان المتعاقدان اهل بلد لحقهما حكمه كما تقدم، و الا فلا يعتبر في بيعهما الكيل و الوزن لعمومات الصحة بعد عدم شمول دليل الكيل و الوزن لهذا المورد كما هو واضح. نعم يعتبر رعاية عدم الغرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 68

مسألة: لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه (1)

علي المشهور،

و عبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه، و يدل عليه غير واحد من الاخبار المتقدمة،

و ما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول علي صورة ايقاع المعاملة غير مبنية علي المقدار المخبر به، و ان كان الاخبار داعيا إليها، فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر.

و قد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك.

______________________________

اخبار البائع بقدر المبيع

(1) الثالث: لو اخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه علي المشهور و ظاهر التذكرة

الاتفاق عليه.

الظاهر ان الغرر و ان كان يرتفع بايقاع المعاملة مبنية علي المقدار المخبر به، الا انه قد عرفت انه يعتبر الكيل و الوزن و ان لم يلزم الغرر من عدمهما، و معلوم ان بذلك لا يتحقق هذا القيد، فعلي هذا يتعين الرجوع الي النصوص الخاصة.

و هي علي طوائف:

الأولي: ما دل علي الاعتماد عليه مطلقا: كخبر محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و اخذناه بكيله، فقال: لا بأس «1» و نحوه غيره.

الثانية: ما دل علي عدم الاعتماد عليه: كصحيح الحلبي المتقدم «2».

الثالثة: ما دل علي الاعتماد عليه في صورة الائتمان خاصة: كخبر ابي العطارد عن مولانا الصادق عليه السلام: إذا ائتمنك فلا باس «3». و نحوه غيره.

و الجمع بينها- لو سلم كون المقام مشمولا لصحيح الحلبي، و لم نقل باختصاصه بما إذا كان الأخبار عن حدس لاعن حس كما هو ظاهره- يقتضي تقييد اطلاق الطائفة الأولي بمفهوم الثالثة، و تقييد اطلاق الثانية بمنطوقها، و بذلك يرتفع التعارض

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث

(2) الوسائل- باب 4- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 2.

(3) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 69

ثمّ ان الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار، (1) كما يشهد به الروايات المتقدمة، فلو لم يفد ظنا فإشكال من بقاء الجهالة الموجبة للغرر و من عدم تقييدهم الاخبار بإفادة الظن و لا المخبر بالعدالة، و الاقوي بناء علي اعتبار التقدير و ان لم يلزم الغرر الفعلي هو الاعتبار. نعم لو دار الحكم مدار الغرر، كما في صحة المعاملة ايقاعها

مبنية علي المقدار المخبر به و ان كان مجهولا و يندفع الغرر ببناء المتعاملين علي ذلك المقدار، فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة علي اوصاف مذكورة في العقد، فيقول بعتك هذه الصبرة علي انها كذا و كذا صاعا، و علي كل تقدير الحكم فيه بالصحة، فلو تبين الخلاف، (2) فاما ان يكون بالنقيصة

______________________________

و بما ذكرناه يظهر ما في كلام المحقق النائيني من حمل صحيح الحلبي علي الكراهة، كما انه يظهر اعتبار كون المخبر مؤتمنا، و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف قدس سره.

(1) حيث قال: ثمّ ان الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار.

(2) و علي القول بالصحة فلو عامل و تبين الخلاف، فتارة: يكون بالنقيصة،

و اخري: يكون بالزيادة فالكلام يقع في مقامين:

اما المقام الاول، فالاقوال و الوجوه فيه خمسة الأول: البطلان.

الثاني: الصحة لزوما.

الثالث: الصحة مع ثبوت خيار الغبن.

الرابع: الصحة مع ثبوت خيار الشرط.

الخامس: الصحة مع ثبوت خيار تبعض الصفقة.

و تنقيح القول بالبحث في موارد:

الأول: في انه هل يصح ام يكون باطلا؟

الثاني: في انه علي فرض الصحة هل يكون علي وجه اللزوم أو الجواز؟

الثالث: في انه علي فرض الجواز هل الثابت خيار تخلف الشرط، أو خيار تبعض الصفقة، أو خيار الغبن؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 70

و أما ان يكون بالزيادة، فإن كان بالنقيصة تخير المشتري بين الفسخ و بين الإمضاء، بل في جامع المقاصد احتمال البطلان، كما لو باعه ثوبا علي انه كتان فبان قطنا، ثمّ رده بكون ذلك من غير الجنس و هذا منه و إنما الفائت الوصف لكن يمكن ان يقال مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية (1) لا يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما في أصل

الحقيقة بخلاف الجزء و الكل فتأمل.

فإن المتعين الصحة و الخيار، ثمّ انه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة و للمشتري مع النقيصة بقوله تخير المغبون، فربما تخيل بعض تبعا لبعض ان هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء، معللا بأن خيار الوصف انما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد، و يدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة من التذكرة: بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص. و في باب الصرف من القواعد: بأنه لو تبين المبيع علي خلاف ما اخبر البائع تخير المشتري بين الفسخ و الإمضاء بحصة معينة من الثمن، و تصريح

______________________________

اما المورد الأول: فقد استدل للبطلان في المتن.

(1) بمغاير الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية فما وقع عليه العقد لا وجود له. افرض خمسة امنان إذا تبين ان الموجود اربعة امنان،

و ماله وجود لم يقع عليه العقد، فلا بد من البناء علي البطلان.

و فيه: ان العناوين علي قسمين:

احدهما: ما هو مناط مالية الاشياء، و هي الصورة النوعية من غير فرق بين العقلية و العرفية، كعنوان الذهب، و العبد، و ما شابههما.

ثانيهما: ما ليس مناط المالية، و انما يبذل الثمن بازاء المعنون كالكم الخاص و الحد المخصوص، فان الثمن لا يبذل بازاء هذا العنوان بما هو كعنوان المن، بل يبذل بازاء المعنون،

اي الاجزاء الخارجية المعنونة بهذا العنوان، و ما ذكر يتم في القسم الأول، و هو اجنبي عن المقام و لا يتم في القسم الثاني، فانه ينحل العقد الي العقد علي كل جزء جزء، فالمقدار الموجود لا مانع من تأثير العقد فيه، و المقصود ليس شيئا كي يؤثر العقد في تمليكه. و هذا بخلاف القسم

الاول، فانه لا ينحل العقد فيه الي العقد علي ذات الموجود و العقد علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 71

جامع المقاصد في المسألة الاخيرة بابتنائها علي المسألة المعروفة و هي ما لو باع متساوي الاجزاء علي انه مقدار معين فبان اقل، و من المعلوم ان الخيار في تلك المسألة اما لفوات الوصف، و أما لفوات الجزء علي الخلاف الآتي. و أما التعبير بالمغبون فليشمل البائع علي تقدير الزيادة و المشتري علي تقدير النقيصة، (1) نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع و المشتري في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف، حيث قال: تخير المغبون منهما و أما ما ذكره من ان الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ففيه ان ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ككتابة العبد و خياطته. و أما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل أو الوزن أو العد فهذا لا يحتاج الي ذكره في متن العقد، فإن هذا اولي من وصف الصحة الذي يغني بناء العقد عليه عن ذكره في العقد، فإن معرفة وجود ملاحظة الصحة

______________________________

عنوانه، فان المادة المشتركة لا مالية لها و لا يبذل المال بازائها. فالاظهر هي الصحة.

و أما المورد الثاني: فالأظهر هو الجواز، لأن التراضي لم يقع بالمبيع علي كل تقدير و الا بطل البيع للغرر و الجهالة و سيجي ء في المورد الثالث زيادة توضيح لذلك.

و أما المورد الثالث: فقد ظهر مما ذكرناه في المورد الأول وجه ثبوت خيار تبعض الصفقة.

و أما ثبوت خيار الغبن فلا وجه له، لأن ذلك انما يثبت فيما إذا بيع بازيد من القيمة السوقية،

و في المقام ربما يكون بانقص منها كما لا يخفي، لا في موارد تخلف المبيع جزءا أو وصفا.

فما في القواعد علي المحكي في المتن قبل اسطر من ثبوت خيار الغبن، ان كان تسامحا في العبارة.

(1) كما في المتن قال و أما التعبير بالغبن فليشتمل البائع علي تقدير الزيادة و المشتري علي تقدير النقيصة فلا كلام، و الا فهو، غير تام.

و أما ثبوت خيار تخلف الشرط فانما هو فيما إذا وقع البيع مثلا علي شي ء و اشترط صريحا أو ضمنا في ضمنه شي ء آخر، بحيث لم يقع شي ء من الثمن بازاء الشرط و ان كان موجبا لازدياد قيمة المبيع، و المقام ليس من هذا القبيل، فان كل جزء من المبيع وقع بازائه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 72

ليست من مصححات العقد بخلاف معرفة وجود المقدار المعين، و كيف كان فلا اشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف، و انما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع أو وصف من اوصافه، فلذلك اختلف في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن، أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الاجزاء الي المعدوم. (1)

و تمام الكلام في موضع تعرض الاصحاب للمسألة، ثمّ ان في حكم اخبار البائع بالكيل و الوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا الي مقدار المبيع و اوقع العقد بناء عليه، كما إذا جعلنا الكيل في المعدود و الموزون طريقا الي عده أو وزنه.

______________________________

جزء من الثمن، و عليه فيسترد مقدار من الثمن وقع بازاء الجزء المفقود، و له الخيار بين الإمضاء و الفسخ بعد ذلك.

(1) و الفرق بين هذه الأقسام من الخيار انه لو كان الثابت خيار تبعض

الصفقة يرد جزء من الثمن ثمّ يتخير بين الفسخ و الإمضاء،

و لو كان هو خيار الشرط لا يرد شي ء،

و لو كان خيار الغبن يتخير بينهما ما لم يبذل البائع التفاوت، و الا فلا خيار له.

و أما المقام الثاني: فمن التزم بالبطلان في المقام الأول لا بد له من الالتزام به في المقام،

و لكن عرفت فساده فما عن المبسوط من البطلان ضعيف، و لا وجه لخيار الغبن كما تقدم،

و لا لخيار التبعض لعدمه، و لا لخيار الشرط لما تقدم.

و دعوي ان العقد يؤثر في ملكية ذات المبيع و شرط وصف خاص مباين للموجود لا يوجب الا الخيار بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن، و نتيجة ذلك الصحة، و كون الزيادة للمشتري و ثبوت الخيار للبائع بين الامضاء بتمام الثمن، و الفسخ كما التزم به المصنف قدس سره في باب الشروط،

مندفعة بان شرط المقدار غير سائر الشروط كما تقدم، فالعقد لا يؤثر الا في المتقدر، و الزائد باق علي ملك البائع، و لذلك يثبت خيار تخلف الشرط للمشتري من جهة حصول الشركة بينه و بين البائع، في ما اشتراه، و الشركة نقص بناء المتعاملين علي عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 73

مسألة: قال في الشرائع يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة

و ان لم يمسحا (1) و لو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك و تعذر ادراكه بالمشاهدة،

انتهي.

و في التذكرة لو باع مختلف الاجزاء مع المشاهدة صح كالثوب و الدار و الغنم اجماعا.

و صرح في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم و ان لم يعلم عددها.

أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد (2) لثبوت الغرر غالبا مع جهل اذرع الثوب و عدد قطيع الغنم و الاعتماد في عددها علي ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة.

و

بالجملة فإذا فرضنا ان مقدار مالية الغنم قلة و كثرة يعلم بالعدد، فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها و بين الجهل بالمقدار في المكيل و الموزون و المعدود. و كذا الحكم في عدد الأذرع و الطاقات في الكرابيس و الجربان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب. نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في اذرع بعض طاقات الكرابيس، لكن الاعتماد علي هذه من حيث كونه طريقا الي عدد الاذرع، نظير اخبار البائع، و ليس هذا معني كفاية المشاهدة و تظهر الثمرة في ثبوت الخيار، إذ علي تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة الي ما حصل التخمين به من المشاهدة، الا إذا كان النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا و عرضا.

______________________________

بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة

(1) الرابع: قال في الشرائع: يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة و ان لم يمسحا.

و قد صرح غير واحد بصحة بيع مختلفة الأجزاء كالثوب و الدار و الغنم مع المشاهدة، و ادعوا ان عليها الإجماع.

و اورد عليهم جمع منهم المصنف قدس سره: قال بانه.

(2) يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد لثبوت الغرر.

و ظاهر بعض الموردين و صريح آخرين الحكم بالجواز مع عدم لزوم الغرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 74

و بالجملة فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل اناطة الحكم به و لو لم يكن غرر، كما استظهرناه في المكيل و الموزون، فافهم.

مسألة: بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء (1)
اشارة

كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها أو ذراع من كرباس أو عبد من عبدين و شبه ذلك يتصور علي وجوه:

الأول: أن يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة (2)

مقدرا بذلك العنوان فيريد بالصاع مثلا من صبرة تكون عشرة اصوع عشرها، و من عبد من العبدين نصفهما

______________________________

و لكن الأظهر عدم الصحة في جملة من تلك الموارد و لو لم يلزم الغرر، و هي الموارد التي يباع الشي ء بالعد و الذرع.

اما في الأول: فلما تقدم من دلالة الدليل علي اعتبار العد في المعدود،

و أما في الثاني: فلأن العد بالذرع ايضا داخل في حقيقة العد، و لا فرق بين ان يقال جوزة و جوزتان و ان يقال ذرع و ذرعان، و مجرد كون الأول من قبيل الكم المنفصل،

و الثاني من قبيل الكم المتصل لا يصلح فارقا.

نعم ما ذكروه يتم فيما يباع لا بالعد و لا بالذرع، فانه يصح البيع ان لم يلزم الغرر، كما في العباء فان كل طاقة منه لها قيمة و هي مناط ماليته كانت اربعة اذرع أو ازيد أو انقص

بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء

(1) الخامس في بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها.

و الوجوه المتصورة ثلاثة.

(2) الاول ان يكون المراد بالصاع الكسر الواقعي المشاع من الجملة مقدرا بالصاع، فلو كانت الصبرة عشرة اصوع كان المبيع عشرها، فيكون الصاع ملحوظا مرآة الي الكسر المشاع المساوي للصاع.

و قد اوضحنا حقيقة الاشاعة في اول مسألة بيع نصف الدار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 75

و لا اشكال في صحة ذلك، و لا في كون المبيع مشاعا في الجملة، و لا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة و عدمه، و لابين العلم بعدد صيعان الصبرة و عدمه، لأن الكسر مقدر بالصاع

فلا يعتبر العلم بنسبته الي المجموع هذا، (1) و لكن قال في التذكرة و الأقرب انه لو قصد الاشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل،

بخلاف الذراع من الأرض، انتهي. (2)

و لو يعلم وجه الفرق الا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة. (3)

______________________________

(1) لا اشكال في صحة البيع المذكور من غير فرق بين المثال و بين بيع عبد من عبدين، و من غير فرق بين اختلاف العبدين و الأصوع في القيمة و عدمه، و من غير فرق بين العلم بعدد صيعان الصبرة و عدمه لتقدر الكسر بالصاع، و العلم بنسبته الي المجموع لا يكون معتبرا.

(2) و عن العلامة قدس سره: الإشكال في صحة بيع عبد من عبدين أو شاة من شاتين لو قصد الإشاعة.

و غاية ما قيل في توجيهه امران:

(3) الأول: منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة، و الحال انه كما يعتبر في الإنشائيات كون الإنشاء بما هو ظاهر أو صريح في ما قصد من المعاملة، يعتبر ذكر متعلق القصد بلفظ ظاهر فيه.

و بهذا يظهر ان ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من الجواب عن هذا الوجه بانه ليس الكلام في مقام الإثبات كي يدعي عدم الظهور و انصراف المطلق الي بعض افراده بل في مقام الثبوت، غير تام.

و كيف كان: فيرد عليه: انه لا دليل علي اعتبار ذكر متعلق القصد فضلا عن اعتبار ذكره بلفظ ظاهر فيه، و عليه فمع العلم بارادة الكسر المشاع لا يضر عدم ظهور اللفظ فيه.

الثاني: ان العبدين أو الشاتين بما انه لا وحدة لهما حقيقة، فوحدتهما تصحيحا لبيع جزء مشاع منهما انما تكون بالاعتبار، و حيث انه لا إنشاء له غير

انشاء البيع، فيلزم تكفل انشاء واحد لأمرين: تنزيل الشيئين منزلة الشي ء الواحد، و بيع الكسر المشاع في المجموع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 76

الثاني: ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه

من الافراد المتصورة في المجموع، (1) نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد، و هذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة و لا إشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة، (2)

كالعبدين المختلفين لانه غرر.

لأن المشتري لا يعلم بما يحصل في يده منهما. و أما مع اتفاقهما في القيمة، كما في الصيعان المتفرقة، فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع، (3) بل في الرياض نسبته الي الاصحاب.

و عن المحقق الاردبيلي قدس سره ايضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين احد طرفيه الي الاصحاب، و استدل علي المنع بعضهم بالجهالة التي تبطل معها البيع اجماعا، (4) و آخر بأن الابهام في البيع مبطل له (5) لا من حيث الجهالة، و يؤيده انه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع احد العبدين المشاهدين المتساويين بأنه لو تلف احدهما فباع الباقي و لم يدر ايّهما هو صح، خلافا لبعض العامة. (6)

______________________________

و فيه: ان اعتبار الوحدة لا يحتاج الي الإنشاء كي يلزم ذلك.

فالأظهر هي الصحة في هذا المثال ايضا.

(1) الثاني من الوجوه المتصورة: ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الأفراد المتصورة في المجموع، و هو علي قسمين:

احدهما: ما يكون له واقع معين و يكون مرددا عند المتبايعين.

ثانيهما: ما لا يكون معينا و لو في الواقع.

(2) اما في القسم الأول: فان كانت المصاديق مختلفة في القيمة بطل البيع للغرر.

(3) و ان كانت متفقة فيها فالمشهور بين الاصحاب هو البطلان و عن سيد الرياض نسبته الي الاصحاب و

عن غير واحد دعوي الاجماع عليه.

و قد استدل للبطلان في المتن بوجوه.

(4) الاول بالجهالة التي يبطل معها البيع اجماعا.

(5) الثاني بالابهام في البيع الذي هو مبطل له لا من حيث الجهالة.

(6) و ايده المصنف بما نقله في المتن من حكم العلامة بصحة البيع في مورد الابهام مع عدم الجهالة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 77

و ثالث (1) بلزوم الغرر و رابع (2) بأن الملك صفة وجودية محتاجة الي محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج و أحدهما علي سبيل البدل غير قابل لقيامه به لانه امر انتزاعي من امرين معينين و يضعف الأول بمنع المقدمتين لأن الواحد علي سبيل البدل غير مجهول إذ لا تعين له في الواقع حتي يجهل، و المنع عن بيع المجهول و لو لم يلزم غرر غير مسلم.

نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين، ففي السرائر بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف علي جواز بيع عبد من عبدين قال:

ان ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الامة بأسرها، مناف لأصول مذهب اصحابنا و فتاويهم و تصانيفهم، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف انتهي، و عن الخلاف في باب السلم: أنه لو قال اشتري منك أحد هذين العبدين أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء، دليلنا انه بيع مجهول فيجب ان لا يصح و لأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين و لأنه لا دليل علي صحة ذلك في الشرع، و قد ذكرنا هذه المسألة في البيوع.

و قلنا ان أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين.

فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية و لم يقس غيرهما عليهما، انتهي.

و عبارته المحكية في باب البيوع هي: انه روي

اصحابنا انه إذا اشتري عبدا من عبدين علي ان للمشتري ان يختار أيهما شاء انه جائز، و لم يرووا في الثوبين شيئا،

ثمّ قال: دليلنا إجماع الفرقة. و قوله صلي الله عليه و آله المؤمنون عند شروطهم و سيأتي ايضا في كلام فخر الدين ان عدم تشخيص المبيع من الغرر الذي موجب النهي عنه الفساد اجماعا و ظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة، و كون مثلها قادحة اتفاقا، مع فرض عدم نص، بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته، لإجماع الأمة. و مما ذكرنا من منع كبري الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع، اعني كون الابهام مبطلا.

______________________________

(1) الثالث لزوم الغرر.

(2) الرابع ان الملك صفة وجودية محتاجة الي محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج واحدهما علي سبيل البدل غير قابل لقيامها به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 78

و أما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الافراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة، و لذا يجوز الاسلاف في الكلي من هذه الافراد، مع ان الانضباط في السلم اكد. و ايضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة و لا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا، و لذا رد في الايضاح حمل الصاع من الصبرة علي الكلي برجوعه الي عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد اجماعا و أما الرابع فبمنع احتياج صفة الملك إلي موجود خارجي فإن الكلي المبيع سلما أو حالا مملوك للمشتري و لا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري فالوجه ان الملكية امر اعتباري يعتبره العرف و الشرع أو احدهما في موارده و ليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة و السواد. (1)

و لذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين

بل احد الشخصين و نحوهما فالانصاف كما اعترف به جماعة اولهم المحقق الاردبيلي عدم دليل معتبر علي المنع،

قال في شرح الارشاد علي ما حكي عنه بعد ان حكي عن الاصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أي الطرفين، قال: و فيه تأمل، إذ لم يقم دليل علي اعتبار هذا المقدار من العلم، فانهما إذا تراضيا علي ذراع من هذا الكرباس من أي طرف اراد المشتري أو من اي جانب كان من الأرض. فما المانع بعد العلم بذلك، انتهي.

______________________________

و في الجميع نظر.

اما الاول: فلان الجهالة غير الموجبة للغرر لا دليل علي مبطليتها، و الاجماع عليها ان كان ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

و أما الثاني: فلعدم الدليل علي مبطليته بما هو ابهام و أما الثالث: فلما تقدم.

و أما الرابع: فلما افاده المصنف قدس سره.

(1) من ان الملكية امر اعتباري و ليست صفة وجودية متأصلة كالسواد و أما في القسم الثاني، فالاظهر هو البطلان لا للوجوه الاربعة المتقدمة،

بل لان المردد من حيث هو لا ماهية له و لا تحقق و هو صرف مفهوم لا مطابق له،

و الملكية و ان كانت امرا اعتباريا، الا انها هوية تعلقية و متقومة بطرفها، و يستحيل ان تتحقق في افق الاعتبار مع عدم الطرف المقوم لها، فهي لا يعقل تعلقها بالمردد.

و بعبارة اخري: انه لا مطابق له في الخارج فلا ينطبق علي ما في الخارج، فلا يصح اعتبار كونه مملوكا لعدم الأثر، فبيع المردد بهذا المعني باطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 79

فالدليل هو الاجماع لو ثبت، و قد عرفت من غير واحد نسبته الي الاصحاب قال بعض الاساطين في شرحه علي القواعد، بعد حكم

المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب و الأرض الراجع الي بيع الكسر المشاع، قال: و ان قصدا معينا من عين أو كليا لا علي وجه الاشاعة بطل، لحصول الغرر بالابهام في الأول، و كونه بيع المعدوم و باختلاف الاغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر، و للإجماع المنقول فيه الي ان قال: و الظاهر بعد امعان النظر و نهاية التتبع ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي و بالعكس، و ارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في اصل الماهية و لعل الدائرة في الشرع اضيق و ان كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين، (1) و فهم الأصحاب مقدم لأنهم أدري بمذاق الشارع و اعلم، انتهي.

و لقد اجاد حيث التجأ الي فهم الاصحاب فيما يخالف العمومات. فرع علي المشهور، من المنع لو اتفقا علي انهما أرادا غير شائع لم يصح البيع لاتفاقهما علي بطلانه، (2)

______________________________

(1) قوله و ان كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين تقريب كون النسبة عموما من وجه انه إذا اتحدت القيم في المحتملات لا يكون هناك غرر عرفي و يكون الغرر شرعيا، و قد يكون الغرر العرفي موجودا و لا غرر شرعي كما في بيع الآبق مع الضميمة- و قد يجتمعان و هو كثير و حيث ان مورد اذن الشارع في البيع مع صدق الغرر العرفي قليل فلذا قال لعل الدائرة في الشرع اضيق.

(2) قوله لو اتفقا علي انهما اراد غير شايع لم يصح البيع لاتفاقهما علي بطلانه لا يخفي انه بعد ان ذكر صورتين من بيع متساوية الاجزاء و نسب الي المشهور، المنع في احداهما و الجواز في الاخري قال لو اتفقا علي انهما اراد

اغير شايع، و مراده اتفقا علي انهما لم يريدا الكسر المشاع و حيث ان ارادة الكلي في المعين مفروض عدمها فيتمحض في ارادة الفرد المنتشر فلذا افتي بعدم صحة البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 80

و لو اختلفا فادعي المشتري الإشاعة فيصح البيع، (1) و قال البائع أردت معينا ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشتري عملا باصالة الصحة و أصالة عدم التعيين، انتهي.

و هذا حسن لو لم يتسالما علي صيغة ظاهرة في احد المعنيين اما معه فالمتبع هو الظاهر و اصالة الصحة لا تصرف الظواهر. و أما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها (2)

و ذكر بعض من قارب عصرنا انه لو فرض للكلام ظهور في عدم الاشاعة كان حمل الفعل علي الصحة قرينة صارفة و فيه نظر. (3)

______________________________

(1) قوله و لو اختلفا فادعي المشتري الاشاعة فيصح البيع أي انهما ارادا الاشاعة لا خصوص المشتري و الا فيبطل العقد لعدم التطابق بين الايجاب و القبول.

و كيف كان ففي مورد الاختلاف مقتضي اصالة الصحة البناء علي صحة العقد ما لم يكن هناك لفظ ظاهر في ارادة الفرد المنتشر و الا فلعدم صلاحية اصالة الصحة التي هي من الاصول التعبدية لمعارضة الظهور الذي هو من الامارات يبني علي البطلان فما افاده المصنف قدس سره من تقييد الحكم بالصحة عملا باصالة الصحة بصورة عدم الظهور في المعين هو الصحيح و اظن ان العلامة قدس سره لا يدعي الحكم بالصحة في هذه الصورة.

(2) قوله و أما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها و الوجه فيه ان التعيين انما يكون في مقابل الاشاعة و قصد احدهما يضاد قصد الآخر فمع العلم بقصد احدهما- اصالة عدم التعيين تعارض اصالة عدم الاشاعة- نعم- لو كان التعيين

عبارة عن الاشاعة متخصصة بمعين- كان قصد الاشاعة متيقنا و قصد التعيين مشكوكا فيه و كان يجري اصالة عدم التعيين فتأمل.

(3) قوله قدس سره و فيه نظر الظاهر ان وجه النظر ما تقدم من ان اصالة الصحة من الاصول التعبدية فلا تصلح لمقاومة الظهور الذي هو من الامارات- أو انه و ان كانت هي من الامارات الا ان طريقيتها و اماريتها انما تكون في ظرف عدم الظهور فتدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 81

الثالث: من وجوه بيع البعض من الكل ان يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الأفراد المتصورة في تلك الجملة. (1)

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الثاني كما حققه في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرق الصيعان و قال بعتك أحدها ان المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين، فيكون بيعه مشتملا علي الغرر. و في هذا الوجه امر كلي غير متشخص و لا متميز بنفسه و يتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة و يوجد به و مثله ما لو قسم الارباع و باع ربعا منها من غير تعيين و لو باع ربعا قبل القسمة صح و تنزل علي واحد منها مشاعا لأنه حينئذ امر كلي.

فإن قلت المبيع في الاولي ايضا امر كلي قلنا: ليس كذلك بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة مبهم بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلي و بحسب الواقع جزئي غير معين و لا معلوم و المقتضي لهذا المعني هو تفريق الصيعان و جعل كل واحد منها برأسه فصار اطلاق احدها منزلا علي شخص غير معلوم فصار كبيع إحدي الشياة و أحد العبيد، و لو قال بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها لحكمنا بالصحة، انتهي.

______________________________

(1) الثالث من الوجوه المتصورة: ان يكون المبيع هو الكلي في المعين و الكلام فيه يقع في جهتين.

الأولي:

في تصويره.

الثانية: في حكمه.

اما الأولي: فليس المراد به الكلي الذمي المقيد بالوفاء من الصبرة المعينة بحيث ينحل العقد عليه الي العقد علي الكلي الذمي و اشتراط وفائه و ادائه من الصبرة الخاصة،

فان لازم ذلك انه لو تلفت الصبرة يكون المبيع باقيا مع ثبوت الخيار لتعذر الشرط،

مع ان الحكم في الكلي في المعين انه لو تلفت الصبرة يكون ذلك في حكم تلف المبيع و موجبا لانفساخ العقد.

مع ان لازمه جواز نقل الصبرة باجمعها الي الغير، و لا يلتزمون به في الكلي في المعين.

و ايضا لازمه جواز اداء المبيع من غير الصبرة، غاية الامر ثبت خيار تخلف الشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 82

و حاصله ان البيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق علي الافراد المتصورة في تلك الجملة. (1)

و في الإيضاح ان الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة و بين الفرد المنشر، ثمّ الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعني، كما هو صريح جماعة منهم: الشيخ و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم. بل الظاهر عدم الخلاف فيه و ان اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة علي الكلي أو الاشاعة، لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلي، و ان منشأ القول بالتنزيل علي الاشاعة هو بطلان بيع الكلي بهذا المعني، و الكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة، قال في الايضاح في ترجيح التنزيل علي الإشاعة: انه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين، فلا يكون معلوم العين و هو الغرر الذي يدل النهي عنه علي الفساد اجماعا، و لأن احدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح و لا بعينه هو المبهم و ابهام

المبيع مبطل،

انتهي.

______________________________

للمشتري، و لا يلتزمون به في المقام.

كما انه ليس المراد به الكلي الموجود خارجا في الصبرة، فان وجود الكلي بوجود افراده، فمع تعدد الافراد اما ان يقع العقد علي احدها المعين، أو غير المعين، أو علي جميع الوجودات، و لا رابع ليكون هو الكلي في المعين، و صرف الوجود بمعني ما لا يشذ عنه وجود لا يعقل انطباقه علي الوجودات المحدودة، و بمعني الناقض للعدم ليس له مصداق حقيقة، فان كل وجود بديل عدم نفسه،

بل المراد به هو الكلي المقيد بالصبرة الخارجية.

و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف قدس سره حيث قال.

(1) فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق علي الافراد المتصورة في تلك الجملة توضيح ذلك: ان الكلي كما يمكن تقييده بكلي آخر، و يكون القيد و المقيد كليا ثالثا اضيق من الأولين كالحنطة المقيدة بان تكون من محل مخصوص و بلد خاص، فيكون المجموع كليا ينحصر افراده في الموجود الخارجي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 83

و تبعه بعض المعاصرين مستندا تارة الي ما في الايضاح من لزوم الابهام و الغرر، (1) و اخري الي عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا علي وجه الاشاعة. (2)

و ثالثة: باتفاقهم علي تنزيل الارطال المستثناة من بيع الثمرة علي الاشاعة. (3) و يرد الاول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر، فكيف نسلم في الكلي و الثاني بأنه معهود في الوصية و الاصداق، مع انه لم يفهم مراده من المعهودية في مورد، فإن انواع الملك بل كل جنس لا يعهد تحقق احدها في مورد الآخر الا ان يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلي المشترك بين افراد موجودة، فيكفي في رده النقض

بالوصية و شبهها. هذا كله مضافا الي صحيحة الاطنان الآتية فإن موردها اما بيع الفرد المنتشر و أما بيع الكلي في الخارج.

و أما الثالث: فسيأتي الكلام فيه انشاء الله تعالي.

______________________________

و أما الثانية: فقد استدل لفساد البيع في هذه الصورة.

(1) بلزوم الغرر و بالجهالة،

(2) و بانه لم يعهد ملك الكلي في غير الذمة.

(3) و باتفاقهم علي تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة علي الإشاعة.

و لكن يمكن دفع الجميع،

اما الأول: فلعدم لزومه مع تساوي الأفراد من حيث القيمة.

و أما الثاني: فلما تقدم من عدم مانعية الجهل من حيث هو، مع انه لا جهالة هناك،

فان المبيع كلي و معلوم.

و أما الثالث: فلأن عدم المعهودية ممنوع، كيف و هو معهود في الوصية و الإصداق، مع ان عدم المعهودية لا يصلح دليلا للمنع.

و أما الرابع: فلأن حمل الكلام علي معني لظهوره فيه أو للتعبد لا يستدعي بطلان غيره لو صرح بارادته.

و بعبارة اخري: انه يدل علي الحمل علي الإشاعة إذا لم يحرز المراد، و محل الكلام ما لو احرز ان المراد هو الكلي في المعين، فالأظهر صحته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 84

مسألة: لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجود الثلاثة المتقدمة اعني الكسر المشاع أو علي الوجه الثالث و هو الكلي (1)
اشارة

بناء علي المشهور من صحته وجهان: بل قولان حكي، ثانيهما عن الشيخ و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة. و استدل له في جامع المقاصد بأنه السابق الي الفهم و برواية يزيد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل اشتري عن رجل عشرة آلاف طن من أنبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة، و الانبار فيه ثلاثون الف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت

______________________________

إذا باع صاعا من صبرة

(1) السادس: لو باع صاعا

من صبرة، فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجوه الثلاثة، اعني الكسر المشاع، أو الوجه الثالث- اي الكلي في المعين- بناء علي صحته وجهان.

و لا يخفي انه لا فرق في هذه المسألة بين ما لو كان هناك قصد معين و اريد تعيينه بظاهر اللفظ، و بين ما لو لم يكن قاصدا الا لمفهوم هذا اللفظ.

ثمّ انه و ان كانت الوجوه المتصورة من بيع بعض من متساوية الأجزاء اربعة، الا انه حيث تكون النكرة و الفرد المنتشر ماخوذة فيهما خصوصية من الخصوصيات زيادة علي وجود الطبيعي فتحتاج ارادة احدهما الي قرينة و دال آخر، و مع فقد ذلك لا محالة يدور الأمر بين ارادة الكسر المشاع، أو الكلي في المعين.

اللهم الا ان يقال: ان المصنف قدس سره يدعي ان مقتضي الوضع هو الفرد المنتشر، لكن ستعرف عدم تماميته،

و أما بناء علي مسلك الشيخ قدس سره فلعل وجه حصره الوجوه في الوجهين ما ذكره من ان احتمال ارادة المنتشر يدفع باصالة الصحة.

و كيف كان: فالكلام يقع اولا فيما يقتضيه النص الخاص ثمّ فيما يستفاد من اللفظ بحسب الظهور و أما النص و هو صحيح بريد «1» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 19- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 85

فاعطاه المشتري من ثمنه الف درهم و وكل من يقبضه، فاصبحوا و قد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن، فقال عليه السلام العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احرقت من مال البائع، و يمكن دفع الأول بأن مقتضي الوضع في قوله صاعا من صبرة هو الفرد المنتشر الذي عرفت سابقا أن

المشهور، بل الإجماع علي بطلانه و مقتضي المعني العرفي هو المقدار المقدر بصاع، و ظاهره حينئذ الاشاعة لأن المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع فيه. و أما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر كما اعترف به في الرياض، لكن الانصاف ان العرف يعاملون في البيع المذكور، معاملة الكلي، فيجعلون الخيار في التعيين الي البائع و هذه امارة فهمهم الكلي (1)

و أما الرواية فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر، فلا بأس بحملها علي الكلي لأجل القرينة الخارجية، و تدل علي عدم الاشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع، و كونه مالا للمشتري، فالقول الثاني لا يخلو من قوة، بل لم نظفر بمن جزم بالأول و ان حكاه في الايضاح قولا ثمّ انه يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا امور:

______________________________

فهو يشهد بالحمل علي الكلي في المعين، فانه لو كان المبيع كسرا مشاعا كان الباقي مشتركا بين البائع و المشتري، غاية الأمر كان ينفسخ البيع بالنسبة الي المقدار التالف،

فالحكم بكون الباقي للمشتري خاصة آية الحمل علي الكلي في المعين.

لا يقال: انه يلائم مع الفرد المنتشر ايضا.

فانه يقال: انه بعد ما عرفت من بطلان بيع الفرد المنتشر و عدم امكان تصحيحه و لو بالتعبد، يتعين حمل الخبر علي الكلي في المعين.

(1) و أما الثاني فالمشهور بين الاصحاب الحمل علي الكلي في المعين توضيح المقام: ان الصاع كسائر الفاظ اسماء الأجناس موضوع لطبيعي المعني، و هو المقدار الخاص مع قطع النظر عن جميع الخصوصيات، و تنوينه اما ان يكون تنوينا للتمكن و مجرد انحفاظ المادة في ضمن حركة اعرابية، أو يكون للتنكير. و علي الأول لا يزيد علي الطبيعي شي ء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 86

احدها: كون التخيير في

تعيينه بيد البائع، (1) لأن المفروض ان المشتري لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص، فلا يستحق علي البائع خصوصية،

فإذا طالب بخصوصية زائدة علي الطبيعة فقد طالب بما ليس حقا له، و هذا جار في كل من ملك كليا في الذمة أو في الخارج، فليس لمالكه اقتراح الخصوصية علي من عليه الكلي، و لذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا اوصي الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده و نحو ذلك

______________________________

و الثاني و ان كان يتوهم ظهوره في الفرد المنتشر كما في المكاسب حيث ادعي المصنف قدس سره ظهوره في ارادة الفرد المنتشر، إذ لا وجه له سوي ذلك- الا انه يمكن ان يقال:

ان المراد به مجرد عدم التعيين لا النكرة المصطلحة.

و أما كلمة من فهي للتبعيض، فمفاد هذه الجملة ارادة صاع من الحنطة غير المتعين من جهة الا من جهة كونه بعضا من الصبرة الموجودة في الخارج، فظاهرها هو الكلي المتقيد بالموجود الخارجي المشتمل علي افراد خارجية، و قد عرفت ان هذا هو الكلي في المعين.

و بعبارة اخري: ان ظاهرها ارادة صاع من الحنطة الذي هو بعض من مجموع هذه الصبرة الموجودة في الخارج، و هذا هو الكلي في المعين، إذ الكسر المشاع بعض من الجميع لا المجموع.

مضافا الي ان ارادة الكسر المشاع تخالف الظاهر من وجه آخر و هو اخذ الصاع مرآة و طريقا و معرفا للعشر أو الثمن أو نحو ذلك. و هذا بخلاف حمله علي الكلي في المعين،

فانه يكون الصاع بنفسه و عنوانه مبيعا.

هذا كله بناء علي مسلك المشهور في الكسر المشاع، و أما بناء علي ان الكسر المشاع عبارة عن ملكية تمام المال بالملكية الناقصة- كما

عرفت في مسألة بيع نصف الدار- فحمل العبارة المذكورة علي الكلي في المعين في غاية الوضوح كما لا يخفي.

ثمرات كون المبيع كليا في المعين أو مشاعا

و يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا امور:

(1) احدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع كما هو المشهور بين الأصحاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 87

إلا انه قد جزم المحقق القمي في غير موضوع من أجوبة مسائله بأن الاختيار في التعيين بيد المشتري (1) و لم يعلم له وجه مصحح فيا ليته قاس ذلك علي طلب الطبيعة حيث ان الطالب لما ملك الطبيعة علي المأمور و استحقها منه، لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون اخري، و كذلك مسألة التمليك كما لا يخفي، و أما علي الاشاعة فلا اختيار لاحدهما لحصول الشركة، فيحتاج القسمة الي التراضي.

و منها انه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه، (2) لأن كل فرد من افراد الطبيعة و ان كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه الا انه يتوقف علي تعيين مالك المجموع و اقباضه، فكلما تلف قبل اقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشتري فعلا فينحصر في الموجود

______________________________

(1) و خالف القوم المحقق القمي قدس سره، و ذهب الي ان التخيير في تعيينه بيد المشتري.

و الظاهر ان منشأ مخالفته للقوم قياسه تمليك الكلي في المعين بالأمر بالطبيعة و المشتري بالمأمور، فكما ان هناك يكون التخيير في تعيين الفرد بيد المأمور، كذلك التخيير فيه في المقام انما يكون بيد المشتري.

و فيه: ان الآمر بامره يصير مالكا لفرد من الطبيعي علي المأمور، و في المقام يصير المشتري مالكا علي البائع، فكان الحري قياس المشتري في المقام بالآمر هناك، فكما انه ليس اختيار الفرد هناك بيد الآمر، كذلك هنا ليس

بيد المشتري.

و بالجملة: إذا كان البائع مملكا للكلي في المعين يصير المشتري مالكا للطبيعي دون الخصوصيات، فليس له حق في الخصوصيات ليعين بعضا منها لنفسه، فلا محالة يكون الخيار بيد البائع. و هذا بخلافه علي الإشاعة، فان المال يكون مشتركا بينهما، فليس لأحدهما التعيين الا مع رضا الآخر.

(2) و منها: انه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه و الوجه في ذلك: انه مع بقاء مصداق واحد للكلي لا يكون الكلي تالفا، بل هو موجود، و حيث انه لا تعدد لمصداقه لا محالة يكون حق المشتري منحصرا فيه، و يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 88

و هذا بخلاف المشاع فإن ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة الي اختيار و اقباض، فكلما يتلف من المال فقد تلف من المشتري جزء بنسبة حصته.

و منها أنه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر.

فالظاهر انه إذا بقي صاع واحد كان للأول، (1) لأن الكلي المبيع ثانيا، انما هو سار في مال البائع، و هو ما عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه ساريا، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض (2) و هذا بخلاف ما لو قلنا بالاشاعة،

______________________________

نظير ما لو امر بطبيعة و انحصر مصداقها في فرد واحد، فانه يتعين كونه مأمورا به.

و هذا بخلافه علي الإشاعة، فان كل ما تلف يكون مشتركا بينهما، و كذلك الباقي.

و منها: انه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا ففي المتن.

(1) انه إذا بقي صاع

واحد كان للاول.

و قد ذكروا في وجه تعين الصاع الباقي للمشتري الأول و بكون المبيع بالنسبة الي الثاني من قبيل ما تلف قبل قبضه امرين:

(2) الأول: ما افاده المصنف قدس سره. و حاصله: ان البائع بعد ما باع صاعا من الصبرة- التي هي عشرة اصوع- يكون مالكا لتسعة اصوع، فالمبيع الثاني يكون ساريا فيما يملكه البائع، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي ساريا فيه، فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض.

و فيه: ان تسعة اصوع للمالك بعد البيع الأول لا تميز لها واقعا كي يكون سريان الصاع المبيع ثانيا فيها. و بعبارة اخري: كل من المبيعين يكون كليا قابلا للانطباق علي كل فرد من افراد الصبرة، و ما دام لم يتلف ما عدا الصاع الواحد يكون كل منهما علي حد سواء في التطبيق علي كل فرد منها، و لا امتياز لأحدهما علي الآخر، فبعد التلف ايضا تكون هذه النسبة باقية. و ان شئت قلت: ان الأولية انما تكون في المبيع و هو الكلي لا في التطبيق علي الفرد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 89

ثمّ اعلم ان المبيع انما يبقي كليا ما لم يقبض. و أما إذا قبض (1) فإن قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري، (2) و ان قبض في ضمن الباقي بأن اقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء و الباقي امانة حصلت الشركة لحصول ماله في يده و عدم توقفه علي تعيين و اقباض، حتي يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا و ينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف علي البائع دون المشتري ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما (3)

______________________________

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو:

انه إذا لم يبق الا مقدار حق أحد المشتريين فحيث ان المشتري الأول سابق علي الثاني في المعاملة، فهو سابق في صرف الطبيعي الي نفسه، و جره الي ملكه و جعله منطبقا علي الصاع الباقي و يزاحم الآخر في صرف الوجود من الطبيعي.

و فيه: انه إذا كان هناك تزاحم في بادئ الأمر كان ما ذكر متينا- كما لو فرضنا انه لم يكن له الا صاع من الصبرة- و أما إذا لم يكن التزاحم الا بقاء فمن حين حدوث التزاحم لا أولوية لأحدهما علي الآخر، إذ التقدم يكون في الحدوث، و في ذلك الحين لم يكن تزاحم،

و عليه فالأظهر انه لا ترجيح لأحدهما علي الآخر، فالباقي بما ان نسبته اليهما علي حد سواء فيحكم بان لكل منهما نصفا منه، و بالنسبة الي النصف الآخر يكون من قبيل تلف المبيع قبل القبض.

(1) ثمّ المبيع انما يبقي كليا ما لم يقبض: و أما ان قبض فلإقباضه صور اربع الأولي: ان يعين الكلي في فرد و يقبضه المشتري.

الثانية: ان يقبضه المجموع بعد تعيين الكلي المبيع في الكسر المشاع.

الثالثة: ان يقبضه المجموع، بان يكون كل واحد منها وفاء و الكليات الاخر امانة.

الرابعة: ان يقبضه المجموع بعنوان الأمانة حتي يعين حصة الكلي فيما بعد.

(2) لا اشكال و لا كلام في الصورة الأولي، فانه لو تلف المقبوض يحسب علي المشتري.

(3) كما لا إشكال في انه يحسب التالف عليهما في الصورة الثانية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 90

و الحاصل ان كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا أو بعضا ملكا فعليا للمشتري، و الملك الفعلي له حينئذ هو الكلي الساري فالتّالف المعيّن غير قابل لكون جزئه محسوبا علي المشتري، لأن تملكه لمعين موقوف

علي اختيار البائع و اقباضه فيحسب علي البائع بخلاف التالف بعد الاقباض، فإن تملك المشتري لمقدار منه حاصل فعلا لتحقق الاقباض، فنسبة كل جزء معين من الجملة الي كل من البائع و المشتري علي حد سواء. نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع علي وجه الايفاء بل علي وجه التوكيل في التعيين أو علي وجه الامانة، حتي يعين البائع بعد ذلك كان حكمه حكم ما قبل القبض، (1) هذا كله مما لا إشكال فيه، و انما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات، و استثني منها ارطالا معلومة، انه لو خاست الثمرة سقط من المستثني بحسابه. (2)

و ظاهر ذلك تنزيل الارطال المستثناة علي الاشاعة، و لذا قال في الدروس:

______________________________

و بعبارة اخري: لا ينبغي التوقف في حكم الصورة الثانية، و انه يحسب التالف عليهما بالنسبة، لأن التعيين بيد البائع، من غير فرق بين ان يكون بنحو الإفراز أو الإشاعة.

(1) و أما الصورة الثالثة: فان تلف المجموع يكون من التلف بعد القبض، و أما ان تلف البعض فلا وجه لحساب التالف عليهما، فان المبيع بعد القبض علي كليته من دون ان يكون متعينا في فرد بنحو الإفراز أو الإشاعة، فإذا كان الباقي بمقدار المبيع فلا يكون المبيع الكلي تالفا لقابلية تطبيقه علي هذا الفرد.

و أما الصورة الرابعة: فبالنسبة الي التعيين حكمها حكم الصورة السابقة.

و أما بالنسبة الي الإقباض الذي اثره انه لو تلف المجموع يكون من التلف بعد القبض، فالظاهر ايضا اتحاد حكمها مع الصورة السابقة، إذ لا يعقل ان يكون مال الشخص امانة عنده، فلا محالة يكون اقباضا.

الفرق بين الاستثناء و البيع

(2) قوله و انما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات … سقط من

المستثني بحسابه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 91

ان في هذا الحكم دلالة علي تنزيل الصاع من الصبرة علي الاشاعة، و حينئذ يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين حيث ان مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق علي تنزيلها علي الإشاعة، و المشهور هنا التنزيل علي الكلي و هو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة، و فيه ان النص ان استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده الي مسألة الاستثناء أو بيان الفارق و خروجها عن القاعدة، و ان اقتصر علي مورده لم يتعد الي غير مورده حتي في البيع، الا بعد ابداء الفرق بين موارد التعدي و بين مسألة الاستثناء.

و بالجملة فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء علي التعدي عن مورده الشخصي و اضعف من ذلك الفرق بقيام الاجماع علي الاشاعة في مسألة الاستثناء لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها الي توقيف بالخصوص و اضعف من هذين الفرق بين مسألة الاستثناء و مسألة الزكاة و غيرهما مما يحمل الكلي فيها علي الاشاعة و بين البيع باعتبار القبض في لزوم البيع و ايجابه علي البائع فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلي المشتري إذ هو شبه الكلي في الذمة

______________________________

محصل الإشكال: ان الأصحاب في مسألة استثناء الأرطال افتوا بانه لو تلفت الثمرة سقط من المستثني بحسابه، و لازم ذلك الحمل علي الإشاعة، و حينئذ يقع الإشكال في الفرق بين المسألتين،

حيث ان ظاهرهم في مسألة الأرطال الحمل علي الاشاعة، و في المقام الحمل علي الكلي في المعين،

و ايضا فان لهم في مسألة الأرطال فتويين لا تلائمان مع الإشاعة:

احداهما: انه لو تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي.

ثانيتهما: استقلال المشتري في التصرف.

و قد ذكروا في مقام الفرق وجوها،

و قد ذكر المصنف قدس سره جملة منها مع ما يرد عليها فلا حاجة الي الإعادة و التوضيح و منها: ما افاده المصنف قدس سره في آخر كلامه، و حاصله: ان المستثني كما يكون كليا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 92

و فيه مع ان إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة و الاستثناء ان ايجاب القبض علي البائع يتوقف علي بقائه إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف و الحكم بالبقاء يتوقف علي نفي الاشاعة، فنفي الاشاعة بوجوب الاقباض لا يخلو عن مصادرة، كما لا يخفي. و أما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له اصلا في الفرق و مثله في الضعف لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض فيلزم علي البائع تسليم المبيع منها و ان بقي قدره، فلا ينقص المبيع لأجله بخلاف الاستثناء، فإن التلف فيه بعد القبض و المستثني بيد المشتري امانة علي الاشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما.

و لهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا بخلاف البائع هناك، انتهي.

و فيه مع ما عرفت من ان التلف من الصبرة قبل القبض إنما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة، فكيف يثبت به، انه ان أريد من كون التلف

______________________________

كذلك يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل الي المشتري كليا، بمعني انه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع، فكل منهما مالك للكلي، و نسبة الموجود الي كل منهما علي حد سواء، فتخصيص احدهما به ترجيح بلا مرجح، فتكون نسبة التالف اليهما علي حد سواء فيحسب عليهما.

و أما في البيع، فان المبيع و ان كان كليا الا ان مال البائع لم يلاحظ بعنوان كلي.

و

فيه: اولا: ان الخصوصيات اما ان تكون باقية علي ملك البائع في مسألة الاستثناء،

أو تكون داخلة في ملك المشتري. فعلي الأول: حكم المشتري في المقام حكمه في تلك المسألة فلا وجه لحساب التالف عليه و علي الثاني كان حكم المشتري هناك حكم البائع في المقام فلا وجه لحساب التالف علي البائع.

و ثانيا: ان ظاهر بيع المجموع الا مقدارا منها بيع الموجود الخارجي لا الكلي.

و ثالثا: انه لا يرتفع بذلك اشكال استقلال المشتري في التصرف، كما لا يرتفع به اشكال انه لو تلف بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 93

في مسألة الاستثناء بعد القبض انه بعد قبض المشتري، ففيه انه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشتري و لا كلام فيه و لا إشكال و انما الاشكال في الفرق بين المشتري في مسألة الصاع و البائع في مسألة الاستثناء حيث ان كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه فكيف يحسب نقص التالف علي احدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلي و ان آريد من كون التلف بعد القبض ان الكلي الذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك فإذا دفع الكل الي المشتري فقد دفع مالا مشتركا فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع الصبرة الي المشتري، فالاشتراك كان قبل القبض، ففيه ان الأشكال بحاله إذ يبقي سؤال الفرق بين قوله: بعتك صاعا من هذه الصبرة و بين قوله بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها، و ما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول؟

مع كون مقتضي الكلي عدم تعين فرد منه أو جزء منه لمالكه،

إلا بعد إقباض مالك الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء، فإن كون الكل بيد البائع المالك للكلي لا يوجب الاشتراك هذا مع انه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد

______________________________

و منها: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان المبيع في بيع الصاع كلي و لا يملك المشتري من الخصوصيات شيئا، فما دام يكون صاع من الصبرة موجودا لا وجه لحساب التالف عليه، و المبيع في مسألة الاستثناء ايضا و ان كان كليا الا ان البائع يملك الكلي مع الخصوصية، فاحتساب التالف علي المشتري لا وجه له، بل يحسب عليهما، و مقتضي استحقاقه الكلي ان يستحق الباقي لو اتلف المشتري مقدارا من الثمرة، لأن حقه لم يكن مشاعا في مال المشتري حتي يستحق القيمة، و علي هذا يرتفع اشكال جواز تصرف المشتري في الثمرة بلا رضا من البائع، لأنه لم يكن شريكا معه بعنوان الإشاعة.

و فيه: ان البائع ان كان مالكا لجميع الخصوصيات كان المشتري كالمشتري في مسألة شراء الصاع لا وجه لحساب التالف عليه، و ان ملك بعض الخصوصيات بنحو الإشاعة عاد سؤال الفرق، و ان ملك بعضها بنحو الفرد المنتشر بطل البيع كما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 94

العقد بالاشتراك و عدم جواز تصرف المشتري الا باذن البائع كما يشعر به فتوي جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني بانه لو فرط المشتري وجب اداء المستثني من الباقي و يمكن ان يقال ان بناء المشهور في مسألة استثناء الارطال ان كان علي عدم الاشاعة قبل التلف و اختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوي جماعة منهم بانه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي

و يؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء الارطال المعلومة من الثمرة علي استقلال المشتري في التصرف و عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء،

فالمسألتان مشتركتان في التنزيل علي الكلي و لا فرق بينهما الا في بعض ثمرات التنزيل علي الكل و هو حساب التالف عليهما، و لا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق الا دعوي ان المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع، و ان كان بنائهم علي الاشاعة من اول الأمر امكن ان يكون الوجه في ذلك ان المستثني كما يكون ظاهرا في الكلي كذلك

______________________________

و منها: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره و حاصله: ان ظهور الصاع في بيع الصاع من الصبرة في الكلي في المعين لا مزاحم له، و ظهوره فيه في مسألة الاستثناء مزاحم مع ظهور الاستثناء في كونه متصلا لا منقطعا، و هو اقوي فلا محالة يكون المستثني جزئيا اخرج من الجزئيات،

و حيث ان الجزئي المفروز اما مجهول أو مردد، و الأول باطل و الثاني محال،

فلا بد من حمله علي الجزئي بجزئية منشأ انتزاعه و هو الكسر المشاع.

و فيه: - مضافا الي انه بهذا لا يرتفع اشكال استقلال المشتري في التصرف، و انه لو تلف المجموع بتفريط من المشتري كان حصة البائع في الباقي- ان استثناء الكلي من المجموع ليس استثناء منقطعا بل يكون متصلا: لأن الاستثناء المتصل هو ما لو اخرج شي ء لو لم يكن استثناء كان داخلا في المستثني منه، و في المقام كذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 95

يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل إلي المشتري بالبيع كليا، بمعني انه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع فمعني بعتك هذه الصبرة الا صاعا منها

بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع، فهو كلي كنفس الصاع فكل منهما مالك لعنوان كلي، فالموجود مشترك بينهما لأن نسبة كل جزء منه الي كل منهما علي نهج سواء، فتخصيص احدهما به ترجيح من غير مرجح، و كذا التالف نسبته إليهما علي السواء فيحسب عليهما، و هذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا، فإن مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا بعتك صاعا من هذه الصبرة، إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتي يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع.

فإن قلت: ان مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا في الخارج فيكون كليا كنفس الصاع، قلت: نعم، و لكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتي يبقي ما بقي ذلك العنوان ليكون الباقي بعد تلف البعض مصداقا لهذا العنوان و عنوان الصاع علي نهج سواء ليلزم من تخصيصه باحدهما الترجيح من غير مرجح فيجي ء الاشتراك، فإذا لم

______________________________

فالحق ان يقال: ان المستثني في مسألة الأرطال ايضا كلي، و لذا يكون المشتري مستقلا في التصرف، و لكن حيث انه لا إشكال عند العرف في انه لو تلف المجموع الا مقدار المستثني ليس ذلك للبائع خاصة، يستكشف من ذلك ان المستثني هو الكلي ذو مراتب،

و يكون الاستثناء في قوة استثنائات عديدة متنازلة شيئا فشيئا، فمجموع الأرطال تكون مستثناة مع بقاء مجموع الثمرة، و شي ء منها نسبته الي الباقي نسبة المجموع الي المجموع مع تلف شي ء منه، و عدم الاستثناء مع تلف الجميع.

و بعبارة اخري: ان المستثني هو الكلي المتقدر بالكسر المشاع كعنوان العشر مثلا،

فكلما تلف يحسب عليهما لا محالة، و مع ذلك يستقل المشتري بالتصرف، و لا يلزم من ذلك غرر، فان المستثني

متعين و هو عشر المجموع مثلا. و أما وجه انه لو تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي، فالظاهر انه يكون هو الشرط الضمني لبناء المتعاملين علي ذلك كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 96

فإذا لم يبق الا صاع كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم بكونه مالكا له و لا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع فتأمل.

هذا ما خطر عاجلا بالبال، و قد اوكلنا تحقيق هذا المقام الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر الي نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفي الله عن الزلل في المعاثر، قال في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد: ان اقسام بيع الصبرة عشرة (1) لأنها اما يكون معلومة المقدار أو مجهولة، فإن كانت معلومة صح بيعها اجمع و بيع جزء منها معلوم مشاع، و بيع مقدار كقفيز تشتمل عليه و بيعها كل قفيز بكذا (2) لا بيع كل قفيز منها بكذا، (3)

______________________________

اقسام بيع الصبرة

(1) قال في محكي الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد: ان اقسام بيع الصبرة عشرة.

(2) لا يخفي انه إذا كانت الصبرة معلومة المقدار صح بيعها في اربعة اقسام:

احدها: بيع جميع الصبرة.

ثانيها: بيع جزء معلوم منها كالعشر.

ثالثها: بيع صاع أو صيعان منها مع العلم باشتمالها علي هذا المقدار.

رابعها: بيع الصبرة جميعها كل صاع منها بكذا.

إذ المثمن في هذه الأقسام كالثمن معلوم،

و بطل في القسم الخامس،

(3) و هو بيع كل صاع منها بكذا،

لأن المبيع حينئذ غير معلوم فيكون البيع غرريا لصلاحية انطباق كل صاع بكذا علي الواحد و الزيادة.

و عن المحقق النائيني قدس سره: انه يظهر مما افاده الشيخ في بعض كتبه من صحة الإجارة لو قال المؤجر: آجرتك الدار كل شهر بكذا في الشهر الأول، لتضمن

هذا القول اجارة هذا الشهر يقينا صحة البيع في المقام بالنسبة الي صاع واحد.

و فيه: - مضافا الي فساد المبني كما نبه هو عليه من جهة ان تردد متعلق العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 97

و المجهولة كلها باطلة (1) الا الثالث و هو بيع مقدار معلوم يشتمل الصبرة عليه و لو لم يعلم باشتمالها عليه (2) فظاهر القواعد و المحكي عن حواشي الشهيد و غيرها عدم الصحة و استحسنه في الروضة، ثمّ قال: و لو قيل بالاكتفاء بالظن باشتمالها عليه كان متجها و المحكي عن ظاهر الدروس و اللمعة: الصحة قال فيها، و ان نقصت تخير بين اخذ الموجود منها بحصة من الثمن و بين الفسخ لتبعض الصفقة و ربما يحكي عن المبسوط و الخلاف خلافه و لا يخلو عن قوة، و ان كان في تعيينه نظر، لا لتدارك الضرر «الغرر» بالخيار لما عرفت غير مرة من ان الغرر انما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار الذي هو من أحكام العقد، فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد، بل لمنع الغرر و ان قيل عدم العلم بالوجود من اعظم افراد الغرر، قلنا: نعم، إذا بني العقد علي جعل الثمن في مقابل الموجود.

و أما إذا بني علي توزيع الثمن علي مجموع المبيع الغير معلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا و ربما يحتمل الصحة مراعي بتبين اشتمالها عليه.

______________________________

بين الأقل و الأكثر يقتضي الجهل به- انه لو تم لما امكن البناء علي الصحة في المقام،

إذ في الأصل يدعي ان اجارة الشهر الأول متيقنة، و ذلك الشهر ممتاز عما عداه.

و أما في الفرع فلا يمكن ان يقال ان بيع الصاع الواحد متيقن، فانه ان اريد به الواحد

الشخصي فهو لتردده بين الأفراد لا يصح كما تقدم، و ان اريد به الكلي في المعين فهو غير متيقن، إذ لو اخذ المشتري تمام الصبرة لم يقع العوض في مقابل الكلي في المعين، بل وقع بازاء الأشخاص الخارجية. فالأظهر هو البطلان في هذا القسم.

(1) و أما اقسام بيع الصبرة المجهولة المقدار فلا كلام في بطلان بيع ثلاثة اقسام منها،

و هي: بيع جميع الصبرة، و بيع جزء معين منها كالعشر، و بيع كل صاع منها بكذا.

كما لا إشكال في صحة بيع مقدار معين منها كالصاع مع العلم باشتمالها عليه، انما الكلام وقع في موردين:

(2) الأول: في حكم القسم الأخير مع عدم العلم باشتمال الصبرة عليه.

الثاني: في حكم بيع جميعها كل صاع منها بكذا، الذي حكمنا فيه بالصحة في المعلومة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 98

و فيه ان الغرر ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال هذا، و لكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة الا مع العلم بالاشتمال أو الظن الذي يتعارف الاعتماد عليه و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال.

و أما الرابع مع الجهالة و هو بيعها كل قفيز بكذا، فالمحكي عن جماعة المنع و عن ظاهر اطلاق المحكي من عبارتي المبسوط و الخلاف انه لو قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع، قال في الخلاف لأنه لا مانع منه و الاصل جوازه. (1)

و ظاهر اطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال، و عن الكفاية نفي البعد عنه إذ المبيع معلوم بالمشاهدة و الثمن مما يمكن ان يعرف بأن يكال الصبرة و يوزع الثمن علي قفزاتها، (2) قال: و له نظائر ذكر جملة منها في التذكرة و فيه نظر.

______________________________

اما المورد الأول: فعن القواعد و

التذكرة و حواشي الشهيد و الروضة و غيرها:

البطلان، و عن ظاهر الدروس و اللمعة: الصحة. و الأظهر هو الأول للغرر.

و غاية ما قيل في وجه الصحة و منع الغرر: ان بناء العقد علي توزيع الثمن علي مجموع المبيع، فكل جزء من ذلك يقابل بجزء من الثمن، فما كان من المبيع موجودا يصح البيع بالإضافة إليه، و ما لم يكن موجودا بطل بالقياس إليه و ثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة.

و فيه: انه لو سلم ارتفاع الغرر بذلك، لما كان مجديا بعد اعتبار معلومية كيل المبيع أو وزنه ان كان مكيلا أو موزونا، مع ان ارتفاع الغرر غير ثابت، فانه و ان ارتفع من حيث المالية الا انه لا يرتفع من حيث الغرض المعاملي.

و بعبارة اخري: الجهل بوجود المبيع غرر عرفا كما لا يخفي، فالأظهر هو الفساد.

(1) و أما المورد الثاني: فالمشهور علي ما نسب إليهم البطلان، و عن الشيخ في الخلاف: انه لا مانع منه و الأصل جوازه، و عن الكفاية: انه غير بعيد.

(2) و استدل للصحة: بان المبيع معلوم بالمشاهدة، و الثمن مما يمكن ان يعرف بان يكال الصبرة و يوزع الثمن علي قفزاتها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 99

مسألة: إذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها، (1)
اشارة

فإن اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة الي غيرها المجهول عند المتبايعين، فلا يصح البيع الا بذكر صفات تصحح بيع الغائب، لأن الرؤية القديمة غير نافعة و ان اقتضت العادة بقائها عليها، فلا إشكال في الصحة و لا خلاف أيضا إلا من بعض الشافعية و ان احتمل الامران جاز الاعتماد علي أصالة عدم التغير و البناء عليها في العقد،. (2)

______________________________

و فيه: ان المعلومية بالمشاهدة لا تكفي فيما يعتبر في صحة بيعه الكيل أو الوزن، مع انه

يلزم الغرر، فالأظهر هو البطلان.

كفاية مشاهدة العين سابقا

(1) و فيما يكفي المشاهدة لصحة العقد لو شاهد عينا في زمان سابق علي العقد: فلا اشكال في صحة العقد مع قضاء العادة ببقائها علي ما هي عليه،

كما لا إشكال في الفساد مع قضاء العادة تغيرها عن صفاتها السابقة الي غيرها المجهول عند المتبايعين للزوم الغرر،

انما الكلام في موردين:

الأول: في انه لو اقتضت العادة التغير هل يمكن تصحيح العقد باخبار البائع أو الاشتراط في ضمن العقد ام لا؟

الثاني: في حكم ما لو احتمل الأمران.

اما الأول: فالظاهر صحة البيع مع اخبار البائع إذا كان مؤتمنا، أو اشتراط تلك الصفات في ضمن العقد. اما مع اخبار البائع فللنصوص «1» الواردة في اخبار البائع بالكيل أو الوزن المتقدمة بناء علي الغاء خصوصية موردها و التعدي الي سائر الخصوصيات التي يكون الجهل بها موجبا للغرر، و أما مع الاشتراط فلارتفاع الغرر به.

و أما المورد الثاني: فقد افاد المصنف قدس سره: انه.

(2) جاز الاعتماد علي اصالة عدم التغير و البناء عليها في العقد فيكون نظير اخبار البائع بالكيل أو الوزن، لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 100

فيكون نظير أخبار البائع بالكيل و الوزن، لأن الاصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها و لو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليها لحصول امارة علي خلافه فإن بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول، و هو ما اقتضي العادة تغيره لم يجز البيع و إلا جاز مع ذكر تلك الصفات لا بدونه، لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها، بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول

إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا، لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة،

______________________________

و فيه: ان الغرر لا يرتفع بالأصل. و ان شئت قلت: انه انما يجري الاستصحاب فيما كان الأثر مترتبا علي المتيقن و أما بالنسبة الي اثر العلم فلا يكون الاستصحاب مفيدا بالإضافة إليه: فان الاستصحاب ان جري و حكم ببقاء الحالة السابقة مع تحقق الشرائط من اليقين السابق و الشك اللاحق و ثبوت الأثر للمتيقن تترتب عليه آثار العلم التي تكون مترتبة عليه من حيث انه موجب للجري العملي علي طبق الحالة السابقة دون غيرها و أما إذا لم يكن هناك اثر للمتيقن فلا يجري كي يقوم مقام القطع في تلك الآثار.

و في المقام ان ارتفاع الغرر بما انه من آثار العلم فلا يترتب علي الاستصحاب مضافا الي انه من آثار العلم بما هو طريق لا بما انه مقتض للجري العملي و عليه فلا يفيد الاستصحاب في المقام.

و لكن مع ذلك يمكن تصحيح العقد: بان ايقاع المعاملة علي العين المرئية سابقا يكون له ظهور عرفي في اشتراط وجود تلك الصفات و ليست هي من قبيل الأوصاف التي لا دخل لها في العقد كي لا يكفي مجرد البناء بل هي من قبيل الأوصاف التي تقع المعاملة مبنية عليها التي هي بمنزلة الأوصاف المذكورة: و لا إشكال في ارتفاع الغرر بذلك.

اللهم الا ان يقال ان ارتفاع الغرر من حيث المالية بذلك و ان كان لا إشكال فيه كما في سائر موارد الاشتراط.

الا ان الغرر من حيث الغرض المعاملي لا يرتفع به. فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 101

و كيف كان فإذا باع أو اشتري برؤية قديمة، فانكشف التغير تخير المغبون

(1)

و هو البائع، ان تغير الي صفات زادت في ماليته و المشتري ان نقصت عن تلك الصفات لقاعدة الضرر، و لأن الصفات المبني عليها في حكم الصفات المشروطة (2)

فهي من قبيل تخلف الشرط، كما اشار إليه في نهاية الاحكام و المسالك بقولهما:

الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئي فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط، انتهي.

و توهم ان الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها، فما نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد مدفوع، بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد صيرورتها مأخوذة فيه حتي لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد و الصفات المرئية سابقا حيث ان البيع لا يصح الا مبنيا عليها كانت دخولها في العقد اولي من دخول الشرط المذكور علي وجه الشرطية، و لذا لو لم يبن البيع عليها و لم يلاحظ وجودها في البيع كان البيع باطلا

______________________________

(1) قوله و كيف كان فإذا باع أو اشتري برؤية قديمه فانكشف التغير تخير المغبون و تفصيل القول: ان صور البيع بالرؤية القديمة ثلاث:

الأولي: العلم العادي ببقاء تلك الصفات.

الثانية: اخبار البائع بها.

الثالثة: ايقاع المعاملة مبنيا عليها.

اما في الصورة الأولي و الثانية فالأظهر صحة العقد و لزومه اما الصحة: فلما تقدم و أما لزومه: فلأنه لا موجب للخيار لا خيار الغبن: لأن ذلك الخيار مورده زيادة القيمة السوقية أو نقصها، و لا خيار الرؤية لما سيأتي من اختصاصه بما إذا اشترط الوصف، و لا خيار الشرط لعدمه، و لا غير ذلك، و هو واضح.

(2) و أما في الصورة الثالثة: فالأظهر ثبوت خيار الشرط لما تقدم من ان الصفات المبني عليها العقد في حكم الصفات

المشروطة كما افاده المصنف قدس سره.

و ما عن العلامة في نهاية الأحكام من احتمال البطلان، يمكن ان يكون مدركه احد امور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 102

فالذكر اللفظي انما يحتاج إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد و احتمل في نهاية الاحكام البطلان، و لعله لأن المضي علي البيع و عدم نقضه عند تبين الخلاف ان كان وفاء بالعقد وجب فلا خيار، و إن لم يكن وفاء لم يدل دليل علي جوازه، و بعبارة اخر العقد إذا وقع علي الشي ء الموصوف انتفي متعلقه بانتفاء صفته،

و إلا فلا وجه للخيار (1) مع اصالة اللزوم، و يضعفه ان الاوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع. اما ببناء العقد عليها و أما بذكرها في متن العقد لا يعد، من مقومات للعقد، كما انها ليست من مقومات المبيع، ففواتها فوات حق للمشتري ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه، و تمام الكلام في باب الخيار انشاء الله تعالي

______________________________

(1) الاول: ما افاده المصنف قدس سره من ان العقد إذا وقع علي الشي ء الموصوف انتفي متعلقه بانتفاء صفته، و الا فلا وجه للخيار.

الثاني: ان المعتبر في صحة العقد عدم كونه بنفسه غرريا، و الاشتراط لا يرفع غررية البيع.

الثالث: ان الشرط الذي لم يذكر في العقد لا عبرة به.

و الجميع كما تري اما الأول: فللنقض بجميع الشروط، و للحل، فان الشرط التزام في ضمن التزام.

و سيأتي توضيح ذلك في محله.

و أما الثاني: فلأن الشرط يوجب رفع الغرر عن البيع و عدم كونه غرريا.

و أما الثالث: فلأن الشرط غير المذكور في العقد علي قسمين:

الأول: ما يقع العقد مبنيا عليه و يكون له ظهور عرفي فيه.

الثاني: ما

لا يكون كذلك و ما ذكر يتم في الثاني من جهة انه في باب العقود و الإيقاعات لا عبرة بالبناءات القلبية ما لم تبرز،

و لا يتم في الأول، إذ لا يعتبر فيها غير الإبراز شي ء آخر من كون الإبراز بالدلالة المطابقية لا الالتزامية.

فالأظهر هي الصحة و الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 103

فرعان الأول: لو اختلفا في التغيير فادعاه المشتري، (1) ففي المبسوط و التذكرة في الايضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك تقديم قول المشتري، لأن يده علي الثمن، كما في الدروس و هو راجع إلي ما في المبسوط و السرائر من ان المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن و لا ينتزع منع الا باقراره أو ببينة تقوم عليه، انتهي (2)

______________________________

حكم ما لو اختلفا في التغير

فرعان:

(1) قوله الأول: لو اختلفا في التغير فادعاه المشتري فعن المبسوط و التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد و المسالك و غيرها تقديم قول المشتري، و استدلوا له باصول ستمر عليك،

و قبل بيانها لا بد و ان يعلم ان مورد الكلام في هذا الفرع ما لو اتفقا علي الصفات الموجودة حال العقد و كان الاختلاف في انها هي الصفات المرئية أو ان الصفات المرئية كانت غيرها، لاما لو اتفقا علي الصفات المرئية و كان الاختلاف في انها كانت باقية الي حين العقد ام لا: فانه في هذه الصورة يجري استصحاب بقائها علي ما كانت عليه و هو حاكم علي جميع الأصول المفروضة.

و ايضا الغرض من الأصول التي تمسكوا بها تشخيص المدعي عن المنكر، و أما انه علي فرض كون المشتري منكرا يثبت له الخيار فهو انما يكون بموازين باب القضاء من اليمين و البينة.

فايراد المحقق الخراساني قدس سره علي القوم منهم المصنف بان

الخيار لا يثبت بالأصل لترتبه علي عنوان الضرر غير الثابت به، في غير محله.

إذا عرفت هذين الأمرين.

فاعلم: ان الأساطين القائلين بتقديم قول المشتري استندوا الي وجوه:

(2) الأول: ان المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن، و لا ينتزع منه الا باقراره أو ببينة تقوم عليه، و ليس المراد بذلك استصحاب بقاء علقة المشتري بالثمن بناء علي ان الخيار من مراتب العلقة الملكية التي كانت قبل البيع، إذ المبني فاسد لأن الملكية من سنخ الوجود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 104

و تبعه العلامة ايضا في صورة الاختلاف في اوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه برؤية حيث تمسك باصالة براءة ذمة المشتري من الثمن فلا يلزمه ما لم يقرّبه أو يثبت بالبينة و لأن البائع يدعي علمه بالمبيع علي هذا الوصف الموجود و الرضا به و الاصل عدمه كما في التذكرة و لأن الاصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع المقاصد، و يمكن ان يضعف الأول بأن يد المشتري علي الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد امانة غاية الأمر انه يدعي سلطنته علي الفسخ فلا ينفع تشبثه باليد الا ان يقال ان وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع علي الثمن (1) بناء علي ما ذكره العلامة في احكام الخيار من التذكرة و لم ينسب خلاف إلا إلي بعض الشافعية من عدم وجوب تسليم الثمن، و المثمن في مدة الخيار و ان تسلم الآخر، و حينئذ فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع علي اخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه الا اصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجي ء.

______________________________

و ليست ذا مراتب،

بل المراد به ظهور اليد في كون المشتري مسلطا علي الثمن بالتصرف فيه و

لو بالفسخ، فحينئذ ان كان الثمن بيده فلا كلام و الا فيستصحب بقاء سلطنته المطلقة علي الثمن.

و فيه: ان يد المشتري علي الثمن بعد المعاملة يد امانية و ليست امارة تسلطه عليه،

و ادعاء المشتري تسلطه علي الفسخ لا يفيد كما لا يخفي.

(1) و المصنف قدس سره بعد هذا الجواب قال: الا ان يقال ان وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع.

و حاصله: انه بناء علي ما ذكره العلامة قدس سره في التذكرة من ان البائع لا يكون مسلطا علي تسلم الثمن في زمان الخيار كما ان المشتري لا يكون مسلطا علي تسلم المثمن في ذلك الزمان يصير البائع مدعيا و المشتري منكرا لموافقة قوله للأصل من وجه آخر و هو انه مع الشك في ثبوت الخيار يشك في حدوث سلطنة كل من البائع و المشتري و الاصل عدمها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 105

______________________________

فمقتضي الأصل عدم تسلط البائع علي تسلم الثمن من المشتري، فإذا صار المشتري منكرا ثبت له الخيار بمقتضي قوانين باب القضاء ثمّ قال: انه لا مدفع لهذا الأصل الا اصالة عدم سبب الخيار.

و الحق في الجواب عن هذا الوجه ما افاده المصنف قدس سره في مبحث الخيارات بقوله:

اني لا أجد لهذا الحكم وجها معتمدا، و لم اجد من عنونه و تعرض لوجهه.

و لا ينافيه ما افاده في مبحث خيار المجلس بما حاصله: انه لو قلنا بوجوب التقابض في عقد الصرف و السلم، فثمرة الخيار واضحة و هي عدم وجوب التقابض.

كما توهمه المحقق النائيني قدس سره،

فان الظاهر ان مراده انه لو ثبت الخيار حيث ان له الفسخ لو فسخ لما وجب التقابض، و هذه ثمرة الخيار لا انه لا يجب التقابض مع عدم الفسخ.

و

أما تفصيل المحقق المذكور بين الخيارات الزمانية و غيرها، و انه يتم ما افاده العلامة ره في القسم الأول دون الثاني من جهة ان حقيقة الخيار في القسم الأول عبارة عن كون امر العقد بيد ذي الخيار، فجميع آثاره تحت تصرفه و منها التسليم و التسلم، و أما في القسم الثاني فحقيقته عبارة عن ثبوت حق الاسترداد ما لم يصل الي ذي الخيار عوضه، فالخيار ابتداء لا يرجع الي العقد بل ثانيا، فقبل الفسخ لم يرد تخصيص علي ادلة سلطنة الناس علي اموالهم، فيجب علي المشتري تسليم الثمن و ان جاز له استرداده بعده فغير تام، فان حقيقة الخيار في القسمين واحدة و هي ملك فسخ العقد و اقراره، و لا يؤثر هذا الا من حين وقوعه فيرفع اثر البيع لا انه يكشف عن عدم صحة البيع من الأول،

و لذا يجب التسليم في القسمين ما لم يتحقق الفسخ.

الوجه الثاني: ان البائع يدعي علم المشتري بهذا الوصف الموجود و الرضا به،

و المشتري ينكره، و الأصل مع المشتري. ذكره العلامة في محكي التذكرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 106

و الثاني: مع معارضته باصالة عدم علم المشتري بالمبيع علي وصف آخر (1)

حتي يكون حقا له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشتري بهذا الوصف و علمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفي غيره بالاصل الذي يرجع إليه اصالة عدم تغير المبيع لم يجز اصالة عدم علمه بهذا الوصف. (2)

و الثالث: بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا، و لذا يجوز له امضاء العقد و ثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت فعليه الاثبات و المرجع أصالة لزوم العقد

و لأجل ما ذكرنا قوي بعض تقديم قول البائع هذا

______________________________

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين:

(1) احدهما: ان المشتري يدعي علمه بالوصف الآخر الذي يدعيه الذي هو منشأ ثبوت الخيار لتخلف الوصف، و الأصل عدمه، فالبائع يكون منكرا و المشتري مدعيا.

(2) ثانيهما: ان الشك في علم المشتري بهذا الوصف و علمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا، فإذا انتفي غيره بالأصل الذي يرجع إليه اصالة عدم تغير المبيع لم تجر اصالة عدم علمه بهذا الوصف.

و في كل من الاستدلال و جوابي المصنف قدس سره نظر،

اما الأول: فلأن اصالة عدم علم المشتري بالوصف الموجود لا تثبت وقوع البيع علي الموصوف بالوصف الآخر الا علي القول بالأصل المثبت.

و به يظهر ما في الجواب الأول الذي ذكره المصنف قدس سره، إذ لا يثبت بالأصل المزبور وقوع البيع علي الموصوف بهذا الوصف الموجود.

و أما الثاني: فلأن حكومة الأصل السببي علي المسببي انما تكون فيما إذا كانت السببية شرعية لا في مثل المقام مما تكون السببية عقلية.

الوجه الثالث: ان الأصل عدم وصول حق المشتري إليه كما عن جامع المقاصد.

و فيه: ان حقه من العين واصل إليه قطعا، و من الوصف المفقود غير ثابت،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 107

و يمكن بناء المسألة علي ان بناء المتبايعين حين العقد علي الاوصاف (1)

الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية و المسالك، و لهذا لا يحصل من فقدها الا خيار لمن اشترطت له، و لا يلزم بطلان العقد أو انها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشي ء المقيد، و لذا لا يجوز الغائها في المعقود

عليه، كما يجوز الغاء غيرها من الشروط، فعلي الأول يرجع النزاع في التغير و عدمه الي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع و عدمه، و الاصل مع البائع،

و بعبارة اخري النزاع في ان العقد وقع علي الشي ء الملحوظ فيه الوصف المفقود ام لا لكن الانصاف ان هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار لكنه ليس شيئا مستقلا حتي يدفع عند الشك بالاصل، بل المراد به ايقاع العقد علي العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف و ليس هنا عقد علي العين و التزام بكونه متصفا بذلك الوصف فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد،

فحينئذ يرجع النزاع الي وقوع العقد علي ما ينطبق علي الشي ء الموجود حتي يلزم الوفاء و عدمه و الاصل عدمه و دعوي معارضته باصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع الا بعد اثبات وقوع العقد علي العين الغير المقيدة باصالة عدم وقوع العقد علي المقيدة و هو غير جائز، كما حقق في الاصول. و علي الثاني يرجع النزاع الي رجوع العقد و التراضي علي الشي ء المطلق

______________________________

و استصحاب بقاء كلي الحق من قبيل الاستصحاب في القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، و لا نقول به، فهذه الوجوه لا تتم، و لذلك. قال المصنف.

(1) و يمكن بناء المسألة علي ان بناء المتبايعين حين العقد علي الأوصاف الملحوظة … فهي كشروط مضمرة.

و حاصله: انه ان كان الوصف من قيود المبيع و كان الالتزام التزاما وحدانيا متعلقا بعنوان المتصف بالصفات، كان الأصل مع المشتري لرجوع النزاع الي وقوع العقد علي الشي ء المطلق بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود، و عدمه و

الأصل مع المشتري، و ان كان في قوة اشتراطها، علي ان يكون هناك التزامان، كان الأصل مع البائع لرجوع النزاع في التغير و عدمه الي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع، و عدمه و الأصل مع البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 108

بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود و عدمه، و الأصل مع المشتري،

و دعوي معارضته باصالة عدم وقوع العقد علي الشي ء الموصوف بالصفة المفقودة (1) مدفوعة، بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا، حتي يلزم علي المشتري الوفاء به، فالزام المشتري بالوفاء بالعقد موقوف علي ثبوت تعلق العقد

بهذا، و هو غير ثابت و الاصل عدمه، و قد تقرر في الاصول ان نفي احد الضدين بالاصل لا يثبت الضد الآخر ليترتب عليه حكمه، و بما ذكرنا يظهر فساد التمسك باصالة اللزوم، حيث أن المبيع ملك المشتري و الثمن ملك البائع اتفاقا و انما اختلافهما في تسلط المشتري علي الفسخ فينفي ما تقدم من قاعدة اللزوم. توضيح الفساد ان الشك في اللزوم و عدمه من حيث الشك في متعلق العقد، فإنا نقول: الاصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتي يثبت اللزوم و هو وارد علي اصالة اللزوم.

و الحاصل ان هنا امرين احدهما عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود واخذه فيه، و هذا الاصل ينفع في عدم الخيار لكنه غير جار لعدم الحالة السابقة.

______________________________

و لكن ما هو محل البحث من قبيل القسم الثاني، و ذلك لوجهين:

الأول: ان تقييد المبيع و تضييقه يختص بالكلي، فانه قابل لذلك، و لا يكون الشخصي كذلك، و تعليق البيع علي الوصف موجب للبطلان، فلا محالة يكون من قبيل الالتزام به في ضمن العقد.

الثاني: ان البيع بالرؤية القديمة

انما صححناه بالاشتراط، فراجع ما ذكرناه، و عليه فالأصل مع البائع.

و ربما يقال في تقريب ان الأصل مع البائع وجوه اخر:

(1) منها: اصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة بالوصف المفقود ليثبت الجواز:

و فيه: انه ان اريد بها ما هو مفاد ليس التامة، فهي لا تفيد، فان عدم وقوع العقد المتصف بالوصف المفقود لا أثر له الا ان يثبت به وقوعه علي المتصف بالوصف الموجود أو المطلق غير المقيد بشي ء من الوصفين، و ان اريد به ما هو مفاد ليس الناقصة فلا حالة سابقة له

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 109

و الثاني: عدم وقوع العقد علي الموصوف بذلك الوصف المفقود، و هذا جار غير نافع نظير الشك في كون الماء «الخاص» المخلوق دفعة كرا من أصله، (1) فإن أصالة عدم كريته نافعة غير جار و اصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة، في ترتب آثار القلة علي الماء المذكور فافهم و اغتنم.

و بما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد (2) الحاكمة علي الاصول العملية المتقدمة، مثل ما دل علي حرمة أكل المال الا ان تكون تجارة عن تراض، و عموم و لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه، و عموم الناس مسلطون علي أموالهم، بناء علي انها تدل علي عدم تسلط المشتري علي استرداد الثمن من البائع، لأن المفروض صيرورته ملكا، إذ لا يخفي عليك ان هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي لا يدفع عوضه الذي وقع المعاوضة عليه إلي المشتري، فإذا شك في ذلك، فالأصل عدم دفع العوض، و هذا هو الذي تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه، فإن عدم وصول حقه إليه يثبت

موضوع خيار تخلف الوصف. فإن قلت: لا دليل علي كون الخارج عن العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور، بل نقول:

______________________________

(1) و المصنف قدس سره نظر المقام بالشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من اصله،

بدعوي ان اصالة عدم كريته نافعة غير جارية، و اصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة في ترتب آثار القلة علي الماء المذكور.

و فيه: انه في الماء الخلوق دفعة من جهة ان آثار القلة آثار للماء غير المتصف بعنوان الكرية يمكن اجراء عدم الكرية الأزلي كما ذكرناه في الجزء الأول من فقه الصادق مفصلا،

و أما في المقام فلا يمكن ذلك من جهة ان موضوع اللزوم هو العقد الواقع علي المتصف بالوصف الموجود أو المطلق لا علي العقد غير الواقع علي المتصف بالوصف المفقود، فلا تنفع اصالة العدم الأزلي في المقام بخلافه في المثال.

(2) و منها: العمومات المقتضية للزوم العقد الحاكمة علي الأصول العلمية المتقدمة، مثل ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 110

قد خرج من تلك العمومات المال الذي وقع المعاوضة بينه و بين ما لم ينطبق علي المدفوع. فإذا شك في ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة (1) قلت السبب في الخيار و سلطنة المشتري علي فسخ العقد و عدم وجوب الوفاء به عليه هو عدم كون العين الخارجة منطبقة علي ما وقع العقد عليه.

و بعبارة اخري هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه الي المشتري، لا وقوع العقد علي ما يطابق العين الخارجية، كما ان السبب في لزوم العقد مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها الي ملك المشتري

و الاصل موافق للأول و مخالف للثاني، مثلا إذا وقع العقد علي العين علي انها سمينة فبانت مهزولة،

فالموجب للخيار هو انه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه، و هو السمين، لا وقوع العقد علي السمين، فإن ذلك لا يقتضي الجواز و انما المقتضي للجواز عدم انطباق العين الخارجية علي متعلق العقد.

و من المعلوم ان عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك، فقد تحقق مما ذكرنا صحة ما تقدم من اصالة عدم وصول حق المشتري إليه.

______________________________

دل علي حرمة اكل المال الا ان تكون تجارة عن تراض، «1» و عموم لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه، «2» و عموم الناس مسلطون علي اموالهم «3».

و فيه: ان هذه العمومات قد خصصت بادلة الخيارات، فمع الشك في الخيار تكون الشبهة مصداقية، و لا يرجع فيها الي العمومات.

(1) و منها: ان موضوع الخيار المعاوضة الواقعة علي مال لا ينطبق علي المدفوع،

فإذا شك في تلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة.

و فيه: ان موضوع الخيار هو عدم كون العين الخارجية منطبقة علي ما وقع العقد عليه

______________________________

(1) النساء آية 29.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي- و المستدرك ج 1 ص 222 و الاحتجاج ص 267.

(3) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث و ج 1 ص 154 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 111

و كذا صحة ما في التذكرة من اصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا الموجود حتي يجب الوفاء بما الزم. نعم ما في المبسوط و السرائر و الدروس من اصالة بقاء يد المشتري علي الثمن، كأنه لا يناسب اصالة اللزوم، بل يناسب اصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد، كما يظهر من المختلف في باب السبق و الرماية، و سيأتي تحقيق الحال في باب الخيار، و أما دعوي ورود اصالة عدم

تغير المبيع علي الاصول المذكورة، (1) لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع، فهي مدفوعة مضافا الي منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة، (2) فاختلف في زمان المشاهدة كما إذا علم بكونها سمينة و انها صارت مهزولة، و لا يعلم انها في زمان المشاهدة كانت باقية علي السمن أو لا. فحينئذ مقتضي الاصل تأخر الهزال عن المشاهدة،

فالاصل تأخر التغير لا عدمه الموجب للزوم العقد ان مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلي عدم كونها حين المشاهدة سمينة.

و من المعلوم ان هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد، نظير اصالة عدم وقوع العقد علي السمين. نعم لو ثبت بذلك الاصل هزالها عند المشاهدة، و تعلق العقد بالمهزول ثبت لزوم العقد، و لكن الأصول العدمية في مجاريها لا يثبت وجود أضدادها، هذا كله

______________________________

و بعبارة اخري: عدم دفع البائع العنوان الذي وقع العقد عليه الي المشتري،

و الأصل موافق له، مع انه لو سلم ما ذكر لما كان يثبت به للزوم.

و منها: اصالة اللزوم. و فيه: ان الشك في الجواز و اللزوم مسبب عن الشك في وقوع العقد علي المتصف بالوصف الموجود و عدمه، فإذا جري الأصل في السبب لا يبقي شك في اللزوم كي يرجع الي اصالته.

(1) و منها: ان اصالة عدم تغير المبيع واردة علي الأصول المذكورة، لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع.

و فيه مضافا الي ما افاده المصنف بقوله.

(2) مضافا الي منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمان المشاهدة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 112

مع دعوي المشتري النقص الموجب للخيار، و لو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع، (1) فمقتضي ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع،

لأن الأصل عدم وقوع العقد علي هذا الموجود حتي يجب عليه الوفاء به. و ظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا و لم يعلم وجهه.

______________________________

انه ان اريد بذلك استصحاب عدم التغير من حيث انه بنفسه حادث من الحوادث،

فهو لا يفيد لعدم كونه موضوع الأثر.

و ان اريد به استصحاب المعنون ففيه: اولا: انه من الاستصحاب القهقري، لأنه يراد اثبات كون الصفة الموجودة كذلك حين العقد.

و ثانيا: ان استصحاب كون هذه الصفة موجودة لا يكفي، فان موضوع الأثر وقوع العقد علي المتصف بهذا الوصف الموجود لا وجود الصفة حين العقد.

فتحصل مما ذكرناه: انه ان كانت الأوصاف من قبيل الشرط و الالتزام في الالتزام كان الأصل مع البائع، و الا فمع المشتري.

(1) و لو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع.

فبناء علي ما اخترناه من ان اوصاف المبيع في البيع بالرؤية القيمة مع الشك فيها،

انما تكون كالشروط الخارجية من قبيل الالتزام في الالتزام، و عليه بنينا في المسألة المتقدمة ان الأصل مع البائع، لا بد من البناء في المقام علي ان الأصل مع المشتري، لأن البائع يدعي ان الشرط غير هذا الوصف الموجود، و المشتري ينكره، و الأصل عدمه.

و أما بناء علي كونها من قيود المبيع يكون الأصل مع البائع بعكس المسألة السابقة،

فان المشتري يدعي وقوع البيع علي هذا المتصف بالوصف الموجود، و البائع ينكره،

و الأصل معه.

و بذلك ظهران ما بني عليه الشهيد قدس سره من ان الأصل مع المشتري في المسألتين لا ينطبق علي القواعد.

و أما ما افاده المحقق النائيني قدس سره في توجيه ما افاده الشهيد قدس سره: بان الغالب يقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 113

الثاني: لو اتفقا علي التغير بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف

المشاهد و اختلفا في تقدم التغير (1) علي البيع ليثبت الخيار، و تأخره عنه علي وجه لا يوجب الخيار تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع و التغير علي صاحبه، و حيث ان مرجع الاصلين الي اصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا و اصالة بقاء السمن و عدم وجود الهزال حال البيع.

و الظاهر انه لا يترتب علي شي ء منهما الحكم بالجواز و اللزوم، لأن اللزوم من احكام وصول ما عقد عليه و انتقاله الي المشتري و اصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين، كما ان اصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه،

______________________________

البائع علي البيع كائنا ما كان و لا ينظر الي الوصف الزائد علي ما رآه المشتري سابقا.

فغير تام، إذ كما تختلف رغبات المشتري في مقام الاشتراء كذلك تختلف رغبات البائع سيما في الأوصاف الموجبة لاختلاف القيمة وجودا و عدما كما هو واضح.

لو اختلفا في تقدم البيع علي التغير و تأخره عنه

(1) الفرع الثاني: ما لو اتفقا علي التغير بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف المشاهد و اختلفا في تقدم التغير.

و الكلام في هذا الفرع يقع في موضعين:

الأول: فيما إذا صارت قيمته بعد التغير اقل و كان المدعي للخيار هو المشتري.

الثاني: فيما إذا صارت قيمته ازيد و كان المدعي للخيار هو البائع.

اما الموضع الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

احدهما: بناء علي ان تلف الوصف بعد البيع و قبل القبض يوجب الخيار.

ثانيهما: بناء علي عدم كونه موجبا للخيار.

و قبل الشروع في بيان الحق لا بد من تقديم مقدمة،

و هي: انه ربما يكون متعلق الحكم هو الفعل المتعلق بالموصوف المتصف بوصف حال وجود الوصف، و ربما يكون متعلقه هو الفعل المتعلق بالوصف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 114

فالمرجع الي اصالة عدم وصول حق

المشتري إليه، (1) كما في المسألة السابقة، إلا ان الفرق بينهما هو ان الشك في وصول الحق هناك ناشئ عن الشك في نفس الحق، و هنا ناشئ عن الشك في وصول الحق المعلوم. و بعبارة اخري الشك هنا في وصول الحق، و هناك في حقه الواصل، و مقتضي الاصل في المقامين عدم اللزوم، و من ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع، بأن اتفقا علي مشاهدته مهزولا، و وقوع العقد علي المشاهد و حصل السمن

______________________________

مثال الأول: ما لو وجب اكرام زيد العالم.

و مثال الثاني: موارد ضمان الأوصاف، فانه مترتب علي الاستيلاء علي الوصف نفسه.

و في القسم الأول إذا كان الوصف متيقنا سابقا و مشكوكا فيه لاحقا يجري فيه الاستصحاب و يترتب حكمه بضم الوجدان الي الأصل، فلو كان زيد عالما و شك في بقاء علمه يستصحب ذلك و يكون اكرامه متعلقا للوجوب.

و في القسم الثاني لا يكفي استصحاب بقاء الصفة، لأنه لا يثبت به كون الفعل متعلقا به، فلو كان الغنم سمينا سابقا و شك في سمنه حال الغصب لا يكفي استصحاب بقاء السمن في الحكم بضمان هذا الوصف المترتب علي غصب الوصف ايضا و تمام الكلام في ذلك موكول الي محل آخر إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم:

انه في المورد الأول: يكون الأصل مع المشتري لأصالة عدم وصول حقه إليه،

و اصالة عدم التغير و بقاء الوصف الي زمان القبض لا يثبت قبض الصفة الذي هو موضوع اللزوم فلا تجري، و كذا لا تجري اصالة عدم القبض الي ما بعد التغير، فانها ايضا لا تثبت وقوع القبض علي فاقد الوصف الذي هو موضوع الخيار، فهذان الأصلان لا يجريان. و أما اصالة اللزوم فهي

محكومة لاستصحاب عدم وصول حق المشتري إليه.

(1) و في المورد الثاني افاد المصنف قدس سره: ان الأصل مع المشتري و هو اصالة عدم وصول حقه إليه، و هو غير تام، لأنه علي الفرض القطع بعدم وصول حقه إليه لا يكون موجبا للخيار لعدم كون تلف الوصف قبل القبض موجبا للخيار، فكيف باستصحابه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 115

و اختلفا في تقدمه علي البيع ليثبت الخيار للبائع فافهم و تدبر. (1)

فإن المقام لا يخلو عن اشكال و اشتباه، و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية، و اختلفا في تقدم التلف علي البيع و تأخره، (2) فالأصل بقاء ملك المشتري علي الثمن لأصالة عدم تأثير البيع،. و قد يتوهم جريان اصالة صحة البيع هنا للشك في بعض شروطه و هو وجود المبيع.

و فيه ان صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الاثر شرعا، فإذا فرضنا انه عقد علي شي ء معدوم في الواقع، فلا تأثير له عقلا في تمليك العين، لأن تمليك المعدوم لا علي قصد تمليكه عند الوجود

______________________________

بل في المورد الثاني: يكون الأصل- و هو اصالة اللزوم و اصالة عدم التغير و بقاء الوصف الي حين البيع الجارية و المفيدة في المقام من جهة ان الأثر و هو اللزوم انما يترتب علي وقوع البيع علي الموصوف في حال وجود تلك الصفة- مع البائع.

و ما عن بعض من: ان الأصل الثاني معارض مع اصالة عدم وقوع البيع الي زمان التغير.

يرده: انه لا أثر لهذا الأصل، لأن الخيار انما يترتب علي وقوع البيع علي الفاقد لذلك الوصف.

(1) و أما الموضع الثاني: و هو ما لو ادعي البائع الخيار، بان كانت العين في حال المشاهدة

فاقدة الوصف و البيع وقع عليها مع عدم الوصف و صارت بعد ذلك واجدة له،

و ادعي البائع تقدم وجود الصفة علي البيع و القبض، و المشتري يدعي التأخر فظاهر كلام المصنف ان الأصل مع البائع، و صريح كلام المحقق النائيني قدس سره ذلك.

و لكن الحق ان الأصل مع المشتري، إذ مضافا الي اصالة اللزوم تجري اصالة عدم التغير و عدم وجود الوصف الي حين البيع، و لا تعارضها اصالة عدم البيع الي زمان التغير،

إذ لا يثبت بها وقوع البيع في حال وجود الوصف.

(2) قوله و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما تكفي في قبضه التخلية و لم يعلم وجه تعرضه لهذا الفرع في المقام و علي كل حال لا تجري الاصول الموضوعية في شي ء من الطرفين في المقام، من غير فرق بين الجهل بالتاريخ و العلم به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 116

و لا علي قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته غير معقول، و مجرد انشائه باللفظ لغو عرفا يقبح مع العلم دون الجعل بالحال، فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم (1) لأن التمليك الحقيقي غير متحقق و الصوري، و ان تحقق لكنه ليس بفاسد، إذ اللغو فاسد عرفا اي قبيح إذا صدر عن علم بالحال.

و بالجملة: الفاسد شرعا الذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع، فافهم.

هذا فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقدم بيع الراهن علي رجوع المرتهن عن اذنه في البيع و تأخيره عنه،

______________________________

للمثبتية فان استصحاب بقاء العين الي حين البيع لا يترتب عليه الاثر ما لم يحرز به تحقق البيع الذي هو تمليك

مال بعوض كما ان استصحاب عدم البيع الي ما بعد التلف لا يثبت كون البيع واقعا علي المعدوم فلا محالة يشك في تحقق البيع و عدمه و بالنتيجة يشك في انتقال الثمن عن المشتري و عدمه و الاصل يقتضي عدم الانتقال و بقاء ملك المشتري علي الثمن.

(1) و قد يتوهم انه تجري اصالة الصحة في البيع لانه لو كان المبيع معدوما يكون البيع فاسدا و بلا اثر و لو كان موجودا يكون صحيحا و اصالة الصحة تقضي بالصحة و هي حاكمة علي اصالة بقاء ملك المشتري علي الثمن و لكنه فاسد من جهة اختصاص دليل اصالة الصحة بما إذا شك في الصحة و الفساد بعد احراز اصل العمل الموصوف بالصحة لا لأنه لا يعقل الشك في الوصف الا مع احراز الموصوف بل لان دليل التعبد انما يتكفل التعبد بالوصف دون التعبد بالموصوف و اثباته فلا تعبد بالوصف الا مع احراز الموصوف و في المقام بما انه يشك في اصل وجود البيع الذي هو المقسم للصحيح و الفاسد لانه إذا كان المبيع معدوما لم يكن ما وقع بيعا و لو عرفا فلا يكون مجري لأصالة الصحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 117

حيث تمسك باصالة صحة الرجوع عن الاذن لان (1) الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن كان فاسدا لعدم مصادفته محلا يؤثر فيه، نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا أو تحقق الإنشاء الحقيقي عرفا و لو فيما إذا باع بلا ثمن (2) أو باع ما هو غير مملوك،

كالخمر و الخنزير و كالتالف شرعا كالغريق و المسروق أو معدوم قصد تملكه عند وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة كما لو باع ما اتلفه زيد

علي عمرو (3) أو صالحه اياه بقصد حصول اثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة و الفساد، فإذا حكم بفساد شي ء من ذلك، ثمّ شك في ان العقد الخارجي منه ام من الصحيح حمل علي الصحيح.

______________________________

(1) قوله حيث تمسك باصالة صحة الرجوع عن الاذن المتمسك هو صاحب الجواهر قدس سره و قد حققنا في رسالة القواعد الثلاث انه لا تجري اصالة الصحة فيه من جهة ان الرجوع إذا وقع بعد البيع لا يترتب عليه شي ء لعدم كونه قابلا للتاثير و من شرائط جريانها قابلية التأثير عقلا.

(2) قوله و لو فيما إذا باع بلا ثمن أو باع ما هو غير مملوك البيع بلا ثمن كالبيع بلا مبيع بعد فرض تقوم البيع بالعوضين فلو شك فيه لا تجري اصالة الصحة لعين ما تقدم.

(3) قوله كما لو باع ما اتلفه زيد علي عمرو أو صالحه اياه ان قلنا ان حقيقة الضمان كون التالف بشخصه في العهدة الي حين الاداء- صح البيع المذكور لاعتبار بقاء المبيع.

و ان قلنا ان حقيقته انتقال المثل أو القيمة الي الذمة كان بيعه بعد التلف بيعا لما لا وجود له و قد مر عدم جريان الاصل لو شك في ذلك.

لزوم الاختبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 118

مسألة: لا بد من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك، (1)

كما في كل وصف يكون كذلك إذ لا فرق في توقف رفع الغرر علي العلم بين هذه الأوصاف و بين تقدير العوضين بالكيل و الوزن و العد، و يغني الوصف عن الاختبار فيما ينضبط من الاوصاف دون ما لا ينضبط كمقدار الطعم و الرائحة و اللون و كيفياتها، فإن ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شي ء من جنسه، ثمّ الشراء علي ذلك النحو من الوصف مثل ان

يكون الاعمي قد رأي قبل العمي لؤلؤة فبيع منه لؤلؤة أخري علي ذلك الوصف.

______________________________

مسائل.

(1) الأولي: لا بد و ان يختبر الطعم و اللون و الرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك كما في كل وصف يكون كذلك بلا خلاف: لدفع الغرر،

و تفصيل القول في هذه المسألة: انه تارة تختلف قيمة الشي ء باختلاف اوصافه الثلاثة، و اخري لا تختلف.

و علي الأول: قد يكون واجد الوصف صحيحا و فاقده فاسدا، و قد يكونان معا من مراتب الصحيح.

اما في القسم الأول: فلا ينبغي التوقف في بطلان البيع مع الجهل بالوصف من دون توصيف و اشتراط و لو ضمني للغرر، من غير فرق بين كون الفاقد فاسدا أو مما لا مالية له المترقبة من ذلك الشي ء، و بين كونه معيبا.

و هناك قول آخر، و هو: القول بصحة البيع اعتمادا علي اصالة السلامة.

و فيه: انه لا دليل عليها لا من بناء العقلاء و لا من الشرع،

اما الأول: فلأنهم في اموراتهم لا يبنون علي السلامة ما لم يطمئنوا بها.

و ما اعترف به المصنف قدس سره من بنائهم عليها في ما إذا كان الشك في طروء المفسد.

غير سديد، لأنهم في ذلك المورد ايضا لا يبنون عليها مع عدم الاطمئنان و ما يري من ايقاع المعاملة علي الشي ء من دون اطمئنان بسلامته انما يكون من جهة الشرط الضمني. و سيأتي الكلام فيه.

و أما الثاني: فلأن ما يتوهم كونه دليلا عليها ليس الا الاستصحاب، و هو لا يجري في المقام، لأن الأثر مترتب علي الإحراز دون المتيقن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 119

و كذا الكلام في الطعم و الرائحة لمن كان مسلوب الذائقة و الشامة. نعم لو لم يرد من اختبار الاوصاف الا استعلام صحته و

فساده جاز شرائها بوصف الصحة،

كما في الدبس و الدهن مثلا، فإن المقصود من طعمها ملاحظة عدم فسادهما، بخلاف بعض انواع الفواكه و الروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها و رائحتها، و لا يقصد من اختبار اوصافها ملاحظة صحتها و فسادها و اطلاق كلمات الاصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه و رائحته (1) بالوصف محمول علي ما إذا اريد الاوصاف التي لها مدخل في الصحة لا الزائدة علي الصحة التي يختلف بها القيمة، بقرينة تعرضهم بعد هذا البيان جواز شرائها من دون اختبار و لا وصف بناء علي اصالة الصحة، و كيف كان فقد قوي في السرائر عدم الجواز اخيرا بعد اختيار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعي عليه الإجماع في الغنية. قال يمكن أن يقال ان بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز ان يكون بالوصف، لأنه غير غائب، فيباع مع خيار الرؤية بالوصف. فإذن لا بد من شمه و ذوقه لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلي الوصف و هذا أقوي، انتهي.

______________________________

(1) قوله و اطلاق كلمات الاصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه و رائحته بالوصف الكلمات بانفسها مقصورة علي صورة التمكن من التوصيف و لا تشمل ما لا يمكن فيه ذلك لعدم الانضباط لانه من البديهي ان المراد بالتوصيف تعيين الصفات للمشتري لا مجرد ذكرها كما هو واضح.

كما لا ينبغي التوقف في صحة البيع مع العلم بالوصف بالاختبار أو غيره، أو اخبار البائع به ان كان مؤتمنا، أو اشتراط وجوده و لو بالشرط الضمني لارتفاع الغرر بجميع ذلك.

اما بالأول: فواضح.

و أما بالثاني: فلما دل علي حجية خبر الواحد في الموضوعات «1» و ما دل علي كفاية اخبار البائع بالكيل أو الوزن

ان كان مؤتمنا «2» بعد الغاء خصوصية المورد.

______________________________

(1) الحجرات آية 6.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 120

و يضعفه ان المقصود من الاختبار رفع الغرر، فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر و الغائب تحكما، بل الاقوي جواز بيعه من غير اختبار و لا وصف بناء علي اصالة الصحة وفاقا للفاضلين، و من تأخر عنهما، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه، فذكره في الحقيقة يرجع إلي ذكر وصف الصحة.

و من المعلوم انه غير معتبر في البيع اجماعا، بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب. و أما رواية محمد بن العيص عن الرجل يشتري ما يذاق أ يذوقه قبل ان يشتري؟ قال: نعم، فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري، فالسؤال فيها عن جواز الذوق لاعن وجوبه، ثمّ انه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة الي المفيد و القاضي و سلار و ابي الصلاح و ابن حمزة، (1) قال في المقنعة

______________________________

و أما بالثالث: فان كان الشرط صريحا واضح، و ان كان ضمنيا- اي كان القيد من القيود التي بناء المتعاملين عليها- فلما تقدم اجمالا، و سيأتي تفصيله من انه بحكم ذكر الشرط و ليس من قبيل البناء القلبي المجرد كي يقال انه لا عبرة به في باب العقود و الإيقاعات.

و خبر محمد بن العيص «1» المذكور في المتن لا يدل علي لزوم الاختبار فانه سؤالا و جوابا في مقام بيان جواز الذوق لا وجوبه.

و أما في القسم الثاني: فما ذكرناه في هذا القسم يجري فيه طابق النعل بالنعل، و الفرق بينهما انه لا مجال في هذا القسم لاحتمال الاستناد الي

اصالة السلامة.

و أما في القسم الثالث: فالأظهر صحة البيع مع الجهل بالوصف و ان لم يشترط وجوده لعدم لزوم الغرر.

(1) ثمّ انه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة الي المفيد.

ظاهر كلمات هؤلاء كصريح الحلي تعين الاختبار و عدم كفاية التوصيف كما ان مقتضي اطلاق كلام الجميع عدم الفرق بين وصف الصحة و سائر الاوصاف التي تنضبط بالتوصيف.

______________________________

(1) الوسائل- باب 25- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 121

كل شي ء من المطعومات و المشمومات يمكن للانسان اختباره من غير افساد له كالادهان المختبرة بالشم و صنوف الطيب و الحلوات المذوقة، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار، فإن ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا و المتبايعان فيها بالخيار، (1) فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس انتهي.

و عن القاضي انه لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبر فإن بيع من غير اختبار كان المشتري مخيرا في رده له علي البائع، و المحكي عن سلار و ابي الصلاح و ابن حمزة اطلاق القول بعد صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار من غير تعرض لخيار المتبايعين كالمفيد أو للمشتري كالقاضي. ثمّ المحكي عن المفيد و سلار ان ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة.

و عن النهاية و الكافي ان بيعه جائز علي شرط الصحة أو البراءة من العيوب. (2)

و عن القاضي لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب. قال في محكي المختلف بعد ذكر عبارة القاضي: ان هذه العبارة توهم اشتراط احد القيدين.

اما الصحة أو البراءة من العيوب و ليس بجيد، بل الاولي انعقاد البيع سواء شرط احدهما أو خلي عنهما أو شرط العيب.

و الظاهر انه انما صار

الي الايهام من عبارة الشيخين حيث قالا: انه جاز علي شرط الصحة أو بشرط الصحة، و مقصودهما ان البيع بشرط الصحة أو علي شرط الصحة جائز لا ان جوازه مشروط بالصحة أو البراءة، انتهي.

______________________________

(1) قوله و المتبايعان فيه بالخيار و المراد بالخيار هنا هو الخيار في احداث بيع جديد و ان لهم ذلك لا الخيار المصطلح- و ذلك للتصريح قبله ببطلان البيع من دون اختبار و كذلك بعده- و لنسبة الخيار الي المتبايعين و لو كان المراد هو الخيار المصطلح كان المنسوب إليه احدهما لا كليهما.

(2) قوله الا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب المراد بالبراءة من العيوب براءة المبيع منها فيكون عطف تفسير لشرط الصحة لا براءة البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 122

اقول: و لعله لنكتة بيان ان مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد كما عبر في القواعد فيما يفسده الاختبار: بقوله جاز شرط الصحة لكن الانصاف: ان الظاهر من عبارتي المقنعة و النهاية و نحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في العقد، كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها الي آخرها.

و عبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ. و ظاهر الكل كما تري اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده، كما تقدم من الحلي فلا يكفي ذكر الاوصاف فضلا عن الاستغناء عنها باصالة السلامة، و يدل عليه ان هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة: اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار و ان فهم في المختلف خلاف ذلك لكن قدمنا ما فيه، فينبغي ان يكون كلا مهم في الأمور التي لا تنضبط (1) خصوصية طعمها و ريحها بالوصف.

و الظاهر ان ذلك في غير الاوصاف التي يدور عليها السلامة من

العيب، الا ان تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار (2) كالشاهد علي ان المراد بالاوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة، كما ان مقابله و هو ما يفسد الشي ء باختباره كالبيض و البطيخ كذلك غالبا، و يؤيده حكم القاضي بخيار المشتري.

______________________________

عن عهدة العيوب فان هذا الشرط لا يعقل صيرورته موجبا لصحة البيع لو كان باطلا بدونه للجهالة و الغرر لانه لا يرفعهما لو لم يؤكد.

(1) قوله فينبغي ان يكون كلامهم في الامور التي لا تنضبط حاصله انه من افتاء القوم بكفاية التوصيف فيما يفسده الاختبار يستكشف انه يكفي في رفع الغرر و حيث انه لا يمكن البناء علي كفايته في رفع الغرر في مورد دون آخر فيعلم من ذلك ان ما افتوا به من عدم كفاية التوصيف فيما لا يفسده الاختبار انما هو فيما لا يمكن فيه التوصيف الا بعد الاختبار و هو ما إذا كانت الصحة ذات مراتب و لا يمكن تعيين مرتبة منها الا بعد سبق الاختبار.

(2) قوله الا ان تخصيصهم الحكم لما لا يفسده الاختبار … مناط السلامة حاصل ذلك انه من مقابلة ما لا يفسد بالاختبار بما يفسد به- يعلم ان الفساد المنفي تارة و المثبت اخري واحد و هو ما يقابل الصحة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 123

و كيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالاوصاف، فلا خلاف معهم منا و لا من الاصحاب، و ان كان مذهبهم موافقا للحلي (1) بناء علي ارادة الاوصاف التي بها قوام السلامة من العيب، فقد عرفت انه ضعيف في الغاية و ان كان مذهبهم عدم كفاية البناء علي اصالة السلامة عن الاختبار و الوصف و ان كان ذكر الوصف

كافيا عن الاختبار، فقد عرفت ان الظاهر من حالهم و حال غيرهم عدم التزام ذكر الاوصاف الراجعة الي السلامة من العيوب في بيع الاعيان الشخصية.

و يمكن ان يقال بعد منع جريان اصالة السلامة في الاعيان لعدم الدليل عليها لا من بناء العقلاء الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد، (2) مع ان الكلام في كفاية اصالة السلامة عن ذكر الأوصاف اعم، و لا من الشرع لعدم الدليل عليه ان السلامة من العيب الخاص متي ما كانت مقصودة (3) علي جهة الركنية للمال، كالحلاوة في الدبس و الرائحة في الجلاب و الحموضة في الخل و غير ذلك مما يذهب بذهابه معظم المالية، فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات و حيث فرض عدم اعتبار اصالة السلامة.

______________________________

و فيه ان ما يفسده الاختبار كما يفسد باختبار وصف صحته يفسد باختبار مراتب صحته فلا شهادة في هذا التخصيص علي القصر بوصف السلامة.

(1) قوله و ان كان مذهبهم موافقا للحلي قد عرفت ان الاظهر ذلك فراجع.

(2) قوله الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد قد عرفت انه لا بناء من العقلاء حتي في هذا المورد.

(3) قوله ان السلامة من العيب الخاص متي ما كانت مقصودة محصل هذا التفصيل ان السلامة ان كان فواتها موجبا لفوات معظم المالية و كانت هي مقصودة علي وجه الركنية لزم احرازها حين البيع و يبطل بدونه و لا يصح الاعتماد علي اصالة السلامة- و ان لم تكن كذلك أي لم تكن مقومة للمالية فلا تكون متعلقة للغرض النوعي المعاملي من العقلاء- لم يجب احرازها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 124

فلا بد من الاختبار أو الوصف

أو الاعتقاد بوجودها، لأمارة عرفية مغنية عن الاختبار و الوصف و متي ما كانت مقصودة لا علي هذا الوجه لم تجب احرازها.

نعم لما كان الاطلاق منصرفا الي الصحيح (1) جاء الخيار عند تبين العيب، فالخيار من جهة الانصراف نظير انصراف الاطلاق الي النقد لا النسية و انصراف اطلاق الملك في المبيع الي غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في احراز الصحة و البناء عليها علي اصالة السلامة.

و بعبارة اخري، الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر، ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض، و مثل هذا لا يعتبر احراز السلامة عنه، و قد يستلزمه ككون الجارية خنثي، و كون الدابة لا يستطيع المشي أو الركوب و الحمل عليه، و هذه مما يعتبر احراز السلامة عنها، و حيث فرض عدم احرازها بالاصل، فلا بد من الاختبار أو الوصف، هذا و يؤيد ما ذكرنا من التفصيل ان بعضهم كالمحقق في النافع و العلامة في القواعد عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه، هذا، و لكن الانصاف ان مطلق العيب (2) إذا التفت إليه المشتري و شك فيه فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة عنه. اما بالاختبار و أما بالوصف و أما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف. اما لاجل الانصراف. و أما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب اصلا، فلا بد اما من كفاية الاطلاق في الكل للأصل و الانصراف.

و أما من عدم كفايته في الكل نظرا الي انه لا يندفع به الغرر الا إذا حصل منه الوثوق، حتي انه لو شك في ان هذا العبد صحيح أو انه اجذم لم يجز البناء علي اصالة

______________________________

(1) قوله نعم

لما كان الاطلاق منصرفا الي الصحيح هذا دفع اعتراض مقدّر هو انه ما الوجه لثبوت الخيار علي هذا التفصيل فانه في الصورة الاولي يبطل البيع و في الثانية يصح و لكن لا موجب له.

و حاصل الجواب ان وجه ثبوت الخيار في الصورة الثانية ليس من حيث الاعتماد علي اصالة السلامة بل لاقتضاء اطلاق العقد- أي الشرط الضمني بالتقريب المتقدم ذلك.

(2) قوله و لكن الانصاف ان مطلق العيب … احراز السلامة عنه هذا هو الصحيح علي ما تقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 125

السلامة إذا لم يفد الوثوق، بل لا بد من الاختبار أو وصف كونه غير اجذم،

و هذا و ان كان لا يخلو عن وجه الا انه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب و عدمها.

مسألة: يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار (1) اجماعا

علي الظاهر و الاقوي عدم اعتبار اشتراط الصحة في العقد، و كفاية الاعتماد علي اصالة السلامة (2) كما فيما لا يفسده الاختبار، خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة

______________________________

ثمّ انه في القسم الأول لو تبين فقد الوصف، فان كان الفاقد مما لا مالية له بطل البيع،

لأنه حينئذ بنظر العرف الفاقد غير الواجد حقيقة، فما وقع عليه العقد لا واقع له، و ما له واقع لم يقع عليه العقد.

و بعبارة اخري: مع عدم المالية للمبيع لا يصدق عنوان البيع، و ان كان الفاقد معيبا و له مالية ايضا صح البيع و ثبت خيار العيب.

و أما في القسم الثاني، فان كان البيع مع اشتراط وجود الوصف و لو ضمنا ثبت خيار تخلف الشرط، و ان كان مع الاختبار أو اخبار البائع لم يثبت الخيار،

لا خيار تخلف الشرط لعدمه، و لا خيار الغبن لأن مورده زيادة القيمة السوقية أو نقصها، و لا خيار العيب لعدم كونه معيبا.

حكم شراء ما يفسده الاختبار

(1) قوله يجوز ابتياع ما يفسده الاختيار من دون اختيار محصل الكلام في المقام: ان الاوصاف التي تختلف المالية باختلافها علي قسمين:

الأول: ما يوجب فقده كون الفاقد غير صحيح.

الثاني: ما لا يوجب فقده ذلك بل يكون الواجد و الفاقد من مراتب الصحيح.

اما في الأول: فيجوز البيع مع التوصيف أو الاشتراط و لو بنحو الشرط الضمني كما تقدم فيما لا يفسده الاختبار، و لا يصح البيع بدون ذلك للزوم الغرر.

(2) و أما الاعتماد علي اصالة السلامة فقد عرفت في المسألة المتقدمة ما فيه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 126

أو البراءة من العيوب (1) أو خصوص احدهما. و قد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتي المقنعة و النهاية الظاهرتين في ذلك و ارجاعهما الي ما اراده من قوله في القواعد جاز بيعه بشرط الصحة من انه مع الصحة يمضي البيع و لا معها يتخير المشتري و عرفت ان هذا التأويل مخالف للظاهر حتي ان قوله في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة.

و لذا قال في جامع المقاصد: و كما يجوز بيعه بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا،

______________________________

(1) و أما ما عن جماعة من الاكتفاء بالبراءة من العيوب،

فان كان المراد بها ما تقدم و هو براءة المبيع من العيوب.

فهو متين، الا انه يرجع الي اشتراط الصحة،

و ان كان المراد بها براءة البائع عن عهدة العيوب.

فيرد عليه: ان ذلك يوجب الغرر المبطل للبيع، و لا وجه للقول بصحة البيع معه.

و أما في القسم الثاني: فان كان الوصف مما يمكن ضبطه و توصيفه اعتبر ذلك دفعا

للغرر.

و الا جاز بيعه و ان لم يكن الوصف محرزا بلا اختبار للإجماع علي عدم لزومه.

و الوجه في ذلك: اما انه لا يلزم الغرر من جهة ان لهذه الأمور عند العرف مالية معينة، و ان كان لو انكشف كونها واجدة للوصف تصير ماليتها ازيد الا انه ما لم ينكشف ذلك يكون لها مقدار معين من المالية،

أو لأنه علي فرض لزوم الغرر السيرة القطعية المستمرة توجب تخصيص دليل الغرر «1».

و الظاهر ان نظر صاحب الجواهر قدس سره المدعي للسيرة علي بيع ما يفسده الاختبار بمجرد المشاهدة الي هذا القسم،

و أما في القسم الأول فقد عرفت انه يمكن ان تكون السيرة من جهة البناء علي السلامة بنحو الشرط الضمني.

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 127

و كيف كان، فإذا تبين فساد البيع، (1) فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر و نحوه، فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة و الجوز تخير بين الرد و الارش، و لو فرض بلوغ الفساد الي حيث لا يعد الفاسد من افراد ذلك الجنس عرفا كالجوز الأجوف الذي لا يصلح الا للاحراق، فيحتمل قويا بطلان البيع ان لم يكن لفاسده قيمة تبين بطلان البيع لوقوعه علي ما ليس بمتمول، و ان كان تبين الفساد بعد الكسر ففي الأول تبين الارش خاصة لمكان التصرف، و يظهر من المبسوط قول بأنه لو كان تصرفه علي قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد، و المراد بالارش تفاوت ما بين صحيحه و فاسده الغير المكسور، لان الكسر نقص حصل في يد المشتري، و منه يعلم ثبوت الارش ايضا و لو لم يكن لمكسوره قيمة، لأن العبرة في التمول بالفاسد

الغير المكسور، و لا عبرة بخروجه بالكسر عن التمول، و يبطل البيع في الثاني

______________________________

(1) قوله و كيف كان فإذا تبين فساد البيع و محصل الكلام في المقام: انه ان كان تبين الفساد قبل التصرف بالكسر و نحوه،

فربما يكون للفاسد مقدار من المالية، و لكنه اقل من مقدار الصحيح. و ربما لا تكون له المالية.

فان كان له مقدار من المالية، فان كان الفاسد بنظر العرف غير الصحيح كالجوز الأجوف الذي لا يصلح الا للإحراق، لا إشكال في فساد البيع، فان ما وقع عليه العقد غير موجود، و الموجود لم يقع عليه العقد.

و بعبارة اخري: ما قصد لا واقع له، و ما له واقع لم يقصد، و ان كان ذلك معيب الصحيح صح البيع و ثبت خيار العيب، و ان لم تكن له مالية بطل البيع لتقومه بتبديل المال.

و أما ان كان التبين بعد التصرف بالكسر و نحوه، فان كان للفاسد مالية و كان مع الصحيح بنظر العرف واحدا لا وجه لبطلان البيع، و يسقط خياره للتصرف، فيتعين عليه اخذ الارش. و لو كان التصرف الكسري بالمقدار اللازم في الاختبار، فهل يكون ذلك مانعا عن الرد او لا؟ وجهان،

لا يبعد اظهرية الثاني، فان البيع بشرط الصحة يتضمن شرط تقبل الرد بظهور العيب بالمقدار من الكسر المتوقف عليه الاختبار، و ليس المقام كسائر موارد خيار العيب الساقط فيها الخيار بالتصرف. و ان كان بنظر العرف مباينا للصحيح بطل البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 128

اعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط و السرائر.

و ظاهر من تأخر عنهما و ظاهرهم بطلان البيع من رأس، كما صرح به الشيخ و الحلي و العلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه علي ما لا

قيمة له كالحشرات و هو صريح جملة ممن تأخر عنهم و ظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس، فإن ظاهره انفساخ البيع من حيث تبين الفساد لا من اصله، (1) و جعل الثاني احتمالا و نسبه الي ظاهر الجماعة، و لم يعلم وجه ما اختاره. و لذا نسب في الروضة خلافه الي الوضوح و هو كذلك فإن الفاسد الواقعي ان لم يكن من الاموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا لأن اشتراط تمول العوضين واقعي لا علمي

______________________________

و ان لم تكن للفاسد مالية، فالكلام فيه في مواضع:

الأول: ان المبيع الفاسد الذي لا مالية لمكسوره كالبيض هل له مالية قبل الكسر من جهة ان العقلاء يبذلون بازائه المال رجاء للسلامة و ليس المال الا ما يبذل بازائه المال، ام ليس له مالية نظرا الي ان المالية تنتزع من كون الشي ء موضوعا لأثر يميل العقلاء إليه و يكون موردا لرغبتهم؟ وجهان اقواهما الثاني، و عليه فيكون البيع في الفرض باطلا من اصله من جهة انكشاف عدم المالية.

الثاني: انه علي تقدير المالية قبل الكسر.

(1) هل ينفسخ البيع من حين الكسر و تبين الفساد- كما عن الشهيد قدس سره نظرا الي ان الخروج عن المالية بالكسر حيث انه لأمر سابق علي العقد فيكون مضمونا علي البائع ام لا ينفسخ من جهة ان الخروج عن المالية ليس لأمر سابق و هو فساده فانه اوجب نقصا في المالية، ثمّ بالكسر ذهب المقدار الباقي فعلا، وجهان: اقواهما الثاني.

فان قلت: انه يمكن تصحيح كلام الشهيد قدس سره بان يقال: انه بالكسر يظهر العيب،

فحين الكسر يكون خيار العيب ثابتا قطعا، و في ذلك الحين يتلف المبيع فيكون تالفا في زمان الخيار، فتشمله قاعدة التلف في زمن الخيار

ممن لا خيار له «1».

قلت: اولا: ان الكسر اتلاف لا تلف، و القاعدة مختصة بالتلف.

و ثانيا انها مختصة بالخيارات الزمانية بانفسها، و خيار العيب ليس زمانيا بذاته

______________________________

(1) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 129

و ان كان من الأموال الواقعية، فإن لم يكن بينه و بين الصحيح تفاوت في القيمة لم يكن هنا ارش و لارد (1) بل كان البيع لازما و قد تلف المبيع بعد قبضه و ان كان بينه و بين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين

الصحيح و الفاسد من الثمن لا جميع الثمن.

اللهم الا ان يقال انه مال واقعي الي حين تبين الفساد، فإذا سقط عن المالية لأمر سابق علي العقد و هو فساده واقعا كان في ضمان البائع، فينفسخ البيع حينئذ بل يمكن ان يقال بعدم الانفساخ فيجوز له الامضاء، فيكون المكسور ملكا له و ان خرج عن المالية بالكسر و حيث ان خروجه عن المالية لأمر سابق علي العقد كان مضمونا علي البائع، (2) و تدارك هذا العيب اعني فوات المالية، لا يكون الا بدفع تمام الثمن،

لكن سيجي ء ما فيه من مخالفة القواعد و الفتاوي. و فيه وضوح كون ماليته عرفا و شرعا من حيث الظاهر.

______________________________

الثالث: انه علي تقدير المالية قبل الكسر و عدم انفساخ البيع، هل يسترجع ما يوازي تمام الثمن، ام يسترجع تفاوت ما بين الصحيح و المعيب؟ وجهان:

اقواهما الثاني، فان الموجب للأرش هو العيب الموجود حال البيع دون الحادث بعده.

و دعوي ان الحادث في زمان الخيار ايضا موجب له،

مندفعة بان الحادث بالإتلاف ليس موجبا له كما هو واضح.

(1) قوله لم يكن هنا رد و الارش عدم ثبوت الارش

واضح لعدم التفاوت بين القيمتين و أما عدم ثبوت الرد فغير ظاهر فانه إذا اشتراه بشرط الصحة ثبت خيار تخلف الشرط.

(2) قوله و حيث ان خروجه عن المالية لأمر سابق علي العقد كان مضمونا ليس مراده بذلك ضمان المعاوضة كي يرد عليه بان لازمه انفساخ البيع و المفروض عدمه بل مراده ضمان الغرامة نظرا الي منشأ هذا العيب الحادث هو العيب السابق فالصحيح ان يورد عليه بان الكسر الموجب لنقص مقدار من المالية المشترك بين الصحيح و المعيب ليس منشؤه العيب السابق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 130

و أما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من اول الامر مع انه لو كان ما لا واقعا فالعيب حادث في ملك المشتري، فإن العلم مخرج له عن المالية لا كاشف فليس هذا عيبا مجهولا و لو سلم فهو كالارمد يعمي بعد الاشتراء، و المريض يموت مع ان فوات المالية يعد تلفا لا عيبا، ثمّ ان فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار ملكية المشتري الثمن الي حين تبين الفساد، و عن الدروس و اللمعة انها تظهر في مئونة نقله (1) عن الموضع الذي اشتراه فيه إلي موضع اختباره، فعلي الأول علي البائع و علي الثاني علي المشتري لوقوعه في ملكه، و في جامع المقاصد الذي يقتضيه النظر انه ليس له رجوع علي البائع بها لانتفاء المقتضي و تبعه الشهيد الثاني قال لانه نقله بغير امره فلا يتجه الرجوع عليه بها و كون المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث رجع بما غرم انما يتجه مع الغرور و هو منفي هنا لاشتراكهما في الجهل، انتهي.

و اعترض عليه بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار، و هنا قول ثالث نفي عنه

البعد بعض الاساطين، و هو كونه علي البائع علي التقديرين و هو بعيد علي تقدير الفسخ من حين تبين الفساد، هذا كله في مئونة النقل من موضع الاشتراء الي موضع الكسر.

______________________________

(1) قوله و عن الدروس و اللمعة انها تظهر في مئونة نقله الاقوال و الوجوه في المسألة ثلاثة الاول: ان المئونة علي البائع مطلقا الثاني: انها علي المشتري كذلك الثالث: التفصيل بين القول بالانفساخ من حين التبين فعلي المشتري و بين القول

بانكشاف الفساد من الاول فعلي البائع و الاظهر انها علي المشتري مطلقا الا مع صدق التغرير فانه يرجع المشتري حينئذ

الي البائع لقاعدة الغرور- أو كون النقل بامره- اما رجوعه الي البائع في الموردين فواضح و أما عدم رجوعه في غيرهما فلعدم الموجب له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 131

و أما مئونة نقله من موضع الكسر، لو وجب تفريغه منه (1) لمطالبة مالكه،

أو لكونه مسجدا أو مشهدا، فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة:

فالظاهر انه علي البائع علي التقديرين، لأنه بعد الفسخ ملكه، و أما لو لم يكن قابلا للتملك فلا يبعد مؤاخذة المشتري به و في رجوعه علي البائع ما تقدم في مئونة نقله الي موضع الكسر، ثمّ ان المحكي في الدروس عن الشيخ و اتباعه انه لو تبرأ البائع من العيب (2) فيما لا قيمة لمكسوره صح، قال: و يشكل انه اكل مال بالباطل،

و تبعه الشهيد و المحقق الثانيان

______________________________

(1) قوله و أما مئونة نقله من موضع الكسر تارة يكون لزوم النقل لحق البائع من جهة ان المكسور ماله و متعلق حقه- و اخري- يكون لحق الله تعالي كما إذا كان في المسجد و كان بقائه فيه موجبا لهتكه اما في الاول

فمئونة الرد علي المشتري الا إذا كانت المئونة زائدة عما يقتضيه طبعا رد المال: فانه إذا كانت المئونة بمقدار ما يقتضيه طبعا رد المال لا محالة يكون دليل وجوب الرد اخص من حديث لا ضرر فيخصص به- و ان كانت زائدة عليه كان مقتضي حديث «1» لا ضرر عدم وجوب البذل عليه و أما في الثاني فمئونة النقل كأصل وجوبه تكون علي عامة المسلمين و صيرورة المشتري سببا لتوجيه التكليف لا توجب اختصاص التكليف به كما حققناه مفصلا في الجزء الاول من فقه الصادق في مبحث تنجيس المسجد.

(2) قوله لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح الظاهر ان مراد الشيخ و اتباعه انه مع الفراغ عن صحة البيع بالاطمينان بالصحة و السلامة من الاختبار أو التوصيف أو غيرهما إذا تبرأ من العيوب ثمّ تبين الفساد بالكسر صح و ليس مراده تصحيح البيع بالتبري حتي يورد عليه بان ذلك موجب للزوم الغرر المبطل- أو يوجه بان المراد اشتراط المشتري علي البائع البراءة من العيوب.

و علي ما ذكرناه فايراد الدروس عليهم بانه اكل للمال بالباطل انما يكون من جهة انكشاف عدم المالية له قبل الكسر أي حين البيع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 5- 4- 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 132

و قد تصدي بعض لتوجيه صحة اشتراء البراءة (1) بما حاصله منع بطلان البيع و ان استحق المشتري مجموع الثمن من باب الارش المستوعب، فإن الارش غرامة اوجبها الشارع بسبب العيب، لا انه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن، و لذا يسقط بالاسقاط و لا يتعين علي البائع الاعطاء من نفس الثمن ليسقط بالتبري و ليس هذا كاشتراط

عدم المبيع في عقد البيع إذ المثمن يتحقق علي حسب معاملة العقلاء، و لم يعلم اعتبار ازيد من ذلك في صحة البيع، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما علي بذل ماله علي هذا النحو.

نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالارش المستوعب، و لعله لذا لم يعبروا بالبطلان و ان ذكر المحقق و غيره الرجوع بالثمن، و فهم منه جماعة بطلان البيع، لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية و ان لم يكن له قيمة و هو اعم من بطلان البيع، انتهي محصله و فيه مواقع للنظر فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع، كالشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر و العلامة في التذكرة، معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له، و بين من صرح برجوع المشتري بتمام الثمن الظاهر في البطلان، فإن الرجوع بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان، و يكفي في ذلك ما تقدم من الدروس من ان ظاهر الجماعة البطلان، من اول الأمر، و اختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد،

فعلم ان لا قول بالصحة مع الأرش،

______________________________

(1) قوله و قد تصدي بعض لتوجيه صحة اشتراء البراءة المتصدي للتوجيه هو صاحب الجواهر قدس سره و يرد عليه.

انه ان اراد بذلك عدم اعتبار المالية الواقعية و انه يكفي المالية الظاهرية في صحة البيع- ففيه- ان البيع إذا كان هو تبديل المالين فمع عدم المالية الواقعية يتعين البناء علي الفساد الواقعي و ان اراد ان ما لا قيمة لمكسوره يكون ما لا واقعا قبل الكسر- ففيه- ما تقدم في اوائل هذه المسألة.

و ان اراد كفاية الملكية في صحة البيع و لا يعتبر المالية- ففيه- ما تقدم في الجزء الاول من

هذا الشرح في مسألة بيع ما لا منفعة له و عرفت انه لا تصدق عناوين المعاملات مع عدم المالية.

و ان اراد انه من حيث كونه محكوما بالارش المستوعب فهو ذو مالية علي أي تقدير- ففيه- ان الارش لا يوجب صيرورة المبيع مالا.

133/

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 133

بل ظاهر العلامة رحمه الله في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث انه بعد حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد علي ما لا قيمة له، و حكاية ذلك عن بعض الشافعية قال، و قال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة، بل لأن الرد ثبت علي سبيل استدراك الظلامة، (1) و كما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع و يظهر فائدة الخلاف في ان القشور الباقية بمن يختص، حتي يجب عليه تطهير الموضع عنها، انتهي.

هذا مع انه لا مجال للتأمل في البطلان بناء علي ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا و عرفا حكم ظاهري، و تموّل العوضين واقعا شرط واقعي لا علمي، و لذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا (2) و غير ذلك إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما، ثمّ ان الجمع بين عدم خروجه عن المالية و بين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم. (3) فلعله اراد الملكية مضافا الي ان الارش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال، لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب. نعم ذكر العلامة في التذكرة و التحرير و القواعد ان المشتري للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن أو طلب

الارش، فإن استوعب الجناية القيمة كان الارش جميع الثمن ايضا

______________________________

(1) قوله علي سبيل استدراك الظلامة الظلامة هي ما للمظلوم عند الظالم و استدراكها تداركها اما باسترجاع عين ما يكون

عنده أو باداء ما يماثله.

(2) قوله و لذا لم يتامل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا الفرق بين المقام و بين بيع الحر و الخمر بعد اشتراكهما في عدم المالية: ان الحر و الخمر ليسا ملكين بخلاف المبيع في المقام.

(3) قوله ثمّ ان الجمع بين عدم خروجه عن المالية و بين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم يمكن الجمع بينهما ان كان المراد عدم الخروج عن المالية قبل الكسر كما تقدم- نعم لا يمكن الجمع بينهما ان لوحظا في حال واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 134

و قد تصدي جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد فراجع، و كيف كان فلا اجد وجها لما ذكره، و اضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ و اتباعه بصحة البيع و اشتراط البائع علي المشتري البراءة من العيوب، و زعم ان معني اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشتري علي البائع البراءة من العيوب، فيكون مرادفا لاشتراط الصحة، و انت خبير بفساد ذلك، بعد ملاحظة عبارة الشيخ و الاتباع. فإن كلامهم ظاهر أو صريح في ان المراد براءة البائع من العيوب لا المشتري. نعم لم اجد في كلام الشيخين و المحكي عن غيرهما تعرضا لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره، ثمّ انه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب (1) الغير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر، فإن بيع ما لا يعلم صحته، و فساده لا

يجوز الا بناء علي اصالة الصحة، و اشتراط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب و عدمها، و قد صرح العلامة و جماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة، و سيجي ء توضيحه في باب الخيارات انشاء الله.

مسألة: المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأرة (2)

و الفأر بالهمزة قيل جميع فأرة كتمر و تمرة.

و عن النهاية انه قد لا يهمز تخفيفا و مستند الحكم العمومات (3) الغير المزاحمة بما يصلح

______________________________

(1) قوله ثمّ انه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب. بلزوم الغرر لا إشكال فيه إذا كان الاشتراط بعد كون البيع صحيحا غير غرري لعدم الجهل به و الاطلاع علي حاله بالاختبار و نحوه- و كان الغرض منه دفع الالتزام بالعيب إذا ظهر الخطاء- نعم- يصح هذا الاشكال لو كان الاشتراط مع الجهل بالمبيع لدفع الغرر فانه يوجبه و لا يرفعه.

بيع المسك في الفأرة

(2) قوله المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأرة.

(3) مقتضي العمومات و السيرة جواز بيع ذلك 135/

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 135

للتخصيص عدا توهم النجاسة (1) المندفع في باب النجاسات بالنص و الاجماع (2) أو توهم جهالته بناء علي ما تقدم من احتمال عدم العبرة باصالة الصحة في دفع الغرر و يندفع بما تقدم من بناء العرف علي الاصل في نفي الفساد (3)

و بناء الاصحاب علي عدم التزام الاختبار في الاوصاف التي تدور معها الصحة لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد. و أما الغرر من جهة تفاوت افراد الصحيح الذي لا يعلم الا بالاختبار فلا رافع له. نعم قد روي في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه لكن لم يعلم ارادة ما

في الفأرة، و كيف كان. فإذا فرض انه ليس له اوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في القيمة، فالاحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بابرة، ثمّ اخراجه و شمه

______________________________

و استدل لعدم الجواز بوجهين:

(1) احدهما: أنه دم و لا يجوز بيع النجس.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بانه ليس بنجس للنص «1» و الإجماع.

و يمكن ان يجاب عنه- مضافا الي ذلك بوجهين-:

احدهما: عدم كونه نجسا اما للاستحالة- فتدبر- أو لان المادة من اصلها ليست مادة دم بل هي جرم خاص.

ثانيهما: انه لا دليل علي بطلان بيع الدم الذي ينتفع به منفعة محللة معتد بها، كما تقدم تفصيل القول في ذلك في الجزء الاول من هذا الشرح.

الثاني: انه مجهول و لا يجوز بيع المجهول كما تقدم.

و فيه: انه تارة يحتمل الفساد، و اخري لا يحتمل ذلك، و يكون الفاقد لوصف محتمل من مراتب الصحيح اما في الصورة الاولي فقد افاد المصنف قدس سره.

(3) ان بناء العرف علي اصالة الصحة في نفي الفساد- و قد تقدم ما في ذلك في المسألة السابقة و الحق انه مع اخبار البائع بالسلامة ان كان مؤتمنا أو اشتراط الصحة و لو

______________________________

(1) الوسائل- باب 43- من ابواب لباس المصلي- و باب 95 و 97- من ابواب آداب الحمام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 136

ثمّ لو شمه و لم يرض به فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه، و لو بكونه جزءا اخيرا لسبب النقص بأن فتق قبله بإدخال الخيط و الابرة مرارا وجه، مبني علي ضمان النقص في المقبوض بالسوم، (1) فالاولي ان يباشر البائع ذلك فيشم المشتري الخيط، ثمّ ان الظاهر من

العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف (2) و هو كذلك، و صرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة و هو حسن، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر و الصغر.

______________________________

بالشرط الضمني يصح البيع لارتفاع الغرر.

اما بالاول فلما «1» دل علي حجية خبر الواحد في الموضوعات و ما دل «2» علي كفاية اخبار البائع بالكيل أو الوزن ان كان مؤتمنا بعد الغاء خصوصية المورد.

و أما بالثاني فلما تقدم في المسألة السابقة- و بدون ذلك لا يكون البيع صحيحا للغرر و أما في الصورة الثانية فان لم تختلف القيمة باختلاف الاوصاف صح البيع بلا كلام لعدم الغرر و ان كان يختلف به القيمة فيصح مع اخبار البائع أو الاشتراط و لو ضمنا و بدونه يحتمل الوجهان وجه البطلان لزوم الغرر وجه الصحة سيرة المتشرعة من التجار و غيرهم علي البيع بدون الاختبار و الاحوط ان يختبر بفتقهما بادخال خيط فيها بابرة ثمّ اخراجه و شمه.

(1) قوله وجه مبني علي ضمان النقص في المقبوض بالسوم و فيه انه يمكن القول بعدم الضمان و ان قلنا بالضمان في تلك المسألة: فان المشتري ان اختبر مع اذن البائع كان ظاهر ذلك هو المجانية و عدم ضمان النقص و هذا بخلاف المقبوض بالسوم.

(2) قوله عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف.

الاشكال في بيع اللؤلؤ انما يكون من جهتين- الاولي- من جهة الجهل بالوجود- الثانية- من جهة الجهل بالصفة و انما يصح البيع مع التعارف إذا ارتفع الجهل من الجهتين للتعارف- و الا فلا يصح-

______________________________

(1) الحجرات: 6.

(2) الوسائل- باب 5- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 137

مسألة: لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه، (1)

لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه

عن الجهالة، فيكون المجموع مجهولا، إذ لا نعني بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا، و يتفرع علي ذلك انه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكا لجهالته و ان ضم إليه القصب أو غيره، و لا اللبن في الضرع و لو ضم إليه ما يحلب منه أو غيره علي المشهور، كما في الروضة و عن الحدائق: و خص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما الي المعلوم، و جوزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم، و هو المحكي عن المختلف و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و المقتصر،

و استحسنه المحقق و الشهيد الثانيان. و لعل المانعين لا يريدون الا ذلك، نظرا الي ان جهالة التابع لا يوجب الغرر، و لا صدق اسم المجهول علي المبيع عرفا، حتي يندرج في اطلاق ما دل من الاجماع علي عدم جواز بيع المجهول. فإن اكثر المعلومات بعض اجزائها مجهول، خلافا للشيخ في النهاية، و ابن حمزة في الوسيلة، و المحكي عن الاسكافي و القاضي، بل في مفتاح الكرامة ان الحاصل من التتبع ان المشهور بين المتقدمين هو الصحة، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع في مسألة السمك، و اختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و المحدث العاملي و المحدث الكاشاني.

و حكي عن ظاهر غاية المراد و صريح حواشيه علي القواعد

______________________________

بيع المجهول منضما الي المعلوم

(1) قوله لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه الأقوال في المسألة- اي في بيع المجهول مع الضميمة- ثلاثة:

احدها: الجواز مطلقا، ذهب إليه السيد في محكي الانتصار.

الثاني: ما هو المشهور بين الأصحاب و هو عدم الجواز كذلك.

الثالث: ما عن المختلف و شرح الارشاد

و غيرهما، و هو التفصيل بين ما إذا كان المجهول تابعا للمعلوم فيصح البيع، و بين ما إذا لم يكن كذلك فيبطل.

و الحق يقتضي البحث في موضعين:

الأول: فيما تقتضيه النصوص الخاصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 138

و حجتهم علي ذلك الاخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك و اللبن و غيرهما.

ففي مرسلة البزنطي التي إرسالها كوجود سهل فيها سهل، (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب اخرج شيئا من سمك فباع «فيباع» و ما في الأجمة.

و رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كان فيها قصب، و المراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة. (2) و رواية ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب انما هي ماء، قال يصيد كفا من سمك تقول اشتري منك هذا السمك، و ما في هذه الأجمة بكذا و كذا.

______________________________

الثاني فيما تقتضيه القواعد اما الموضع الاول فملخص القول فيه، ان بعض النصوص يدل علي انه يصح بيع مجهول الصفة مع الضميمة، كمرسل البزنطي «1» المذكور في المتن.

(1) قوله التي ارسالها كوجود سهل فيها سهل اما كون ارسالها سهلا فلان المرسل هو البزنطي الذي لا يرسل الا عن ثقة و من اصحاب الاجماع و أما كون وجود سهل سهلا، فلان الاظهر عند جماعة الاعتماد علي رواياته منهم الوحيد و نحوه خبر ابي بصير «2» المذكور في المتن، فانهما ظاهر ان في صحة بيع المجهول من حيث المقدار بضمه الي المعلوم ينحو الجزئية،

و في المتن ان رواية «3» معاوية بن عمار المذكورة فيه من هذا القبيل قال.

(2) و المراد

شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة و فيه ان ظاهر الخبر شراء رقبة الارض مع ما فيها من القصب لا شراء السمك فهو اجنبي عن المقام و جملة من تلك النصوص تدل علي صحة بيع مجهول الحصول مع الضميمة

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب عقد البيع حديث 2.

(2) نفس المصدر حديث 6.

(3) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 139

و موثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه السلام كما في الفقيه، قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع، قال: لا، الا ان يحلب لك في سكرجة، (1) فيقول: اشتر مني هذا اللبن الذي في الاسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي، فإن لم يكن في الضرع شي ء كان ما في السكرجة، و عليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل، قال: نعم حتي تنقطع أو شي ء منها، بناء علي ان المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه، (2) أو بيع شي ء منه محلوب في الخارج، و ما بقي في الضرع بعد حلب شي ء منه. و في الصحيح الي ابن محبوب عن ابي ابراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل اشتري من رجل اصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما، قال: لا بأس ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف

______________________________

كموثق سماعة «1» المذكور في المتن، فتأمل فانه قابل للحمل علي الجهل بالوجود.

(1) قوله يحلب لك في سكرجة- السكرجة معرب سكره و هي بالفارسية وعاء متخذ من الطين يحلب فيه اللبن و صحيح

العيص «2» المذكور في المتن.

(2) قوله بناء علي ان المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه و فيه ان المراد بالانقطاع ان كان هو النفاد- فلا تعرض فيه لاعتبار الضميمة إذ المراد حينئذ من قوله أو شي ء منه بيع بعض اللبن- و ان كان المراد به الانفصال من الضرع- و ان كان حينئذ المراد من قوله أو شي ء منه انفصال بعض اللبن و بيعه منضما الي ما في الضرع الا ان الجزء السابق و هو بيع جميعه مع الانفصال بيع المجهول و لم يعتبر فيه الضميمة فما هو ظاهر المتن من حمل الانقطاع علي النفاد- و حمل أو شي ء منه علي حلب شي ء من اللبن و ضمه الي ما في الضرع- تفكيك بين الجملتين و حمل لهما علي معنيين لا تقابل بينهما اصلا.

و بعضها يدل علي ان بيع مجهول الوجود يصح مع الضميمة كصحيح الكرخي «3»

المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب عقد البيع حديث 2.

(2) نفس المصدر حديث 1.

(3) الوسائل- باب 10- من ابواب عقد البيع حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 140

و موثقة اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن ابي عبد الله عليه السلام في الرجل، يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري، لعله لا يكون شي ء من هذا ابدا أو يكون، أ يشتريه و في اي زمان يشتريه و يتقبل به، قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا. انه قد ادرك فاشتره و تقبل به. و ظاهر الاخيرين كموثقة سماعة ان الضميمة المعلومة انما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع، لا من حيث

جهالته، فإن ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن و الكيل. و كذا المعلوم الحصول من الاشياء المذكورة في رواية الهاشمي، مع ان المشهور، كما عن الحدائق المنع عن بيع الأصواف علي ظهور الغنم، بل عن الخلاف عليه الاجماع، و القائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي، مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون الي الاصواف، فتبين ان الرواية لم يقل أحد بظاهرها، (1) و مثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلي المجهول، روايتا أبي بصير و البزنطي فإن الكف من السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون. و لذا جعلوه من الربويات، و لا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة،

لاحتمال ان لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد بخلاف القليل منه. و أما رواية معاوية بن عمار فلا دلالة فيها علي بيع السمك الا بقرينة روايتي ابي بصير و البزنطي التين عرفت حالهما، فتأمل

______________________________

حيث ان المفروض فيه الجهل بالوجود و نحوه موثق «1» اسماعيل المذكور في المتن.

(1) و اورد عليها: المصنف قدس سره: بانها متضمنة لجواز بيع المجهول مع ضمه الي مجهول آخر، إذ الأصواف علي ظهر مائة نعجة في رواية الكرخي مجهولة بنفسها و لا يصح بيعها منفردة، و المستخرج و المتصيد من السمك اللذان تضمنهما مرسل البزنطي و خبر ابي بصير غير معينين، و ما في الاسكرجة من اللبن غير معلوم الوزن، و علي هذا فلم يفت احد بمضمونها فلا بد من رد علمها الي اهلها.

و فيه: ان اطلاقات النصوص واردة في مقام بيان شي ء آخر و هو تصحيح بيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 12- من ابواب عقد البيع حديث 4.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 5، ص: 141

ثمّ علي تقدير الدلالة ان اريد انتزاع قاعدة منها و هي جواز ضم المجهول الي المعلوم و ان كان المعلوم غير مقصود، الا حيلة لجواز نقل المجهول، فلا دلالة فيها علي ذلك، و لم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة، بل المعلوم من بعضهم بل كلهم خلافه فإنا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شي ء معلوم إليه، كما يشهد به تتبع كلماتهم، و ان اريد الاقتصار علي مورد النصوص و هو بيع سمك الآجام و لبن الضرع و ما في البطون مع الاصواف فالامر سهل علي تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين الكل، من عدم جواز بيع المجهول مطلقا.

بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم، و اصله من العلامة قال في القواعد في باب شرط العوضين: كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و ان انضم الي معلوم.

و يجوز مع الانضمام الي معلوم إذا كان تابعا، انتهي.

و ارتضي هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه الا ان مرادهم من المقصود و التابع غير واضح و الذي يظهر من مواضع من القواعد و التذكرة: ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع، (1) و بالمقصود ما كان جزء، قال في القواعد في باب الشرط في ضمن البيع:

______________________________

المجهول لا تصحيح بيع الضميمة، فلا مورد للتمسك باطلاقها من هذه الجهة.

و بعبارة اخري: ان النصوص انما سيقت لبيان انه يمكن تصحيح بيع المجهول بالضميمة و ليست في مقام بيان ما يعتبر في الضميمة، فلا يصح التمسك باطلاقها من تلك الجهة.

فالحق انها تدل علي صحة بيع المجهول بالضميمة، و لكن لا تختص تلك بصورة

كون المجهول تابعا، و تكون مختصة بموارد خاصة و ليست لها اطلاق أو عموم يتمسك به للتعدي عنها.

و أما الموضع الاول: فان لم يكن المجهول تابعا لا كلام في البطلان للغرر.

و أما التابع فله معان:

(1) احدها: ما عن العلامة في القواعد و التذكرة، و هو: ان التابع ما اخذ شرطا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 142

لو شرط ان الأمة حامل و الدابة كذلك صح، اما لو باع الدابة و حملها و الجارية و حملها، بطل لأن كلما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزء من المقصود و يصح تابعا، انتهي.

و في باب ما يندرج في المبيع قال: السادس العبد، و لا يتناول ماله الذي ملكه مولاه الا ان يستثنيه المشتري ان قلنا ان العبد يملك فينتقل الي المشتري مع العبد،

و كان جعله للمشتري ابقاء له علي العبد، فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا. اما إذا احلنا تملكه و باعه و ما معه صار جزء من المبيع، فيعتبر فيه شرائط البيع، انتهي.

و بمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا و بين جعله جزء صرح في التذكرة في فروع مسألة تمليك العبد و عدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار و أخشاب السقوف.

و قال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين: لو باع الحمل مع امه جاز إجماعا.

و في موضع من باب الشرط في العقد: لو قال بعتك هذه الدابة و حملها لم يصح عندنا، لما تقدم من ان الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء و لا جزء.

و قال ايضا: و لو باع الحامل و يشترط للمشتري الحمل، صح لأنه تابع كأساس الحيطان و ان لم يصح ضمه في البيع مع الام للفرق بين الجزء و التابع.

و

قال في موضع آخر: لو قال بعتك هذه الشياة و ما في ضرعها من اللبن لم يجز عندنا، و قال في موضع آخر لو باع دجاجة ذات بيضة و شرطها صح، و ان جعلها جزء من المبيع لم يصح

______________________________

في المبيع في مقابل ما جعل جزء منه، و عليه فعلي القول بالتفصيل لا فرق في الصحة في صورة الاشتراط بين ان يكون الشرط اصلا في الغرض أو تابعا، كما لا فرق في البطلان علي الجزئية بين الصورتين.

و اورد علي ذلك المحقق الثاني: بان هذا الفرق ليس بشي ء لأن العبارة لا أثر لها.

و رده المحقق النائيني قدس سره: بان الجزء يقسط عليه الثمن، فإذا كان مجهولا يفسد البيع،

و هذا بخلاف الشرط، فان الثمن يقع بازاء المشروط، و هو معلوم.

و فيه: تارة يكون الالتزام البيعي اجنبيا عن الالتزام الشرطي، و انما اخذ الاول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 143

و هذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول علي وجه الجزئية من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول. و قد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسألة اشتراط دخول الزرع في بيع الأرض، قال: و ما قد يوجد في بعض الكلام من ان المجهول ان جعل جزء من المبيع لا يصح و ان اشترط صح، و نحو ذلك،

فليس بشي ء لأن العبارة لا أثر لها و المشروط محسوب من جملة المبيع، و لأنه لو باع الحمل و الأم صح البيع، و لا يتوقف علي بيعها، و اشتراطه انتهي.

و هو الظاهر من الشهيدين في اللمعة و الروضة حيث اشترطا في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع، و قد صرح الشيخ في مسألة اشتراط مال

العبد اعتبار العلم بمقدار المال، و عن الشهيد: لو اشتراه و ماله صح، و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا ان قلنا انه يملك، و ان احلنا ملكه اشترط. قال في الدروس: لو جعل الحمل جزءا من المبيع، فالاقوي الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع، انتهي.

و اختاره جامع المقاصد، ثمّ التابع في كلام هؤلاء يحتمل ان يراد به ما يعد في العرف تابعا، كالحمل مع الام، و اللبن مع الشاة، و البيض مع الدجاج، و مال العبد معه و الباغ في الدار، و القصر في البستان، و نحو ذلك (1) مما نسب البيع عرفا الي المتبوع لا إليهما معا و ان فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الاحيان، بل بالتابع خاصة، كما قد يتفق في حمل بعض افراد الخيل.

______________________________

ظرفا للثاني خاصة من جهة انه لا عبرة بالالتزام الابتدائي، كما لو كان الالتزام البيعي لزيد، و الشرطي لعمرو و اخري يكونان مرتبطين.

اما في الصورة الأولي: فيتم ما افاده المحقق النائيني قدس سره،

و لا يتم في الثانية، فان المبيع و ان كان معلوما الا انه من جهة تفاوت مالية المبيع بالعرض بوجود الشرط و عدمه لا محالة يلزم الغرر فيبطل لذلك.

(1) ثانيهما: ما يظهر من الشهيدين و المحقق الثاني، و هو: ان التابع هو ما يعد في العرف من التوابع، كمفتاح الدار و حمل الام و البيض الذي في جوف الدجاجة، و نحو تلكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 144

و هذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات، كما تقدم عن الدروس و جامع المقاصد، من صحة بيع الام و حملها، لأن الحمل تابع. قال في جامع المقاصد في شرح قوله

المتقدم في القواعد: و يجوز مع الانضمام الي معلوم إذا كان تابعا ان اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة اخري، الا ان يقال التبعية انما تتحقق مع الأم، لأنه حينئذ بمنزلة بعض اجزائها و مثله زخرفة جدران البيت، انتهي.

و في التمثيل نظر، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام، إلا ان يريد مثال الاجزاء لامثال التابع، لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد، وفاقا للشيخ رحمه الله مع ان مال العبد تابع عرفي، كما صرح به في المختلف في مسألة بيع العبد و اشتراط ماله، و يحتمل ان يكون مرادهم التابع بحسب قصد المتبايعين،

و هو ما يكون المقصود بالبيع غيره، و ان لم يكن تابعا عرفيا، كمن اشتري قصب الآجام و كان فيها قليل من السمك، أو اشتري سمك الآجام و كان فيها قليل من القصب، و هذا ايضا قد يكون كذلك بحسب النوع، و قد يكون كذلك بحسب الشخص، كمن اراد السمك القليل لأجل حاجة، لكن لم يتهيأ له شراؤه الا في ضمن قصبة الاجمة، و الاول هو الظاهر من مواضع من المختلف منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه، (1) حيث حمل رواية سماعة المتقدمة علي ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن و يصير اصلا، و الذي في الضرع تابعا.

______________________________

و علي هذا ايضا لا نظر الي الغرض الشخصي أو النوعي.

و الأظهر في التابع بهذا المعني هو التفصيل بين ما لو جعل التابع جزء للمبيع، و بين ما لو اخذ شرطا. و في الأول جهالته موجبة للغرر، و في الثاني لا توجب ذلك. و الشاهد علي هذا التفصيل هو اهل العرف، فانهم

يفرقون في صدق الغرر بين الموردين.

ثمّ ان التابع بهذا المعني قسمان:

الأول: ما لا يدخل في ملك المشتري لو لم يصرح في العقد. الثاني: ما يكون بناء العرف و العقلاء علي تبعيته في الملكية للمبيع ما لم يصرح بخلافه. فتدبر حتي لا يختلط الموردان.

(1) ثالثها: ما يظهر من العلامة في المختلف، و هو: ان المراد بالتابع ما يكون تابعا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 145

و قال في مسألة بيع ما في بطون الانعام مع الضميمة و المعتمد ان نقول ان كان الحمل تابعا صح البيع، كما لو باعه الام و حملها، أو باعه ما يقصد مثله بمثل الثمن،

و ضم الحمل فهذا لا بأس به و إلا كان باطلا. و أما الاحتمال الثاني أعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين، فلم نجد عليه شاهدا إلا ثبوت الغرر علي تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول و انتفائه علي تقدير تعلقه بالمعلوم، و يمكن تنزيل اطلاقات عبارات المختلف عليه، كما لا يخفي و ربما احتمل بعض. بل استظهر ان مرادهم بكون المعلوم مقصودا و المجهول تابعا، كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم، بمعني الأقدام منهما و لو لتصحيح البيع علي ان المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو و ان سمي ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع (1) قال و لا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلي الغرض ما فيه الغرر، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض، بإيقاع العقد علي شي ء معين معلوم لا نزاع فيه، و جعل ذلك من التوابع و اللواحق، لما عقد عليه البيع، فلا يقدح حصوله و عدم حصوله كما أومأ إليه في ضميمة الآبق و ضميمة الثمر علي

الشجر، و ضميمة ما في الضروع و ما في الآجام، انتهي.

و لا يخفي أنه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل، إلا أن يريد بالتابع جعل المجهول شرطا، و المعلوم مشروطا، فيريد ما تقدم عن القواعد و التذكرة، و لا أظن إرادة ذلك من كلامه

______________________________

بالنسبة الي الغرض من المعاملة، سواء أ كان غرضا نوعيا أو شخصيا، مثل ما لو اراد شراء السرج و كان مالكه لا يبيعه بدون الفرس فاشتراهما معا، فان الفرس تابع بهذا المعني، و الظاهر ان جهالة التابع بهذا المعني مضرة و موجبة للغرر.

(1) رابعها: ما يظهر من المحقق القمي و صاحب الجواهر، و هو: ان التابع ما هو كذلك في الجعل و التباني و ان كان هو المقصود بالأصالة و انما يجعل تبعا تخلصا عن الغرر، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك في الذي يراد بيعه لعارض بايقاع العقد علي شي ء معين معلوم لا نزاع فيه و يجعل ذلك من اللواحق.

و الظاهر عدم كفاية ذلك، و الا لزم تجويز بيع كل مجهول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 146

بقرينة استشهاده بأخبار الضميمة في المورد المتفرقة، و الأوفق بالقواعد ان يقال: أما الشرط و الجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة، و أما قصد المتبايعين بحسب الشخص. فالظاهر انه غير مؤثر في الغرر وجودا و عدما، لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية، بل و كذلك قصدهما بحسب النوع علي الوجه الذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع و للمجهول و اما التابع العرفي فالمجهول منه و ان خرج عن الغرر عرفا، الا ان المجعول

منه جزء داخل ظاهرا في معقد الاجماع علي اشتراط العلم بالمبيع المتوقف علي العلم بالمجموع. نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا (1) خرج عن بيع الغرر و عن معقد الاجماع علي اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه، هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين. و أما التابع للمبيع الذي يندرج في المبيع، و ان لم ينضم إليه حين العقد، و لم يخطر ببال المتبايعين. فالظاهر عدم الخلاف و الاشكال في عدم اعتبار العلم به، الا إذا استلزم غررا في نفس المبيع، إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع لا الساري من المجهول الي المعلوم، فافهم.

______________________________

و ان شئت قلت ان الجهالة توجب غررية المعاملة، و مجرد البناء علي كونه تابعا لا يوجب رفع الغرر.

(1) قوله نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا خرج عن بيع الغرر محصله اعتبار التبعية في مقام الوجود و في مقام الجعل و الانشاء باخذه شرطا لا جزء و قد مر ان هذا هو الاظهر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 147

مسألة: يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة (1)

علي المشهور، بل لا خلاف فيه في الجملة. بل عن فخر الإسلام التصريح بدعوي الاجماع قال: فيما حكي عنه: نص الاصحاب علي انه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة و النقيصة، فقد استثني من المبيع امر مجهول و استثناء المجهول مبطل للبيع، الا في هذه الصورة، فإنه لا يبطل اجماعا، انتهي.

و الظاهر ان اطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع و لو من اول الامر،

بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع الي هذا ايضا، ثمّ ان الاقوال في تفصيل المسألة ستة: (2)

الأول: جواز الاندار بشرطين: كون المندر متعارف الاندار عند التجار و عدم العلم بزيادة ما يندره، و هو للنهاية

و الوسيلة و عن غيرهما.

الثاني: عطف النقيصة علي الزيادة في اعتبار عدم العلم بها و هو للتحرير.

الثالث: اعتبار العادة مطلقا و لو علم الزيادة أو النقيصة و مع عدم العادة فيما يحتملهما و هو لظاهر اللمعة و صريح الروضة.

الرابع: التفصيل بين ما يحتمل الزيادة و النقيصة، فيجوز مطلقا، و ما علم الزيادة فالجواز بشرط التراضي.

الخامس: عطف العلم بالنقيصة علي الزيادة. و هو للمحقق الثاني ناسبا له الي كل من لم يذكر النقيصة.

السادس: اناطة الحكم بالغرر.

______________________________

الاندار للظروف

(1) قوله: يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة هذا هو المشهور بين الاصحاب و عن فخر الاسلام دعوي الاجماع عليه.

(2) و أما الاقوال التي نقله المصنف فهو كما افاده اقوال في تفصيل المسألة و الفرق بين هذه المسألة و المسألة الآتية واضح حيث ان محل البحث في تلك المسألة بيع المظروف مع ظرفه و محل البحث في المقام بيع المظروف بدون ظرفه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 148

ثمّ ان صورة المسألة ان يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم انه عشرة ارطال، فإذا اريد بيع المظروف فقط كما هو المفروض و قلنا بكفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا علي ما هو مفروض المسألة و معقد الاجماع المتقدم، (1) فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا. و حينئذ فلا يحتاج الي الاندار لأن الثمن و الثمن معلومان بالفرض، (2) و اخري يباع علي وجه التسعير بأن يقول:

بعتكه كل رطل بدرهم، (3) فيجي ء مسألة الاندار للحاجة الي تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم.

و يمكن ان يحرر المسألة علي وجه آخر و هو انه بعد ما علم وزن الظرف و المظروف، و قلنا بعدم لزوم

العلم بوزن المظروف منفردا، فاندار اي مقدر للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم، و هل هو منوط بالمعتاد بين التجار، و التراضي أو بغير ذلك.

______________________________

(1) قوله علي ما هو مفروض المسألة و معقد الاجماع المتقدم و الظاهر كما سيأتي ان مورد فتوي المشهور هو الاندار بعد البيع لتعيين ما يستحقه البائع لا الاندار حين البيع و لا يتوقف ذلك علي القول بكفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا كما عرفت فهذا ليس مفروض المسألة و لا معقد الاجماع.

و كيف كان فالكلام في المقام يقع في مقامين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يستفاد من النصوص.

اما المقام الأول: فملخص القول فيه: ان بيع المظروف يتصور علي وجوه:

(2) احدها: ان يوزن المظروف مع ظرفه فيباع المظروف جملة بكذا و في هذه الصورة لا يحتاج الي الاندار، و قد حكم المصنف رحمه الله بصحة بيعه بناء علي كفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا.

و لكن بناء علي هذا و ان كان يتم ما افاده الا ان الكلام في المبني، إذ الدليل دل علي اعتبار العلم بوزن المبيع، و في المقام وزنه غير معلوم، و معلومية وزنه منضما الي شي ء آخر لا تكفي. فالأظهر هو البطلان.

(3) ثانيهما ان يوزن المظروف مع ظرفه ثمّ يباع المظروف علي وجه التسعير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 149

فالكلام في تعيين المقدار المندر، لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف (1)

بعد قيام الاجماع علي عدم لزوم العلم بوزنه، بالتقدير، أو بأخبار البائع، و إلي هذا الوجه ينظر بعض الاساطين حيث اناط المقدار المندر بما لا يحصل معه غرر،

و اعترض علي ما في القواعد و مثلها من اعتبار التراضي في

جواز اندار ما يعلم زيادته، بأن التراضي لا يدفع غررا و لا يصحح عقدا، و تبعه في ذلك بعض أتباعه،

و يمكن ان يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول من البيع علي جواز الاندار، إذ علي الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا علي جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول، لا علي جواز اندار مقدار معين، إذ الاندار حينئذ لتعيين الثمن (2) فتأمل:

و كيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين فان جماعة منهم كما عرفت من الفاضلين و غيرهما خصوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة، فلو كان الاندار لاحراز وزن المبيع و تصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا، إذ لا معني لإيقاع العقد علي وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض، و قد صرح المحقق و الشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأن الاندار من دون التراضي تضييع لمال احدهما، و لا يخفي انه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقق تضييع المال لأن الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف، سواء فرض زائدا أو ناقصا، هذا مع انه إذا فرض

______________________________

بان يقول: بعتكه كل رطل بدرهم و الكلام في هذه الصورة يقع في جهتين:

(1) الأولي: في انه هل يعتبر الاندار قبل العقد لتصحيح البيع ام لا.

(2) الثانية: في الاندار للحاجة الي تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم اما الأولي: فقد تقدم الكلام فيها في مسألة بيع صاع من صبرة، و عرفت ان الاظهر هو البطلان إذا كان وزنه بتمامه غير معلوم.

و أما الثانية: فالأظهر هو الاكتفاء بما تراضيا عليه لو بنينا علي صحة البيع و ان الاندار في هذا المقام لا يضر، فلو عين مقدارا

للظرف و تراضيا عليه مع احتمال الزيادة و النقيصة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 150

كون استقرار العادة علي اندار مقدار معين يحتمل الزيادة و النقيصة، (1)

فالتراضي علي الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا لا يوجب غررا، بل يكون كاشتراط زيادة مقدار علي المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع، مثلا لو كان المجموع عشرة ارطال، و كان المعتاد اسقاط رطل للظرف، فإذا تراضيا علي ان يندر للظرف رطلان فكأنه شرط للمشتري ان لا يحسب عليه رطلا و لو تراضيا علي اندار نصف رطل، فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة ارطال و نصف ثمنا للتسعة،

فلا معني للاعتراض علي من قال باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو نقيصته بأن التراضي لا يدفع غررا، و لا يصحح عقدا، و كيف كان. فالظاهر هو الوجه الأول، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول، كما عنون المسألة بذلك في اللمعة، بل نسبه في الحدائق إليهم لا من حيث اندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد و التواطي علي إيقاع العقد علي الباقي بعد الإندار.

و ذكر المحقق الاردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة، ان المراد انه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه، ثمّ يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا، بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد و لا أنقص، بل و ان تفاوت لا يكون إلا بشي ء يسير متساهل به عادة، ثمّ دفع ثمن الباقي مع الظرف الي البائع، انتهي.

______________________________

لا اشكال فيه، إذ البيع علي الفرض تام الأجزاء و الشرائط، و التراضي انما يكون في مرحلة تسليم حق البائع، و في هذا المقام كما له ان يبرئ المشتري

عن الثمن بتمامه أو بعضه،

كذلك له التراضي علي مقدار معين و ابرائه عن الزيادة لو كان، و للمشتري ايضا ان يرضي بان يأخذ البائع اكثر مما يستحقه.

(1) قوله استقرار العادة علي اندار مقدار معين يحتمل الزيادة و النقيصة هذا دفع لما اورده بعض الاساطين علي من اكتفي بالتراضي في اندار ما يعلم زيادته بان التراضي لا يدفع غرر أو حاصله انه لو فرض استقرار العادة علي اندار مقدار معين فالتراضي علي الزائد عليه أو الناقص يكون كاشتراط زيادة مقدار علي المبيع غير قادح في صحة البيع و لا يكون ذلك من الغرر في شي ء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 151

فظاهره الوجه الاول الذي ذكرنا حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف، و جعل الاندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه دفع ثمنه.

و في الحدائق في مقام الرد علي من الحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها، قال: ان الاندار حق للمشتري، لأنه قد اشتري مثلا مائة من من السمن في هذه الظروف، فالواجب قيمة المائة المذكورة و له اسقاط ما يقابل الظروف من هذا الوزن، انتهي.

و هذا الكلام و ان كان مؤيدا لما استقر بناه في تحرير المسألة، الا ان جعل الاندار حقا للمشتري و التمثيل بما ذكر لا يخلو عن نظر، فإن المشتري لم يشتر مائة من من السمن في هذه الظروف، لأن التعبير بهذا من العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من لغو، بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة من،

فإن باعه بثمن معين فلا حاجة الي الاندار و لا حق للمشتري و ان اشتراه علي وجه التسعير بقوله: كل من بكذا، فالاندار، انما

يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع علي المشتري من الثمن، فكيف يكون الواجب قيمة المائة كما ذكره المحدث.

و قد علم مما ذكرنا ان الإندار الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن، انما هو لتعيين حق البائع و ليس حقا للمشتري.

______________________________

ثالثها: ان يوزن الظرف و المظروف ثمّ يندر مقدارا للظرف فيبيع المظروف بعد ذلك،

كما لو وزن المجموع و كان عشرة ارطال ثمّ اندر رطلين للظرف فباع المظروف الذي هو ثمانية ارطال تخمينا بعد الأندار بمبلغ معين. و في هذه الصورة إذا كان وزن الظرف من جهة الاعتياد معلوما و اطمأن بان وزنه بالمقدار الذي اندر صح البيع للاطمئنان بوزن المبيع، فلا جهالة و لا غرر، و الا بطل البيع للجهالة و الغرر. و التراضي لا يصحح البيع الغرري، كما ان

معلومية وزن المجموع لا تكفي كما تقدم.

رابعها: ان يبيع مقدارا من المظروف الذي يعلم باشتماله عليه، ثمّ في مقام التسليم يوزن المظروف مع ظرفه ثمّ يندر مقدارا للظرف و يسلمه الي المشتري. و في هذه الصورة يصح البيع، إذ لا غرر و لا جهالة. و أما في مرحلة الوفاء فحكمها حكم الصورة الأولي- فراجع- هذا ما تقتضيه القواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 152

و أما الأخبار (1) فمنها موثقة حنان، قال: سمعت معمر الزيات قال لأبي عبد الله عليه السلام انا نشتري الزيت في زقاقة، فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق، فقال له ان كان يزيد و ينقص فلا بأس، و ان كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه (2) قيل: و ظاهره عدم اعتبار التراضي.

أقول المفروض في السؤال هو التراضي، (3) لأن الحاسب هو البائع أو وكيله و هما مختاران و المحسوب له هو المشتري

و التحقيق ان مورد السؤال صحة الأندار مع إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف، أو مع ردها الي البائع من دون وزن لها، فإن السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه، فلا اطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي و يؤيده النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة، فإن المنهي عنه ليس ارتكابه بغير تراض، فافهم.

______________________________

فالمتحصل منها: ان للاندار صورتين:

احداهما: الأندار بعد البيع و في مقام الوفاء.

ثانيتهما: الأندار في ضمن المعاملة.

و في الصورة الأولي: الاندار لا يضر بصحة المعاملة ان كانت صحيحة في نفسها.

ثمّ هو ان كان بما هو المعتاد الذي عليه بناء العرف و العقلاء لا يعتبر فيه التراضي،

و الا اعتبر فيه ذلك.

و في الصورة الثانية: ان كان بالمتعارف صح البيع، و الا بطل حتي مع التراضي.

(1) و أما بحسب الأخبار: فما ورد من النصوص في المقام ثلاثة.

(2) الاول موثق حنان «1» عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

(3) قوله المفروض في السؤال هو التراضي لان الحاسب هو البائع أو وكيله كون الحاسب هو البائع لا يكون شاهد التراضي فانه ربما لا يرضي المشتري به و علي أي حال فقد مر ظهور الخبر في اعتبار التراضي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 20- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 153

فحينئذ لا يعارضها ما دل علي صحة ذلك مع التراضي، مثل رواية علي بن ابي حمزة قال سمعت معمر الزيات يسأل ابا عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك نطرح ظروف السمن و الزيت كل ظرف كذا و كذا رطلا، فربما زاد و ربما نقص، قال: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس، (1) فإن الشرط

فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك و عدم المانع منه شرعا فيشبه التراضي العلة التامة الغير المتوقفة علي شي ء،

و نحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الاسناد عن اخيه موسي عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية و الجوالق، فيقول: ادفع الناسية رطلا أو اكثر من ذلك أ يحل ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية و الجوالق فلا بأس، إذا تراضيا، (2) ثمّ ان قوله ان كان يزيد و ينقص في الرواية الاولي يحتمل ان يراد به الزيادة و النقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة بمعني زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه، أو بمعني انه يزيد في بعض الزقاق و ينقص في بعض آخر، و ان يراد به الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر (3) في نوع هذه المعاملة، بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة و في بعض اخري النقيصة.

و هذا هو الذي فهمه في النهاية، حيث اعتبر ان يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة و ينقص أخري، و نحوه في الوسيلة و يشهد للاحتمال الاول رجوع ضمير يزيد و ينقص الي مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق، و للثاني عطف النقيصة علي الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالهما، و للثالث ما ورد في بعض الروايات (4) من انه ربما يشتري الطعام من اهل السفينة ثمّ يكيله فيزيد.

قال عليه السلام: و ربما نقص، قلت: و ربما نقص، قال: فإذا نقص ردوا عليكم، قلت: لا، قال: لا بأس.

______________________________

(1) الثاني خبر علي بن حمزة «1» المذكور في المتن.

(2) الثالث خبر علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام المذكور

في المتن «2».

(3) قوله و ان يراد به الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر.

سيأتي ان هذا الاحتمال هو المتعين، و خبر علي بن ابي حمزة صريح في ذلك.

(4) و أما الرواية التي استشهد بها لتعيين ارادة هذا الاحتمال فهي اجنبية عن مسألة الاندار.

______________________________

(1) الوسائل- باب 20- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 3- 1

(2) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 154

فيكون معني الرواية انه إذا كان الذي يحسب لكم زائدا مرة و ناقصا اخري، فلا بأس بما يحسب، و ان بلغ ما بلغ، و ان زاد دائما فلا يجوز الا بهبة أو ابراء من الثمن أو مع التراضي، بناء علي عدم توقف الشق الأول عليه، و وقوع المحاسبة من السمسار بمقتضي العادة من غير اطلاق صاحب الزيت، و كيف كان فالذي يقوي في النظر هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة و النقيصة، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع ازيد مما يعطيه المشتري من الثمن، (1) لكن العمل بالاصل لا يوجب ذهاب حق احدهما عند انكشاف الحال.

______________________________

(1) قوله لأصالة عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع ازيد اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله بانه بمفاد ليس التامة و ان كان صحيحا الا انه لا أثر له و بمفاد ليس الناقصة ليست له حالة سابقة و اجراء العدم المحمولي لترتيب آثار العدم النعتي مثبت يرد عليهما ان اصالة عدم زيادة المبيع عليه لا تجري للعلم بعدم زيادة المبيع علي ما في الظرف من غير فرق بين الاندار حين البيع و الاندار بعده لان المفروض كون المبيع ما في الظرف و يرد علي المحقق النائيني رحمه

الله- ان اصالة عدم استحقاق البائع ازيد مما يعطيه المشتري تجري لا لإثبات كون ما يعطيه تمام ما يستحقه كي يقال انه مثبت بل لبراءة ذمته.

و تمام الكلام في هذه الروايات بالبحث في جهات الأولي: في سندها.

فالأولان موثقان، و أما الثالث فليس في طريقه من لم يوثق الا عبد الله بن الحسن. ثمّ ان الغالب علي الظن كون الأولين حاكيين عن قضية واحدة، إذ من المستبعد سؤال الزيات عن ابي عبد الله عليه السلام مسألة واحدة مرتين. و الله العالم.

الثانية: في ان موردها هو الاندار بعد البيع أو الأندار في ضمن المعاملة.

ظاهر قوله في موثق حنان فيحسب لنا النقصان ترتب حساب النقصان علي الاشتراء، فهو من الاندار بعد المعاملة لتسليم حق المشتري إليه و ان ابيت عن ذلك فلا اقل من احتماله في مقابل احتمال كون الفاء تفسيرية و بيانا لكيفية الاشتراء، فلا يمكن استفادة حكم مخالف للقاعدة منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 155

و أما مع العلم بالزيادة أو النقيصة، فإن كان هنا عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها، لعله مراد من لم يقيد بالعلم و مع الجهل بها أو عدمها، فلا يجوز الا مع التراضي، لسقوط حق من له الحق، سواء تواطئا علي ذلك في متن العقد بأن قال: بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم علي ان يسقط لكل ظرف كذا،

فهو هبة له، أو تراضيا عليه بعده باسقاط من الذمة أو هبة للعين.

هذا كله مع قطع النظر عن النصوص. و أما مع ملاحظتها، فالمعول عليه رواية حنان (1) المتقدمة

______________________________

و أما خبر علي بن ابي حمزة فان كان متحدا مع خبر حنان فلا كلام، و الا فيمكن ان يقال

انه مهمل من هذه الجهة.

و أما خبر علي بن جعفر فظاهر صدره من جهة ترتب فيقول … الخ علي اشتراء المتاع كون الاندار بعد البيع، و ما في ذيله أ يحل ذلك البيع قابل للحمل علي ارادة حلية البيع بلازمه من حيث ان الاندار من توابع البيع المتعلق بما له ظرف و عليه فهذا الخبر ايضا ظاهر في الاندار بعد البيع، و قد مر أن جواز الاندار بعد البيع مما تقتضيه القواعد، فإذا ما تقتضيه القواعد و تدل عليه النصوص هو جواز الاندار بعد البيع الذي هو المتعارف من الاندار،

و الظاهر ان ما هو المشهور بين الأصحاب ايضا ذلك.

الثالثة: في القيود المعتبرة فيه.

ظاهر موثق حنان في بادئ النظر اعتبار احتمال الزيادة و النقصان، و ظاهر الأخيرين اعتبار التراضي.

و قد يقال في الجمع بين النصوص كما عن صاحب الجواهر رحمه الله: بانه يحمل الموثق علي صورة العادة المقتضية للاندار بذلك المقدار، و لذا لم يعتبر فيه التراضي، و يحمل الخبرين الأخيرين علي ما إذا لم تكن هناك عادة، و لذا اعتبر فيهما التراضي.

و فيه: انه جمع تبرعي لا شاهد له.

(1) و قد يقال كما في المكاسب: ان المعول عليه رواية حنان و الظاهر انه لضعف سند الاخيرين أو ضعف سند الاخير و اتحاد الاول منهما مع الموثقة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 156

الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا، (1) و اعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف بحسب حاله، و كان الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية،

فعبر بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب و حيث ان ظاهر الرواية

جواز الاندار واقعا، بمعني عدم وقوعه مراعي بانكشاف الزيادة و النقيصة علمنا بها كذلك،

فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به، فإن ذلك يحتاج الي هبة جديدة و لا يكفي اقباضها من حيث كونها حقا للمشتري، هذا كله مع تعارف اندار ذلك المقدار و عدم العلم بالزيادة. و أما مع عدم القيدين، فمع الشك في الزيادة و النقيصة و عدم العادة يجوز الأندار، لكن مراعي بعدم انكشاف أحد الامرين و معها يجوز بناء علي انصراف العقد إليها، لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد، لأن هذا ليس من افراد المطلق حتي ينصرف بكون العادة صارفة له.

______________________________

(1) و هي ظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا، و اعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف بحسب حاله.

ما افاده رحمه الله من ان المعول عليه خصوص الموثق متين.

و أما ما افاده من ان ظاهره كون حساب المقدار الخاص متعارفا،

فيرد عليه: ان ظاهره كصريح خبر علي بن ابي حمزة احتمال الزيادة و النقصان، و هذا لو لم يختص بصورة عدم التعارف لا يكون مختصا بصورة التعارف كما لا يخفي.

و الحق ان يقال: ان الزيات حيث لم يكن سائلا عن معاملة شخصية بل كان سؤاله عن حكم ما هو شغله فلا محالة يكون المراد من قوله عليه السلام ان كان يزيد أو ينقص الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة و في بعض آخر النقيصة الذي هو الاحتمال

الثالث في المتاجر فلا محالة يصير ذلك سببا لاحتمال الزيادة و النقيصة في كل معاملة شخصية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 157

ثمّ الظاهر ان الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن و الزيت، بل يعم كل ظرف كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين رحمه الله و عبارة النهاية و الوسيلة و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني رحمه الله، و يؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الاسناد لكن لا يبعد ان يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشي ء فيه و عدم تفريغه منه كقوارير الجلاب و العطريات لا مطلق الظرف اللغوي اعني الوعاء، و يحتمل العموم و هو ضعيف. نعم يقوي تعدية الحكم الي كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه كالشمع في الحلي المصنوعة من الذهب و الفضة، و كذا المظروف الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له كقليل من الدبس في الزقاق.

و أما تعدية الحكم الي كل ما ضم الي المبيع مما لا يراد بيعه معه فمما لا ينبغي احتماله.

مسالة: يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه، (1)

و ان لم يعلم الا بوزن المجموع علي المشهور، بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة، إلا ما أرسله في الروضة،

و نسب في التذكرة الي بعض العامة استنادا الي ان وزن ما يباع وزنا غير معلوم،

و الظرف لا يباع وزنا، بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد و اختلاف قيمتهما، فالغرر الحاصل في بيع الجزاف حاصل هنا، و الذي يقتضيه النظر اما فيما نحن فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه، فالقطع بالجواز منضما إذ لم يحصل من الانضمام مانع و لا ارتفع شرط.

______________________________

فمراده عليه السلام انه ان كان يحتمل الزيادة و النقيصة

لا محالة يتراضيان. اما ان كان يحتمل خصوص الزيادة فقد لا يرضي المشتري ففيه بأس.

فالمتحصل منه: اعتبار التراضي لا غير، فيتحد مفاده مع الأخيرين.

فتحصل: انه لا يستفاد من النصوص غير ما يستفاد من القواعد.

بيع المظروف مع ظرفه

(1) قوله يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و ان لم يعلم الا بوزن المجموع تارة يكون كل من الظرف و المظروف مما يجوز بيعه منفردا إذا وزن المجموع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 158

و أما في غيره من احد المنضمين اللذين لا يكفي في بيعه منفردا، معرفة وزن المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي، (1) كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال و ألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال. فإن الاقدام علي هذا البيع اقدام علي ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء. (2) و أما مع انتفاء الغرر الشخصي و انحصار المانع في النص الدال علي لزوم الاعتبار بالكيل و الوزن و الاجماع المنعقد علي بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل و الموزون، فالقطع بالجواز، لأن النص و الاجماع انما دل علي لزوم اعتبار المبيع لا كل

جزء منه و لو كان احد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشي بالشمع و عدم جواز بيع الشمع كذلك،

فإن فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته و إلا فلا،

______________________________

و اخري يكون كل منهما مما لا يجوز بيعه منفردا إذا وزن المجموع و ثالثة يكون احدهما يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الآخر.

اما في الصورة الاولي فلا ينبغي التوقف في جواز بيعهما منضما إذا لمقتضي لصحة بيع المجموع

موجود، و شرطه و هو العلم بوزن المبيع و مقدار الثمن متحقق، و المانع و هو الغرر مفقود.

و أما في الصورة الثانية فان كان قيمة كل منهما مساوية لقيمة الآخر فلا ريب في الجواز لعدم اعتبار العلم بوزن كل جزء من المبيع بل المعتبر العلم بوزن المجموع، و الغرر غير لازم و ان كانت القيمتان مختلفتين كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال و الف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال.

(1) فقد اختار المصنف رحمه الله بطلان البيع في الفرض معللا.

(2) بان الاقدام علي هذا البيع اقدام علي ما فيه خطر يستحق لاجله اللوم من العقلاء و لكن الاظهر هي الصحة- و ذلك يظهر بعد بيان مقدمتين الاولي: ان الغرر المبطل انما يكون متقوما بالجهل بالوجود أو بالمقدار أو بالصفة و أما الجهل بالقيمة فقط فلا يكون موجبا للغرر و لذا لو علم بوجود المبيع و وصفه و مقداره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 159

ثمّ ان بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور: (1)

احداها: ان يبيعه من ظرفه بعشرة مثلا (2)، فيقسط الثمن علي قيمتي كل من المظروف و الظرف لو احتيج الي التقسيط، فإذا قيل قيمة الظرف درهم و قيمة المظروف تسعة كان للظرف عشر الثمن.

الثانية: ان يبيعه مع ظرفه بكذا علي ان كل رطل من المظروف بكذا، (3)

فيحتاج الي اندار مقدار للظرف و يكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك و هذا في معني بيع كل منهما منفردا

______________________________

و لم يعلم قيمته لا يكون بيعه غرريا بل لو بيع الشي ء باضعاف قيمته مع العلم لا يكون غرر و ان كان يلام المشتري علي ذلك البيع الثانية: ان الغرر المدعي

في المقام انما يكون من جهة الجهل بالقيمة و لذا لو كانت قيمة كل منهما مساوية لقيمة الآخر لم يكن توقف في الصحة- و علي هذا- فالبيع في الفرض ليس غرريا و يكون صحيحا و لكن الانصاف هو البطلان في الفرضين من جهة الجهل بوصف المبيع فانه كما يلزم الغرر لو اشتري المردد بين الذهب و الرصاص و لو بقيمة الرصاص يلزم لو اشتري شيئا مركبا من المجموع مع الجهل بمقدار كل منهما.

و أما في الصورة الثالثة فان كان ما لا يجوز بيعه منفردا تبعا صح البيع و الا بطل علي القول بالبطلان في الصورة الثانية كما لا يخفي.

(1) قوله ثمّ ان بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور.

بيان الصور و احكامها انما هو لاجل الاحتياج الي استرجاع جزء من الثمن لو ظهر الظرف مستحقا للغير.

و كيف كان ففي المقام صور.

(2) احداها ان يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا و في هذه الصورة لا ينظر الي نسبة الوزن بل يسترجع بحسب نسبة القيمة فلو كان وزن الظرف نصف وزن المجموع و لكن كانت قيمته العشر يحسب الثمن اعشار الا بالمناصفة.

(3) الثانية: ان يبيعه مع ظرفه بكذا علي ان كل رطل من المظروف بكذا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 160

الثالثة: ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا علي ان يكون التسعير للظرف و المظروف، (1) و طريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك ان يوزن الظرف منفردا و ينسب إلي الجملة، و يؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، و تبعه علي هذا غير واحد و مقتضاه انه لو كان الظرف رطلين و المجموع عشرة اخذ له خمس الثمن،

و الوجه في ذلك ملاحظة الظرف و المظروف شيئا واحدا،

حتي انه يجوز ان يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه من المظروف. فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب من الظرف و المظروف، (2) لأنه إذا باع كل رطل من الظرف و المظروف بدرهم مثلا وزع الدرهم علي الرطل و المظروف بحسب قيمة مثلهما. فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور الذي هو وزن الظرف الموجود فيه مساويا لقيمة اربعة الاخماس التي هي مقدار المظروف الموجود، فكيف يقسط الثمن عليه اخماسا.

______________________________

و في هذه الصورة يندر مقدار للظرف ثمّ يسترجع من الثمن ما فضل من حساب كل رطل بكذا في المظروف بلا احتياج الي النظر الي نسبة الوزن أو نسبة القيمة.

(1) الثالثة ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا علي ان يكون التسعير للظرف و المظروف و لهذه الصورة فرضان احدهما ان يلاحظ ارطال المظروف و ارطال الظرف فيبيع جميع ارطالهما كل رطل بدرهم و في هذا الفرض يسترجع من الثمن بنسبة الوزن ثانيهما: ان يلاحظ كل رطل ملفق من الظرف و المظروف بكذا و في هذا الفرض يسترجع من الثمن بنسبة القيمة كما في الصورة الاولي.

(2) قوله فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب من الظرف و المظروف الاول اشارة الي الفرض الاول، و الثاني الي الثاني فتدبر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 161

[تنبيهات البيع]

مسألة: [المعروف استحباب التفقه في مسائل التجارات]
اشارة

المعروف بين الاصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده و يسلم من الربا. (1)

و عن إيضاح النافع انه قد يجب، و هو ظاهر عبارة الحدائق ايضا و كلام المفيد رحمه الله في المقنعة ايضا لا يأبي الوجوب لأنه بعد ذكر قوله تعالي:

(لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ).

و قوله تعالي: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال فندب الي الانفاق من طيب الاكتساب، و نهي عن طلب الخبيث للمعيشة و الانفاق، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب و الحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال، و لا كان علي ثقة في تفقه من طيب الاكتساب.

و قال تعالي: ايضا: (ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا) فينبغي ان يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما احل الله و حرم من المتاجر و الاكتساب، و جاءت الرواية عن امير المؤمنين عليه السلام انه كان يقول من اتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا، ثمّ ارتطم ثمّ قال: قال الصادق عليه السلام من اراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه و من لم يتفقه في دينه ثمّ اتجر تورط في الشبهات، انتهي.

______________________________

التفقه في مسائل التجارات

(1) يشهد لوجوب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات، ما يدل علي وجوب التعلم في الاحكام الشرعية و هي طائفتان الاولي: ما تضمن الامر بالتفقه و الحث و الترغيب علي فعله و الذم علي تركه كآية النفر «1» و النصوص الكثيرة «2» الثانية: ما تضمن مؤاخذة الجاهل بفعل المعصية لترك التعلم لاحظ ما عن الامالي عن الامام الصادق عليه السلام عن قوله تعالي فلله الحجة البالغة

______________________________

(1) التوبة: 122

(2) اصول الكافي ج 1 ص 30 باب فرض العلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 162

اقول: ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب الا ان تعبيره بلفظ ينبغي

ربما يدعي ظهوره في الاستحباب، الا ان الانصاف ان ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة، فإن معرفة الحلال و الحرام واجبة علي كل احد بالنظر الي ما يبتلي به من الامور، و ليس معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا دفعة،

بل عند الالتفات الي احتمال الحرمة في فعل يريد ان يفعله، أو عند ارادة الاقدام علي افعال يعلم بوجود الحرام بينها، فإنه معاقب علي ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم،

و ان لم يلتفت عند فعله الي احتمال تحريمه، فإن التفاته السابق و علمه بعدم خلو ما يريد مزاولتها من الافعال من الحرام كاف في حسن العقاب، و الا لم يعاقب اكثر الجهال علي اكثر المحرمات، لانهم يفعلونها و هم غير ملتفتين الي احتمال حرمتها عند الارتكاب.

______________________________

فقال ان الله تعالي يقول للعبد يوم القيامة عبدي أ كنت عالما فان قال نعم قال له أ فلا عملت بما علمت، و ان كان جاهلا قال له أ فلا تعلمت حتي تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1»

و اورد عليها المحقق العراقي باختصاصها بالتعلم الموجب للعلم بالواقع، و المطلوب اعم من ذلك و بانها ظاهرة في الارشاد الي حكم العقل بلزوم الفحص لاجل استقرار الجهل الموجب لعذره و يرد الاول ان الامارات قائمة مقام العلم و يرد الثاني انها ظاهرة في الارشاد الي حكمه بلزوم الفحص عما جعله الشارع،

و هذا ينفي كون وجوبه نفسيا، و بعبارة اخري ان الخبر المذكور ظاهر في كونه في مقام افهام العبد بما يقال له هلا تعلمت و لو لم يكن وجوبه ارشاديا و كان نفسيا كان له ان يجيب بعدم علمه بوجوب التعلم، و بالجملة لا

كلام في الواجبات المطلقة انما الكلام في وجوب التعلم إذا كان الواجب مشروطا بشرط غير حاصل، من جهة انه في ظرف امكان التعلم لم يثبت وجوب الواجب كي يجب تعلمه مقدمة له، و في ظرف حصول الشرط لا قدرة له علي الامتثال

______________________________

(1) تفسير الصافي ج 2 ص 169- ذيل آيه 149 الانعام و نحوه في تفسير البرهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 163

و لذا اجمعنا علي ان الكفار يعاقبون علي الفروع، و قد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته في غير واحد من الاخبار، ثمّ لو قلنا بعدم العقاب علي فعل المحرم الواقعي الذي يفعله من غير شعور، كما هو ظاهر جماعة، تبعا للاردبيلي رحمه الله: من عدم العقاب علي الحرام المجهول حرمته عن تقصير لقبح خطاب الغافل، فيقبح عقابه، لكن وجوب تحصيل العلم و ازالة الجهل واجب علي هذا القول، كما اعترفوا به.

______________________________

و تنقيح القول في ذلك و فيما هو مورد بحث المصنف في المقام بالبحث في موارد الاول: في ان التعلم هل هو واجب نفسي تهيئ كما اختاره المحقق الاردبيلي و تلميذه الفقيه صاحب المدارك ام يكون وجوبه وجوبا مقدميا بملاك وجوب المقدمات المفوتة لكونه من متممات الخطاب بذي المقدمة كما اختاره المصنف و نسب الي المشهور ام يكون وجوبه ارشاديا ام يكون وجوبه طريقيا من قبيل وجوب الاحتياط في موارد لزومه كما اختاره المحقق النائيني الثاني: في انه هل يكون وجوب التعلم في باب المعاملات شرعيا كما اختاره المصنف في المتن ام لا فرق بين المعاملات و غيرها كما هو الحق.

الثالث إذا لم يمكن الجمع بين تعلم المسائل الواجب و كسب المعيشة إذا كان واجبا ايهما يقدم اما المورد الاول فقد اشرنا الي

ان فيه مسالك اربعه احدها ان وجوبه نفسي تهيئ، و لازمه استحقاق العقاب علي ترك التعلم و ان لم يؤد الي مخالفة الواقع ثانيها ان وجوبه مقدمي و لازمه استحقاق العقاب علي ترك التعلم المؤدي الي مخالفة الواقع كما هو ظاهر المصنف ثالثها ان وجوبه طريقي من قبيل وجوب الاحتياط، و لازمه استحقاق العقاب علي مخالفة الواقع رابعها: ان وجوبه ارشادي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 164

و الحاصل ان التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا علي فعل الحرام، و لا علي ترك التعلم، الا إذا كان حين الفعل ملتفتا الي احتمال تحريمه لا يوجد له وجه، بعد ثبوت ادلة التحريم و وجوب طلب العلم علي كل مسلم، و عدم تقبيح عقاب من التفت الي وجود الحرام في افراد البيع التي يزاولها تدريجا علي ارتكاب الحرام في هذا الاثناء، و ان لم يلتفت حين ارادة ذلك الحرام.

ثمّ ان المقام يزيد علي غيره، بأن الاصل في المعاملات الفساد، فالمكلف إذا اراد التجارة و بني علي التصرف فيما يحصل في يده من اموال الناس علي وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الاقدام علي كل تصرف منها بمقتضي اصالة عدم انتقاله إليه الا مع العلم بامضاء الشارع لتلك المعاملة، و يمكن ان يكون في قوله عليه السلام: التاجر فاجر، و الفاجر في النار الا من اخذ الحق و اعطي الحق اشارة الي هذا المعني بناء علي ان الخارج من العموم ليس إلا من علم بإعطاء الحق و أخذ الحق، فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي، لنهي الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه بناء علي أصالة عدم انتقاله إليه، و في غير هذا المقام عقلي مقدمي لئلا

يقع في الحرام.

______________________________

و قد استدل المحقق الخراساني لوجوبه قبل حصول شرط الوجوب بقوله، من باب استقلال العقل بتنجيز الاحكام علي الانام بمجرد قيام احتمالها الا مع الفحص و الياس عن الظفر بالدليل علي التكليف فيستقل بعده بالبراءة انتهي.

و فيه: ان الاحتمال لا يزيد علي العلم من حيث المنجزية للحكم، فكما ان العلم بالتكليف المشروط قبل حصول شرطه موجب للتنجيز عند حصول الشرط مع بقائه علي شرائط فعليته و تنجزه عند حصول الشرط فلذا لا عقاب علي مخالفته مع عروض الغفلة عند حصول شرطه، و لا يجب ابقاء الالتفات العلمي و التحفظ علي عدم النسيان كذلك الاحتمال انما يوجب التنجز في وقته مع بقائه علي صفة الالتفات الي حين تنجز التكليف و لا يجب بقائه بالتحفظ علي عدم الغفلة المانعة عن الفحص عنه.

و أما الشيخ الانصاري رحمه الله فقد استدل لما اختاره بما دل علي وجوب المقدمات التي يترتب علي تركها عدم القدرة علي الواجب في ظرفه، و سيأتي الكلام عليه عند بيان المختار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 165

و كيف كان فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر، بل الاولي وجوبه عليه عقلا و شرعا، و ان كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط، و يمكن توجيه كلامهم بارادة التفقه الكامل ليطلع علي مسائل الربا الدقيقة و المعاملات الفاسدة كذلك. و يطلع علي موارد الشبهة و المعاملات الغير الواضحة الصحة،

فيجتنب عنها في العمل فإن القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوي، لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات، و يشهد للغاية الاولي قوله عليه السلام في مقام تعليل وجوب التفقه: ان الربا اخفي من دبيب النملة علي الصفا، و للغاية الثانية قول الصادق عليه السلام في

الرواية المتقدمة: من لم يتفقه ثمّ اتجر تورط في الشبهات، لكن ظاهر صدره الوجوب فلاحظ.

______________________________

و أما المحقق النائيني رحمه الله فقد استدل لما اختاره بعد الاعتراض علي الشيخ الاعظم رحمه الله، بان التعلم ليس من المقدمات العقلية التي لها دخل في القدرة، لان الجهل بالحكم لا يوجب سلب القدرة و من هنا كانت الاحكام مشتركة بين العالم و الجاهل.

بما حاصله ان العقل يستقل بان لكل من المولي و العبد وظيفة، فوظيفة المولي اظهار مراداته و تبليغها بالطرق المتعارفة التي يمكن للعبد الوصول إليها ان لم يحدث هناك مانع فوظيفته ارسال الرسل و انزال الكتب و تشريع الاحكام.

و بعد ذلك تصل النوبة الي وظيفة العبد، و انه علي العبد الفحص عن مرادات المولي و احكامه، و حينئذ يستقل العقل باستحقاق العبد للعقاب عند ترك وظيفته، كما يستقل بقبح العقاب عند ترك المولي وظيفته، و لو لا استقلال العقل بذلك لانسد طريق وجوب النظر الي معجزة من يدعي النبوة، و للزم افحام الانبياء، إذ لو لم يجب علي العبد النظر الي معجزة مدعي النبوة لما كان للنبي ان يحتج علي العبد بعدم تصديقه له، إذ للعبد ان يقول لم اعلم بانك نبي، و بالجملة كما يستقل العقل بلزوم النظر الي معجزة من يدعي النبوة كذلك يستقل بوجوب تعلم احكام الشريعة، و المناط في الجميع واحد و هو استقلال العقل بان ذلك من وظيفة العبد.

و من هنا لا يختص وجوب التعلم بالبالغ كما لا يختص وجوب النظر في معجزة النبي به، بل يجب ذلك قبل البلوغ ان كان مميزا ليكون اول بلوغه مؤمنا مصدقا بالنبوة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 166

______________________________

و الا لزم عدم وجوب الايمان عليه اول البلوغ،

و يجب تعلم الصبي احكام العبادة الواجبة عليه اول البلوغ إذا لم يتمكن منه في وقته لو ترك التعلم قبل البلوغ.

و في كلامه موقعان للنظر يظهر ببيان ما هو الحق في المقام.

و تفصيله، ان ترك التعلم قبل وقت الواجب أو شرطه يكون علي اقسام.

احدها: ما لو تمكن المكلف مع تركه من تعلم الواجب بعد ذلك، و الامتثال العلمي التفصيلي، كما لو ترك تعلم مسائل الحج قبل زمان وجوبه مع كونه متمكنا من تعلم احكامه تدريجا من الوقت الذي يحرم فيه الي آخر اعمال الحج، و من الضروري انه لا وجه للقول بوجوب التعلم قبل دخول الوقت حينئذ علي القول بعدم كون وجوبه نفسيا، نعم بعد دخول الوقت لا يجوز له تركه مع عدم امكان الامتثال الاجمالي.

و يلحق بهذا القسم الثاني، و هو ما لو فرض انه لو ترك التعلم قبل الوقت لما تمكن من الامتثال العلمي التفصيلي، الا انه كان متمكنا من الامتثال العلمي الاجمالي، كما لو دار امر الواجب بين المتباينين كالقصر و الاتمام و كان بحيث لو ترك التعلم قبل الوقت لما تمكن من تمييز الواجب عن غيره بعده، و لكنه كان متمكنا من الاحتياط، و كما لو لم يعلم بمقدار النفقة الواجبة عليه علي فرض الازدواج و لم يتمكن من معرفة ذلك بعده، و لكنه كان متمكنا من الاحتياط، بناء علي ما هو الحق من ان الامتثال الاجمالي انما هو في عرض الامتثال العلمي التفصيلي، فانه حينئذ لا وجه لوجوب التعلم قبل الازدواج.

و أما من حيث الامتثال في غير موارد دوران الامر بين المتباينين كما في المورد الثاني فقد يقال انه حيث يكون شاكا في التكليف فتجري البراءة عنه و ان تمكن

من الاحتياط فلا يجب عليه شي ء.

لكنه توهم فاسد إذ بعد حصول الشرط بما انه يحتمل التكليف، و لا محالة يحتمل العقاب علي مخالفته، و العقل مستقل بوجوب دفع الضرر الاخروي المحتمل. بمعني انه لو كان واجبا و لم يأت به أو كان حراما ففعل، و عاقبه المولي، يكون عقابه في محله فلا بد له من الاحتياط.

فان قيل انه ما المانع من جريان البراءة عن ذلك التكليف المحتمل، و يرفع احتمال العقاب بها، فيرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 167

______________________________

اجبنا عنه بان عدم جريان البراءة العقلية انما هو من جهة ان موضوعها عدم البيان،

و حيث ان بيان المولي، ليس بايصال التكليف الي العبيد باي نحو امكن، بل انما هو بجعل القانون، و وضعه في معرض الوصول، بحيث لو تفحصوا عنه لو صلوا إليه، فلا موضوع لها في المورد، و من لم يتفحص عنه مع التمكن منه قبل حصول الشرط لا يجري في حقه هذه القاعدة، فان شئت فاختبر ذلك من حال الموالي و العبيد العرفية فانه إذا ارسل المولي مكتوبا الي العبد، و عين فيه تكاليفه في الشهر القادم، و وصل المكتوب الي العبد و لكنه لم ينظر إليه حتي يعرف وظائفه، مستندا الي انه لا تجب المقدمة قبل وجوب ذيها، و بعد تحقق الشرط لم يتمكن من المراجعة إليه و تمكن من الاحتياط، و مع ذلك لم يحتط و ترك واجباته،

فهل يتوهم احد بانه ليس للمولي ان يعاقبه علي ذلك لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و الظاهر ان هذا من الوضوح بمكان.

و أما عدم جريان البراءة الشرعية: فلما حققناه في مبحث البراءة و الاشتغال من انها لا تجري في الشبهات

قبل الفحص مطلقا.

ثالثها: ان المكلف لو ترك التعلم قبل الوقت فكما لا يتمكن من الامتثال العلمي التفصيلي، كذلك لا يتمكن من الامتثال الاجمالي بعد الوقت، و يكون متمكنا من الاتيان بذات الواجب أي الامتثال الاحتمالي، كما إذا فرض ان الوقت ضيق لا يتمكن المكلف الا باتيان احدي الصلاتين، الجمعة أو الظهر، و القصر أو الاتمام، و في هذا القسم يجب التعلم لانه يحتمل ترك الواجب في ظرفه لو ترك التعلم قبل حصول الشرط و يكون احتمال ذلك مستندا الي ترك التعلم فيجب التعلم، لا للمقدمية.

و لا لما افاده الشيخ الاعظم رحمه الله، من ما دل علي وجوب المقدمة التي لو تركت قبل الوقت لما تمكن من امتثال الواجب في ظرفه كالسير الي الحج.

بل من باب وجوب دفع الضرر المحتمل حيث انه لاحتمال ترتب ترك الواجب علي ترك التعلم يحتمل العقاب علي المخالفة و لا مؤمن منه فيحكم العقل بوجوب الدفع، و هو لا يمكن الا بالتعلم قبل الوقت.

رابعها: ما لو كان ترك التعلم قبل الوقت موجبا لترك الواجب في ظرفه، اما للغفلة عن التكليف، أو لعدم التمكن من امتثاله، و الاول كثيرا ما يتفق في المعاملات فانه إذا لم يتعلم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 168

______________________________

احكام المعاملات و لم يميز الصحيحة عن الفاسدة فاوقع المعاملة فاسدة في الخارج و تحقق الانتقال في نظره فلا محالة يتصرف فيما يراه منتقلا إليه غافلا عن حرمته، و الثاني كثيرا ما يتفق في العبادات كالصلاة حيث انها مركبة من عدة اجزاء و شرائط، و معلوم ان تعلمها يحتاج الي مدة من الزمن لا سيما لمن لا يحسن اللغة العربية.

و في هذا القسم يجب التعلم قبل الوقت، لما افاده الشيخ الاعظم

رحمه الله و هو الملاك الذي لاجله يبني علي وجوب المقدمة، الموجب تركها فوت الواجب في ظرفه.

و بذلك يظهر ان ايراد المحقق النائيني، في غير محله.

كما ان ما افاده من ان وجوب التعلم ثابت حتي فيما قبل البلوغ بالتقريب المتقدم.

يرده ما دل علي رفع القلم عن الصبي، فانه يشهد بعدم الوجوب، و لم يظهر وجه اختصاص هذا الحكم الطريقي بعدم شمول دليل الرفع له، سوي ما قيل.

من ان وجوب التعلم عقلي، و حديث الرفع لا يصلح لرفعه.

و هو مردود بانه بعد ورود التعبد من الشارع بانه لا شي ء علي الصبي من ناحية مخالفة الاحكام الشرعية لا يحكم العقل بوجوب التعلم، فان شئت قلت، انه يرتفع موضوع الحكم العقلي بتعبد الشارع، فلا يلزم من ذلك التخصيص في الحكم العقلي، كي يقال انه ممتنع.

و قد حكم الشيخ الاعظم رحمه الله في رسالته العملية بفسق تارك تعلم مسائل الشك و السهو فيما يبتلي به عامة المكلفين.

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله، بان ذلك يبتني علي احد امور. 1- اختيار مذهب المحقق الاردبيلي من كون وجوب التعلم نفسيا موجبا للعقاب. 2- كون التجري موجبا للفسق و ان لم يوجب العقاب. 3- الفرق بين مسائل الشك و السهو و بين غيرها، من جهة قضاء العادة باستلزام ترك التعلم فيما يكثر الابتلاء به، لمخالفة الواقع، و الاول لم يلتزم هو قدس سره به، و أما الثاني فالالتزام به بعيد، و أما الثالث فالالتزام به ابعد بعد فرض كون الوجوب طريقيا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 169

______________________________

و يمكن ان يقال انه علي القول بان العدالة هي الملكة الباعثة للاتيان بالواجبات و ترك المحرمات يتم ما افاده الشيخ لكشف التجري عن عدم وجود

الملكة في النفس و ان لم يكن الفعل حراما.

وجوب التعلم عند الشك في الابتلاء

هذا كله فيما لو علم المكلف بالابتلاء، أو اطمأن به.

و أما لو شك في ذلك فهل يجب التعلم كما هو المشهور بين الاصحاب، ام لا.

قد استدل للاول بما استدل به لوجوب التعلم مع العلم بالابتلاء.

و لكن قد يقال انه يمكن اجراء استصحاب عدم الابتلاء بالاضافة الي الزمان المستقبل، لليقين بعدم الابتلاء فعلا، و الشك في الابتلاء فيما بعد، فيستصحب عدم الابتلاء،

بناء علي ما هو الحق من جريان الاستصحاب في الامور الاستقبالية.

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله بان الاستصحاب انما يجري فيما إذا كان المستصحب اثرا شرعيا، أو موضوعا ذا اثر شرعي، و الا كما في المقام، حيث ان الاثر، و هو استقلال العقل بوجوب التعلم انما هو مترتب علي مجرد احتمال الابتلاء، لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل،

لا علي واقعه، فلا يجري الاستصحاب.

و بعبارة اخري، ان الاثر في كل مورد كان مترتبا علي نفس الشك و الاحتمال دون الواقع، متي شك فيه فالموضوع محرز بالوجدان، و معه لا مورد للتعبد بالواقع اصلا فانه لغو،

و ما نحن فيه كذلك، لان الموضوع هو احتمال الابتلاء، و هو محرز بالوجدان، و أما الابتلاء الواقعي فلا اثر له كي يجري الاستصحاب فيه.

و فيه: انه و ان كان التعبد بما هو محرز بالوجدان لغوا صرفا، و من اراد انحاء تحصيل الحاصل، و التخصيص في الحكم العقلي لا ريب في امتناعه، و لكن التعبد بما يوجب رفع موضوع حكم العقل، لا محذور فيه، و بعبارة اخري ان الحكم العقلي قابل للتخصص و الخروج الموضوعي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 170

و قد حكي توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد، و لا يخلو عن

وجه في مقام التوجيه، ثمّ ان التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا، الجامعة بين اكل المال بالباطل و ارتكاب الموبقة الكذائية، لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد. بل يكفي فيه التقليد الصحيح، فلا تعارض بين أدلة التفقه هنا، و أدلة تحصيل المعاش، نعم ربما اورد في هذا المقام و ان كان خارجا عنه التعارض بين ادلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات، و انواع المعاملات المتوقف علي الاجتهاد، و بين أدلة طلب الاكتساب و الاشتغال في تحصيل المال لأجل الإنفاق علي من ينبغي ان ينفق عليه، و ترك إلقاء كله علي الناس الموجب لاستحقاق اللعن، فإن الأخبار من الطرفين كثيرة يكفي في طلب الاكتساب ما ورد من: أنه أوحي الله تعالي الي داود (علي نبينا و آله و عليه السلام): يا داود إنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا. فبكي عليه السلام أربعين صباحا ثمّ الان الله تعالي له الحديد، و كان يعمل كل يوم درعا و يبيعه بألف درهم،

فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها و استغني عن بيت المال، الحديث.

______________________________

و ما نحن فيه من هذا القبيل: فان موضوع حكم العقل هو الضرر المحتمل، و المطلوب بالاستصحاب ليس هو اثبات وجوب الدفع، بل المثبت بالاستصحاب عدم العقاب،

و الضرر، و به يرتفع موضوع وجوب الدفع.

و علي الجملة كما انه يصح رفع موضوع قبح العقاب بلا بيان باستصحاب الوجوب،

كذلك يصح رفع موضوع وجوب دفع الضرر المحتمل بالاستصحاب المذكور و لا محذور في ذلك.

و لكن يمكن الاستدلال لوجوب الدفع، و عدم جريان الاصل المذكور بوجهين.

1- العلم الاجمالي بجملة من الاحكام الشرعية

في ظرفها و هذا العلم الاجمالي مانع عن اجراء الاصل المذكور في كل ما هو من اطراف العلم الاجمالي.

2- اطلاق ما دل علي وجوب التعلم: إذ لو اختص ذلك بموارد العلم أو الاطمينان بالابتلاء لم يبق تحت تلك الادلة الا موارد نادرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 171

[الاخبار الواردة في الحث علي التعلم]

و ما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: ليس منا من ترك دنياه لآخرته، أو آخرته لدنياه، و إن العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال. و أما الأخبار في طلب العلم و فضله فهي أكثر من ان يذكر و أوضح من ان يحتاج إلي الذكر، و ذكر في

الحدائق: ان الجمع بينهما بأحد وجهين أحدهما و هو الأظهر بين علمائنا تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم و يقال: بوجوب ذلك علي غير طالب العلم المستقل تحصيله و استفادته و تعليمه و افادته، قال و بهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسماة (بمنية المريد في آداب المفيد و المستفيد) حيث قال في جملة شرائط العلم: و ان يتوكل علي الله و يفوض امره إليه و لا يعتمد علي الأسباب فيتوكل عليها، فيكون وبالا عليه، و لا علي احد من خلق الله تعالي بل يلقي مقاليد امره إلي الله تعالي فيظهر له من نفحات قدسه و لحظات انسه ما به يحصل مطلوبه و يصلح به مراده. و قد ورد في الحديث عن النبي صلي الله عليه و آله ان الله تعالي قد تكلف «تكفل» لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره، بمعني ان غيره محتاج إلي السعي علي الرزق حتي يحصل له، و طالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب و كفاه مئونة الرزق ان

احسن النية، و أخلص القربة، و عندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته ما لا

يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالي و جمل ما اشتغلت بالعلم و هو مبادي عشر الثلاثين و تسعمائة الي يومنا هذا و هو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث و خمسين و تسعمائة.

و بالجملة ليس الخبر كالعيان، و روي شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره بإسناده الي الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم، و قد نفدت نفقتي في بعض الاسفار، فقال لي بعض اصحابي: من تؤمل لما قد نزل بك؟

فقلت: فلانا، فقال إذا و الله لا تسعف بحاجتك و لا تبلغ املك و لا تنجح طلبتك،

قلت: و ما علمك رحمك الله قال: ان ابا عبد الله حدثني انه قرأ في بعض كتبه ان الله تبارك و تعالي يقول و عزتي و جلالي و مجدي و ارتفاع مكاني علي عرشي لاقطعن امل كل مؤمل غيري باليأس و لأكسونه ثوب المذلة عند الناس و لأنحينّه من قربي و لأبعدنه من و صلي أ يؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع باب غيري و بيدي مفاتيح الابواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي املني لنوائبه فقطعته دونها، و من ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 172

جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي، و ملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي، و امرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي فلم يثقوا، بقولي أ لم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي انه لا يملك كشفها احد غيري الا من بعد

اذني، فما لي اراه لاهيا عني اعطيته بجودي ما لم يسألني، ثمّ انتزعته منه فلم يسألني رده و سأل غيري، أ فتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة؟ ثمّ اسأل فلا اجيب سائلي أ بخيل انا فيبخلني عندي أو ليس الجود و الكرم لي، أو ليس العفو و الرحمة بيدي؟ أو ليس انا محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أ فلا يستحا المؤملون ان يؤملوا غيري؟ فلو ان اهل سماواتي و اهل ارضي أملوا جميعا، ثمّ اعطيت كل واحد منهم مثل ما امل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، و كيف ينقص ملك انا قيمه، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي، و يا بؤساً لمن عصاني و لم يراقبني، انتهي الحديث الشريف و انتهي كلام شيخنا الشهيد رحمه الله.

قال في الحدائق و يدل علي ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلي أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت امير المؤمنين عليه السلام يقول: ايها الناس ان كمال الدين طلب العلم و العمل به، الا و ان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال،

ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه لكم، و سيفي لكم، و العلم مخزون عند اهله، و قد امرتم بطلبه من اهله فاطلبوه، الخبر.

قال: و يؤكده ما رواه في الكافي بسنده عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله يقول الله عز و جل و عزتي و جلالي و كبريائي و نوري.

و عظمتي و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي علي هواه إلا استحفظته ملائكتي و كفلت السموات و الأرضين رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر فتأتيه الدنيا

و هي راغمة. الحديث. انتهي كلامه و انت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد رحمه الله و ما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين ادلة الطرفين لأن ما ذكر من التوكل علي الله و عدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب، و لذا كان امير المؤمنين (صلوات الله عليه و علي أخيه و زوجته و ولديه و ذريته) جامعا بين أعلي مراتب التوكل، و اشد مشاق الاكتساب:

و هو الاستقاء لحائط اليهودي، و ليس الشهيد ايضا في مقام ان طلب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 173

العلم افضل من التكسب، و ان كان افضل، بل في مقام ان طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الاسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين. و الحاصلة من الموقوفات للمدارس و اهل العلم؟ و الموجودة الحاصلة غالبا للعلماء و المشتغلين من معاشرة السلطان و اتباعه و المراودة مع التجار و الاغنياء و العلماء الذين لا ينتفع منهم الا بما في ايديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم و الاخماس و شبه ذلك، كما كان متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.

و بالجملة، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله من اوله الي آخره، و ما اضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور اعني تخصيص ادلة طلب الحلال بغير طالب العلم. ثمّ انه لا إشكال في ان كل من طلب العلم و طلب الرزق ينقسم الي الاحكام الاربعة أو الخمسة. و لا ريب ان المستحب من احدهما لا يزاحم الواجب و لا الواجب الكفائي

الواجب العيني، و لا إشكال ايضا في ان الأهم من الواجبين المعينين مقدم علي غيره، و كذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به،

و قد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم، فيجب أو يستحب مقدمة.

بقي الكلام في المستحب من الامرين عند فرض عدم امكان الجمع بينهما.

و لا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة علي الامرين فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم الا شي ء قليل لا يترتب عليه كثير فائدة، و يترتب علي اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها تكفل احوال المشتغلين من ماله أو مال اقرانه من التجار المخالطين معه، علي وجه الصلة أو الصدقة الواجبة و المستحبة فيحصل بذلك ثواب الصدقة و ثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة علي تحصيل العلم، و رب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له من كسبه إلا قليل من الرزق فإنه لا إشكال في ان اشتغاله بالعلم و الأكل من وجوه الصدقات أرجح و ما ذكر من حديث داود (علي نبينا و آله و عليه السلام) فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشي ء من وظائف النبوة و الرئاسة العلمية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 174

و بالجملة فطلب كل من العلم و الرزق إذا لوحظ المستحب منها من حيث النفع العائد الي نفس الطالب كان طلب العلم ارجح، و إذا لوحظ من جهة النفع الواصل الي الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل، فثبت من ذلك كله ان تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر المستحبات المتنافية، كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم الغير الواجبين مع المسير الي الحج المستحب أو الي مشاهد الأئمة عليهم السلام، أو مع السعي في قضاء

حوائج الاخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال الي غير ذلك، مما لا يحصي.

______________________________

و أما المورد الثاني، فافاد المصنف ان وجوب التعلم في غير باب المعاملات يكون عقليا محضا و قد تقدم ما يمكن ان يستدل له و نقده و أما في باب المعاملات فهو شرعي: لنهي الشارع عن التصرف مع الجهل بصحة المعاملة: لأصالة عدم الانتقال و فيه اولا ان الاصل في العبادات ايضا هو الاحتياط لاختصاص ادلة البراءة بالشبهات قبل الفحص و ان قيل: ان اصالة الاحتياط لا تجري مع الغفلة اجبنا عنه بان اصالة عدم الانتقال ايضا توجب تنجز الواقع و عدم جواز التصرف في الاموال المكتسبة و لا تدل علي وجوب معرفة احكام المعاملات و أما الثالث فمحصل القول فيه انه إذا لم يمكن الجمع بين تعلم المسائل الواجب و كسب المعيشة إذا كان واجبا- فايهما يقدم و لقد اطال المصنف رحمه الله تبعا للحدائق الكلام في المقام و الحق انهما من قبيل الواجبين المتزاحمين فلا بد من ملاحظة الخصوصيات و الموارد و الفوائد المترتبة علي كل منهما و ترجيح الاهم من كل منهما علي الآخر و ليس ذلك تحت ضابط واحد فالمتعين ملاحظة كل مورد ثمّ الحكم بالتقديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 175

مسألة: لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية، (1)

و اختلفوا في حرمته و كراهته، فعن التقي و القاضي و الحلي و العلامة في المنتهي الحرمة، و هو المحكي عن ظاهر الدروس و حواشي المحقق الثاني و عن الشيخ و ابن زهرة، لا يجوز.

و اول في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة، و هي اي الكراهة مذهب الاكثر، بل عن ايضاح النافع ان الشيخ ادعي الاجماع علي عدم التحريم.

و عن نهاية الاحكام تلقي الركبان مكروه عند

اكثر علمائنا و ليس حراما اجماعا و مستند التحريم ظواهر الاخبار. (2)

منها ما عن منهال القصاب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لا تلق، فإن رسول الله صلي الله عليه و آله نهي عن التلقي قلت: و ما حدا لتلقي قال عليه السلام ما دون غدوة أو روحة قلت و كم الغدوة و الروحة، قال: اربعة فراسخ، قال ابن ابي عمير، و ما فوق ذلك فليس بتلق

______________________________

حرمة تلقي الركبان

(1) قوله لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية تنقيح القول في المسألة بالبحث في مقامين الأول: في اصل الحكم الثاني: في الخصوصيات المعتبرة فيه اما الاول ففيه قولان بعد الاتفاق ظاهر اعلي المرجوحية فعن التقي و الفاضل و الحلي و العلامة و غيرهم الحرمة- و عن الاكثر الكراهة.

(2) و مستند الحكم جملة من النصوص «1» الظاهرة في التحريم المذكور في المتن جملة منها و اورد علي الاستدلال بها للحرمة- بوجوه احدها ضعف السند- بدعوي- ان جميع تلك النصوص سبعة خمسة منها تنتهي اسنادها الي منهال القصاب و هو مجهول و واحد منها رواية عمر بن شمر الضعيف عن عروة ابن عبد الله المجهول- و السابع مرسل و فيه ان في طريقين من روايات منهال من هو من اصحاب الاجماع فان في طريق

______________________________

(1) الوسائل- باب 36- من ابواب آداب التجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 176

و في خبر عروة لا يتلقي احدكم تجارة خارجا من المصر، و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض.

و في رواية اخري لا تلق و لا تشتر ما يتلقي و لا تأكل منه.

و ظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة، فيكون اكلا بالباطل، و لم يقل به

إلا الإسكافي.

و عن ظاهر المنتهي الاتفاق علي خلافه، فيكون الرواية مع ضعفها مخالفة لعمل الاصحاب (1) فيقصر عن افادة الحرمة و الفساد، نعم لا بأس بحملها علي الكراهة لو وجد القول بكراهة الأكل مما يشتري من الملتقي، و لا بأس به حسما لمادة التلقي، و مما ذكرنا يعلم ان النهي في سائر الاخبار ايضا محمول علي الكراهة،

لموافقته للاصل (2) مع ضعف الخبر

______________________________

احدهما ابن ابي عمير و في طريق الآخر ابن محبوب فلا مورد للمناقشة فيها من حيث السند.

(1) ثانيها اعراض المشهور عنها و فيه اولا: ان جماعة افتوا بالحرمة و ثانيا ان الاعراض الموهن هو الاعراض عن الخبر سند الا دلالة و الاصحاب عملوا بهذه النصوص فانهم حكموا بالمرجوحية و افتائهم بالكراهة لا يكون حجة علينا

(2) ثالثها: موافقة القول بالكراهة للاصل و مخالفة القول بالحرمة له و فيه: ان الاصل لا يقاوم الدليل و مع وجوده يرتفع موضوع الاصل بالورود أو الحكومة مع ان القول بالكراهة ايضا مخالف للاصل، و عدم الحرمة و ان كان موافقا له الا انه لا يثبت به الكراهة رابعها: كون الروايات موافقة للعامة و فيه: ان مخالفة العامة من مرجحات احدي الحجتين علي الاخري بعد فقد جملة من المرجحات لا من مميزات الحجة عن اللاحجة و بالجملة: موافقة العامة من حيث هي ليست من الموهنات خامسها: ان النهي و ان كان ظاهرا في نفسه في الحرمة الا ان النهي عن التلقي من جهة وقوعه في سياق النهي عن اكل المتلقي بقوله لا تأكل منه و قوله لا تأكل من لحم ما تلتقي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 177

و مخالفته للمشهور. ثمّ ان حد التلقي أربعة فراسخ، (1) كما في كلام بعض.

و

الظاهر ان مرادهم خروج الحد عن المحدود، (2) لأن الظاهر زوال المرجوحية إذا كان اربعة فراسخ. و قد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه.

و روي ان حد التلقي روحة فإذا بلغ إلي أربعة فراسخ فهو جلب، فإن الجمع بين صدرها و ذيلها لا يكون الا بارادة خروج الحد عن المحدود، كما ان ما في الرواية السابقة ان حده ما دون غدوة أو روحة محمول علي دخول الحد في المحدود، لكن قال في المنتهي حد علمائنا التلقي بأربعة فراسخ، فكر فكرهوا الي ذلك الحد، فإن زاد علي ذلك كان تجارة و جلبا و هو ظاهر لأنه بمضيه و رجوعه يكون مسافرا،

و يجب عليه القصر فيكون سفرا حقيقيا، إلي ان قال و لا يعرف بين علمائنا خلافا فيه انتهي.

______________________________

الذي لم يرد منه الحرمة يقينا لعدم فساد المعاملة يحمل علي الكراهة و اجيب عنه بان الحرمة كما يمكن ان تكون منبعثة عن فساد المعاملة باعتبار ان اكل مال الغير بلا سبب شرعي حرام كذلك يمكن ان تكون منبعثة عن مصلحة في نفس ترك الاكل و حسم مادة التلقي المحرم.

بل الظاهر ان الاكل حرام من حيث انه اكل لما تلقي لا من حيث انه مال الغير و فيه: ان الظاهر منه كون النهي عنه من جهة كونه مال الغير فمع صرفه عن ظاهره لا وجه لحمله علي ما ذكر فتأمل و الاولي في الجواب ان يقال ان النواهي المتعددة الواقعة في سياق واحد لو حمل احدها علي الكراهة للدليل علي عدم حرمة متعلقه لا وجه لحمل غيره عليها بناء علي ما حققناه في محله من ان الحرمة و الكراهة خارجتان عن حريم الموضوع له و المستعمل فيه و انما تنتزعان من

الترخيص في فعل ما تعلق النهي به و عدمه فتحصل ان الاظهر هو القول بالحرمة.

و أما المقام الثاني فالكلام فيه يقع في جهات الاولي في حد التلقي.

(1) لا كلام في ان حده اربعة فراسخ، انما الكلام في دخول الحد في المحدود و خروجه عنه.

(2) قال المصنف و الظاهر ان مرادهم خروج الحد عن المحدود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 178

و التعليل بحصول السفر الحقيقي يدل علي مسامحة في التعبير، و لعل الوجه في التحديد بالاربعة ان الوصول الي الأربعة بلا زيادة و نقيصة نادر، فلا يصلح ان يكون ضابطا لرفع الكراهة إذ لا يقال انه وصل الي الاربعة الا إذا تجاوز عنها و لو يسيرا.

فالظاهر انه لا إشكال في اصل الحكم و ان وقع اختلاف في التعبير في النصوص و الفتاوي ثمّ انه لا إشكال في اعتبار القصد، (1) إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي، فلو تلقي الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم. و كذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقي فلا يكره لغرض آخر و لو اتفقت المعاملة.

______________________________

مقتضي- خبر ابن ابي عمير- قلت و ما حد التلقي قال ما دون غدوة أو روحة قلت و كم الغدوة و الروحة قال اربعة فراسخ «1» هو الثاني و مقتضي خبر ابن محبوب قال قلت له ما حد التلقي قال روحة «2» في بادئ النظر هو الاول و لكن بما ان للحد معنيين- احدهما- ما ينتهي به الشي ء- و الآخر- ما ينتهي عنده الشي ء- فالحد في الخبر الاول يحمل علي المعني الاول فان الحد بذلك المعني داخل في المحدود- و هو في الخبر الثاني يحمل علي المعني الثاني فانه بذلك المعني خارج عنه- فالجمع

بين الخبرين يقتضي البناء علي الخروج- و الذي يسهل الخطب ان الوصول الي الاربعة بلا زيادة و لا نقيصة نادر جدا- الثانية: في اعتبار القصد و عدمه.

(1) قال المصنف ثمّ انه لا إشكال في اعتبار القصد و استدل رحمه الله لاعتباره بعدم صدق عنوان التلقي بدونه و اورد عليه المحقق الايرواني رحمة الله بان عنوان التلقي ليس منهيا عنه بالنهي النفسي فانه ليس بمرجوح قطعا بل المرجوح السبق الي الاشتراء ممن قصد البلد بمتاعه

______________________________

(1) الوسائل باب 36 من ابواب التجارة حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 179

قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد (1)

و فيه انه مبني علي عدم اختصاص القيد بالحكم الاخير، فيحتمل ان يكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقي، أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه أو ادخاره عن اعين الناس و بيعه تدريجا، بخلاف ما إذا اتي الركب و طرحوا امتعتهم في الخانات و الاسواق، فإن له اثرا بينا في امتلاء اعين الناس خصوصا الفقراء وقت الغلاء إذا اتي بالطعام، و كيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة، ثمّ انه لا فرق بين اخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو غيرهما. نعم لا بأس باستيهابهم و لو باهداء شي ء إليهم

______________________________

و عليه فنفس هذه المعاملة مرجوحة و لو لم يتلق اصلا و فيه: ان التلقي للاشتراء بنفسه منهي عنه و الظاهر مرجوحيته ايضا كيف و قد جمع في النصوص بين النهي عنه و النهي عن الاشتراء و الحق ان يقال ان المنهي عنه هو التلقي للاشتراء فإذا لم يكن من قصده التلقي اصلا أو كان

و لم يكن للاشتراء لا يكون ذلك مرجوحا و أما الاشتراء فحيث ان الظاهر من الخبر مرجوحية الاشتراء إذا كان مع التلقي المرجوح لا مطلقا- فلا يكون مرجوحا إذا لم يكن التلقي عن قصد فالاظهر اعتباره الثالثة: في اعتبار جهل الركب بسعر البلد.

(1) قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد.

هذا التعليل وقع في خبرين احدهما: خبر عروة عن الامام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله لا يتلقي احدكم تجارة خارجا عن المصر و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض «1»

ثانيهما: ما عن الشيخ بسنده عن جابر عن رسول الله صلي الله عليه و آله لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض «2»

______________________________

(1) اورد صاحب الوسائل صدره في الوسائل- باب 36- من ابواب آداب التجارة حديث- و ذيله في- باب 37- منها

حديث 1.

(2) الوسائل- باب 37- من ابواب آداب التجارة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 180

و لو تلقاهم لمعاملات اخر غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم المرجوحية، (1) نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام: المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض. قوي سراية الحكم الي بيع شي ء منهم و ايجارهم المساكن و الخانات، كما انه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل، كما يدل عليه النبوي العامي: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه و اشتري منه فإذا اتي السوق فهو بالخيار قوي سراية الحكم الي كل معاملة يوجب غبنهم كالبيع و الشراء منهم متلقيا، و شبه ذلك، لكن الاظهر هو الاول

______________________________

و قد استدل العلامة رحمه الله به و استنده الي غير واحد علي

اعتبار الجهل و يرد عليه ان الظاهر و لا أقل من المحتمل كونه علة لحكم بيع الحضري للبدوي و المناسب ايضا ذلك فانه إذا لم يصر الحاضر وكيلا للبادي في البيع يشتريه المشتري باقل فيرتزق منه فتدبر مع ان كونه من قبيل العلة المعممة و المخصصة غير ثابت- فالاظهر هو التعميم- لإطلاق الروايات و عدم معلومية علة الحكم و لعلها شي ء موجود في فرض العلم.

الرابعة: في انه هل يختص الحكم بالتلقي للاشتراء ام يعم التلقي للبيع منهم أو لمعاملات اخر غير شراء متاعهم ففي المتن.

(1) و لو تلقاهم لمعاملات اخر … فظاهر الروايات عدم المرجوحية وجه الظهور مع اطلاق قوله عليه السلام في خبر منهال القصاب عن ابي عبد الله عليه السلام لا تلق فان رسول الله صلي الله عليه و آله نهي عن التلقي «1» هو ورودا لإطلاق مورد الغالب المتعارف و هو التلقي للاشتراء كما هو مفاد ساير النصوص و به يظهر حال قوله صلي الله عليه و آله لا يتلقي احدكم تجارة خارجا عن المصر «2» مع ان الصدوق رواه هكذا و لا يتلقي احدكم طعاما- و هو ظاهر في التلقي لاشتراء الطعام.

______________________________

(1) الوسائل- باب 36- من ابواب آداب التجارة حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 181

و كيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار. (1) و قد يحكي عن الحلي ثبوت الخيار و ان لم يكن غبن، و لعله لإطلاق النبوي المتقدم (2) المحمول علي صورة تبين الغبن بدخول السوق و الاطلاع علي القيمة، و اختلفوا في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي علي قولين سيجي ء ذكر الاقوي منهما في مسألة

خيار الغبن انشاء الله.

مسألة: يحرم النجش علي المشهور

كما في الحدائق، (3) بل عن المنتهي و جامع المقاصد: انه محرم اجماعا لرواية ابن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله الواشمة و المؤتشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد صلي الله عليه و آله.

و في النبوي المحكي عن معاني الاخبار لا تناجشوا و لا تدابروا قال: و معناه ان يزيد الرجل في ثمن السلعة، و هو لا يريد شرائها ليسمع غيره فيزيد بزيادته و الناجش خائن، و التدابر الهجران انتهي كلام الصدوق. و الظاهر ان المراد بزيادة الناجش مواطاة البائع المنجوش له.

______________________________

(1) الخامسة: إذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار كما هو المشهور بين الاصحاب و عن الحلي ثبوت الخيار و ان لم يكن غبن و في المتن.

(2) و لعله لإطلاق النبوي المتقدم و لكنه كما افاده محمول علي صورة تبين الغبن بدخول السوق و الاطلاع علي القيمة و تمام الكلام فيه في خيار الغبن.

(3) قوله مسالة يحرم النجش علي المشهور كما في الحدائق و قد تقدم الكلام فيه حكما و موضوعا في آخر المكاسب المحرمة في الجزء الثاني من هذا الشرح مفصلا فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 182

مسألة: إذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل، يكون المدفوع إليه منهم (1)

و لم يحصل للمدفوع إليه ولاية علي ذلك المال من دون الدافع، كمال الامام أو رد المظالم المدفوع الي الحاكم، فله صور:

احداها: ان يظهر قرينة علي عدم جواز رضاه بالاخذ منه كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده، و لا إشكال في عدم الجواز لحرمة التصرف في مال الناس علي غير الوجه المأذون فيه. (2)

الثانية: ان يظهر قرينة حالية أو مقالية علي جواز اخذه منه

مقدارا مساويا لما يدفع إلي غيره أو انقص أو أزيد، و لا إشكال في الجواز حينئذ (3) إلا انه قد يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع، الي الأصناف المختلفة، كان عين للمجتهدين مقدارا، و للمشتغلين مقدارا، و اعتقده الدافع بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه (4)

______________________________

كيفية صرف المال المدفوع للصرف في قبيل

(1) قوله إذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم لا يخفي انه تارة يدفع المال إليه من جهة كونه ولي الامر كدفع سهم الامام عليه السلام الي الحاكم الشرعي بما انه نائب الامام عليه السلام و اخري يدفع إليه ليكون وكيلا عن الدافع في صرفه في قبيل لا كلام في جواز اخذ المدفوع إليه من ذلك المال في الصورة الاولي و انما الكلام في الصورة الثانية.

و في تلك الصورة- فروض.

(2) احدها: ان يظهر قرينة علي عدم رضاه بالاخذ منه لا إشكال في عدم جواز الاخذ في هذا الفرض.

(3) ثانيها: ان يظهر قرينة علي جواز اخذه منه لا إشكال في جواز الاخذ حينئذ.

(4) انما الاشكال: فيما إذا اختلف مقدار المدفوع الي الاصناف المختلفة كان عين للمجتهدين مقدار أو لغيرهم مقدارا اقل منه و اعتقد انه من المجتهدين، و الدافع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 183

و التحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه ان كان عنوان الصنف علي وجه الموضوعية (1) كأن يقول ادفع إلي كل مشتغل كذا، و إلي كل مجتهد كذا و خذ انت ما يخصك. و ان كان علي وجه الداعي بأن كان عنوان الصنف داعيا إلي تعيين ذلك المقدار، كان المتبع اعتقاد الدافع لأن الداعي إنما يتفرع علي الاعتقاد لا الواقع.

الثالثة: ان لا يقوم قرينة علي احد الامرين،

و يطلق المتكلم (2) و قد اختلف فيه كلماتهم بل كلمات واحد منهم، فالمحكي عن وكالة المبسوط، و زكاة السرائر،

و مكاسب النافع، و كشف الرموز، و المختلف، و التذكرة، و جامع المقاصد: تحريم الأخذ مطلقا.

و عن النهاية و مكاسب السرائر و الشرائع، و التحرير، و الارشاد، و المسالك و الكفاية: انه يجوز له الاخذ منه ان اطلق من دون زيادة علي غيره. و نسبه في الدروس الي الأكثر. و في الحدائق إلي المشهور و في المسالك هكذا شرط كل من سوغ له الأخذ.

و عن نهاية الاحكام و التنقيح و المهذب البارع و المقنعة: الاقتصار علي نقل القولين، و عن المهذب البارع: حكاية التفصيل بالجواز ان كان الصيغة بلفظ ضعه فيهم، أو ما ادي معناه، و المنع ان كانت بلفظ: ادفعه، و عن التنقيح عن بعض الفضلاء:

انه ان قال هو للفقراء جاز

______________________________

يعتقد عدم كونه منهم ففي المتن ما حاصله.

(1) انه ان كان عنوان الصنف علي وجه الموضوعية يراعي معتقد المدفوع إليه و ان كان ذلك العنوان داعيا الي تعيين ذلك المقدار كان المتبع اعتقاد الدافع و فيه ان العنوان في الافعال الخارجية المتعلقة بالاشخاص كالاقتداء و البيع و الرضا

و نحو تلكم يكون داعيا و لا معني لكونه موضوعا و الرضا و ان كان يتعلق بالعنوان الكلي الا انه من حيث كونه مرآة و طريقا الي الافراد و عليه فلا محالة يكون المناط اعتقاد الدافع فانه إذا عين مقدارا للمجتهدين و كان يعتقد عدم كون المدفوع إليه مجتهدا لا يكون راضيا باخذه ذلك المقدار.

(2) ثالثها: ان لا يقوم قرينة علي احد الامرين و قد اختلفت فيه كلماتهم لاحظ المتن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 184

و ان قال اعطه

للفقراء، فإن علم فقره لم يجز إذ لو اراده لخصه، و ان لم يعلم جاز احتج القائل بالتحريم مضافا الي ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم، (1) المؤيد بما قالوه فيمن وكلته امرأة ان يزوجها من شخص فزوجها من نفسه أو وكله في شراء شي ء فاعطاه من عنده بصحيحة ابن الحجاج المسندة في التحرير الي مولانا الصادق عليه السلام و ان اضمرت في غيره، قال: سألته عن رجل اعطاه رجلا مالا ليصرفه في محاويج أو في مساكين، و هو يحتاج أ يأخذ منه لنفسه؟ و لا يعلمه هو، قال: لا يأخذ شيئا حتي يأذن له صاحبه و احتج المجوزون بأن العنوان المدفوع إليه شامل له و الفرض الدفع الي هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير و اللفظ و ان سلم عدم شموله له لغة الا ان المنساق عرفا صرفه الي كل من اتصف بهذا العنوان. فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز. نعم لو كان المدفوع إليهم اشخاصا خاصة. و كان الداعي علي الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور، و الرواية معارضة بروايات أخر،

______________________________

فالمهم صرف عنان الكلام الي بيان المدرك و الكلام فيه يقع في موردين الاول: فيما يقتضيه القواعد و الاظهر انه الجواز مطلقا: فان ظاهر تعليق كل حكم علي موضوع ثبوته لجميع افراده فلو علق رضاه علي المجتهد كان مقتضاه جواز تصرف كل مجتهد بما هو مجتهد لا سيما مع احراز عدم خصوصية فرد في نظره فإذا كان المدفوع إليه يري نفسه مجتهدا جاز له التصرف.

(1) و أما ظهور الدفع في مغايرة الدافع و المدفوع إليه و الواضع و الموضوع فيه فلو سلم و اغمض عن اختصاصه ببعض الموارد

فهو لا يقاوم الظهور المشار إليه و علي ذلك فيجوز له التصرف فيه.

الثاني فيما يقتضيه النصوص الخاصة- و هي- طائفتان الاولي ما يدل علي عدم الجواز كمصحح «1» ابن الحجاج المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 84- من ابواب ما يكتب به حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 185

مثل ما عن الكافي الصحيح عن سعد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطي الزكاة يقسمه في اصحابه أ يأخذ منه شيئا؟ قال: نعم.

و عن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم في رجل اعطي مالا يفرقه ممن يحل له، أ يأخذ شيئا لنفسه؟ و ان لم يسم له قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره، و صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن يحل له الصدقة، قال: لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، و لا يجوز له ان يأخذ إذا امره ان يضعه في مواضع مسماة الا باذنه.

و الذي ينبغي ان يقال: اما من حيث دلالة اللفظ الدال علي الاذن في الدفع و الصرف فإن المتبع الظهور العرفي و ان كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره كما ان الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم علي الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن، ثمّ ان التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد.

______________________________

الثانية: ما يدل علي الجواز.

كصحيح سعد بن يسار، «1» و حسن الحسين بن عثمان، «2» و صحيح ابن الحجاج «3»

المذكورة في المتن لاحظها و الجمع بينهما انما يكون باحد انحاء.

(1) اختصاص النصوص المجوزة بالمال الذي كون من

الحقوق الشرعية اما اختصاص الاول فواضح، و أما الثاني فلقوله يفرقه فيمن يحل له، و أما الثالث فلقوله و هو ممن يحل له الصدقة، و خبر المنع مختص بمال يكون للدافع.

(2) ان خبر المنع من جهة التعبير بالنكرة ظاهر في ارادة اشخاص معينين فلا يعارض الاخبار المجوزة.

(3) الجمع بحمل خبر المنع علي الكراهة و من المعلوم ان الاخير يتوقف علي عدم تمامية الاولين و عدم امكان الجمع بنحو آخر و الاظهر هو الثاني فإذا لا تدل الاخبار علي ما ينافي القواعد

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب المستحقين للزكاة حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 186

فالاولي حمل الأخبار المجوزة (1) علي ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر، و حمل الصحيحة المانعة «السابقة» علي ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور فأمرها بالدفع الي مساكين علي وجه يكون المسكنة داعيا الي الدفع لا موضوعا، و لما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع علي الرضا بوصول شي ء من المال إليه، ثمّ علي تقدير المعارضة فالواجب الرجوع الي ظاهر اللفظ، (2) لأن الشك بعد تكافؤ الأخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي و لو لم يكن للفظ ظهور، فالواجب بعد التكافؤ الرجوع الي المنع (3) إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذن من المالك أو الشارع.

مسألة: احتكار الطعام

و هو كما في الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته. (4)

______________________________

فالاقوي هو الجواز مطلقا.

(1) قوله فالاولي حمل الاخبار المجوزة علي ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان

و فيه انه جمع تبرعي لا شاهد له.

(2) قوله ثمّ علي تقدير المعارضة فالواجب الرجوع الي ظاهر اللفظ و فيه انه علي تقدير المعارضة يتعين الجمع بحمل خبر المنع علي الكراهة لنصوصية الاخبار المجوزة في الجواز.

(3) قوله فالواجب بعد التكافؤ الرجوع الي المنع و فيه ان الواجب حينئذ الرجوع الي الاخبار العلاجية.

حرمة الاحتكار

(4) قوله مسألة احتكار الطعام و هو … لا خلاف في مرجوحيته في المسألة قولان، بناء علي ما هو الظاهر من ان مورد كلمات الفقهاء هو عدم وجود باذل الكفاية و أما بناء علي ان مورد كلماتهم هو الاعم ففي المسألة اقوال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 187

و قد اختلف في حرمته فعن المبسوط و المقنعة و الحلبي في كتاب المكاسب و الشرائع و المختلف الكراهة و عن كتب الصدوق و الاستبصار و السرائر و القاضي و التذكرة و التحرير و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و الروضة التحريم، و عن التنقيح و الميسية تقويته و هو الأقوي بشرط عدم باذل الكفاية لصحيحة سالم الحناط (1) قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما عملك؟ قلت: حناط و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست، قال: فما يقول من قبلك فيه قلت: يقولون يحتكر قال: يبيعه احد غيرك قلت: ما ابيع أنا من ألف جزء جزء قال: لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حذام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلي الله عليه و آله فقال له يا حكيم بن حذام إياك ان تحتكر، فإن الظاهر منه ان علة عدم البأس وجود الباذل فلولاه حرم.

و صحيحة الحلبي عن

ابي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الحكرة فقال انما الحكرة ان يشتري طعاما و ليس في المصر طعام غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعاما غيره فلا بأس، ان تلتمس بسلعتك الفضل و زاد في الصحيحة المحكية عن الكافي و التهذيب قال و سألته عن الزيت، قال ان كان عند غيرك فلا بأس بامساكه، و عن امير المؤمنين عليه السلام

______________________________

الاول: ما هو الاشهر و هو كراهة الاحتكار الثاني: ما ذهب إليه جمع من الفقهاء و هو التحريم الثالث: ما ذهب إليه المصنف رحمه الله و هو التحريم مع عدم باذل الكفاية و الكراهة معه و كيف كان فقد استدل للحرمة مضافا الي وجوه اعتبارية.

بكثير من النصوص «1» و هي و ان كان بعضها ضعيف السند- و بعضها قاصر الدلالة من جهة تضمنه اللعن علي المحتكر الذي هو بمعني الابعاد الملائم مع الكراهة- أو وروده في مقام بيان موضوع الاحتكار المحكوم بالحرمة أو الكراهة الا ان: جملة منها صحيحة السند- ظاهرة الدلالة عليها.

(1) كصحيح «2» الحناط عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 27 و 28- من ابواب آداب التجارة.

(2) الوسائل- باب 28- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 188

في نهج البلاغة في كتابه الي مالك الاشتر فامنع من الاحتكار فإن رسول الله منع منه (1) و ليكن البيع بيعا سمحا في موازين عدل لا يجحف بالفريقين البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل به و عاقب في غير اسراف.

و صحيحة الحلبي قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك؟ قال: ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس

به، و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر و ترك الناس ليس لهم طعام، فإن الكراهة في كلامهم عليهم السلام و ان كان يستعمل في المكروه و الحرام (2) إلا ان في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل علي كراهة الاحتكار مطلقا قرينة علي إرادة التحريم (3) و حمله علي تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفي و ان شئت قلت: ان المراد بالبأس في الشرطية الأولي التحريم لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا فالشرطية الثانية كالمفهوم لها، و يؤيد التحريم ما عن المجالس بسنده عن ابي مريم الانصاري

______________________________

(1) و ما «1» في نهج البلاغة في كتابه عليه السلام الي مالك الاشتر فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلي الله عليه و آله منع منه- و نحوهما غيرهما- و يؤيدها النصوص الاخر.

(2) و لا يعارضها صحيح «2» الحلبي المذكور في المتن فان الكراهة في اصطلاحهم عليهم السلام اعم من الكراهة المصطلحة و عليه فهو ايضا بمفهوم الشرط يدل علي التحريم فانه يدل علي ثبوت الباس مع عدم كثرة الطعام و هو ظاهر في التحريم و بما ذكرناه ظهر مدرك القول بالكراهة و ضعفه.

(3) و قد استدل المصنف رحمه الله لما اختاره بان جملة من النصوص متضمنة للنهي عن الاحتكار و ظاهر ذلك مرجوحيته مطلقا و ظاهر صحيح الحناط و صحيح الحلبي حرمته في صورة عدم باذل الكفاية اما الاول فلان الظاهر منه ان علة عدم الباس وجود الباذل فلولاه حرم و أما الثاني: فلانه قيد الحكم فيه بصورة عدم باذل غيره و هذا بواسطة ما دل علي

______________________________

(1) الوسائل- باب 28- من ابواب آداب التجارة حديث

13.

(2) نفس المصدر حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 189

عن ابي جعفر عليه السلام قال قال: رسول الله صلي الله عليه و آله أيما رجل اشتري طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين، ثمّ باعه و تصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع. و في السند بعض بني فضال، و الظاهر ان الرواية مأخوذة من كتبهم التي (1)

قال العسكري عليه السلام عند سؤاله عنها خذوا بما رووا و ذروا ما رأو ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم فيستغني بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند، و قد ذكرنا ان هذا الحديث أولي بالدلالة علي عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادعاه الكشي علي تصحيح ما يصح عن جماعة و يؤيده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام من أنه أرسل عن النبي صلي الله عليه و آله عن جبرائيل قال: أطلعت علي النار فرأيت في جهنم واديا فقلت يا مالك لمن هذا؟ قال لثلاثة: المحتكر، و المدمنين للخمر، و القوادين.

و مما يؤيد التحريم ما دل علي وجوب البيع عليه، فإن الزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما إذ الإلزام علي ترك المكروه خلاف الظاهر و خلاف قاعدة سلطنة الناس علي اموالهم.

______________________________

كراهة الاحتكار مطلقا قرينة علي ارادة التحريم و فيه: ان الخبرين يقيدان جميع نصوص الاحتكار المتضمنة للنهي عنه سواء حمل النهي فيها علي الكراهة أو الحرمة فمورد الحكم صورة عدم وجود باذل غيره و الا فلا يكون الاحتكار مكروها و بذلك يظهر ما في قوله و ان شئت قلت الخ.

(1) قوله و الظاهر ان الرواية «1» ماخوذة من كتبهم التي- ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم قد ذكر المصنف

رحمه الله هذا الكلام في كتاب الصلاة و عليه بني حجية ما في كتبهم و ان كان المروي عنه ضعيفا أو مجهولا و يرد عليه ان ذلك النص «2» سؤالا و جوابا مسوق لبيان ان فساد عقائد و آراء بني فضال لا يمنع عن الاخذ برواياتهم فغاية ما يدل عليه حجية قولهم و رواياتهم و انها كالروايات المروية عنهم في حال استقامتهم بلا نظر فيه الي حجية الروايات من غير تلك الجهة

______________________________

(1) الوسائل- باب 28- من ابواب آداب التجارة حديث 6.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 190

ثمّ ان كشف الابهام عن اطراف المسألة يتم ببيان امور:

الأول: في مورد الاحتكار، (1) فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة و بعض الأخبار المتقدمة: اختصاصه بالطعام و في رواية غياث بن إبراهيم ليس الحكرة الا في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و عن الفقيه: زيادة الزيت، و قد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة أيضا دخول الزيت أيضا.

و في المحكي عن قرب الاسناد برواية ابي البختري عن علي عليه السلام قال: ليس الحكرة الا في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن.

و عن الخصال في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله الحكرة في ستة اقسام الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزيت، و الزبيب و السمن، ثمّ ان ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا، و عن كشف الرموز و ظاهر السرائر دعوي الاتفاق عليه.

و عن مجمع الفائدة نفي الخلاف فيه، و أما الزيت فقد تقدم في غير واحد من الاخبار

و لذا اختاره الصدوق و العلامة في التحرير حيث ذكر ان به رواية حسنة و الشهيدان و المحقق الثاني و عن ايضاح النافع ان عليه الفتوي.

و أما الملح فقد الحقه بها في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و نهاية الاحكام و الدروس (2) و المسالك و لعله لفحوي التعليل الوارد في بعض الأخبار: من حاجة الناس

______________________________

و أما اصحاب الاجماع فقد دل الدليل علي الاستغناء برواياتهم عن ملاحظة من قبلهم في السند.

(1) قوله الاول في مورد الاحتكار الظاهر ان ثبوته في الغلات الاربع و السمن لا خلاف فيه بل عن جماعة الاجماع عليه و تشهد به النصوص «1» منها الروايات الثلاث في المتن و فيها الزيت و لا إشكال في شي ء من ذلك انما الكلام في الملح ففي المتن.

(2) و أما الملح فقد الحقه بها في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و نهاية الاحكام و الدروس

______________________________

(1) الوسائل- باب 27- من ابواب آداب التجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 191

الثاني روي السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام ان الحكرة في الخصب اربعون يوما، و في الغلاء و الشدة ثلاثة ايام، فما زاد علي الاربعين في الخصب، فصاحبه ملعون و ما زاد في العسرة علي ثلاثة ايام فملعون. (1)

و يؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة، و حكي عن الشيخ و محكي القاضي و الوسيلة العمل بها، و عن الدروس ان الأظهر تحريمه مع حاجة الناس و مظنتها الزيادة علي ثلاثة أيام في الغلاء و أربعين في الرخص للرواية، انتهي.

و أما تحديده بحاجة الناس فهو حسن، كما عن المقنعة و غيرها، و يظهر من الأخبار المتقدمة.

و أما ما ذكره من حمل رواية السكوني عن بيان مظنة الحاجة فهو جيد، (2)

و

منه يظهر عدم دلالتها علي التحديد بالعددين تعبدا.

______________________________

قال في محكي المبسوط يثبت الاحتكار في الملح و لم نقف علي حديث دال عليه و لعله نظر في ذلك الي دعوي الحاجة إليه و اساس الضرورة الي تناوله فصار كالطعام انتهي و لكن مقتضي الحصر في خبر «1» غياث عدم ثبوت هذا الحكم في الملح و العلة المستنبطة المشار إليها لا تصلح لاثبات الحكم الشرعي بها: لعدم كونها منصوصة بعنوان العلة للحكم كي تعمم و لذا لم يفت احد بثبوته في غير ذلك من ما يحتاج إليه الناس فالاظهر عدم الالحاق.

(1) الثاني: روي «2» السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام ان الحكرة في الخصب الي آخر الخبر ظاهر الخبر تحديد الحكرة في الرخص باربعين يوما و في الغلاء بثلاثة ايام و عمل به الشيخ و القاضي و صاحب الوسيلة و الايراد عليه تارة بضعف السند، و اخري.

(2) بانه محمول علي بيان مظنة الحاجة كما عن الدروس و استحسنه المصنف رحمه الله في غير محله اما الاول فلما تقدم في هذا الشرح مرارا من اعتبار خبر السكوني و أما الثاني فلان ذلك خلاف الظاهر لا شاهد له فالاظهر تمامية هذا التحديد.

______________________________

(1) الوسائل- باب 27- من ابواب آداب التجارة حديث 4.

(2) نفس المصدر حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 192

الثالث: مقتضي ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في بادئ النظر حصر الاحتكار في شراء الطعام، لكن الاقوي التعميم بقرينة تفريع قوله: فإن كان في المصر طعام و يؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام اهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع و الحصاد و الاحراز، الا ان يراد جمعه في ملكه، و يؤيد

التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بأن يترك الناس ليس لهم طعام، و عليه فلا فرق بين ان يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون موهوبا له، أو كان قد اشتراه لحاجة، فانقضت الحاجة و بقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحبسه متربصا للغلاء.

الرابع: اقسام حبس الطعام كثيرة لان الشخص اما ان يكون قد حصل الطعام لحبسه أو لغرض آخر، أو حصل له من دون تحصيل له، و الجس اما ان يراد منه نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في انفسهم أو يريد به الغلاء و هو اضرارهم من حيث المال أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله و ان حصل ذلك لغلاء عارضي لا يتضرر به اهل البلد، كما قد يتفق ورود عسكر و زوار في البلاد و توقفهم يومين أو ثلاثة فيحدث للطعام عزة لا يضر بأكثر اهل البلد، و قد يريد بالحبس لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخرا هذا كله مع حصول الغلاء بجسه. و قد يجس انتظارا لأيام الغلاء من دون حصول الغلاء بجسه بل لقلة الطعام آخر السنة أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام، ثمّ حبسه لانتظار أيام الغلاء قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال. و قد يكون لحب اعانة المضطرين و لو بالبيع عليهم و الإرفاق بهم، ثمّ حاجة الناس قد يكون لأكلهم و قد يكون للبذر أو علف الدواب أو الاسترباح بالثمن و عليك في استخراج احكام هذه الأقسام (1) و تميز المباح و المكروه و المستحب من الحرام.

______________________________

(1) قوله و عليك في استخراج احكام هذه الاقسام الاحتكار المحرم هو الاحتكار مع حاجة الناس و المباح هو الاحتكار لامع حاجتهم و الواجب هو الاحتكار

لإعانة المضطرين في ايام الغلاء و المستحب هو الاحتكار لإعانة الزوار و أما المكروه فلم نجد له مثالا.

ثمّ ان الاحتكار بما هو احتكار لا يكون واجبا و لا مستحبا و اتصافه بهما انما يكون من جهة انطباق عناوين اخر عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 193

الخامس: الظاهر عدم الخلاف كما قيل في اجبار المحتكر علي البيع، حتي علي القول بالكراهة، بل عن المهذب البارع الاجماع عليه، و عن التنقيح كما في الحدائق عدم الخلاف فيه، و هو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب.

و لذا ذكرنا ان ظاهر ادلة الاجبار تدل علي التحريم، لان الزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم لا يسعر عليه اجماعا، كما عن السرائر، و زاد وجود الاخبار المتواترة. و عن المبسوط عدم الخلاف فيه، لكن عن المقنعة انه يسعر عليه بما يراه الحاكم.

و عن جماعة منهم العلامة و ولده و الشهيد: انه يسعر عليه ان اجحف بالثمن،

لنفي الضرر، (1) و عن الميسي و الشهيد الثاني: انه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهي عن التسعير و الجبر بنفي الاضرار.

خاتمة و من أهم آداب التجارة الإجمال في الطلب و الاقتصاد فيه.

ففي مرسلة ابن فضال عن رجل عن ابي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، و ليكن انزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لا بد للمؤمن منه، ان الذين اعطوا المال، ثمّ لم يشكروا لا مال لهم.

و في صحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله في حجة الوداع الا ان روح الامين نفث في روعي: انه لن يموت نفس حتي يستكمل

رزقها فاتقوا الله و اجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بشي ء من معصية الله، فإن الله تبارك و تعالي قسم الأرزاق في خلقه حلالا، و لم يقسمها حراما،

______________________________

(1) قوله انه يسعر عليه ان اجحف بالثمن لنفي الضرر قالوا و لانه لولاه لانتفت فائدة الجبر إذ بدونه يمتنع المالك من البيع الا باضعاف ثمنه فلو سوغناه انتفت الحكمة في الزامه بالبيع.

و هو جيد: الا انه لا يدل علي التسعير لملائمته مع ما عن الميسي و الشهيد الثاني انه يؤمر بالنزول من دون تسعير- و الله العالم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 194

فمن اتقي الله و صبر اتاه الله برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجل فأخذه من غير حله قصر به من رزق الحلال و حوسب عليه يوم القيامة.

و عن ابي عبد الله عليه السلام انه كان امير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا ان الله عز و جل لم يجعل للعبد و ان اشتد جهده و عظمت حيلته و كثرت مكايدته ان يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم، و لم يحل بين العبد في ضعفه و قلة حيلته ان يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم.

أيها الناس انه لن يزداد امرء نقيرا لحذفه و لم ينقص امرء نقيرا لحمقه، فالعالم بهذا العامل به اعظم الناس راحة في منفعته، و العالم بهذا التارك له اعظم الناس شغلا في مضرته، و رب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه و رب مغرور في الناس مصنوع له فأبق ايها الساعي من سعيك، و ابصر من عجلتك، و انتبه من سنة غفلتك،

و تفكر فيما جاء عن الله عز و

جل علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله.

و في رواية عبد الله بن سليمان قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: ان الله عز و جل وسع في ارزاق الحمقي ليعتبر العقلاء، يعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة.

و في مرفوعة سهل بن زياد انه قال قال امير المؤمنين عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم قلت: جعلت فداك اقبل علي العبادة و ترك التجارة، فقال: ويحه اما علم ان تارك الطلب لا تستجاب له دعوته، إن قوما من اصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله لما نزل قوله تعالي: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب) اغلقوا الابواب و اقبلوا علي العبادة و قالوا: قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه و آله فأرسل إليهم،

فقال لهم: ما دعاكم الي ما صنعتم؟ فقالوا يا رسول الله صلي الله عليه و آله تكفل الله تعالي لنا بأرزاقنا فاقبلنا علي العبادة. فقال صلي الله عليه و آله انه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب. و قد تقدم رواية انه ليس منا من ترك آخرته لدنياه، و لا من ترك دنياه لآخرته. و تقدم أيضا حديث داود علي نبينا و آله و عليه السلام و علي جميع انبيائه الصلاة و السلام بعد الحمد لله الملك العلام علي ما انعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة و كتابة كلمات اوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص و العام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 195

الخيارات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 197

القول في الخيار و اقسامه و أحكامه:

مقدمتان

الاولي: الخيار [في معني الخيار]

اسم مصدر من الاختيار غلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ

العقد (1) علي ما فسره به في موضع من الإيضاح فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة. و في عقد الفضولي و ملك الوارث رد العقد علي ما زاد علي الثلث، و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد علي بنت الاخ و الاخت و ملك الأمة المزوجة من عبد فسخ العقد إذا اعتقت و ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب.

و لعل التعبير بالملك

______________________________

معني الخيار اصطلاحا

قبل بيان الخيار و اقسامه و احكامه لا بد من تقديم مقدمتين:

احداهما: في معني الخيار.

الخيار علي ما في كتب اللغة اسم مصدر من تخير مثل الطيرة اسم تطير، و هو مرادف للاختيار.

و أما في الاصطلاح فقد ذكروا له معنيين:

(1) أحدهما: ما عن موضع من الايضاح و جماعة من المتأخرين و اختاره المصنف ره، و هو: ملك فسخ العقد.

ثانيهما: ما عرفه المحققون من القدماء، و هو: ملك اقرار العقد و ازالته.

و قبل بيان ما هو الحق عندنا ينبغي تقديم مقدمة.

و هي: ان الجواز و اللزوم الثابتين في العقود علي قسمين:

الأول: ما لا يقبل الاسقاط و الانتقال الي الغير، كلزوم النكاح و لذا لا يصح جعل خيار الفسخ فيه و لا يقبل الاقالة، و جواز الهبة: فانه غير قابل للاسقاط و الانتقال- و يعبر عنهما باللزوم و الجواز الحكميين.

الثاني: ما يقبل ذلك كلزوم البيع و جوازه، و يعبر عنهما باللزوم و الجواز الحقيين،

و عن هذا الجواز يعبر بالخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 198

للتنبيه علي ان الخيار من الحقوق لا من الاحكام (1) فيخرج ما كان من قبيل الإجازة و الرد لعقد الفضولي و التسلط علي فسخ العقود الجائزة فإن ذلك من الاحكام الشرعية لا من الحقوق. و لذا لا تورّث و لا تسقط بالاسقاط.

و قد يعرف بأنه ملك اقرار العقد و ازالته و يمكن الخدشة فيه بأنه ان اريد من اقرار العقد ابقائه علي حاله بترك الفسخ، (2) فذكره مستدرك لأن القدرة علي الفسخ عين القدرة علي تركه إذ القدرة لا يتعلق باحد الطرفين و ان اريد منه الزام العقد و جعله غير قابل لان يفسخ. ففيه ان مرجعه الي اسقاط حق الخيار، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار

______________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم: انه يرد علي التعريف الأول: ان الملك المستعمل في المقام لا يراد به الملكية المصطلحة المضافة الي الاعيان، بل المراد به الملك بمعناه اللغوي، و هو السلطنة، و هو بهذا المعني كما يصدق علي القسم الثاني من الجواز يصدق علي القسم الأول، بل يشمل ملك حل النكاح بالطلاق.

و ما افاده المصنف رحمه الله بان التعبير بالملك.

(1) للتنبيه علي ان الخيار من الحقوق لا من الاحكام، فيخرج ما كان من قبيل الاجازة ان اراد به الملكية المصطلحة من جهة ان الحق مرتبة ضعيفة من الملك،

فيرد عليه: ما ذكرناه في اوائل الجزء الثالث عند بيان حقيقة الحق،

و ان اراد به الاستيلاء الخاص دون مطلق الاستيلاء- و هو ما كان نفس الاستيلاء تحت الاختيار بحيث يمكن للشخص سلب الاستيلاء و عزل نفسه عن السلطنة عزلا ابتدائيا- فيرد عليه: انه لا يعتبر في الملك إلا دخول المملوك تحت السلطان لا دخول السلطنة ايضا تحت السلطان.

و أما التعريف الثاني: فاورد عليه المصنف رحمه الله بايرادين: احدهما:

(2) انه ان اريد باقرار العقد ابقائه علي حاله بترك الفسخ فذكره مستدرك لان القدرة علي الفسخ عين القدرة علي تركه، و ان اريد به الزام العقد كان مرجعه إلي اسقاط حق الخيار فلا يؤخذ

في تعريف نفس الخيار.

و فيه: ان المتعين هو الثاني، و ليس مرجعه إلي ما ذكر، بل حقيقته تثبيت العقد الذي هو امر وجودي، و لازمه سقوط الخيار.

و ان شئت قلت: ان مرجعه الي اسقاط حق ازالة العقد لا إسقاط الخيار، فالخيار مركب من سلطنتين: السلطنة علي ازالة العقد، و السلطنة علي رفع هذه السلطنة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 199

مع ان ظاهر الالزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك فإن لكل منهما الزامه من طرفه لا مطلقا. ثمّ ان ما ذكرناه من معني الخيار هو المتبادر منه عرفا عند الاطلاق في كلمات المتأخرين و إلا فاطلاقه في الاخبار و كلمات الاصحاب علي سلطنة الاجازة و الرد لعقد الفضولي و سلطنة الرجوع في الهبة و غيرهما من افراد السلطنة شائع.

الثانية: ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه ان الاصل في البيع اللزوم، (1)
اشارة

قال في التذكرة: الاصل في البيع اللزوم، لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك،

و الاصل الاستصحاب، و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، و إنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه، انتهي.

اقول المستفاد من كلمات جماعة: ان الاصل هنا قابل لإرادة معان:

______________________________

ثانيهما: ان ظاهر الالزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك.

و فيه: ان الذي بيد ذي الخيار الالزام من طرفه لا من الطرفين، و انما يكون لازما من الطرف الآخر من جهة عدم الخيار له، و هذا الظهور في الفسخ ايضا ممنوع، فانه ازالة من جانبه، و لكن حيث لا يعقل انحلال العقد من طرف واحد يلتزم بانحلاله من الطرفين لا ان معني الفسخ ذلك كي يلتزم به في الاجازة بقرينة المقابلة.

فظهر ان ما عرفه القدماء متين لا يرد عليه شي ء.

الاصل في البيع اللزوم

(1) الثانية: ذكر غير

واحد تبعا للعلامة في كتبه: ان الاصل في البيع اللزوم، قال في محكي التذكرة: الاصل في البيع اللزوم، لان الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك، و الاصل الاستصحاب، و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، و انما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه. انتهي.

و قد تقدم البحث و الكلام في المقصود الاصلي من هذه المقدمة في اول كتاب البيع في مسألة المعاطاة، و انما تعرضنا هنا لها لجهتين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 200

الاول: الراجح: احتمله في جامع المقاصد مستندا في تصحيحه الي الغلبة. (1)

و فيه ان اراد غلبة الافراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس، أو الحيوان أو الشرط، و ان أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة مع انه لا يناسب ما في القواعد من قوله: و انما يخرج من الاصل لامرين ثبوت خيار أو ظهور عيب.

الثاني: القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند الشك في بعض الافراد، أو بعض الاحوال، و هذا حسن، لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الاصل.

الثالث: الاستصحاب و مرجعه إلي أصالة عدم ارتفاع اثر العقد بمجرد فسخ احدهما و هذا حسن.

الرابع: المعني اللغوي بمعني (2) ان وضع البيع و بنائه عرفا و شرعا علي اللزوم و صيرورة المالك الأول كالاجنبي، و انما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لاحدهما أو لهما يسقط بالاسقاط، و بغيره، و ليس البيع كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب، بمعني كونه حكما شرعيا له اصلا و بالذات، بحيث لا يقبل الاسقاط.

______________________________

الاولي: للتعرض لمحتملات الاصل الواقع في كلمات الفقهاء.

الثانية: للتسهيل علي الطالب.

و كيف كان: فالاصل المزبور قابل لإرادة معان:

(1) الأول: الراجح المستند الي

الغلبة: ذكره في جامع المقاصد و فيه: انه ممنوع صغري و كبري،

اما الاولي: فلأن أغلب افراد البيع تنعقد جائزة من جهة خيار المجلس و غيره،

و اراد غلبة الازمان لا تنفع، فانها توجب الالحاق لو شك في لزوم فرد في زمان خاص،

لا فيما إذا شك في لزوم فرد في جميع الازمنة.

و أما الثانية: فلعدم الاساس لما اشتهر من ان الظن يلحق الشي ء بالاعم الاغلب.

(2) الثاني: المعني اللغوي، و هو ما يبني عليه الشي ء، بمعني ان وضع البيع و بنائه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 201

من هنا ظهر ان ثبوت خيار المجلس في اول ازمنة انعقاد البيع، لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا علي اللزوم، لأن الخيار حق خارجي قابل للانفكاك. نعم لو كان في اول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط، كان منافيا لبنائه علي اللزوم. فالاصل هنا، كما قيل نظير قولهم: ان الاصل في الجسم الاستدارة فإنه لا ينافي كون اكثر الاجسام علي غير الاستدارة لأجل القاسر الخارجي و مما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية حيث انكر هذا الاصل لأجل خيار المجلس، الا ان يريد ان الاصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء عدم اللزوم، و سيأتي ما فيه.

بقي الكلام في معني قول العلامة في القواعد و التذكرة انه لا يخرج من هذا الاصل (1) الا بأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب. فإن ظاهره ان ظهور العيب سبب لتزلزل البيع في مقابل الخيار، مع انه من اسباب الخيار و توجيهه بعطف الخاص علي العام، كما في جامع المقاصد (2) غير ظاهر، إذ لم يعطف العيب علي اسباب الخيار بل عطف علي نفسه و هو مباين له

لا أعم. نعم قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله و انما يخرج عن الاصل بأمرين:

______________________________

عرفا و شرعا علي اللزوم.

و احسن توجيه لذلك ما افاده السيد الفقيه رحمه الله، و هو: ان بناء العرف علي اللزوم،

فإذا ورد دليل الامضاء كفي.

و فيه انه لا ريب في ان بناء العرف علي اللزوم في موارد و عدمه في موارد اخر كما في المعيب و المغبون و شبههما، و عليه فإذا شك في مورد انه من قبيل الاول أو الثاني لا وجه للتمسك بعموم بناء العرف، إذ لا عموم له.

و ان قيل: انه يتمسك بعموم ادلة الامضاء.

يجاب عنه بانه تمسك حينئذ بالقاعدة المستفادة من العمومات و سيأتي الكلام فيها.

(1) قوله بقي الكلام في معني فول العلامة … انه لا يخرج من هذا الاصل الا بامرين و قد ذكر في توجيه قول العلامة وجوه.

(2) منها ان عطف ظهور العيب علي ثبوت الخيار من قبيل عطف الخاص علي العام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 202

احدهما: ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في احد العوضين بل للتروي خاصة.

و الثاني: ظهور عيب في احد العوضين، انتهي.

و حاصل التوجيه علي هذا ان الخروج عن اللزوم لا يكون الا بتزلزل العقد لاجل الخيار، و المراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين لا لاقتضاء نقص في احد العوضين و بظهور العيب ما كان الخيار لنقص

احد العوضين لكنه مع عدم تماميته تكلف في عبارة القواعد مع انه في التذكرة ذكر في الأمر الاول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد اسباب الخيار و جعل السابع منها خيار العيب، و تكلم فيه كثيرا و مقتضي التوجيه ان يتكلم في الأمر الأول

فيما عدا خيار العيب و يمكن توجيه ذلك بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار (1) فإن نفس ثبوت الارش بمقتضي العيب، و ان لم يثبت خيار الفسخ موجب لاسترداد جزء من الثمن، فالعقد بالنسبة الي جزء من الثمن متزلزل قابل لابقائه في ملك البائع و اخراجه عنه، و يكفي في تزلزل العقد ملك اخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه، و ان شئت قلت: ان مرجع ذلك الي ملك فسخ العقد الواقع علي مجموع العوضين من حيث المجموع، و نقض مقتضاه من تملك كل من مجموع العوضين في مقابل الآخر، لكنه مبني علي كون الارش جزءا حقيقيا من الثمن كما عن بعض العامة ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.

و قد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الارش كونه جزءا من الثمن، بل له ابداله، لأن الأرش غرامة، و حينئذ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلا في العقد، (2)

______________________________

و فيه ان المعطوف عليه ليس مطلق السبب- كما ان المعطوف ليس خيارا خاصا- بل المعطوف عليه مطلق الخيار و المعطوف سبب من اسبابه فلا يتم ذلك.

(1) و منها ما افاده العلامة رحمه الله، و حاصله ان العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار فان ثبوت الارش بمقتضي العيب موجب لاسترداد جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه فالعقد بالاضافة الي جزء من الثمن متزلزل و ان لم يثبت الخيار.

(2) و اورد المصنف عليه بانه ليس الارش جزءا حقيقيا من الثمن بل هو غرامة فلا يوجب ثبوته تزلزل العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 203

ثمّ ان الاصل بالمعني الرابع انما ينفع مع الشك في ثبوت خيار في خصوص البيع، لأن الخيار حق

خارجي يحتاج ثبوته الي الدليل. اما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم و الجواز فلا يقتضي ذلك الاصل لزومه لأن مرجع الشك حينئذ الي الشك في الحكم الشرعي. و أما الاصل بالمعني الاول فقد عرفت عدم تماميته. و أما بمعني الاستصحاب فيجري في البيع و غيره إذا شك في لزومه و جوازه. و أما بمعني القاعدة فيجري في البيع و غيره، لأن اكثر العمومات الدالة علي هذا المطلب يعم غير البيع. و قد اشرنا في مسألة المعاطاة إليها و نذكرها هنا تسهيلا علي الطالب.

فمنها قوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) دل علي وجوب الوفاء بكل عقد،

و المراد بالعقد مطلق العهد، كما فسر به في صحيحة ابن سنان المروية في تفسير علي بن ابراهيم،

______________________________

و الظاهر ان نظره قده الي ان العقد يقتضي اللزوم و كون احد العوضين فقط عوضا عن الآخر و المخرج عن الامر الاول هو الخيار و عن الثاني ظهور العيب فانه يوجب اخذ الارش مع المبيع.

و منها غير ذلك مما ذكره العلامة، مع ما يرد عليه و غيره

القاعدة المستفادة من العمومات

الثالث: القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها عند الشك.

(1) فمنها: قوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1».

و تقريب الاستدلال به: انه دل علي وجوب الوفاء بكل عقد، و المراد بالعقد مطلق العهد أو ما يسمي عقدا عرفا، و معني وجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه، فإذا دل العقد علي تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه، فاخذه منه بغير رضاه نقض لذلك، فهو حرام، فإذا حرم جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد- و من جملة ذلك التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاه- كان هذا لازما مساويا للزوم العقد.

______________________________

(1)

المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 204

أو ما يسمي عقدا لغة و عرفا، و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظية، نظير الوفاء بالنذر، فإذا دل العقد مثلا علي تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك، من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له،

فأخذه من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك، نقض لمقتضي «لمضمون» ذلك العهد فهو حرام.

فإذا حرم باطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد، و منها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه، كان هذا لازما مساويا للزوم العقد و عدم انفساخه بمجرد فسخ احدهما، فيستدل بالحكم التكليفي علي الحكم الوضعي اعني فساد الفسخ من احدهما بغير رضا الآخر، و هو معني اللزوم، بل قد حقق في الاصول ان لا معني للحكم الوضعي الا ما انتزع من الحكم التكليفي، و مما ذكرنا ظهر ضعف ما قيل

______________________________

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ان الوفاء انما يتعلق بالعهد و الالتزام، و هو انما يتعلق بامر اختياري مثل النذر، و لا يتعلق بما هو خارج عن تحت الاختيار كالملكية الي الأبد، فلا معني لوجوب الوفاء بمقتضي العقد.

و بعبارة اخري: ان وجوب الوفاء بشي ء فرع كونه تحت الاختيار و الملكية و بقائها الي الابد خارجة عن تحت اختيار المكلف، فلا يتعلق بها وجوب الوفاء، و هذه آية اختصاص الآية الشريفة بباب النذر و شبهه.

و فيه: ان الوفاء بمعني التمام أو ما يقاربه، و عليه فان كان العقد متعلقا بالفعل كان الوفاء به ايجاده، و ان كان متعلقا بالنتيجة كالعقد علي الملكية كان الوفاء به اتمامه و عدم رفع اليد عنه بحله و نقضه.

الثاني: ما عن المحقق الخراساني رحمه

الله، و هو: ان موضوع وجوب الوفاء هو العقد و بقائه بعد الفسخ مشكوك فيه، فالتمسك بعموم الآية من باب التمسك فيما لا يعلم انطباق المطلق عليه.

و فيه: انه لا كلام في بقاء العقد ما لم يفسخ، و عليه فالأمر بالوفاء ان كان ارشادا كان مدلول الآية المطابقي لزوم العقد و عدم تأثير الفسخ، و ان كان مولويا نفسيا كان عدم الفسخ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 205

(القائل هو العلامة في المختلف) من ان معني وجوب الوفاء بالعقد، العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز، فلا يتم الاستدلال به علي اللزوم. (1)

توضيح الضعف ان اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية للعقد، و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه، مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم هذا المعني اعني وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه، يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد،

مساويا للزوم و اضعف من ذلك ما نشاء من عدم التفطن لوجه دلالة الآية علي اللزوم، مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور، و هو ان المفهوم من الآية عرفا حكمان تكليفي و وضعي. و قد عرفت ان ليس المستفاد منها الا حكم واحد تكليفي يستلزم حكما وضعيا و من ذلك

______________________________

ايضا مامورا به، فلو حرم الفسخ لم يكن مؤثرا اجماعا.

مع ان حرمة الفسخ لو ثبتت فانما هي بمناط عدم ثبوت هذا الحق له، فيكون من قبيل حرمة الظلم، و من عدم الحق يستكشف عدم تأثيره.

(1) الثالث: ما عن العلامة في المختلف، و هو: ان معني وجوب الوفاء بالعقد العمل بما يقتضيه من لزوم أو جواز، فلا يتم الاستدلال به علي اللزوم.

و فيه: ان العقد الجائز لا يجب الوفاء به لجواز فسخه و حله، فمن الوجوب يستكشف كونه

لازما.

مع ان الجواز و اللزوم من احكام العقد لا من منشآت المتعاقدين، و لذا لو اوقعا العقد اللازم غير قاصدين للزوم بل للجواز اتصف العقد به.

الرابع: ما افاده السيد الفقيه رحمه الله، و هو: ان العقد بمعني العهد، و هو يشمل التكاليف الالهية و العهد الذي بين الخالق و المخلوق كالنذر و ما يكون بين المخلوقين بعضهم مع بعض،

و حينئذ يدور الأمر بين حمل الأمر علي الوجوب فيكون خروج العقود الجائزة و المستحبات من باب التخصيص، و حمله علي القدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب فيسقط الاستدلال، و حيث انه يبعد خروج المستحبات علي كثرتها فيتعين الثاني:

و فيه: اولا: ستعرف عدم كون العقد بمعني العهد.

و ثانيا: ان الالتزام بالتخصيص لا محذور فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 206

و من ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالي: (احل الله البيع علي) اللزوم (1) فإن حلية البيع التي لا يراد منها الا حلية جميع التصرفات المترتب عليه التي منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضاء الآخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ و كونه لغوا غير مؤثر،

______________________________

و ثالثا: ان الوجوب و الاستحباب خارجان عن حريم الموضوع له و المستعمل فيه،

و انما ينتزعان من الترخيص في الترك و عدمه، و عليه فعدم اللزوم في بعض الموارد للترخيص في الترك لا يوجب الالتزام بالتخصيص و لا بعدم اللزوم في الموارد التي لم يرد فيها ذلك.

فتحصل: ان شيئا من هذه الايرادات لا يتم.

و لكن يرد عليه امور:

الأول: ان العقد غير العهد، إذ العهد هو الجعل و القرار، و العقد هو ربط شي ء بشي ء،

و هو في اصطلاح الفقهاء في قبال الايقاع، فالعقد انما يطلق علي البيع باعتبار ارتباط اعتبار كل

من المتعاقدين بالآخر.

الثاني: ان الوفاء عبارة عن التمام، فالايفاء هو الاتمام و الانهاء.

الثالث: ان الأمر به ارشاد الي اللزوم، و لا يكون حكما تكليفيا، و ان كان علي هذا ايضا تدل الآية علي اللزوم، و قد تقدم تفصيل القول في كل واحد من هذه الامور في مبحث المعاطاة في الجزء الثالث و علي ما ذكرناه دلالة الآية علي اللزوم اظهر.

(1) و منها: قوله تعالي (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) «1» و قد ذكر المصنف رحمه الله في وجه دلالة الآية الشريفة علي اللزوم: ان الحلية المستندة الي البيع ظاهرة في التكليفية لا سيما بواسطة مقابلة ذلك بحرم الله الربا، و حيث انه لاموهم لحرمة البيع- لا بما هو فعل و لا بما هو تسبيب للملك- فلا بد من تقدير التصرفات، و من حلية التصرفات يستكشف صحة البيع، اما من جهة انها تدل علي حلية التصرفات المترتبة علي البيع- و مرجع ذلك الي حلية الاكل من هذا السبب- و لازم ذلك عرفا ثبوت الملكية و أما من جهة ان حلية التصرفات

______________________________

(1) سورة البقرة آية 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 207

______________________________

المتوقفة علي الملك كالبيع و الوطء و نحوهما من آثار الملك، فإذا دلت الآية علي جوازها دلت بالملازمة العقلية علي الملكية، أو من جهة الملازمة العرفية بين حلية التصرفات و نفوذ البيع.

و مقتضي اطلاق الآية حلية التصرفات بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضا الآخر،

و هذا يستلزم عدم تأثير الفسخ و كونه لغوا، و هو لازم اللزوم.

و هو قدس سره بعد اسطر اورد علي هذا الوجه: بان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة باطلاق الآية، فلا يمكن التمسك في رفعه بالاطلاق.

و في كلامه مواقع للنظر:

الاول: ما افاده

من: ان المراد بالحلية الحلية التكليفية، فانه يرد عليه: ان الظاهر: منها من جهة استنادها الي البيع هي الوضعية منها، و هكذا في الحرمة المنسوبة الي الربا، و عليه فتدل الآية الشريفة علي صحة البيع و نفوذه بالمطابقة بلا نظر لها الي اللزوم.

الثاني: ما افاده من تقدير التصرفات، فانه يرد عليه: انه لا وجه لذلك سوي توهم انه لا موجب لحرمة البيع بما هو عمل من الاعمال، فيتعين التقدير، و هذا عليل، فان البيع من حيث انه يتوصل به الي التصرفات قابل لان يكون حلالا و حراما، و عليه فلا وجه للتقدير، و علي هذا فيستكشف من حلية البيع بهذا المعني نفوذه و صحته، إذ لو لا نفوذه لم يكن وجه للترخيص فيه.

الثالث: ما اورده علي نفسه، فانه يرد عليه: انه لو قدر التصرفات و كان مقتضي اطلاق الآية حلية التصرفات بعد الفسخ لم يكن الشك في تأثير الفسخ مانعا عن ذلك، فان التمسك بالاطلاق انما يكون لدفع مثل هذا الشك.

و المحقق النائيني رحمه الله وجه ايراد المصنف رحمه الله: بان القيود الراجعة الي الموضوع يمكن ان يكون الحكم بالنسبة إليها مطلقا أو مقيدا، و أما حالات نفس الحكم فلا يمكن ان يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 208

و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم بإطلاق حلية اكل المال بالتجارة عن تراض، (1) فإنه يدل علي ان التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق حتي بعد فسخ احدهما من دون رضاء الآخر، فدلالة الآيات الثلاث علي أصالة اللزوم علي نهج واحد لكن يمكن ان يقال: انه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة باطلاق الآيتين الاخيرتين، لم يمكن التمسك في رفعه الا بالاستصحاب

و لا ينفع الاطلاق. (2)

______________________________

الحكم بالنسبة إليها مطلقا و لا مقيدا، فضلا عن ان يكون مطلقا أو مقيدا، بالاضافة الي رافعه، إذ المحكوم ليس ناظرا الي نفسه، فضلا عن ان يكون مطلقا بالنسبة الي حاكمه،

و في المقام الفسخ لو كان مؤثرا لكان رافعا لأصل الحلية، و لا إطلاق لها بالنسبة الي رافعها.

و فيه: اولا: ان المصنف رحمه الله صرح بالاطلاق.

و ثانيا: ان الفسخ لو كان مؤثرا لكان رافعا لمنشإ الحلية و هو البيع و العقد لا للحكم نفسه، و اطلاق الحكم بالنسبة الي رافع منشئه كسائر حالاته امر ممكن.

و ثالثا: ان هذا الوجه يجري في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بان يقال: ان الفسخ لو كان مؤثرا لكان رافعا لوجوب الوفاء، فلا يمكن ان يكون ما دل عليه مطلقا بالنسبة الي رافعه.

و قد ظهر مما ذكرناه دلالة الآية الشريفة علي نفوذ البيع و صحته دون لزومه.

(1) قال المصنف رحمه الله: و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم باطلاق حلية اكل المال بالتجارة عن تراض «1»

تقريب الاستدلال به: ان الاكل الذي رخصه الشارع عنوان للتصرفات المترتبة علي المعاملة لا لنفسها- لما تقدم- فمن جوازه يستكشف نفوذ المعاملة، و من اطلاقه- لما بعد الفسخ- يستكشف اللزوم.

(2) ثمّ اورد عليه بما اورده علي سابقه.

و فيه: اولا: ان الاكل في صدر الآية كناية عن التملك، فكذلك في المستثني، فالمرخص فيه هو التملك.

و ثانيا: ان الايراد غير تام كما تقدم.

______________________________

(1) سورة النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 209

و منها قوله تعالي: (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) (1) دل علي حرمة الاكل بكل وجه يسمي باطلا عرفا، و موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل،

فإن اكل المارة من ثمرة الاشجار التي تمر بها

باطل لو لا اذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه، و كذلك الأخذ بالشفعة و الخيار، فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوي الخيار و الشفعة، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإن اخذ مال الغير و تملكه من دون اذن صاحبه باطل عرفا، (2) نعم لو دل الشارع علي جوازه، كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين

______________________________

و المصنف قد استدل بالآية الشريفة علي اللزوم بطريق آخر ذكره في المعاطاة، و قد تعرضنا له هناك و بينا عدم تماميته فراجع.

(1) و منها: قوله تعالي (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) «1» تقريب الاستدلال به علي اللزوم وجهان:

(2) الأول: ان الأكل المنهي عنه كناية عن التصرف المعاملي، و هو التملك، فيدل علي النهي عن التملك بالباطل، و منه اخذ مال الغير و تملكه من دون اذن صاحبه.

و فيه: اولا: ان المراد بالباطل اما هو الباطل العرفي أو الشرعي أو الفاسد الخالي عن الأثر الذي لا يختلف معناه عرفا و شرعا، و انما الاختلاف بينهما في المصداق،

اما علي الأول- الذي هو اساس الاستدلال-: فحيث ان اذن المالك الحقيقي موجب للخروج عن كونه باطلا و في المقام، يحتمل الاذن في الفسخ، فلا محالة يشك في صدق الباطل عليه، و معه لا يبقي مورد للتمسك باطلاق الحكم.

و أما علي الاخيرين فالشك في صدق الموضوع اظهر.

و ثانيا: انه يحتمل اختصاص الآية بالمعاوضات من جهة التعبير باموالكم بينكم الظاهر في اعطاء مال واخذ مال، و الرجوع ليس منها، فانه رد للملك و يستتبع ذلك رجوع العوض لا انه تملك بعوض.

و ثالثا: ان الفسخ حل للعقد فلا تشمله الآية لعدم كونه سببا

للاكل بل هو رافع

______________________________

(1) سورة النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 210

و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلي الله عليه و آله: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه (1)

______________________________

للسبب المملك و بعده يكون الملك بالسبب الأول.

الوجه الثاني: ان الاكل المنهي عنه كناية عن التصرفات، فتدل الآية علي عدم جواز التصرفات بعد السبب الباطل و منه الرجوع و الفسخ.

و يرد عليه ما اوردناه علي الوجه الأول.

(1) و منها: قوله صلي الله عليه و آله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه «1»

و تقريب الاستدلال به من وجهين:

الاول: ان الخبر يدل علي عدم حلية مال الغير بغير رضاه، و حيث انه لا معني لحرمة المال، و تقدير تصرف دون آخر ترجيح بلا مرجح، فتقدر جميع التصرفات و منها الفسخ و من حرمته يستكشف عدم تأثيره و فيه اولا ان الحرمة حيث استندت الي المال تكون ظاهرة في ارادة حرمة التصرفات الخارجية المتعلقة به، و لا تشمل التصرف الاعتباري.

و ثانيا: ان حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها كما تقدم في اول الجزء الثالث من هذا الشرح.

الثاني: انه يدل علي حرمة التصرفات في مال الغير بغير رضاه، و مقتضي اطلاقه حرمتها حتي بعد الفسخ، و لازم ذلك عدم تأثير الفسخ.

و فيه: انه حيث يحتمل تأثير الفسخ فيحتمل عدم كونه مال الغير بعد الفسخ، و معه لا مورد للتمسك باطلاق الحكم.

______________________________

(1) هذا المضمون في كثير من الأخبار راجع الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي- و المستدرك ج 9 ص 212

و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 211

و منها قوله: الناس مسلطون علي أموالهم، فإن مقتضي السلطنة التي امضاها الشارع: ان لا يجوز اخذه من

يده و تملكه عليه من دون رضاه، (1) و لذا استدل المحقق في الشرائع علي عدم جواز رجوع المقرض فيما اقرضه بأن فائدة الملك التسلط، و نحوه العلامة في بعض كتبه.

و الحاصل ان جواز العقد الراجع الي تسلط الفاسخ علي تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره واخذه منه بغير رضاه مناف لهذا العموم.

و منها قوله صلي الله عليه و آله: المؤمنون عند شروطهم. (2) و قد استدل به علي اللزوم غير واحد منهم المحقق الاردبيلي قدس سره بناء علي ان الشرط مطلق الالزام و الالتزام و لو ابتداء من غير ربط بعقد آخر، فإن العقد علي هذا شرط فيجب الوقوف عنده و يحرم التعدي عنه

______________________________

(1) و منها: قوله عليه السلام: الناس مسلطون علي اموالهم «1».

هذه الرواية و ان كانت ضعيفة السند الا ان ضعفها مجبور بالعمل،

و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي ثبوت السلطنة التامة للمالكين علي اموالهم،

و من مقتضيات السلطنة التامة رفع مزاحمة الاجانب و منهم المالك الاول، و لازمه عدم تأثير فسخه.

و بعبارة اخري: خروج المال عن ملكه بغير رضاه مناف للسلطنة.

و اورد عليه بايرادات-: و قد ذكرناها مع اجوبتها في مبحث المعاطاة.

و الحق في الجواب عنه: انها تدل علي ثبوت السلطنة ما دام كونه مالا له و لا تدل علي تسلطه علي ابقاء الموضوع و كون بقائه تحت اختياره كي تكون ازالته منافية للسلطنة الثابتة له فتدبر- و تمام الكلام في ذلك المبحث كما ان التقريب الآخر لدلالتها علي ذلك مع جوابه مذكوران هناك فراجع.

(2) و منها: قوله صلي الله عليه و آله المؤمنين عند شروطهم «2».

و تقريب الاستدلال به: ان الشرط هو مطلق الالزام، و الالتزام و لو ابتداء

من غير ربط

______________________________

(1) البحار ج 1- ص 154 الطبع القديم- و ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و فيها المسلمون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 212

فيدل علي اللزوم بالتقريب المتقدم في: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية، بل المتبادر عرفا هو الالزام التابع، كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتي في مثله قوله عليه السلام في دعاء التوبة: و لك يا رب شرطي ان لا أعود في مكروهك و عهدي ان اهجر جميع معاصيك، و

قوله عليه السلام في اول دعاء الندبة: بعد ان شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا

كما لا يخفي علي من تأملها مع ان كلام بعض اهل اللغة يساعد علي ما ادعيناه من الاختصاص. ففي القاموس:

الشرط الزام الشي ء و التزامه في البيع و نحوه و منها الاخبار المستفيضة في أن

البيعين بالخيار ما لم يفترقا

، (1) و انه

إذا افترقا

وجب البيع

، و انه

لا خيار لهما بعد الرضا

. فهذه جملة من العمومات الدالة علي لزوم البيع عموما أو خصوصا.

______________________________

بعقد آخر، و عليه فالعقد شرط يجب الوقوف عنده، و يحرم التعدي عنه، فيدل علي اللزوم بالتقريب المتقدم في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

و لكن تمامية الاستدلال به تتوقف علي امرين: صدق الشرط علي المعاملات كالبيع،

و دلالته علي اللزوم.

اما الأول: فمضافا الي ما سيأتي في مبحث الشروط من عدم صدقه علي الالتزامات المعاملية: انه يعتبر في صدقه كون الالتزام في ضمن التزام، و هو لا يصدق علي الالتزام الابتدائي. و بعبارة اخري: الشرط هو الالتزام التابع كما يظهر لمن راجع موارد استعماله، و لذا قال في محكي القاموس: الشرط الزام الشي ء أو التزامه في البيع و نحوه و أما

الثاني: فالاظهر انه انشاء حكم تكليفي لا وضعي، إذ مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن شرطه، و هذا ليس صفة في الشرط كي يكون ذلك ارشادا الي صحته أو لزومه،

بل هو صفة في المؤمن فلا محالة يكون ظاهرا في كونه امرا بالوفاء بالشرط تكليفا، و عليه فيجري فيه ما ذكرناه في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

(1) و منها: الاخبار المستفيضة في ان

البيعين بالخيار «1» ما لم يفترقا

و انه إذا افترقا وجب البيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 213

و قد عرفت ان ذلك مقتضي الاستصحاب (1) ايضا، و ربما يقال ان مقتضي الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، فإن الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع، و هذا الاستصحاب حاكم علي الاستصحاب (2) المتقدم المقتضي للزوم. و رد بأنه ان اريد بقاء علاقة الملك أو علاقة يتفرع علي الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك، و ان أريد بها سلطنة اعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك (3) و انما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل، فإذا فقد الدليل فالاصل عدمها

______________________________

و اورد علي هذا الوجه:

بان هذه النصوص تدل علي اللزوم الحيثي لا اللزوم من جميع الجهات، و لذا لا تنافي ثبوت خيار الحيوان و الشرط و نحوهما.

و بانها في مقام جعل الخيار لا جعل اللزوم، فلا وجه للتمسك باطلاقها من هذه الجهة.

و لكن يرد علي الاول: انه خلاف اطلاق النصوص.

و علي الثاني: انها في مقام بيان الجواز قبل التفرق و اللزوم بعده، و لذا في بعض تلك النصوص

قال عليه السلام بعد ذلك: فإذا افترقا فلا خيار لهما.

الاستدلال للزوم بالاستصحاب

(1) و ربما يستدل علي اللزوم بالاستصحاب.

بتقريب: ان

مقتضي الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، و قد اشبعنا الكلام في هذا الاستصحاب و ما يمكن، ان يورد عليه في مبحث المعاطاة، و انما نذكر في المقام الاشكال الذي لم يذكره المصنف رحمه الله هناك و ذكره في المقام، و هو.

(2) ان هذا الاصل محكوم باستصحاب بقاء علقة المالك الأول.

و استصحاب بقاء حق الفسخ الثابت في زمان ثبوت خيار المجلس.

(3) و اجاب المصنف رحمه الله عن الأول: بانه ان اريد بقاء علاقة الملك أو علاقة تتفرع علي الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك، و ان اريد بها سلطنة اعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 214

و ان أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع، فإنها تستصحب عند الشك،

فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار، كما يقال الاصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف، ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس (1)

______________________________

توضيح ما افاده:

انه ربما يتوهم ان الملكية و ان كانت امرا اعتباريا الا انها ليست بسيطة، بل هي ذات مراتب، فإذا انتقلت العين عن الشخص بنحو ليس له ارجاعها الي ملكه الا بعقد جديد فقد انقطعت العلاقة بالمرة، و إذا انتقلت بنحو له ارجاعها الي ملكه متي ما شاء فقد بقيت مرتبة منها.

فلو شك في الجواز و اللزوم يشك في ان علقة المالك الاول هل انقطعت بالمرة ام بقيت مرتبة ضعيفة منها فيستصحب بقائها بعد كون قوة العلاقة و ضعفها من مراتب شي ء واحد،

فإذا جري هذا الاصل لا يبقي شك في بقاء الملك كي يستصحب، فان الشك في بقائه بعد الرجوع مسبب عن الشك في ثبوت

هذا الحق و عدمه.

و ربما يتوهم ان للشخص سلطنة علي ماله و سلطنة علي تسليط الغير عليه حدوثا و بقاء و بالبيع زالت السلطنة عليه، و كذلك السلطنة علي تسليط الغير حدوثا. اما السلطنة علي تسليط الغير بقاء فهي مشكوكة الارتفاع فيستصحب بقائها، و نتيجة ذلك جواز رفع سلطنة الغير بالفسخ.

و كلاهما فاسدان:

اما الأول: فلأن الملكية التي هي امر اعتباري و من سنخ الوجود بسيطة و ليست ذلت مراتب و هي قد زالت بالبيع و لم يبق منها شي ء.

مع انه لو سلم كونها ذات مراتب- حيث ان ما يبقي بعد العقد الجائز مباين مع الملكية، و لذا تري ان خيار المجلس بنظر العرف مغاير مع الملكية- فلا يجري الاستصحاب.

و أما الثاني: فلأن السلطنة علي رد الملك سلطنة جديدة ان ثبتت، فانها تثبت في ظرف عدم الملك فكيف تكون من آثار الملك و اجاب المصنف عن الاصل الثاني بوجوه.

(1) الاول ان الدليل اخص من المدعي لعدم جريانه في غير البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 215

بل مطلقا بناء علي ان الواجب هنا الرجوع في زمان الشك الي عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) لا الاستصحاب انه لا يجدي بعد تواتر الاخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق، (2) فيبقي ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم، فتأمل.

______________________________

(1) الثاني: ان الواجب هنا الرجوع في زمان الشك الي عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1»

لا الاستصحاب.

و أورد عليه: بان (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث لا عموم زماني له فلا يكون هو المرجع في زمان الشك، بل المرجع استصحاب حكم الخاص علي ما اسسه في الاصول.

و يمكن دفعه بان ذلك يتم في ما إذا كان خروج الفرد في الاثناء لا من الاول كما في المقام، و الا فالمرجع عموم العام و

تمام الكلام في محله.

(2) الثالث: انه لا يجدي بعد تواتر الاخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق.

و اورد عليه: بان الكلام انما هو مع قطع النظر عن الادلة الاجتهادية،

مع ان هذه الاخبار كما توجب عدم جريان هذا الاصل توجب عدم جريان الاصل المحكوم ايضا.

و فيه: ان ما يثبت بهذه النصوص هو زوال ذلك الحق الثابت في المجلس، و أما زوال الحق الآخر المشكوك الحدوث فهي لا تدل عليه،

و حيث انه يحتمل ذلك فان قلنا بان الخيار واحد و ان تعددت اسبابه يجري استصحاب بقاء الخيار الشخصي الثابت سابقا،

و ان قلنا بتعدده بتعدد اسبابه فيمكن اجراء استصحاب الكلي الجامع بينهما، فانه و ان كان من قبيل القسم الثالث من اقسام الكلي الا انه حيث يحتمل حدوث فرد آخر مقارنا لحدوث المتيقن يجري استصحاب الكلي علي مسلك المصنف رحمه الله.

و لكن المختار عدم جريان الاستصحاب فيه حتي في هذا الفرض فلا يجري الاصل المزبور في المقام.

فتحصل: ان الاستصحاب ايضا من ادلة اللزوم.

______________________________

(1) سورة المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 216

ثمّ أنه يظهر من المختلف في مسألة ان المسابقة لازمة أو جائزة، ان الأصل عدم اللزوم، (1) و لم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2)

و لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الاصل، نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه، مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا «تسليما (3)» ليكون الاصل بقاء ذلك الاثر و عدم زواله بدون رضا الطرفين، ثمّ ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم انما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم، و يجري ايضا فيما إذا شك في عقد خارجي انه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز، بناء علي

ان المرجع في الفرد المردد بين عنواني العام، و المخصص الي العموم. و أما بناء علي خلاف ذلك، فالواجب الرجوع عند الشك في اللزوم الي الاصل، بمعني استصحاب الأثر و عدم زواله بمجرد فسخ احد المتعاقدين، الا ان يكون هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز

______________________________

(1) و قد افاد العلامة في مسألة المسابقة عند الشك في انها جائزة أو لازمة انها غير لازمة لأصالة عدم اللزوم،

(2) و رده من تأخر عنه بعموم آية الوفاء بالعقد «1» و المصنف رحمه الله استحسن الاصل المزبور في بعض الابواب قال.

(3) نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا و اورد عليه المحقق الايرواني، مضافا الي ان غاية ما ذكره بطلان استصحاب بقاء الاثر بعد الفسخ الذي هو معني اصالة اللزوم لا صحة اصالة الجواز.

بانه بناء علي جريان الاستصحاب التعليقي يجري الاستصحاب في المقام: فانه يجري استصحاب بقاء استحقاق العوض لو سبق الثابت قبل الفسخ و يحكم بانه يستحق العوض لو سبق بعد الفسخ ثمّ ناقش قده فيه: بان المختار عدم جريان الاستصحاب التعليقي.

و فيه: ان هذا الاستصحاب يجري و ان بنينا علي عدم جريان الاستصحاب التعليقي من جهة ان الاستصحاب التعليقي المصطلح انما هو فيما لو تحقق احد جزئي موضوع الحكم كالعصير العنبي ثمّ حين ما تحقق الجزء الآخر شك في الحكم من جهة الشك في بقاء الجزء الاول لاحتمال التبدل، و في المقام ليس كذلك، بل المتيقن هو انشاء تمليك علي تقدير السبق

______________________________

(1) سورة المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 217

كما إذا شك في ان الواقع هبة أو صدقة. فإن الأصل عدم قصد القربة، فيحكم بالهبة الجائزة، (1) لكن الاستصحاب المذكور

انما ينفع في اثبات صفة اللزوم.

و أما تعيين العقد اللازم حتي يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا اريد تعيين البيع عند الشك فيه و في الهبة فلا، بل يرجع في اثر كل عقد الي ما يقتضيه الاصل بالنسبة إليه، فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض، حكم بالبراءة (2) التي هي

من آثار الهبة

______________________________

و المشكوك فيه بقاء هذا الاثر و ارتفاعه عن موضوعه، فيجري الاصل فيه، و نظير المقام ما لو شك في وجوب الحج علي المستطيع.

و بالجملة: ما نحن فيه من قبيل الشك في بقاء التكليف المنشأ علي الموضوع المقدر وجوده فيجري الاصل، و هذا غير الاستصحاب التعليقي المصطلح الذي ليس الشك فيه في بقاء الجعل.

و لا يخفي ان ما ذكرناه من دلالة العمومات علي اصالة اللزوم انما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم.

و أما إذا كان الشك في عقد خارجي انه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز فلا مورد للتمسك بالعمومات فيتعين حينئذ الرجوع الي الاستصحاب، الا ان يكون هناك اصل حاكم ففي المتن.

(1) كما إذا شك في ان الواقع هبة أو صدقة فان الاصل حينئذ عدم قصد القربة فيحكم بالهبة الجائزة.

و لكن يتم ذلك بناء علي كون الهبة و الصدقة حقيقة واحدة و الفرق بينهما انما هو من قبيل الفرق بين الماهية بشرط لا و الماهية بشرط شي ء، فالتمليك المجاني المجرد عن قصد القربة هبة، و التمليك المجاني الذي قصد به القربة صدقة، إذ عليه تكون اصالة عدم قصد القربة نافية للزوم المترتب علي الصدقة.

و أما بناء علي ما مال إليه في الجواهر من كونهما حقيقتين متباينتين فلا اصل لهذا الاصل و تمام الكلام في محله.

(2) قوله فإذا شك في اشتغال

الذمة بالعوض حكم بالبراءة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 218

و إذا شك في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان، لعموم علي اليد ان كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة، (1) و ان كان المستند دخوله في ضمان العين (2) أو قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا لها كان الاصل البراءة أيضا.

القول في اقسام الخيار

اشارة

و هي كثيرة الا ان اكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة، (3) و قد انهاها بعضهم الي ازيد من ذلك، حتي ان المذكور في اللمعة مجتمعا اربعة عشر، مع عدم ذكره لبعضها، و نحن نقتفي أثر المقتصر علي السبعة كالمحقق و العلامة قدس سره، لأن ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا، إذ ليس له احكام مغاير لسائر انواع الخيار، فنقول و بالله التوفيق

______________________________

الا ان يحصل العلم الاجمالي بالمخالفة القطعية من جريان اصالة اللزوم و اصالة البراءة معا كما لو شك في ان الواقع هبة أو بيع فان مقتضي اصالة اللزوم عدم رجوع العين الي مالكها الاول بعد الفسخ و مقتضي اصالة البراءة عدم استحقاقه العوض مع انه يعلم اجمالا اما باستحقاقه العوض أو رجوع ماله إليه بالفسخ فلا يجري شي ء من الاصلين.

(1) قوله لعموم علي اليد «1» ان كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة التمسك به في المقام مبني علي جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لانه قد خرج عنه ما إذا كانت اليد بعنوان تسليط المالك مجانا- و حيث ان المختار عدم جوازه فلا يجوز التمسك به في المقام اللهم الا ان يقال ان الخارج عن العموم ليس هو التسليط المجاني بهذا العنوان بل بعنوان اسقاط المالك احترام ماله- و

عليه- فاحترام المال معلوم و سقوطه مشكوك فيه و الاصل عدمه.

(2) قوله و ان كان المستند دخوله في ضمان العين و قد تقدم في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ان الاقدام علي الضمان ليس دليلا مستقلا للضمان.

(3) قوله و هي كثيرة الا ان اكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة و الحق في بيان الجامع لها ان الخيار تارة يكون بجعل الشارع ابتداء و مطلقا

______________________________

(1) المستدرك- باب 1- من كتاب الوديعة، كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 219

الاول في خيار المجلس:
اشارة

فالمراد بالمجلس، مطلق مكان المتبايعين حين البيع، (1) و إنما عبر بفرده الغالب و إضافة الخيار إليه لاختصاصه به و ارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق،

______________________________

كخيار المجلس و الحيوان، و اخري: يكون بجعل من المتعاملين مثل شرط الخيار،

و ثالثة: يكون وسطا بينهما بان يلتزم المتبايعان في ضمن العقد وجود شرط أو وصف،

أو عدمه، أو عمل خارجي و تبين خلافه، فانه يثبت لمن له الالتزام الخيار حينئذ، و الكلام يقع اولا فيما يكون بجعل شرعي ابتداء.

خيار المجلس

(1) قال المصنف رحمه الله فالمراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين.

و لكن: ليس في ادلة هذا الخيار لفظ المجلس و لامكان المتبايعين،

بل في النصوص جعل هذا الخيار مغيا بالافتراق، و يستظهر من ذلك اعتبار الاجتماع العرفي في جانب المغيا،

فلو لم يكن بينهما اجتماع حال البيع لم يكن هناك خيار،

كما لو أوقعا العقد بواسطة التلفون مع كون كل منهما في بلد غير بلد الآخر.

نعم حيث يكون المراد الاجتماع بالابدان فيكون المراد الاجتماع من حيث المكان،

و حيث ان الغالب من مكان الاجتماع كونه محلا للجلوس فلذا عبر بخيار المجلس،

و علي هذا فكما لا يعتبر المجلس لا يعتبر مكان البيع، بل لو

افترقا عن مكان البيع مع بقاء اجتماع المتبايعين و عدم تفرق احدهما عن صاحبه كان الخيار باقيا،

فهذا الخيار خيار الاجتماع في المجلس و اضافته الي الاجتماع اضافة المسبب الي سببه،

و يعبر عن سببه بمحل سببه من باب تنزيل المحل منزلة المحال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 220

و لا خلاف بين الامامية في ثبوت هذا الخيار، (1) و النصوص به مستفيضة،

و الموثق الحاكي لقول علي عليه السلام إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب مطروح أو مؤول و لا فرق بين اقسام البيع و انواع المبيع، نعم سيجي ء استثناء بعض اشخاص المبيع كالمنعتق علي المشتري، و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل.

______________________________

(1) و في الجواهر: اجماعا منا بقسميه، و النصوص المستفيضة شاهدة به، لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: البيعان بالخيار حتي يفترقا: الحديث «1» و نحوه صحيح زرارة عنه عليه السلام «2».

و صحيح الفضيل عنه عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟

قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «3». و نحوها غيرها.

و أما موثق غياث عن جعفر عن ابيه عن الامام علي عليهم السلام: إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و ان لم يفترقا «4» فربما يحمل علي التقية.

و اورد عليه: بان الخبر علوي، و موجب التقية حدث في عصر الامامين الصادقين عليهما السلام و دفع بان الحاكي لهذه الرواية حيث انه الامام الصادق عليه السلام فيمكن التقية في مقام الحكاية و الرواية عن الامير عليه السلام.

و فيه: ان التقية في مقام الحكاية بمعني نقل جملة عن شخص مع

عدم صدورها منه و كونه كذبا غير معهود،

و لعل احسن الوجوه ما افاده بعضهم من ان المراد من الصفق علي المبيع هو الصفق بعنوان الالتزام بالمبيع لا الصفق المحقق للبيع، كيف و موضوعه المبيع، فيكون البيع محققا قبله.

انتهي

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 2.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

(4) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 221

[مسائل في خيار المجلس]
مسألة: لا اشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا اصيلين،
اشارة

و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة. (1) و هل يثبت لهما مطلقا خلاف، قال في التذكرة: لو اشتري الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان تعلق الخيار بهما و بالموكلين مع حضورهما في المجلس، و الا فبالوكيلين فلو مات الوكيل في المجلس و الموكل غائب انتقل الخيار إليه، لأن ملكه اقوي من ملك الوارث. و للشافعية قولان:

احدهما: انه يتعلق بالموكل، و الآخر انه يتعلق بالوكيل، انتهي.

اقول: و الاولي ان يقال ان الوكيل ان كان وكيلا في مجرد اجراء العقد، فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما وفاقا لجماعة، منهم المحقق و الشهيد الثانيان، لأن المتبادر من النص غيرهما و ان عممناه لبعض افراد الوكيل، و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه

______________________________

و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل.

ثبوت الخيار للوكيل

(1) الاولي: لا خلاف و لا إشكال في ثبوت هذا الخيار للمتبايعين إذا كانا اصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة، الا ما عن المحقق الثاني في جامع المقاصد من انكار ثبوته للوكيل بقول مطلق.

و كيف كان: فيقع الكلام في مقامين:

الاول: في ثبوت الخيار للوكيل.

الثاني: في ثبوته للموكل.

اما المقام الاول فتوضيحه: ان الوكيل قد يكون وكيلا في اجراء الصيغة خاصة، و قد يكون وكيلا مستقلا في ايجاد المعاملة فقط، و قد يكون وكيلا مستقلا في امر المعاملة ايجادا و فسخا- علي كلام في معقوليته سيجي ء- و قد يكون وكيلا مفوضا إليه امر المعاملة وجودا و عدما ان شاء باع و ان شاء لم يبع.

اما القسم الاول: فقد استدل لعدم ثبوت الخيار له في قبال ما قيل من صدق البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 222

بحكم الغلبة الي خصوص العاقد المالك، مضافا الي ان مفاد ادلة

الخيار اثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل الي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه،

علي ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج، (1)

أ لا تري انه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو اعتاقه لنذر، فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه، لأدلة الخيار بزعم اثباتها للخيار المستلزم لجواز رده علي البائع و عدم وجوب عتقه

______________________________

عليه فتشمله ادلة الخيار بوجوه.

(1) احدها: ما افاده المصنف رحمه الله و تفرد به و هو: ان مفاد ادلة الخيار اثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل الي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه علي ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج.

و فيه: ان الخيار اما ان يكون سلطنة علي حل العقد، أو علي تراد العوضين، و علي التقديرين ليس هو سلطنة علي خصوص الاسترداد بعد ثبوت السلطنة علي الرد.

اما علي الاول: فواضح،

و أما علي الثاني: فلأنه لا موجب للالتزام بكونه سلطنة علي الاسترداد خاصة سوي ان المالك و الوكيل المفوض، لهما السلطنة علي الرد بالاقالة و نحوها، فلا معني لجعل الخيار لهما الا السلطنة علي الاسترداد.

و حيث انه لا يعقل السلطنة علي الاسترداد دون الرد فلا محالة يكون الخيار مجعولا لمن له سلطنة علي الرد،

و هو توهم فاسد:

لان الرد بما انه له مصاديق و ما يكون ثابتا للمالك بعضها، فجعل الخيار بمعني السلطنة علي الرد و الاسترداد بلا اعتبار رضا الآخر لا يلزم منه اللغوية، و عليه فالخيار هو السلطنة علي تراد العينين لا علي جلب ما ذهب خاصة.

ثمّ ان المحقق النائيني رحمه

الله وجه كلام المصنف رحمه الله بما سنذكره في الوجه السابع. فانتظر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 223

هذا مضافا الي ملاحظة بعض اخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه و بين خيار الحيوان (1) الذي لا يرضي الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة، فان المقام و ان لم يكن من تعارض المطلق و المقيد الا ان سياق الجميع يشهد باتحاد المراد من لفظ المتبايعين مع ان ملاحظة حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور (2) مضافا الي ادلة سائر الخيارات. (3) فان القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.

و الظاهر عدم دخوله في اطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة، فان الظاهر من قوله: اشتري الوكيل أو باع تصرف الوكيل بالبيع و الشراء لا مجرد ايقاع الصيغة.

و من جميع

______________________________

(1) ثانيها: ما افاده المصنف رحمه الله تبعا لغيره، و هو: ان بعض «1» اخبار هذا الخيار قد قرن فيه بينه و بين خيار الحيوان الذي لا يلتزم الفقيه بثبوته للوكيل في اجراء الصيغة،

و ظاهر ذلك من جهة وحدة السياق كون موضوع الخيارين واحدا.

و فيه: ان الموجب لاختصاص خيار الحيوان بغير الوكيل ما في بعض «2» رواياته من جعل الخيار لخصوص صاحب الحيوان لا اختصاص الموضوع به.

(2) ثالثها: ما في المكاسب ايضا، و هو: ان ملاحظة حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور.

و فيه: ان الحكمة غير معلومة، مع ان الحكم لا يدور مدارها.

(3) رابعها: ما في المتن ايضا، قال: مضافا الي ادلة سائر الخيارات، فان القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.

و فيه: ان بعض تلك الخيارات مختص بالمالك لاختصاص دليله به كخيار الغبن لو قلنا ان مدركه حديث لا ضرر، و بعضها تابع لجعل المتبايعين و لو كان

هو الاجنبي كشرط الخيار، و بعضها كخيار العيب يجري فيه ما هو الجاري في المقام.

خامسها: ما في المكاسب في اواخر المبحث، و هو: ان ثبوت الخيار للوكيل يضاد مع سلطنة الموكل علي ماله، لان بالفسخ يخرج المال عن ملكه قهرا عليه، فادلة الخيار علي فرض شمولها له تعارض دليل سلطنة المالك، و يقدم دليل السلطنة، و ان كانت النسبة

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) نفس المصدر حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 224

______________________________

عموما من وجه لحكم العقل و بناء العقلاء، و لا أقل من التساقط فيرجع الي استصحاب بقاء الملك بعد فسخه.

و فيه: ان النسبة بين دليل الخيار و دليل السلطنة عموم مطلق، لان خيار كل من المتعاملين ينافي سلطنة الآخر علي ما انتقل إليه.

سادسها: ما افاده بعض المحققين رحمه الله، و هو: ان بعض، «1» نصوص الباب تضمن ثبوت هذا الخيار للتاجر، و عدم شموله لمجري الصيغة واضح،

و به يقيد اطلاق سائر النصوص.

و فيه: انه بما انهما مثبتان لا وجه للحمل.

سابعها: ان دليل الخيار مخصص لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «2» فكل من يجب عليه الوفاء بالعقد مختار في الفسخ بدليل الخيار، و الذي من شانه الوفاء هو المتصرف في المال.

و الوكيل في اجراء الصيغة، حيث انه لا يملك التصرف في المال المنتقل إليه لا وفاء له، فلا يكون ذلك واجبا عليه، و لا معني لاستثنائه عن هذا الحكم في موارد خاصة. و بهذا وجه المحقق النائيني رحمه الله كلام المصنف رحمه الله الذي هو الوجه الاول الذي ذكرناه.

و فيه: ان الوفاء بمعني التمام، فالمأمور به في الآية الشريفة- كما تقدم في اول هذا الجزء و في مبحث المعاطاة- هو الاتمام و الانهاء،

و انهاء العقد و اتمامه انما هو بعدم نقضه و حله،

و ليس المأمور به ترتيب الآثار عملا كي يقال انها لا تشمل الوكيل المذكور، و عليه فهي شاملة له ايضا، و بدليل الخيار يخصص بالنسبة إليه.

فالحق في وجه عدم ثبوت الخيار له ان يقال: ان دليل الخيار منصرف عنه.

توضيحه: ان البائع- و كذا البيع- له اطلاقان: احدهما: هو المنشي و الموجد للبيع

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 6.

(2) سورة المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 225

و من جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر الحدائق، و اضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ (1) بزعم ان الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد اجرائه للعقد، فلا يبطل بمنع الموكل، و علي المختار فهل يثبت للموكلين، فيه اشكال من ان الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان، فلا يعم الموكلين (2) و ذكروا انه لو حلف علي عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله، و من ان الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين، و نسبة الفعل اليهما شائعة. و لذا لا يتبادر من قوله: باع فلان ملكه الكذائي كونه مباشرا للصيغة و عدم الحنث بمجرد التوكيل في

اجراء الصيغة

______________________________

الثاني: من كان حصول البيع باختياره و استقلاله و سلطانه، و لو كان غير مباشر له،

فيقال: فلان باع داره و عقاره، و ان كان البيع صادرا عن وكيله و المنصرف إليه، لفظ البائع عند الاطلاق هو الثاني، و عليه فهو لا يشمل الوكيل الموقع للصيغة.

و يؤيد ذلك، بل يدل عليه ما في بعض نصوص الباب من تعليل اللزوم بالافتراق بكون ذلك رضا منه، «1» فانه يستكشف من ذلك ان الخيار انما يكون ثابتا لمن يكون

رضاه معتبرا في المعاملة، و الوكيل المجري للصيغة لا يكون رضاه معتبرا فيها و لا ربط له بالمعاملة كي يكون تصرفه دالا علي رضاه، و لعله الي هذا نظر المصنف رحمه الله في ما ذكره من الوجه الذي ذكرناه اولا. فراجع و تدبر.

(1) قوله و اضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ.

لم يظهر لي و لا لغيري وجه الاضعفية إذ علي فرض القول بشمول دليل الخيار للوكيل، لا فرق فيه بين منع الموكل و عدمه.

ثبوت الخيار للموكل

و أما المقام الثاني: و هو ثبوت الخيار للموكل، فالكلام فيه يقع في موردين:

الاول: في اصل ثبوت الخيار للموكل.

الثاني: في الامور المتفرعة علي ثبوته له.

اما الاول: فقد استدل لعدم ثبوت الخيار له بوجوه:

(2) منها: ان الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان، فلا يعم الموكلين، و ذكروا انه

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 226

______________________________

لو حلف علي عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله.

و فيه: ما تقدم من ان البيع بالاطلاق الثاني من الاطلاقين المتقدمين الذي هو المنصرف إليه عند اطلاقه- و هو من كان حصول البيع باختياره و استقلاله- يشمل الموكل دون الوكيل الا في مورد واحد.

مع انه لو سلم ان المراد به العاقد بما ان العقد كما ينسب الي الوكيل بالمباشرة ينسب الي الموكل بالتسبيب، لا سيما إذا كان الوكيل وكيلا في اجراء الصيغة خاصة، يعم بيع الموكل ايضا.

و أما مسالة النذر فان نذران لا يباشر البيع لم يحنث يبيع وكيله و ان نذر ان لا ينقل ماله حنث.

و ان نذر ان لا يبيع بما له من المفهوم، فان باع وكيله المفوض الذي تكون وكالته قبل النذر لم يحنث من جهة انه

لم يصدر البيع عن اختياره و لم ينذر ان يعزل وكيله، و ان وكل غيره بعد النذر حنث سيما إذا كان ملتفتا إليه حين البيع. و تمام الكلام في محله.

و منها: انه لو سلم صحة انتساب البيع الي المباشر و السبب الا انه في الاستعمال الواحد لا بد ان يراد احدهما، فقوله عليه السلام البيعان لا بد ان يراد به الوكيلان أو الموكلان،

و حيث إن المفروض ثبوته للوكيل المفوض فلا يشمل الموكل.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم شموله للوكيل الا إذا كان وكيلا في البيع و عدمه.

و ثانيا: ان المستعمل فيه علي فرض الشمول لهما ليس هما معا بما هما معنيان، بل المستعمل فيه هو الجامع بينهما، و عليه فلا محذور من ارادتهما معا منه.

و منها: انه مع فرض تأثير فسخ الوكيل كيف يمكن الالتزام بتأثير فسخ الموكل، مع ان الحق الواحد لا يعقل قيامه باكثر من واحد.

و فيه: انه علي فرض شمول النص لهما لا يكون الثابت لهما خيارا واحدا بل خيارين،

فانه كسائر القضايا الحقيقية ينحل الي احكام عديدة بحسب ما لموضوعه من الافراد،

فالاظهر ثبوت الخيار للموكل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 227

ممنوع، فالاقوي ثبوته لهما و لكن مع حضورهما في مجلس العقد (1) و المراد به مجلسهما المضاف عرفا الي العقد، فلو جلس هذا في مكان و ذاك في مكان آخر فاطلعا علي عقد الوكيلين، فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما، الا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد، بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين و العبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين.

______________________________

توقف خيار الموكل علي حضوره مجلس العقد

(1) ثمّ ان ثبوت الخيار للموكل هل يتوقف علي حضوره مجلس العقد كما بني عليه المصنف رحمه الله،

أو لا يتوقف

عليه،

ام يفصل بين الوكيل في اجراء الصيغة فقط أو في خصوص معاملة خاصة بحيث تنتهي وكالته بالعقد فلا يكفي اجتماع الوكيلين بل يعتبر حضور الموكلين مجلس العقد و الا فلا خيار لهما، و بين الوكيل المفوض المستقل فيكفي اجتماع الوكيلين و لا يعتبر حضور الموكلين كما ذهب إليه المحقق النائيني رحمه الله وجوه:

و الحق في المقام ان يقال: ان موضوع هذا الخيار قوامه بامرين:

احدهما: صدق البيع ثانيهما: كون البائع و المشتري مجتمعين لما عرفت من ان هذا الخيار حيث يكون مغيا بالافتراق فيعلم انه خيار الاجتماع، و حيث ان الافتراق المجعول غاية يراد به الافتراق بدنا،

يكون المراد به الاجتماع بدنا و في المكان، و يعتبر فيه كون الاجتماع للبيع، فلو اجتمعا في مكان لا للبيع بل لغرض آخر و كانا غافلين عنه غير ملتفتين إليه لا يثبت لهما الخيار.

و عليه فإذا حضر الموكلان مجلس العقد متوجهين إليه أو اجتمعا في مجلس للبيع و وكلا شخصين آخرين اجتمعا في محل آخر للبيع أو لم يجتمعا و اوقعا العقد غير مجتمعين كما إذا كانا في محلين متباعدين و اوقعا العقد بواسطة التلفون- ثبت لهما الخيار.

و استدل للثاني بوجهين:

الاول: ما في محكي الجواهر احتماله، و هو: ان نصوص الباب مختصة بالوكيل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 228

______________________________

و لا تشمل الموكل لتبادر العاقد من البيع، و انما نلتزم بثبوته للموكل من جهة ان هذا الحق الثابت متعلق بالمال فيتبعه في النقل و الانتقال، و ما تضمنه النصوص يكون مغيا بالافتراق، و أما ما ثبت من الخارج فلا وجه لتقييده به، بل حيث ان الحق الثابت بعقد الوكيل يكون مغيا به فيدور بقاء حق الوكيلين و ثبوت حق الموكل و بقائه

مدار عدم تفرق الوكيلين فقط.

و فيه: ما تقدم من ان ثبوت الحق للموكل ليس الا من جهة صدق البيع عليه، و عليه فيعتبر فيه ايضا الاجتماع، و الا فلا وجه لثبوته له لان الخيار متعلق بالعقد لا بالمال، مع انه لو كان متعلقا به لما كان وجه لثبوته للوكيل بعد فرض كون ثبوته له من جهة صدق البيع عليه.

و دعوي ان الموكل كما انه بعقده يستفيد بازاء ماله ملكا و حقا فكذا بتوكيله يستفيد ما كان له مباشرة،

مندفعة بان الموكل انما يستفيد بازاء ماله ملكا من جهة كون المال له و البيع له، و هذا موجود في بيع وكيله، و أما استفادته الحق فانما تكون لاجل بائعيته و عاقديته، و هذا العنوان مفقود في فرض التوكيل علي الفرض، فلا وجه لثبوته له.

الثاني: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان المجلس لا عنوان له في الخيار، و لا أنيط به الخيار، و انما العبرة و مدار الخيار علي هيئة المتبايعين من النسبة و البعد حينما صارا متبايعين، فيحدث الخيار قائما بهذه الهيئة و يستمر ما استمرت الهيئة و يزول بزوال الهيئة بالافتراق، فإذا تعاقد الوكيلان و كان الموكلان حينئذ علي نسبة خاصة من البعد يثبت لهما الخيار متقوما بهذه الهيئة، دائما بدوامها و منقطعا بانقطاعها.

و فيه: ما تقدم من انه من جعل هذا الخيار مغيا بالافتراق يعلم اعتبار الاجتماع في ثبوته و انه لا خيار مع عدم الاجتماع، إذ لا تفرق الا بعد الاجتماع. فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 229

هذا كله ان كان وكيلا في مجرد ايقاع العقد. و ان كان وكيلا في التصرف المالي كأكثر الوكلاء فإن كان مستقلا في التصرف في مال

الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل في القراض و اولياء القاصرين. (1)

فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص، (2) و دعوي تبادر المالكين ممنوعة خصوصا إذا استندت الي الغلبة، فإن معاملة الوكلاء و الاولياء لا تحصي،

______________________________

ثبوت الخيار للوكيل المستقل

و أما القسم الثاني: و هو الوكيل في ايجاد المعاملة مستقلا فقط، فعمدة الوجوه التي ذكرناها لعدم ثبوت الخيار للوكيل في القسم الاول جارية في هذا القسم كما هو واضح،

فالاظهر عدم ثبوت الخيار له.

(1) و أما القسم الثالث: فقد اختار المصنف رحمه الله ثبوته له.

و الكلام فيه في مواضع:

الاول: في ان عموم الوكالة لما يشمل فسخ المعاوضة صحيح ام لا؟

و الحق عدم صحته، فانه ان اريد به الفسخ من قبل الموكل اعمالا لحقه، فهذا لا ربط له بثبوت الخيار للوكيل، و ان اريد به الفسخ بخيار نفسه فهو باطل، إذ لا معني للوكالة فيما هو وظيفته و مستقل فيه، مع ان ثبوت الخيار متوقف علي الوكالة فيه المتوقفة علي ثبوت الخيار،

و هذا دور واضح، و علي هذا فلا فرق بين هذا القسم و سابقه.

الثاني: انه علي فرض صحة ذلك، و الفرق بينه و بين سابقه ما ذكره رحمه الله في وجه عدم ثبوت الخيار للوكيل من منافاته لدليل (الناس مسلطون علي اموالهم) يجري في هذا القسم،

و عليه فقوله:

(2) فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص، لا وجه له.

الثالث: ان ما اخترناه في وجه عدم ثبوت الخيار للوكيل في القسمين الاولين يجري في هذا القسم، فان البائع بالاطلاق الثاني الذي هو المنصرف إليه من لفظه عند الاطلاق،

و هو من كان حصول البيع باختياره و سلطانه و استقلاله لا يشمل هذا الوكيل ايضا.

و أما القسم الرابع: و هو الوكيل المفوض

إليه امر المعاملة ان شاء اوجدها و ان شاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 230

و هل يثبت للموكلين ايضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة اشكال، (1)

من تبادر المتعاقدين من النص. و قد تقدم عدم حنث الحالف علي ترك البيع ببيع وكيله و من ان المستفاد من ادلة سائر الخيارات و خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا ارفاقا له (2) و ان ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه (3) الا ان يدعي مدخلية المباشرة للعقد، فلا يثبت لغير المباشر.

و لكن الوجه الاخير لا يخلو عن قوة

______________________________

لم يوجدها، فالظاهر ثبوت الخيار له لصدق البائع و لو بالاطلاق الثاني عليه كما هو واضح.

(1) قوله و هل يثبت للموكلين ايضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة اشكال و المصنف رحمه الله استدل لثبوت الخيار للموكل فيما إذا صدر البيع من الوكيل المطلق في قبال دعوي عدم شمول البيع للموكل بوجهين آخرين:

(2) احدهما: ان المستفاد من الادلة كون الخيار حقا لصاحب المال ارفاقا.

(3) ثانيهما: ان ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه.

و فيهما نظر:

اما الاول: فلأنه لو سلم كون حكمة جعل الخيار الارفاق بالمالك، ان مفاد الادلة حينئذ ان الخيار مهما ثبت يكون للارفاق لا ان كل من يناسبه الارفاق يكون الخيار ثابتا له.

و أما الثاني: فلأن ثبوت الخيار للوكيل ليس بعنوان كونه وكيلا و نائبا كي يقال انه يستلزم ثبوته للمنوب عنه، بل بعنوان كونه بيعا غير الصادق هذا العنوان علي الفرض علي الموكل، فالصحيح في وجه ثبوت الخيار للموكل صدق عنوان البيع عليه و هل يعتبر حضور الموكل مجلس العقد في ثبوت الخيار لو كان

الوكيل وكيلا مفوضا كما هو صريح المتن ام لا يعتبر ذلك كما افاده المحقق النائيني وجهان،

قد استدل المحقق النائيني لما اختاره بانه إذا كانت الوكالة منتهية ببيع الوكيل كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 231

و حينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لاشخاص كثيرة من طرف واحد أو من الطرفين فكل من سبق من اهل الطرف الواحد الي اعماله نفذ و سقط خيار الباقين (1) بلزوم العقد أو بانفساخه، و ليس المقام من تقديم الفاسخ علي المجيز، فان تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين و هذا فرض من جانب واحد،

______________________________

اجتماع الوكيلين كاجتماع الاجنبيين، و المفروض عدم اجتماع الموكلين، و حيث انه يعتبر في ثبوت هذا الخيار الاجتماع فلا يكون ثابتا لهما.

و أما إذا كانت الوكالة باقية بعد البيع و كان الوكيل وكيلا مفوضا مستقلا، كان اجتماع الوكيلين اجتماعا للموكلين، لانهما بدنان تنزيليان للموكلين فيثبت لهما الخيار و ان لم يكونا ببدنهما الحقيقيين مجتمعين.

و فيه: ان الاجتماع كسائر الافعال التي يكون قيامها بفاعلها علي نحو الحلول كالفرح و السواد و نحوهما لا يستند الي شخصين طولا، احدهما: المباشر، و الآخر السبب، فكما لا يقال لسبب وجود الفرح في زيد انه فرح، و لا لسبب وجود السواد في جسم انه اسود،

بخلاف الافعال التي يكون قيامها بفاعله علي نحو الايجاد و الاصدار كالتكلم و التوفي و البيع و نحوها، فانها تستند الي المباشر و السبب، و لذا ورد تارة (الله يتوفي الانفس حين موتها) «1» و اخري (قل يتوفاكم ملك الموت) «2»

فكذلك لا يقال للموكل السبب لاجتماع الوكيلين انه مجتمع مع غيره، بل هو مجمع لاحدهما مع الآخر.

و بالجملة: الاجتماع من الافعال التي لا تنسب الي غير المباشر، فالصحيح

ما ذكرناه.

و أما المورد الثاني فالكلام فيه في فروع

تقدم الفسخ علي الاجازة

(1) الاول انه لو ثبت الخيار للموكل و الوكيل ففسخ احدهما و اجاز الآخر هل

______________________________

(1) سورة الزمر: 42.

(2) سورة السجدة: 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 232

______________________________

يقدم الفاسخ علي المجيز- كما في مورد ثبوت الخيار للبائع و المشتري- ام يكون اعمال السابق خياره نافذا و يسقط الخيار عن الباقي كما اختاره المصنف رحمه الله؟ وجهان.

و غاية ما يمكن ان يقال في وجه ما ذهب إليه المصنف رحمه الله امران.

احدهما: ان تقدم الفاسخ علي المجيز انما هو في فرض ثبوت الخيار لكل من الشخصين اللذين لهما الخيار كما في مورد الخيار من الجانبين.

و فيما نحن فيه يكون الثابت خيارا واحدا قائما بطبيعة البائع و طبيعة المشتري المنطبقة في كل جانب علي المتعدد، فإذا سبق واحد من افراد الطبيعة الي الاعمال فسخا أو امضاء سقط خيار البقية لانه يصدق ان الطبيعة فسخت أو ابرمت لفسخ واحد منهما أو اجازته.

ثانيهما: انه و ان كان الثابت للموكل و الوكيل خيارين الا ان الموكل إذا اعمل خياره باجازة أو فسخ يكون ذلك فسخا عمليا للوكالة.

و معه لا مورد لاعمال الوكيل خياره لانه سقط بالعزل، و إذا اعمل الوكيل خياره كان ذلك اعمالا للموكل خياره، لان فعل الوكيل فعل للموكل و ان لم يقصد الوكالة و النيابة بل و ان قصد عدمها، كما لو باع الوكيل دار موكله بعنوان الفضولية، و عليه فلا يبقي مورد لاعمال الموكل خياره.

و في كلا الوجهين نظر:

اما الاول: فلأن قوله عليه السلام «1» البيعان بالخيار كسائر القضايا الشرعية يكون من قبيل القضية الحقيقية المنحلة الي قضايا عديدة حسب ما للموضوع من الافراد الخارجية،

يثبت به لكل فرد من افراد

الموضوع حكم واحد غير ما هو الثابت لغيره من الافراد،

و عليه فكل من الموكل و الوكيل له خيار غير ما يكون للآخر.

و أما الثاني: فلأن الخيار الثابت للوكيل ليس ثابتا له بعنوان الوكالة بل بعنوان انه بائع، فاعماله خياره ليس اعمالا للموكل، مع ان فعل الموكل يكون عزلا للوكيل إذا كان

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 233

ثمّ علي المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرق المتعاقدين أو بتفرق الكل، فيكفي بقاء اصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الاخير، (1)

و ان لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد و بعده، بل كان وكيلا في التصرف علي وجه المعاوضة كما إذا قال له اشتر لي عبدا.

و الظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الاطلاق الي غير ذلك، بل لما ذكرنا في القسم الاول من ان اطلاق أدلة الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من العاقدين علي ما نقله عنه بعد الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه فلا تنهض لاثبات هذا التمكن عند الشك فيه، و لا لتخصيص ما دل علي سلطنة الموكل علي ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده الي مالكه الاصلي. و في ثبوته للموكلين ما تقدم

______________________________

منافيا مع بقاء الوكالة، و أما في مثل المقام فلا.

فالاظهر ان المقام من موارد تقديم الفاسخ علي المجيز.

بيان حقيقة تفرق الموكلين

(1) الثاني: هل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد، أو عن مجلس العقد، أو بتفرق المتعاقدين، أو بتفرق الجميع وجوه، قوي المصنف رحمه الله الاخير.

و اورد عليه السيد في الحاشية: بان الظاهر ان الحكم

معلق علي صدق التفرق لا علي صدق عدم التفرق، و المفروض صدقه، و ان كان يصدق عدم التفرق ايضا مع بقاء اصيل أو وكيل، فيكفي في سقوط الخيار تفرق احد الشخصين الوكيل أو الموكل.

تحقيق القول في المقام: ان المستفاد من النصوص «1» كون شرط الخيار عدم التفرق،

و غاية ثبوته التفرق- و هما نقيضان لا يرتفعان و لا يجتمعان- و عليه فان كان الخيار ثابتا لجنس البائع و المشتري بلا نظر الي الافراد كان الخيار ثابتا ما لم يفترق الجميع عن الجميع و ان تفرق البعض عن البعض، لانه لا يصدق افتراق الجنس و ان صدق افتراق

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 234

و الاقوي اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه، ثمّ هل للموكل بناء علي ثبوت الخيار له تفويض الأمر الي الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري الاقوي العدم، (1) لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده، نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف فسخا أو التزاما،

______________________________

بعض المصاديق فما افاده المصنف رحمه الله متين.

الا انه يرد عليه- مضافا الي ما تقدم من منافاة المبني لظاهر القضية-: ان لازم ذلك الالتزام بثبوت الخيار للموكلين و ان لم يجتمعا لصدق اجتماع الجنسين مع اجتماع الوكيلين.

و ان قلنا بان الخيار ثابت للافراد لا للجنس كما هو الحق، فاما ان يكون مجلس الموكلين غير مجلس الوكيلين، أو يكون مجلس الجميع واحدا.

فان كان المجلس متعددا يكون سقوط خيار كل من الصنفين تابعا لتفرقه، فلو تفرق الوكيلان سقط خيارهما دون خيار الموكلين، و لو انعكس الامر انعكس.

و ان كان مجلس الجميع واحدا،

و كان اجتماعهم للمعاملة اجتماعا واحدا، لا محالة يكون لكل بائع مشتريان، و لكل مشتر بائعان، إذ مجموع الموكل و الوكيل بائع، كما ان مجموع الوكيل و الموكل مشتر، و حينئذ لو تفرق الموكل و الوكيل سقط الخيار، و ان تفرق الموكل من طرف أو هو مع الوكيل من الطرف الآخر سقط خيار المتفرق و بقي خيار من لم يتفرق، لانه يصدق عدم تفرق البائع عن المشتري، و بهذا يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

و ان هذا وجه رابع لم يذكره المصنف رحمه الله.

تفويض الامر الي الوكيل

(1) الثالث: بناء علي ثبوت الخيار للموكل هل له تفويض الامر الي الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري؟

قوي المصنف رحمه الله العدم، لان المتيقن من الدليل ثبوته للعاقد عند العقد لا لحوقه له بعده.

و قد اورد عليه جل المحشين: بان ما ذكره المصنف رحمه الله علة للعدم غير مرتبط بدعواه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 235

______________________________

إذ لا يراد اثبات الخيار للوكيل بادلته كي يقال ان متيقن الادلة ثبوت الخيار فيما ثبت من حال العقد، و انما يراد اثبات الخيار له بنقل من الموكل، و خيار الموكل، ثابت من حين العقد.

و تحقيق الكلام يستدعي البحث في مقامين.

الاول: في صحة نقل الخيار الي الوكيل و عدمها.

الثاني: في بيان مراد المصنف رحمه الله.

اما المقام الاول: فالاظهر صحة النقل، لا بمعني التوكيل في الفسخ و الامضاء، فان ذلك مما لا كلام في صحته، و لا بمعني جعل حقه الثابت له شرعا لغيره ابتداء، إذ هذا مما لا كلام في عدم صحته، إذ ليس امر الجعل بيده.

بل بمعني نقل حقه إليه بناقل، لانه بعد القطع بانه قابل للاسقاط كما يأتي تفصيله.

مقتضي عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» جواز

نقله و نفوذ العقد الواقع عليه.

و قد استدل المحقق الاصفهاني رحمه الله لعدم جواز نقله: بان حق خيار المجلس حيث انه مغيا بالافتراق فثبوته مع عدم لحاظ الغاية مناف لفرض كونه مغيا، و ثبوته الي افتراق المنقول إليه عن طرفه بلا وجه، لان افتراق المنقول إليه ليس مقابلا للاجتماع علي المعاملة المستفاد من الغاية، و ثبوته للمنقول إليه الي حصول الافتراق من الناقل خلاف ظاهر النص، لان ظاهره استمرار الخيار الي افتراق ذي الحق عن طرفه، و الناقل ليس له حق حتي يمتد الخيار الي زمان افتراقه.

و فيه: انا نختار الشق الاخير، و ما ذكره يرده: ان الافتراق قيد للموضوع، و هو مركب من امرين: كونه بيعا، و مجتمعا مع طرفه، و المنقول انما هو الحكم الثابت لهذا الموضوع بلا تصرف فيه، فما دام بقاء هذا الموضوع يكون الخيار المنقول ثابتا للمنقول إليه

______________________________

(1) سورة المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 236

و مما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين و ان جعلنا الاجازة كاشفة (1)

لا لعدم صدق المتبايعين، لأن البيع النقل و لا نقل هنا كما قيل لاندفاعه بان البيع النقل العرفي و هو موجود هنا.

نعم ربما كان ظاهر الاخبار حصول الملك شرعا بالبيع و هذا المعني منتف في الفضولي قبل الاجازة، و يندفع ايضا بأن مقتضي ذلك عدم الخيار في الصرف و السلم قبل القبض، مع ان هذا المعني لا يصح علي مذهب الشيخ القائل بتوقف الملك علي انقضاء الخيار

______________________________

فإذا ارتفع الموضوع بارتفاع احد جزئيه سقط الخيار عن المنقول إليه.

و أما المقام الثاني: فالظاهر ان مراد المصنف رحمه الله ليس نقل الخيار الي الوكيل،

و لا يكون هذا مورد كلامه، بل محل كلامه اثبات خيار آخر

للوكيل غير خيار الموكل فيما إذا فوض الموكل امر المال إليه بعد العقد.

توضيح ذلك: انه ذكر المصنف رحمه الله سابقا: انه يعتبر في ثبوت الخيار امران: الاول:

صدق البيع، الثاني: تسلطه علي ما انتقل إليه، و في هذه المسألة فرض المصنف ما لو كان وكيلا تنتهي وكالته بالعقد فلا خيار له في نفسه،

و انما الكلام في انه إذا فوض الموكل امر المال بعد البيع إليه قبل التفرق، هل يثبت له الخيار نظرا الي تحقق كلا القيدين، ام لا؟

و قد اختار عدمه من جهة ان ظاهر الادلة أو متيقنها ثبوت الخيار من حين العقد،

و هذا الوكيل حين العقد لم يكن مسلطا علي ما انتقل إليه، فلم يكن الخيار ثابتا له، فبعد ما صار مسلطا عليه لا يثبت له الخيار.

و علي هذا فما افاده متين و لا يرد عليه ايراد المحشين.

و الشاهد علي ان مراده ذلك- مضافا الي ظهور كلامه فيه- ان مسألة نقل الخيار بحث عام غير مربوط بالوكالة و الوكيل و الاجنبي فيه سواء، و لا وجه لجعله في ذيل هذه المسألة.

ثبوت الخيار للفضولي

(1) المسألة الثانية: إذا كان العاقدان فضوليين فهل يثبت الخيار لهما أو للمالكين؟

و حق القول في المسألة بالبحث في مقامين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 237

فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوي ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين، (1) نعم في ثبوته للمالكين بعد الاجازة مع حضورهما في مجلس العقد وجه، و اعتبار مجلس الاجازة علي القول بالنقل له وجه (2) خصوصا علي القول بان الاجازة عقد مستأنف، علي ما تقدم توضيحه في مسألة عقد الفضولي و يكفي حينئذ الانشاء اصالة من احدهما، و الاجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس عرفا،

______________________________

الاول: في ثبوت الخيار

للفضوليين و عدمه.

الثاني: في ثبوته للمالكين مع الاجازة.

اما الاول: فتقريب ثبوته- بعد صدق البيع علي الفضولي-: ان الخيار ملك حل العقد لا ملك استرجاع العين، و موضوعه العقد الاعم من المؤثر الفعلي و الاقتضائي- كما يشهد لكلا الامرين ثبوت الخيار في الصرف و السلم قبل القبض- و علي ذلك فمقتضي اطلاق الادلة ثبوت الخيار لهما.

(1) و استدل المصنف رحمه الله عليه لعدم ثبوته: بفحوي ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين غير المستقلين.

و فيه: ان بعض ما ذكره وجها لعدم ثبوته لهما، و هو ان المتبادر من النص غيره لا يجري في المقام علي اعترافه بصدق المتبايعين عليهما، و بعضه كعدم تسلط العاقد علي ما انتقل إليه بعينه يجري فيه، فلا وجه لدعوي الاولوية، و لكن حيث عرفت ان الوجه في عدم ثبوت الخيار للوكيل عدم صدق البيع عليه، فعلي فرض تسليم صدقه علي الفضولي يتعين البناء علي ثبوت الخيار له.

و أما المقام الثاني: فالأقوال فيه اربعة:

(2) احدهما: ما مال الهي المصنف رحمه الله، و هو ثبوت الخيار للمالكين مع حضور مجلس العقد، أو مجلس الاجازة علي القول بالنقل.

ثانيها: ما اختاره المحقق الاصفهاني، و هو عدم ثبوت الخيار لهما مطلقا.

ثالثها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو الثبوت لو اجازا في مجلس العقد، و عدم الثبوت لو اجازا في مجلس آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 238

______________________________

رابعها: الثبوت مع حضور مجلس العقد، أو مجلس الاجازة مطلقا، اي حتي علي القول بالكشف.

و استدل لعدم الثبوت مطلقا: بان موضوع الخيار هو البيع، و هو لا يصدق الا علي من صدر عنه البيع- اما بالمباشرة أو بالتسبيب- و مجرد الاجازة لا يصحح الانتساب المذكور،

و ليست الاجازة محققة للقيام باحد

الوجهين و ان صار البيع بيعه بالاجازة، الا انه ليس بائعه، و لا يقال انه باعه.

و فيه: انه ان قلنا بان حقيقة الانشاء هي الايجاد تم ما افاده، و أما بناء علي ما اخترناه و ذكرناه في اوائل الجزء الثالث من هذا الشرح- من ان الانشاء عبارة عن ابراز امر نفساني من اعتبار و نحوه- فلا يتم، إذ المجيز حينما يجيز تعتبر ملكية طرفه لما له في مقابل ملكية ماله له، و يبرز ذلك بالاجازة، فهو حين الاجازة يصير بائعا حقيقة.

و استدل المحقق النائيني رحمه الله لما ذهب إليه من عدم الثبوت إذا لم يحضرا مجلس العقد:

بانه يحتمل دخل خصوصية الاجتماع حال العقد، و لا دافع لهذا الاحتمال، و اطلاق البيعان بالخيار ليس بصدد البيان من هذه الجهة.

و فيه: ان البيعان بالخيار يثبت الخيار لكل من صدق عليه البيع و كان مجتمعا حين صدق هذا العنوان عليه مع طرفه، و احتمال دخل الخصوصية المشار إليها يدفع بالاطلاق،

و دعوي عدم كونه بصدد البيان من هذه الجهة كما تري.

فالحق ثبوت الخيار لهما في صورة الاجتماع مع المجيز الآخر، اما في مجلس العقد أو مجلس آخر حين الاجازة،

و ما ذكره المصنف رحمه الله من الاختصاص بالقول بالنقل لا وجه له، فانه لا فرق بين القولين سوي حصول الملكية من حين العقد علي القول بالكشف و هذا غير دخيل في الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 239

نعم يحتمل في اصل المسألة ان يكون الاجازة من المجيز التزاما بالعقد، (1) فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت،

فتأمل.

و لا فرق في الفضوليين بين الغاصب و غيره، فلو تبايع غاصبان، ثمّ تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة، (2) بخلاف ما

لو رد الموجب منهما قبل قبول الآخر لاختلال صورة المعاقدة و الله العالم.

مسألة: لو كان العاقد واحدا

لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة (3) علي وجه يثبت له الخيار مع التعدد، بان كان وليا أو وكيلا مستقلا في التصرف. فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الميسي و الصيمري و غيرهم، ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين، لأنه بائع و مشتر، فله ما لكل. منهما

______________________________

و لذا يثبت الخيار في بيع الصرف و السلم مع عدم حصول الملك قبل القبض فالاظهر هو القول الرابع.

(1) قوله نعم يحتمل في اصل المسألة ان يكون الاجازة من المجير التزاما بالعقد لكنه احتمال ضعيف فان الاجازة و ان كانت بلفظ التزمت تكون التزاما بالمعاملة- و هذه بخلاف اجازة من له الخيار فانها التزام باللزوم بمعني انها اما تكون ابراما للعقد أو اسقاطا لحقه الخياري- و لعله- الي هذا اشار بالامر بالتأمل.

(2) قوله فلو تبايع غاصبان ثمّ تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة ملخص القول في المقام انه علي القول بثبوت الخيار للفضوليين كما تقدم لا سيما في الفضولي المستولي علي العين- ينحل العقد بذلك و يسقط عن قابلية لحوق الاجازة- و علي القول بعدم الثبوت لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة.

إذا كان العاقد واحدا

(3) المسألة الثالثة: لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة، فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و المصنف و الشهيدين و المحقق الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 240

كسائر احكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين، و احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام

العنوانين لشخص واحد، مندفع باستقرار سائر احكام المتبايعين، و جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني علي الغالب خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم و استقر به فخر الدين، و مال إليه المحقق الاردبيلي و الفاضل الخراساني و المحدث البحراني و استظهره بعض الافاضل ممن عاصرناهم. و لا يخلو عن قوة بالنظر الي ظاهر النص، لأن الموضوع فيه صورة التعدد (1) و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد، و لولاها لأمكن استظهار كون التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع و المشتري كسائر احكامها

______________________________

و غيرهم ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين لانه بائع و مشتر، فله ما لكل منهما، و لكن قد ذكر في وجه عدم ثبوت الخيار له من ناحيتين:

الاولي: من ناحية تثنية موضوع الخيار.

الثانية: من ناحية الغاية و هي الافتراق.

(1) اما من الناحية الاولي: فتقريبه ان الموضوع هو البيعان، و هذا اللفظ ظاهر في التعدد و لا يشمل ما إذا كان البائع و المشتري واحدا.

و فيه: ان التثنية في المقام باعتبار العنوان، اي البائع و المشتري لا الأفراد، و العنوان في المقام متعدد.

و بعبارة اخري: هذه قضية حقيقية و متضمنة لثبوت الخيار علي كل فرد صدق عليه عنوان البائع أو المشتري و العاقد في المقام يكون مجمع العنوانين فيثبت له الخيار.

و أما من الناحية الثانية: فتقريبه من وجوه:

منها: ما عن المحقق الخراساني رحمه الله من ان الافتراق المجعول غاية، و مقابله الذي هو قيد للموضوع من قبيل العدم و الملكة و الشخص الواحد غير قابل لعروض الافتراق عليه،

فيكون خارجا عن مورد الحكم.

و فيه: ان الافتراق ليس عبارة عن عدم الاجتماع كي يكون هو و ما يقابله من قبيل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 241

إذ

لا يفرق العرف بين قوله المتبايعان كذا، و قوله لكل من البائع و المشتري،

إلا ان التقييد بقوله حتي يفترقا، ظاهر في اختصاص الحكم بصورة امكان فرض الغاية، و لا يمكن فرض التفرق في غير المتعدد. (1)

و منه يظهر سقوط القول بان كلمة، حتي تدخل علي الممكن و المستحيل، الا ان يدعي ان التفرق غاية مختصة بصورة التعدد، لا مخصصة للحكم بها. و بالجملة فحكم المشهور بالنظر الي ظاهر اللفظ، مشكل نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن الأشكال فيه و الاولي التوقف، تبعا للتحرير و جامع المقاصد، ثمّ لو قلنا بالخيار.

فالظاهر بقائه الي ان يسقط بأحد المسقطات غير التفرق. (2)

______________________________

العدم و الملكة، بل الافتراق و عدمه من قبيل السلب و الايجاب، لا يعقل ارتفاعهما.

و لعله الي ما افاده المحقق الخراساني رحمه الله نظر المحقق النائيني رحمه الله، حيث قال: ان قوله عليه السلام ما لم يفترقا قيد للموضوع، فيختص الخيار بمورد يمكن فيه الافتراق و الاجتماع.

(1) و منها: ان الغاية لا بد و ان تكون امرا ممكنا، و الا لا معني لجعلها غاية، و حيث ان التفرق في شخص واحد غير معقول، و ظاهر النص كون الغاية غاية في كل مورد يثبت الخيار، فيختص الخيار بمورد تعدد البائع و المشتري المعقول فيه التفرق.

و فيه: ان عدم صحة جعل امر غير معقول غاية انما يكون من جهة اللغوية، و عليه فإذا امكن تحقق الغاية في مورد و لم يمكن في مورد آخر صح جعل الحكم بنحو الاطلاق و جعل ذلك الشي ء غاية، كما ان الامر كذلك في شرائط الموضوع و قيوده. لاحظ الاستطاعة المجعولة قيدا لوجوب الحج.

و منها: ان الغاية قيد للحكم، فالحكم هو الخيار المقيد

بما قبل الافتراق، اي الخيار الملحوق بالافتراق، فإذا لم يمكن الافتراق لم يكن الخيار ثابتا.

و فيه: ان الغاية ما ينتهي عنده الحكم لا انها مقيدة للحكم فالاظهر ثبوت الخيار له من الجانبين.

(2) و قد ظهر مما ذكرناه انه: لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه الي ان يسقط باحد المسقطات غير التفرق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 242

مسألة: قد يستثني بعض اشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار. (1)
اشارة

منها من ينعتق علي أحد المتبايعين و المشهور كما قيل عدم الخيار مطلقا، بل عن ظاهر المسالك انه محل وفاق، و احتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع، و الكلام فيه مبني علي قول المشهور من عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار، و الا فلا اشكال في ثبوت الخيار و الظاهر انه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة الي نفس العين، لأن مقتضي الادلة الانعتاق بمجرد الملك و الفسخ بالخيار من حينه لا من اصله، و لا دليل علي زواله بالفسخ مع قيام الدليل علي زوال الحرية بعد تحققها الا علي احتمال ضعفه في التحرير

______________________________

و في حاشية السيد: يمكن ان يقال يبقي الي مقدار طول مجلس نوع المتعاقدين، بمعني مقدار اطول المجالس أو اوسطها.

و فيه: ان الافتراق لم يجعل غاية من جهة كونه طريقا الي مقدار من الزمان كي يجري فيه ذلك، بل الظاهر من النص دخله فيه من حيث هو.

فالاظهر بقائه الي ان يسقط باحد المسقطات.

استثناء من ينعتق علي احد المتبايعين

(1) المسألة الرابعة: قد يستثني بعض اشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار منها من ينعتق علي احد المتبايعين.

و الوجوه بل الاقوال في هذا المورد ثلاثة:

احدها: الثبوت مطلقا.

ثانيها: ما هو المشهور بين الاصحاب، و هو العدم كذلك.

ثالثها: ما احتمله في محكي الدروس، و هو التفصيل بين البائع و المشتري

و الثبوت للاول.

و الكلام في المقام مبني علي عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار، و الا فلا اشكال في ثبوت الخيار، كما انه ينبغي نفي الاشكال عن عدم الثبوت بناء علي عدم دخول من ينعتق علي شخص في ملكه، إذ المعاملة حينئذ اما ان تكون استنقاذا محضا كاشتراء المسلم الاسير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 243

فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا مبني علي تزلزل العتق. و أما الخيار بالنسبة إلي اخذ القيمة فقد يقال مقتضي الجمع بين ادلة الخيار و دليل عدم عود الحر الي الرقية، فيفرض المعتق كالتالف

______________________________

من الكافر، أو و ان كانت معاملة عقلائية متضمنة للتمليك، الا ان الشارع الاقدس لم يمضها و حكم بعدم انتقاله الي المشتري و صيرورته منعتقا، أو ان البيع في الفرض ليس تمليكا بل الاعطاء بعوض الذي هو حقيقة البيع اثره في مثل هذا البيع الانعتاق، ففي الحقيقة يكون المال بازاء الانعتاق.

و علي جميع التقادير لا وجه لثبوت الخيار،

اما علي الاول: فلأنه لا يصدق علي المتعاقدين البيعان.

و أما علي الثاني: فلأن الخيار حكم شرعي ثابت للبيع الصحيح، و هذا البيع علي الفرض ليس كذلك.

و أما علي الثالث: فلأن الالتزام المزبور غير قابل للفسخ للاجماع علي عدم رجوع الحر عبدا.

انما الكلام فيما لو بنينا علي عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار و انتقال من ينعتق الي من ينعتق عليه ثمّ انعتاقه و الكلام فيه يقع في جهتين.

الاولي: في وجود ما يقتضي الخيار، بمعني شمول ادلة الخيار له.

الثانية: في انه علي فرض الشمول في نفسه هل هناك ما يمنع عن ثبوته ام لا؟

اما الاولي: فقد استدل المحقق الايرواني رحمه الله لعدم المقتضي: بان المستفاد من دليل الخيار تقوم حق الخيار

بقيام العوضين، اما بتعلق الحق به ابتداء، و ان كان الحق قائما بالعقد لكن ذلك لغرض استرجاع العوضين فلا يكون حيث لا يكون العوضان قائمين.

و فيه: ان حق الخيار متعلق بالعقد، و المراد من كون الغرض استرجاع العوضين ان كان هو غرض من له الخيار، فيرد عليه أنّ ذلك ليس قيدا للخيار، و ان كان غرض الشارع، فيرد عليه: انه غير ثابت. فالحق ثبوت المقتضي له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 244

فلمن انتقل إليه ان يدفع القيمة و يسترد الثمن و ما في التذكرة من انه وطن نفسه علي الغبن المالي، (1) و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروي لدفع الغبن عن نفسه ممنوع لأن التوطين علي شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا علي الغبن من حيث المعاملة، و كذا لمن انتقل عنه ان يدفع الثمن و يأخذ القيمة، و ما في التذكرة من تغليب جانب العتق انما يجدي مانعا عن دفع العين، لكن الانصاف انه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه، لان شرائه اتلاف له في الحقيقة، و اخراج له عن المالية، و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف (2) بل بأدني تصرف، فعدم ثبوته به اولي و منه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه، لان بيعه ممن ينعتق عليه اقدام علي اتلافه

______________________________

و أما الثانية: فقد استدل لوجود المانع عن ثبوته بوجوه:

(1) الاول: ما عن العلامة و هو: انه لا خيار لمن انتقل إليه لانه وطن نفسه علي الغبن المالي، و المقصود من الخيار ان ينظر و يتروي لدفع الغبن عن نفسه، و لا لمن انتقل عنه لتغليب جانب العتق.

و فيه: ان المشتري وطن نفسه علي انعتاق من يشتريه بازاء قيمته الواقعية، لا علي الغبن

من حيث المعاملة، و تغليب جانب العتق انما يقتضي عدم رجوع الحر عبدا. و لا كلام في ذلك، و انما محل الكلام الرجوع الي قيمته.

الثاني: ان ثبوت الخيار أو سقوطه انما هو بعد تحقق القبض من المشتري، ثمّ دعوي الرجوع الي القيمة لثبوت الخيار و امتناع تعلقه بالعين أو سقوطه، و عليه فحيث ان البيع اتلاف للمبيع و موجب لخروجه عن المالية، فلا يتحقق القبض، فلا مورد لثبوت الخيار أو سقوطه.

و فيه: ان القبض المعتبر في البيع المترتبة عليه الآثار ليس هو القبض الخارجي، بل عبارة عن رفع اليد عنه و جعله تحت سلطانه و يده، و عليه فنفس انعتاقه عليه اقباض،

و لو لا ذلك لا بد و ان يكون التلف من مال البائع و لا يستحق شيئا من الثمن و القيمة. و هذا مما لم يقل به احد.

(2) الثالث: ما افاده المصنف رحمه الله: بان البائع و المشتري قد تواطئا علي اخراجه عن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 245

و اخراجه عن المالية.

و الحاصل انا إذا قلنا ان الملك فيمن ينعتق عليه تقديري لا تحقيقي فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطاة علي اخراجه عن المالية، و سلكه في سلك ما لا يتمول لكنه حسن مع علمهما، فتأمل.

و قد يقال ان ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبني علي ان الخيار و الانعتاق، هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما، أو الأول بالأول و الثاني بالثاني، أو العكس (1) فعلي الاولين و الاخير يقوي القول بالعدم لأنصية أخبار العتق و كون القيمة بدل العين

______________________________

المالية الذي هو بمنزلة اتلافه. و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف بل بادني تصرف،

فعدم ثبوته به اولي.

و فيه: ان سقوط الخيار بالتصرف و الاتلاف

ليس من الامور البرهانية حتي يكون ما ذكر وجها له جاريا في المقام، بل انما هو من جهة ما في نصوص «1» خيار الحيوان من التعليل بكون ذلك رضا منه بالبيع، فلا بد من الاقتصار علي التصرفات الكاشفة نوعا عن الرضا بالبيع. و هذا يختص بما إذا كان التصرف واردا علي ملكه، و لا يجري في التصرف قبله أو حينه كما لا يخفي.

و ان شئت قلت: ان الاولوية ممنوعة، فان سقوط الخيار باتلاف المشتري ماله الذي له فيه الخيار لا يقتضي عدم ثبوته له باتلافه مال الغير، فان العبد انما يخرج عن المالية بقبول المشتري العقد الواقع عليه، مع ان البيع ليس اتلافا للمبيع بل انما يكون البيع اقداما علي ايجاد الملكية، و الانعتاق حكم شرعي مترتب عليه قهرا. فالاظهر ثبوت الخيار.

(1) القائل هو صاحب المقابيس و حاصل ما افاده: انه ان قلنا بان الخيار و الانعتاق معلولان للبيع في عرض واحد، أو معلولان للملك المعلول له، أو ان الخيار معلول للملك و الانعتاق معلول للبيع، يقوي القول بعدم ثبوت الخيار،

اما علي الاخير فلسبق الانعتاق علي الخيار.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 246

فيمتنع استحقاقها من دون المبدل و لسبق تعلقه علي الاخير و يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين (1) و دفعا للمنافاة من البين، و عملا بالنصين (2) و بالاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين، و تنزيلا للفسخ منزلة الارش (3) مع ظهور عيب في احدهما، و للعتق بمنزلة تلف العين، و لانهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع الي القيمة فيما إذا باع بشرط العتق، فظهر كونه ممن ينعتق علي المشتري أو تعيب بما

يوجب ذلك. و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام، و علي الثالث يتجه الثاني لما مر و لسبق تعلق حق الخيار و عروض العتق، ثمّ قال: و حيث كان المختار في الخيار انه بمجرد العقد و في العتق انه بعد الملك.

______________________________

و أما علي الاولين فلا نصية اخبار العتق. و لا يتوهم امكان الجمع بالرجوع الي القيمة، لانها بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل. ثمّ احتمل قريبا ثبوت الخيار،

و ذكر في وجهه وجوها:

(1) احدها: انه جمع بين الحقين.

(2) ثانيها: ان التعارض بين النصين انما يكون بالنسبة الي نفس العين، و أما بالنسبة الي القيمة فلا منافاة اصلا، بل هو عمل بالنصين، و مقتضي ذلك الرجوع الي القيمة للاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن الثمن و عن قيمة المبيع.

(3) ثالثها: تنزيل الفسخ منزلة الارش، فكما ان الانعتاق لا يوجب سقوط حق المشتري من الارش إذا ظهر المبيع معيبا، فكذا لا يوجب سقوط حق البائع بالنسبة الي القيمة لعدم التنافي بينهما.

و أما لو قلنا بان الخيار معلول للبيع و الانعتاق معلول للملك المعلول له، فيقوي القول بثبوت الخيار لسبق تعلق حق الخيار. ثمّ اختار هو قده الاخير.

و في كلامه مواقع للنظر:

الاول: ما ذكره من انصية اخبار العتق، في وجه السقوط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 247

و دل ظاهر الاخبار و كلام الاصحاب علي ان احكام العقود و الايقاعات تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرق بين الخيار و غيره، بل قد صرحوا بان الخيار يثبت بعد العقد، و انه علة و المعلول لا يتخلف عن علته، كما ان الانعتاق لا يتخلف عن الملك، فالاقرب هو الاخير، كما هو ظاهر المختلف و

التحرير،

و مال إليه الشهيدان لم يثبت الاجماع علي خلافه، و يؤيده اطلاق الاكثر و دعوي ابن زهرة الاجماع علي ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب المبيع من غير استثناء،

انتهي كلامه رفع مقامه.

اقول ان قلنا انه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج الملك عن ملك من انتقل إليه (1) الي ملك من انتقل عنه نظرا الي ان خروج احد العوضين عن ملك احدهما

______________________________

فانه يرد عليه: ان الانصية لا تنافي ثبوت الخيار بالنسبة إلي القيمة، و ما ذكره من امتناع استحقاقها من دون المبدل لا يرجع الي محصل، إذ المفروض حصول المبدل- و هو العين- في ملكه، و التلف عليه. مع ان تعارض اخبار الانعتاق «1» و اخبار الخيار «2» ليس من باب تعارض الدليلين، بل من باب تزاحم الحقين، فانصية احدهما غير مفيدة.

الثاني: ما ذكره من الاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين.

فانه يرد عليه: انه علي فرض الفسخ بالخيار لا تزول يد البائع عنهما، إذ مع الفسخ يأخذ القيمة.

الثالث: ما ذكره من تنزيل الفسخ منزلة الارش.

فانه يرد عليه: ان عدم مانعية الانعتاق من اخذ الارش انما هو من جهة عدم منافاة دليل الارش لدليل الانعتاق، بخلاف المقام كما لا يخفي.

(1) قوله ان قلنا انه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج الملك عن ملك من انتقل إليه.

مبني الشرطيتين ان الخيار حق حل العقد حقيقة أو رفع اثره- و علي الاول- بما ان عقد المعاوضة مقتض لخروج كل من العوضين عن محل يدخل فيه الآخر فيكون حله مقتضيا لخروج المعوض عن ملك المشتري الي ملك البائع، كذلك العكس فلا محالة يكون الفاسخ متلقيا للملك من المفسوخ عليه- و أما علي الثاني-

فلا يقتضي ذلك بل حيث

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب كتاب العتق.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 248

يستلزم دخول الآخر فيه و لو تقديرا، لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه، (1) و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه، لان يخرج من ملك المشتري الي ملك البائع و لو تقديرا، إذ ملكية المشتري لمن ينعتق عليه ليس علي وجه يترتب عليه سوي الانعتاق، و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري الي ملك البائع، ثمّ انعتاقه مضمونا علي المشتري، كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار، ثمّ فسخ البائع.

و الحاصل ان الفاسخ يتلقي الملك من المفسوخ عليه و هذا غير حاصل فيما نحن فيه.

و ان قلنا ان الفسخ لا يقتضي ازيد من رد العين، ان كان موجودا و بدله ان كان تالفا أو كالتالف، و لا يعتبر في صورة التلف امكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و تملكه منه، بل يكفي ان يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف، كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ و الرجوع الي القيمة فيما تقدم

______________________________

ان اثر العقد بقاء مضمونية العين بمطلق البدل فرفعه انما هو بضمان قيمته.

(1) قوله لم يكن وجه للخيار في ما نحن فيه غاية ما يمكن ان يقال في وجه ذلك ان رجوع العين الي المشتري حتي يتلقي الفاسخ منه اما تحقيقي أو تقديري و الاول مستلزم لعود الحر رقا و هو ممتنع شرعا- و الثاني لا يجدي فان الملكية الفرضية التقديرية للانعتاق لا أثر

لها سوي الانعتاق و لكن يمكن رد الاول: بان عود المبيع حقيقة ان كان بعوده بشخصه جاء المحذور المذكور و ان كان عوده بماليته المتحفظة تارة بعينه و اخري ببدله الذي لا بد للقائل بثبوت الخيار مع تلف العين من الالتزام بذلك فلا يكون واردا كما لا يخفي.

و يمكن رد الثاني بان المقدر بعد الفسخ علي فرض الخيار ليس هو الملكية التي اثرها الانعتاق بل الملكية التي اثرها رجوع البائع في قيمته الي المشتري و هذا لا محذور فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 249

في مسألة البيع بشرط العتق، ثمّ ظهور المبيع منعتقا علي المشتري و حكمهم برجوع الفاسخ الي القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم امكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة التلف الي الفاسخ كان الاوفق بعمومات الخيار القول به هنا، و الرجوع الي القيمة، الا مع اقدام المتبايعين علي المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه، (1) فالاقوي العدم لانهما قد تواطئا علي اخراجه عن المالية الذي هو بمنزلة اتلافه.

و بالجملة فان الخيار حق في العين و انما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء، فإذا كان نقل العين ابطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه فلم يحدث حق في العين حتي يتعلق ببدله.

و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع باتلاف المبيع و نقله الي من ينعتق عليه كالاتلاف له من حيث المالية، فدفع الخيار به اولي و اهون من رفعه فتأمل.

______________________________

(1) قوله الا مع اقدام المتبايعين علي المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه.

اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بانه يمكن ان يقال بسقوط الخيار حتي في مورد الجهل لان انشاء البيع إذا

كان سببا للاتلاف فالجهل به لا يقتضي عدم تأثير السبب كما في كل ما كان من قبيل الاسباب و المسببات و فيه: انه في ساير الموارد انما نلتزم بعدم مانعية الجهل و ثبوت الحكم في ذلك المورد من جهة اطلاق الادلة.

و في المقام الدليل يختص بصورة العلم لان الدليل ينحصر في النصوص الواردة في خيار الحيوان المتضمنة لمسقطية الاتلاف للخيار و هي لا سيما من جهة ما فيها من التعليل بانه رضا منه، تختص بصورة العلم.

المسلم المشتري من الكافر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 250

و منها العبد المسلم المشتري من الكافر (1) بناء علي عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا، فانه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لاحدهما. اما بالنسبة الي العين فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم و تمليكه اياه. و أما بالنسبة الي القيمة، فلما تقدم من ان الفسخ يتوقف علي رجوع العين الي مالكه الأصلي و لو تقديرا، لتكون مضمونة له بقيمته علي من انتقل إليه و رجوع المسلم الي الكافر غير جائز، (2) و هذا هو المحكي عن حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال انه يباع و لا يثبت له خيار المجلس و لا الشرط،

و يمكن ان يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط، و ان ثبت للمشتري، فيوافق مقتضي كلام فخر الدين في الايضاح، من أن البيع بالنسبة الي الكافر استنقاذ،

و بالنسبة الي المشتري كالبيع بناء منه علي عدم تملك السيد الكافر له لان الملك سبيل، و انما له حق استيفاء ثمنه منه.

لكن الانصاف انه علي هذا التقدير لا دليل علي ثبوت الخيار للمشتري ايضا، لان الظاهر من قوله: البيعان بالخيار اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين، مع انه لا معني لتحقق العقد البيعي

من طرف واحد، فان شروط البيع ان كانت موجودة تحقق من الطرفين و الا لم يتحقق اصلا

______________________________

(1) و منها: العبد المسلم المشتري من الكافر.

و الاقوال و الوجوه في المسألة اربعة:

احدها: عدم ثبوت الخيار مطلقا.

ثانيها: الثبوت مطلقا و رجوع العبد نفسه.

ثالثها: الثبوت مطلقا، و تقدير ملك الكافر للمسلم بعد الفسخ بمقدار ما يستحق به البدل. اختاره المصنف رحمه الله.

رابعها: التفصيل بين البائع و المشتري، و ثبوت الخيار للثاني دون الاول، و ثبوت الخيار للمشتري اما بارجاع العبد نفسه أو قيمته.

(2) و قد استدل للاول: بان الكافر لا يملك المسلم، و بمجرد الاسلام يخرج عن ملكه، و انما كان له حق في قيمة من تملكه كارث الزوجة من العقار، فتكون المعاملة عليه حينئذ بتملك المسلم اياه بقيمته، و استيفاء الكافر لثمن العبد عليه، فليست هي بيعا، فلا تشملها ادلة الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 251

كما اعترف به بعضهم في مسألة بيع الكافر الحربي من من ينعتق عليه،

و الاقوي في المسألة وفاقا لظاهر الاكثر و صريح كثير ثبوت الخيار في المقام، و ان تردد في القواعد بين استرداد العين أو القيمة، و ما ذكرنا من ان الرجوع بالقيمة مبني علي امكان تقدير الملك في ملك المالك الاصلي، لو اغمضنا عن منعه كما تقدم في المسألة السابقة غير قادح هنا، لان تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر علي المسلم، (1) و لذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه، و قد مر بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين

______________________________

و فيه: انه لا دليل علي خروج العبد بمجرد الاسلام عن ملك مالكه. و آية نفي السبيل «1» لا تدل علي ذلك، لان الملكية التي يكون

صاحبها محجورا عن التصرف في المملوك لا تعد سبيلا، مع ان ما دل علي انه يجبر علي البيع «2» يدل علي بقاء الملكية.

و استدل للثاني: بما عن العلامة في القواعد، و هو خروج الملك القهري كالارث عما دل علي ان الكافر لا يملك المسلم، و الملك العائد بحل العقد قهري لا تملك ابتدائي بالاختيار.

و فيه: ان ذلك يتم بالنسبة الي فسخ المشتري دون فسخ البائع، فان التملك حينئذ باختياره. و به يظهر مدرك القول الرابع.

(1) و استدل للثالث: بان ثبوت الملكية للكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر علي المسلم.

و فيه: ان الملكية الحقيقية في ذلك المقدار من الزمان و ان لم تكن سبيلا، الا انها في الزمان الطويل مع محجوريته عن التصرف و لزوم البيع عليه ايضا لا تعد سبيلا.

فتحصل: ان الاظهر هو القول الرابع بعد البناء علي عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا علي ما هو المفروض في عنوان المسألة.

______________________________

(1) سورة النساء آية 141.

(2) الوسائل- باب 73- من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 252

و منها شراء العبد نفسه بناء علي جوازه، (1) فان الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة الي القيمة لعدم شمول ادلة الخيار، له (2) و اختاره في التذكرة، و فيها ايضا انه لو اشتري جمدا في شدة الحر ففي الخيار اشكال، (3) و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار، (4) فلا يندفع الاشكال بما في جامع المقاصد من ان الخيار لا يسقط بالتلف بانه لا يسقط به إذا ثبت قبله، فتأمل.

______________________________

شراء العبد نفسه

(1) قوله و منها: شراء العبد نفسه بناء علي جوازه مفروض المسألة: شراء العبد نفسه من مولاه لنفسه، و

ذلك اما بالشراء بمال في ذمته،

أو بمال شخصي خارجي، مع عدم كون ماله لمولاه أو بمال غيره، بناء علي ما هو الحق من جواز شراء شي ء لشخص بمال آخر كما تقدم تحقيقه.

و قد ذهب المصنف رحمه الله الي عدم ثبوت الخيار و لو بالنسبة الي القيمة.

(2) قال: لعدم شمول ادلة الخيار له.

و فيه ان وجه عدم الشمول ان كان عدم عود الحر رقا.

فيرد عليه: ان ما ذكره في وجه عود القيمة في بيع من ينعتق عليه يجري في المقام.

و ان كان هو ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله من ان ملك الشخص لنفسه ليس الا عين الحرية فكان بيع العبد لنفسه عبارة اخري عن العتق، و من المعلوم عدم جريان الخيار في العتق.

فيرد عليه: ان بيع العبد لنفسه بيع حقيقة، و اثره الانعتاق علي ما تقدم تحقيقه في اول مبحث البيع عند بيان حقيقته، فلا محذور في ثبوت الخيار فيه.

(3) قوله و فيها: أيضا: انه لو اشتري جمدا في شدة الحر ففي الخيار اشكال.

و المحقق الثاني وجه الاشكال: بان كون المبيع تالفا شيئا فشيئا مانع عن اعمال الخيار فيه. ثمّ اورد عليه: بان الخيار لا يسقط بالتلف.

(4) و المصنف رحمه الله وجه الاشكال: باحتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد في تعلق الخيار بها توضيحه: ان التلف ربما يكون متأخرا عن ثبوت الخيار، و ربما يكون مقارنا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 253

مسألة: لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوي البيع (1)

عند علمائنا،

كما في التذكرة، و عن تعليق الارشاد و غيرهما و عن الغنية: الاجماع عليه، و صرح الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك ايضا، بل عن الخلاف الاجماع علي عدم دخوله في الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة الا

انه في المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التي يدخلها الخيار و التي لا يدخلها قال: و أما الوكالة و الوديعة،

و العارية و القراض و الجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع، انتهي. (2)

و مراده خيار المجلس و الشرط، و حكي نحوه عن القاضي و لم يعلم معني الخيار في هذه العقود، بل جزم في التذكرة بأنه لا معني للخيار فيها لان الخيار فيها لان الخيار فيها ابدا. و احتمل في الدروس ان يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخيار،

و لعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذه العقود لا الموجب، إذ لا معني لتوقف جواز تصرف المالك في هذه العقود

______________________________

للخيار المترتب علي العقد، و ما ذكروه من انه لا يسقط الخيار بالتلف يكون المراد به التلف المتأخر لا التلف المقارن كما في المقام.

و فيه: انه لا دليل علي اعتبار عدم التلف في ثبوت الخيار.

و المحقق النائيني رحمه الله وجه الاشكال: بان مورد خيار المجلس هو البيع الذي لم يكن بناء المتعاقدين علي الاعراض عن العوضين، و مع علمهما بان المال بمجرد البيع يخرج عن المالية اما شرعا أو عادة كما في المثال، فقد أقدما علي ذهاب مالهما.

و فيه: ان البيع ليس اقداما علي ذهاب المال، بل هو يذهب باعا ام لا، و البيع انما يكون اقداما علي الملكية، و المتلف انما هو شدة، الحر. فالاظهر ثبوت الخيار فيه.

اختصاص خيار المجلس بالبيع

(1) المسألة الخامسة: و لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوي البيع عند علمائنا كما عن التذكرة.

(2) قوله الا انه في المبسوط بعد ذكر جمله من العقود … فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع يمكن ان يكون نظر

الشيخ رحمه الله مما افاده في المبسوط الي ما ذكرناه من عدم المانع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 254

علي انقضاء الخيار، لان اثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف، فهو الذي يمكن توقفه علي انقضاء الخيار الذي جعل الشيخ قدس سره اثر البيع متوقفا عليه، لكن الانصاف ان تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام يشهد بعدم ارادته هذا المعني، فانه صرح في مواضع قبل هذا الكلام و بعده باختصاص خيار المجلس بالبيع،

و الذي يخطر بالبال ان مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع (1) فتنفسخ بفسخه في المجلس، و هذا المعني و ان كان بعيدا في نفسه الا ان ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه الي الذهن. و قد ذكر نظير ذلك في جريان الخيارين في الرهن و الضمان. و صرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود لانها جائزة (2) فيجوز الفسخ في كل وقت، و هو محتمل كلام الشيخ، فتأمل، و كيف كان فلا اشكال في اصل هذه المسألة.

______________________________

في ثبوته- و الجمع بين كلامه هذا و ما ذكره في غير موضع من عدم ثبوت خيار المجلس فيها انه و ان لم يكن مانع عن ثبوته الا انه لا مقتضي له و الله العالم.

(1) قوله مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع.

و فيه ان الخيار حينئذ ثابت في البيع لا في ذلك.

(2) قوله بدخول الخيارين في هذه العقود لانها جائزة.

بعني ان ذلك الخيار بما انه ثابت في المجلس، فيصح ان يقال ان خيار المجلس ثابت.

و هو كما تري احسن التوجيهات ما ذكرناه و كيف كان فالكلام في هذه المسألة يقع في مقامين.

الاول:

في العقود اللازمة.

الثاني: في العقود الجائزة.

اما الاول: فالاظهر عدم ثبوت الخيار فيها لعدم المقتضي له، فان الادلة مختصة بالبيع، و المناط غير معلوم كي يتعدي عنه الي غيره. و لا يقاس ذلك بالاحكام الثابتة للبيع علي القاعدة كخيار العيب، فان نفس ما يدل علي ثبوته في البيع- و هو الاشتراط الضمني الذي بناء كل عاقد عليه- يدل علي ثبوته في غيره. و هذا بخلاف هذا الخيار، فان جعله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 255

مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، (1)

لان ظاهر النص كون البيع علة تامة (2) و مقتضاه كظاهر الفتاوي شمول الحكم للصرف و السلم قبل القبض، و لا إشكال فيه

______________________________

تعبد صرف فلا يتعدي منه الي غيره.

و أما المقام الثاني: فقد استدل لعدم ثبوت الخيار في العقود الجائزة- مضافا الي عدم المقتضي-: بوجود المانع، و تقريبه من وجهين:

أحدهما: عدم المعقولية، بدعوي ان الخيار ذاتي لها، فما معني جعل الخيار.

و فيه: انه بعد شمول دليل الخيار لها يكون الخيار ثابتا من جهتين: ذاتية و عرضية،

كالخيارات المتعددة العرضية.

و ان شئت قلت: ان الخيار الذاتي ايضا يكون بجعل من الشارع، فكلاهما مجعولان،

و لا اولوية لأحدهما علي الآخر كي يلتزم بثبوته دونه.

ثانيهما: لزوم اللغوية من جعله.

و فيه: ان للخيار آثار و فوائد، و مع عدم اولوية احدهما علي الآخر لا معني لكون خيار المجلس لغوا دون الجواز: مع انه علي القول بعدم جواز تصرف غير ذي الخيار في زمان الخيار، عدم اللغوية واضح، فان ذلك اثر الخيار الحقي خاصة فالوجه في عدم ثبوته فيها عدم المقتضي ايضا.

و لا يخفي ان محل هذه المسألة بعد المسألة السابعة قدمت اشتباها.

مبدأ خيار المجلس

(1) المسألة السادسة: لا خلاف و لا إشكال في ان مبدأ هذا الخيار من حين

العقد.

(2) إذ ظاهر الأخبار ان البيع علة تامة.

و هل يشمل الحكم للصرف و السلم قبل القبض؟

فيه اشكال من جهتين:

الاولي: في انه هل يجب التقابض في المجلس ام لا؟

الثانية: في جريان الخيار فيهما علي كل من القولين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 256

لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف و السلم وجوبا تكليفيا اما للزوم الربا كما صرح به في صرف التذكرة. (1) و أما لوجوب الوفاء بالعقد (2) و ان لم يكن بنفسه مملكا، لان ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض.

اما لو قلنا بعدم وجوب التقابض و جواز تركه الي التفرق المبطل للعقد

______________________________

اما الجهة الاولي: فقد استدل لوجوب التقابض بوجوه:

(1) الاول: ما عن العلامة قده، و هو التحفظ علي عدم صيرورة المعاملة ربوية.

و توضيحه: انه إذا كان العوضان من جنس واحد و حصل القبض من جانب واحد قبل الافتراق تصير المعاملة كالنسيئة مع المساواة ذا مدة و اجل، فتكون به ربوية، لأن للأجل قسطا من الثمن.

و فيه: انه مع عدم اشتراط التأخير لا تكون ربوية، و مجرد الشباهة بالربا لا يوجب البطلان، مع ان هذا الوجه لو تم لدل علي وجوب القبض شرطا لا وجوبه مولويا.

مع انه لو تم لدل علي وجوب القبض بعد قبض احدهما حقه.

(2) الثاني: ما افاده المصنف رحمه الله، و هو آية وجوب الوفاء بالعقد «1».

بدعوي ان للعقد بنفسه آثارا مع قطع النظر عن مملكيته، و يجب ترتيبها و لو قبل حصول الملكية، و منها الاقباض في المقام.

و فيه: انه ان قلنا: بان معني الآية الشريفة هو لزوم ابقاء العقد علي حاله و اتمامه بعدم فسخه و حله كما قويناه، فعدم دلالة الآية حينئذ علي وجوب التقابض واضح، بل

تكون حينئذ ارشادا الي اللزوم.

و ان قلنا: بان معناها هو ترتيب آثار العقد كما عن المصنف رحمه الله، فمعناها هو ترتيب الآثار التي التزما به، و من المعلوم ان ما التزما به هو اقباض كل منهما علي فرض اقباض الآخر لا مطلقا، فلا تدل علي لزوم التقابض، و لا ينتقض بلزوم اقباض كل منهما في سائر البيوع، فان فيها انما يجب الاقباض من جهة تأثير البيع في الملكية و يجب رد المال الي صاحبه، و هذا بخلاف باب الصرف.

______________________________

(1) سورة المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 257

ففي اثر الخيار خفاء، لان المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين علي ملكه و عدم حق لاحدهما في مال الآخر، و يمكن ان يكون اثر الخيار خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض المملك فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في العقد، لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير قال في التذكرة: لو تقابضا في عقد الصرف، ثمّ اجازا في المجلس لزم العقد، و ان أجازا قبل التقابض.

فكذلك و عليهما التقابض، فان تفرقا قبله انفسخ العقد، ثمّ ان تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما، فان انفرد احدهما بالمفارقة عصي، انتهي.

______________________________

و أما ما اورده السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني عليه: بان بيع الصرف لا أثر له الا بعد التقابض فلا يجب الوفاء به الا بعده.

فيرد عليه: ان للعقد مرحلة، و لتأثيره في الملك مرحلة اخري، و لكل منهما آثار، فإذا كان التقابض من آثار العقد يجب ترتيبه علي هذا العقد، و ان لم يحصل الملك.

الثالث: النصوص «1» المتضمنة للأمر بالتقابض و النهي عن البيع الا يدا بيد.

و فيه: ان تلك الأوامر و النواهي تكون ارشادا الي

شرطية التقابض لصحة العقد و تأثيره في الملك لا مولوية لما حقق في محله من ظهور الأوامر و النواهي في المعاملات في الارشاد. فالأظهر عدم لزوم التقابض.

و أما الجهة الثانية: فالكلام فيها من ناحيتين:

احداهما: من ناحية الأثر.

الثانية: من ناحية المقتضي.

اما من الناحية الاولي: فثبوت الأثر للخيار علي القول بوجوب التقابض واضح، فان اثره حينئذ ان له فسخ العقد و اسقاط وجوب التقابض باعدام موضوعه.

لا يقال: انه علي القول بوجوب التقابض كيف يجري الخيار الذي لازمه عدم وجوبه.

فانه يجاب بان الخيار معناه السلطنة علي حل العقد، و لا ينافي ذلك وجوب التقابض علي فرض بقاء العقد. و نظير هذا التكليف في الشرع كثير، لاحظ ما لو وهب امته للغير

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب الصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 258

و في الدروس يثبت يعني خيار المجلس في الصرف تقابضا اولا فان التزما به قبل القبض وجب التقابض، فلو هرب احدهما عصي و انفسخ العقد، و لو هرب قبل الالتزام فلا معصية و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لان للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه، انتهي.

و صرح الشيخ ايضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل التقابض،

و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليين علي القول بثبوت الخيار لهما من زمان اجازتهما علي القول بالنقل، و كذا علي الكشف (1) مع احتمال كونه من زمان العقد.

______________________________

فانه مع جواز الرجوع يحرم عليه وطئها مع عدم الرجوع، و وجب القصر ما دام مسافرا مع ان له ان يقصد الاقامة أو يصير حاضرا.

و أما علي القول بعدم وجوب التقابض، قال المصنف ففي اثر الخيار خفاء …

و فيه انه لا خفاء فيه، فان السلطنة

علي حل العقد و الغائه عن قابلية التأثير علي فرض التقابض غير السلطنة علي حله بالتفرق.

و أما من الناحية الثانية: فيمكن ان يقال بقصور ادلة خيار المجلس عن الشمول له من جهة ان ذيل النصوص الدالة علي ثبوت خيار المجلس يدل علي لزوم البيع بالافتراق،

فيصلح ذلك قرينة علي صدرها، و يكون الخيار ثابتا في بيع لو حصل افتراق البيعين يصير لازما، و أما بيع الصرف الذي يبطل بالافتراق قبل التقابض فلا يكون مشمولا لها.

هذا بناء علي عدم دخول التقابض في البيع شرعا، و الا فعدم ثبوت الخيار في غاية الوضوح لحكومة ما دل علي ذلك علي ادلة الخيار.

(1) قوله من زمان اجازتهما علي القول بالنقل و كذا علي الكشف.

و ذلك لان مبدأ الخيار انما هو من حين صدق عنوان البيع و هذا العنوان انما يصدق من حين الاجازة فيثبت الخيار من ذلك الحين من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 259

القول في مسقطات الخيار
اشارة

و هي اربعة علي ما ذكرها في التذكرة: اشتراط سقوطه في ضمن العقد،

و اسقاطه بعد العقد، و التفرق، و التصرف، (1) فيقع الكلام في مسائل:

مسألة: لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد
اشارة

و عن الغنية الاجماع عليه، (2) و يدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم

______________________________

سقوط الخيار باشتراط سقوطه

(1) السابعة: ذكر العلامة في التذكرة و من تأخر عنه: ان هذا الخيار يسقط باربعة اشياء: اشتراط سقوطه، اسقاطه بعد العقد، التصرف، التفرق.

فالكلام في مواضع:

(2) الأول: لا خلاف ظاهرا في سقوطه باشتراط سقوطه في ضمن العقد، و عن الغنية: الاجماع عليه، و عموم ادلة نفوذ الشرط «1» شاهد به.

و انما الخلاف هنا فيما افاده العلامة في التبصرة بقوله: (أو يشترطا سقوطه قبل العقد أو بعده) بعد معلومية ان مراده من بعد العقد ليس بعد تمامية العقد، بل بعد الشروع فيه.

و مورد الخلاف الاشتراط قبل العقد، فعن الشيخ في الخلاف: سقوط الخيار به، و عن المختلف بعد نقل ذلك عنه و عندي في ذلك نظر لأن الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا علي ذلك الشرط صح ما شرطاه. انتهي.

و اظن ان مراده في التبصرة هو ما ذكره اخيرا في المختلف.

و كيف كان: فشرط سقوط الخيار في قبال شرط عدم الفسخ، و شرط اسقاط الخيار اللذان- هما من قبيل شرط الفعل- يتصور علي وجهين احدهما: شرط سقوطه، بحيث يرجع الي اسقاط الخيار.

ثانيهما: شرط عدم كون العقد خياريا، و الاشكالات الآتية عمدتها تخص بالثاني،

و بعضها يختص بالأول، و بعضها يشترك بينهما.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و- باب 4- من ابواب المكاتبة و غيرهما من الأبواب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 260

و قد

يتخيل معارضته بعموم ادلة الخيار، (1) و يرجح علي تلك الادلة بالمرجحات (2) و هو ضعيف، لان الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود، (3)

و موافقة عمل الاصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم في عموم ادلة الشروط، كما يظهر من كتبهم

______________________________

و كيف كان: فيقع الكلام في مقامين:

الأول: في شمول ادلة الشروط لهذا الشرط و عدمه.

الثاني: في انه هل يعارض ادلة الخيار لأدلة الشروط علي فرض شمولها به ام لا.

و تبعا للمصنف نقدم البحث في المقام الثاني علي البحث في المقام الاول.

(1) المقام الثاني: قد يتوهم انه يعارض ادلة الشروط مع ادلة الخيار، و النسبة بينهما عموم من وجه، فلا وجه لتقديم الأولي.

و لكنه فاسد، فان كل مشروط لا محالة يكون محكوما بحكم قبل ان يقع في حيز الشرط، فحينئذ اما ان يوافق حكمه مع الشرط كما لو شرط فعل واجب أو مستحب، و أما ان يخالفه، لا سبيل الي تخصيص ادلة الشروط بالقسم الأول كما هو واضح.

و حيث ان نسبة دليل الشرط مع كل واحد من ادلة تلك الأحكام عموم من وجه،

فيدور الأمر بين تقديم جميعها علي دليل الشرط، و تقديمه علي جميعها، و تقديمه علي بعضها و الأخير مستلزم للترجيح بلا مرجح، و الأول مستلزم لإلغاء دليل الشرط.

فيتعين الثاني.

(2) و قد يقال انه يرجح علي تلك الادلة بالمرجحات.

(3) و اجاب عنه المصنف رحمه الله بان الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود.

و فيه انه بناء علي المذهب الحق انه في موارد التعارض بالعموم من وجه يرجع الي ادلة الترجيح و اول المرجحات الشهرة الفتوائية.

و عليه ففي المقام يتعين ترجيح ادلة الشروط: للاشهرية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 261

و نحوه في الضعف التمسك بعموم

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به، (1) إذ فيه ان ادلة الخيار اخص،

فيخصص بها العموم (2) بل الوجه مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط عدم نهوض ادلة الخيار للمعارضة، لانها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع (3)

فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي و هو الشرط لوجوب العمل به شرعا، بل التأمل في دليل الشرط يقضي

______________________________

(1) و قد يتوهم التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء علي صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به.

(2) و اجاب عنه المصنف: بان ادلة الخيار اخص، فيخصص به العموم.

و في حاشية السيد تقريب الاستدلال بآية وجوب الوفاء بتقريب آخر، و حاصله:

انحلال العقد المشروط الي عقدين: بيع و شرط، و اخصية دليل الخيار انما ينفع بالنسبة الي حيثية البيعية لا بالنسبة الي حيثية الشرطية، فيكون عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة الي عقد الشرط حاكما علي دليل الخيار نظير ما لو صالح علي سقوط الخيار في ضمن عقد البيع،

فان عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة الي الصلح مقدم علي ادلة الخيار.

و فيه: ان الشرط حيث انه مرتبط بالبيع لا محالة يكون دليل الخيار باطلاقه شاملا للبيع المجرد و البيع المشروط به، و هذا بخلاف الصلح، فانه عقد مستقل ليس من شئون البيع المحكوم بالخيار بدليله، فلا يشمل دليل الخيار باطلاقه البيع المجرد عنه و المقيد به، فدليل الخيار لا يعارض دليل نفوذ الصلح بخلاف دليل لزوم الشروط. و عليه فحيث ان دليل الخيار اخص فيقدم عليه.

و اجاب المصنف رحمه الله عنه عن معارضة ادلة الخيار مع ادلة الشروط.

(3) بعدم نهوض ادلة الخيار للمعارضة لانها مسوفة لبيان ثبوت الخيار باصل الشرع.

محصل ما افاده في المقام

جوابان احدهما: ان الخيار لم يلاحظ في موضوعه الا ذات البيع من حيث هو فلا ينافي ان يثبت له حكم آخر بعنوان عرضي،

الثاني: ان موضوع الخيار البيع المجرد عن الشرط و معه فهو موضوع آخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 262

بان المقصود منه رفع اليد عن الاحكام الاصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها في حيز الاشتراط فلا تعارضه ادلة تلك الاحكام فحاله حال ادلة وجوب الوفاء بالنذر و العهد في عدم مزاحمتها بادلة احكام الافعال المنذورة، لو لا النذر.

و يشهد لما ذكرنا من حكومة ادلة الشرط و عدم معارضتها للأحكام الاصلية حتي يحتاج الي المرجح استشهاد الامام في كثير من الاخبار بهذا العموم علي مخالفة كثير من الاحكام الاصلية، (1) منها صحيحة مالك بن عطية قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل كان له اب مملوك و كان تحت ابيه جارية مكاتبة قد ادت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد، هل لك ان اعينك في مكاتبتك حتي تؤدي ما عليك بشرط ان لا يكون لك الخيار بعد ذلك علي ابي إذا انت ملكت نفسك؟ قالت نعم، فاعطاها في مكاتبتها علي ان لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال عليه السلام لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم، و الرواية محمولة بقرينة الاجماع علي عدم لزوم الشروط الابتدائية علي صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم (2) أو المصالحة علي اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال، و كيف كان فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط علي نفي الخيار الثابت بالعمومات دليل علي حكومتها عليها لا معارضتها المحوجة الي التماس المرجح.

______________________________

و له حكم واحد بالذات من دون تفاوت بالذاتية و العرضية.

(1) ثمّ ان المصنف استشهد بصحيح مالك

بن عطية «1» المذكور في المتن علي ان ادلة الخيار كسائر ادلة الاحكام الاولية لا تصلح للمقاومة مع ادلة الشروط بل هي حاكمة علي جميعها و تبين المراد منها، و تدل علي ان المورد مشمول لأدلة الشروط.

و اورد عليه: بان مورد الصحيح الشرط الابتدائي، و هو غير نافذ بالاجماع.

(2) و اجاب عنه المصنف رحمه الله: بانه مطلق قابل لأن يقيد بصورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم أو المصالحة علي اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 263

نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه (1):

______________________________

و في حاشية السيد: الانصاف ان هذه الرواية دليل علي شمول ادلة الشروط للشروط البدوية، و انها ايضا واجبة الوفاء، و الاجماع علي الخلاف ممنوع.

و فيه: ان مورد الرواية الشرط في ضمن عقد الهبة، لاحظ قوله فاعطاها في مكاتبتها علي ان لا يكون لها الخيار.

و لم يظهر لي منشأ اشتباه القوم و تخيلهم كون مورده الشرط الابتدائي.

و الايراد عليه بان الهبة جائزة و الشرط في ضمن العقد الجائز غير لازم الوفاء سيأتي الجواب عنه.

و أما ما احتمله المصنف، من احتمال حمل الصحيح علي المصالحة علي اسقاط الخيار فهو يوجب خروجه عن محل الكلام و اجنبيته عنه من جهتين.

احداهما: من جهة ان المصالحة خارجة عن عنوان الشرط.

ثانيتهما: من جهة انها مصالحة علي الاسقاط دون السقوط.

و كلاهما خلاف الظاهر.

اما الاول: فلاستدلال الامام عليه السلام علي نفوذه بدليل الشرط.

و أما الثاني: فلان صريحه شرط عدم الخيار لا إسقاطه و قد تقدم ان مورده الشرط في ضمن عقد الهبة فراجع.

(1) اما المقام الأول: فقد اشكل علي التمسك بدليل الشروط في المقام من

وجوه:

احدها: ان مفاد المستفيض (المؤمنون- أو المسلمون- عند شروطهم) «1» لزوم العمل بالشروط، فلا بد و ان يكون الشرط فعلا اختياريا للمشروط عليه، و اختياريا له، فلا يشمل الشروط الخارجة عن تحت اختياره و قدرته، و منها شرط عدم الخيار.

و فيه ان هذا يتم في نفسه، الا ان صحيح «2» مالك المتقدم آنفا المذكور في المتن يدل علي صحة شرط عدم الخيار، و ان المستفيض يشمله، و هو يصلح قرينة علي ارادة نفوذ

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و- باب 4- من ابواب المكاتبة و غيرهما من الابواب.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 264

الأول: ان الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما، لان الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه علي اصل العقد، (1) بل هو كالوعد فلزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

______________________________

كل شرط يكون مربوطا بالمشروط عليه.

(1) ثانيها: ان الشرط في ضمن العقد الجائز لا يجب الوفاء به، لأنه لا يزيد حكمه علي حكم الأصل، بل هو كالوعد، فلزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد، فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

و فيه: اولا: انه لا دليل علي اعتبار كون العقد المشروط فيه لازما، بل مقتضي عموم دليل وجوب الوفاء به لزومه حتي في العقود الجائزة.

و دعوي انه لا يزيد حكمه علي حكم اصل العقد.

ان اريد بها انه تابع و التابع لا يزيد حكمه علي حكم المتبوع.

فيردها: انه ليس بتابع بهذا المعني، بل هو مستقل في الاعتبار و الدليل.

و ان اريد بها انه ينافي جواز العقد الذي لازمه جواز اعدامه و حله مع وجوب الوفاء بالشرط.

فيردها:

ان الجواز و للزوم لا يردان علي محل واحد كي يتنافيان، بل الجواز انما هو متعلق بما هو كالموضوع للزوم، و مقتضاهما معا انه يجوز حل العقد، و لكن علي فرض عدم الحل يجب الوفاء بالشرط، و كم له نظير في الفقه، فالحاضر يجب عليه الصوم و لكن له ان يسافر فلا يصوم، و هكذا غيره.

و ثانيا: انه لو تم البرهان المذكور كان لازمه اعتبار ان لا يبقي العقد جائزا مع لزوم شرطه لا لزوم العقد قبل لزوم العقد، فلا يكون هناك محذور من هذه الناحية.

و أما ما ذكره المحقق الاصفهاني رحمه الله زائدا علي ذلك: بان لزوم الشرط حسب الفرض و ان توقف علي لزوم العقد، الا ان لزوم العقد لا يتوقف علي لزوم الشرط بل يتوقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 265

الثاني: ان هذا الشرط مخالف لمقتضي العقد علي ما هو ظاهر قوله: البيعان بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد. (1)

الثالث: ما استدل به بعض الشافعية علي عدم جواز اشتراط السقوط من ان اسقاطه الخيار في ضمن العقد اسقاط لما لم يجب، لان الخيار لا يحدث الا بعد البيع فاسقاطه فيه كإسقاطه قبله، هذا، و لكن شي ء من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال.

اما الأول: فلأن الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية لانها كالوعد و الواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع بقائها علي الجواز، لان الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان، لان الشرط تابع و كالتقييد للعقد المشروط به. اما إذا كان نفس مؤدي الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فيما نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام اصل العقد، فلزومه

الثابت بمقتضي عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد، فلا يلزم تفكيك بين التابع و المتبوع في اللزوم و الجواز.

و أما الثاني: فلان الخيار حق للمتعاقدين اقتضاه العقد لو خلي و نفسه، (2)

______________________________

علي صحته، لأن مجرد صحته يكفي في سقوط الخيار.

فيرد عليه: ان دليل صحة الشرط و لزومه واحد، فمع عدم شمول دليل اللزوم لا سبيل الي الحكم بالصحة. فالصحيح ما تقدم.

(1) ثالثها: ان هذا الشرط مخالف لمقتضي العقد، و المراد من مقتضي العقد في المقام- علي ما ذكره المصنف رحمه الله: ما يشمل لازمه كالحكم الشرعي.

و عليه فلا يرد علي المصنف رحمه الله بالتهافت بين كلماته، حيث جعل الاشكال اولا في منافاته لمقتضي العقد، و اخيرا في منافاته لحكمه الشرعي كما في الحاشية.

و اجاب المصنف رحمه الله عن هذا الاشكال بوجهين:

(2) الأول: ان المتبادر من اطلاق دليل الخيار صورة الخلو عن اشتراط سقوطه،

و غاية ما يمكن ان يقال في توجيهه: ان الخيار حيث انه من باب الارفاق بالمالك كي يتروي في امر المعاملة، فدليله ينصرف الي صورة عدم الالتزام بالمعاملة و اشتراط عدم الخيار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 266

فلا ينافي سقوطه بالشرط، و بعبارة اخري المقتضي للخيار العقد بشرط لا،

لا طبيعة العقد من حيث هي، حتي لا يوجد بدونه و قوله: البيعان بالخيار و ان كان له ظهور في العلية التامة، الا ان المتبادر من اطلاقه صورة الخلو عن شرط السقوط، مع ان مقتضي الجمع بينه و بين دليل الشرط كون العقد مقتضيا لاتمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا، (1) نعم يبقي الكلام في دفع توهم انه لو بني علي الجمع بهذا الوجه بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة لم يبق شرط

مخالف للكتاب و السنة. بل و لا لمقتضي العقد و محل ذلك و ان كان في باب الشروط الا ان مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه، انا حيث علمنا بالنص و الاجماع ان الخيار حق مالي قابل للاسقاط و الارث، لم يكن سقوطه منافيا للمشروع «للمشروط» فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي، كما لو اشترطا في هذا العقد سقوط الخيار في عقد آخر.

______________________________

و فيه: ان هذا الانصراف بدوي لا يصلح لتقييد الاطلاق.

(1) الثاني: ان مقتضي الجمع بين دليل الخيار و دليل الشرط كون العقد مقتضيا لاتمام العلة.

و فيه: بعد اصلاحه بان المراد من كون العقد تارة علة تامة و اخري مقتضيا، هو: ان تمام الموضوع تارة نفس العقد، و اخري العقد المجرد عن الشرط، مثلا انه علي فرض شمول اطلاق دليل الخيار لصورة الاشتراط و منافاة الشرط له، يكون دليل الخيار مقدما لتقييد دليل الشرط بالشرط غير المخالف للكتاب و السنة.

و الحق ان يقال: - بعد عدم كون هذا الشرط منافيا لمقتضي العقد بمعناه الأخص و هو المنافي لحقيقة العقد كالبيع بشرط ان لا يملك، و المنافي لما يتقوم به العقد كالبيع بشرط ان لا يكون له عوض.

ان هذا الشرط ليس مخالفا للكتاب و السنة، فان الخيار من الحقوق القابلة للاسقاط و النقل، فله ان يسقطه بعد تحققه، و من اول آن ثبوته بان يمنع عن ثبوته، فشرط عدم الخيار بهذا المعني أو سقوطه ليس مخالفا للشرع لفرض جوازه و ان له ذلك. و تمام الكلام في ذلك موكول الي محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 267

و أما عن الثالث بما عرفت من ان المتبادر من النص المثبت للخيار صورة الخلو عن الاشتراط و اقدام

المتبايعين علي عدم الخيار، ففائدة الشرط ابطال المقتضي لا إثبات المانع، (1) و يمكن ان يستأنس لدفع الاشكال من هذا الوجه الثالث و من سابقه، بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة.

ثمّ ان هذا الشرط يتصور علي وجوه:

احدها: ان يشترط عدم الخيار و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط (2) فيقول: بعت بشرط ان لا يثبت خيار المجلس، كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة لان المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

______________________________

رابعها: ان اسقاط الخيار في ضمن العقد اسقاط لما لم يجب، فان الخيار لا يحدث الا بعد العقد، فاسقاطه في ضمن العقد كإسقاطه قبله.

(1) و اجاب المصنف رحمه الله عنه: بانه مع شرط الخيار لا تشمل ادلته ذلك العقد، ففائدة الشرط ابطال المقتضي لا إثبات المانع. و قد عرفت الجواب عن ذلك.

و الحق ان يقال: اولا: ان هذا الوجه مختص بشرط السقوط و لا يجري في شرط عدم الخيار، بمعني اشتراط عدم ثبوته.

و ثانيا: ان شرط سقوطه عند حصوله لا مانع منه سوي التعليق الذي لا دليل علي المنع عنه سوي الاجماع المختص بغير الشرط، كيف و قد ادعي الاجماع علي سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه في ضمن العقد.

فتحصل: ان شرط سقوط الخيار بكلا معنييه لا مانع عنه، و تشمله ادلة الشروط.

ثمّ ان هذا الشرط يتصور علي وجوه:

(2) احدها: ان يشترط عدم الخيار، قال المصنف: و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط فيقول بعت بشرط ان لا يثبت خيار المجلس كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة، لأن المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 268

الثاني: ان يشترط عدم الفسخ فيقول:

بعت بشرط ان لا أفسخ في المجلس، (1) فيرجع الي التزام ترك حقه، فلو خالف الشرط و فسخ، فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ، لان وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب اجباره عليه و عدم سلطنته علي تركه، كما لو باع منذور التصدق به علي ما ذهب إليه غير واحد، فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة في حقه، و يحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ علي ما قاله بعضهم من ان بيع منذور التصدق حنث موجب للكفارة لا فاسد،

______________________________

الثاني: ان يشترط سقوطه في فرض ثبوته و هذان القسمان من قبيل شرط النتيجة بخلاف القسمين الآخرين اللذين هما من قبيل شرط الفعل.

اشتراط عدم الفسخ

(1) الثالث: ان يشترط عدم الفسخ، فيقول بعث بشرط ان لا أفسخ و الكلام في هذا الوجه يقع في جهات:

الاولي: انه لو فسخ و عصي هل يؤثر هذا الفسخ في حل العقد ام لا؟

و قد ذكر في وجه عدم التأثير في قبال عموم دليل الخيار المقتضي للانحلال وجوه:

احدها: ما اشار إليه المصنف رحمه الله في ابتداء كلامه و اوضحه المحقق النائيني رحمه الله، و هو:

انه يشترط في نفوذ كل تصرف معاملي السلطنة عليه، و مع تعين عدم الفسخ عليه بمقتضي عموم دليل الشرط لا سلطنة له علي الفسخ، لأن الالزام بعدم الفسخ موجب لسلب القدرة عليه شرعا فلا يكون مؤثرا.

و فيه: ان المعتبر في نفوذ التصرف السلطنة الوضعية لا التكليفية، و مقتضي عموم دليل الشرط سلب السلطنة التكليفية، دون الوضعية. و قد تقدم توضيح ذلك في اول الجزء الاول من هذا الشرح فراجع.

ثانيها: ان الشرط يوجب حدوث حق للمشروط له في خيار المشروط عليه، و لذا يجوز اجباره

عليه، فهو ممنوع عن اعمال خياره لكونه متعلق حق الغير كما في بيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 269

و حينئذ فلا فائدة في هذا غير الاثم علي مخالفته إذ ما يترتب علي مخالفة الشرط في غير هذا المقام من تسلط المشروط له علي الفسخ لو خولف الشرط غير مرتب هنا، و الاحتمال الأول اوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال علي وجوب ترتب آثار الشرط، و هو عدم الفسخ في جميع الاحوال حتي بعد الفسخ، (1)

فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره في الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد علي كون فسخ احدهما منفردا لغوا، لا يرفع وجوب الوفاء.

______________________________

منذور التصدق.

و فيه: ان غاية ما يدل عليه دليل الشرط لزوم العمل به، و أما حدوث حق اعتباري للمشروط له فلم يدل عليه دليل، و جواز الاجبار مشترك بين التكليف و الحق.

ثالثها: ان دليل الخيار بالدلالة المطابقية يدل علي الترخيص التكليفي في الفسخ،

و من ذلك يستفاد الخيار، و ان المعاملة تنحل بفسخ من رخص له الفسخ، فإذا دل دليل الشرط علي رفع ذلك الترخيص و حرمة الفسخ ارتفع الخيار ايضا، لأن المدلول الالتزامي يتبع المدلول المطابقي في الحجية كتبعيتها لها في الوجود.

و فيه: ان المدلول المطابقي لدليل الخيار هو الوضع لا التكليف المحض.

(1) رابعها: ما ذكره المصنف رحمه الله اخيرا، و هو: ان مقتضي عموم دليل الشرط ترتيب آثار الشرط و هو عدم الفسخ حتي بعد الفسخ، و لازم ذلك وقوع الفسخ لغوا.

و فيه: ان مفاد دليل الشرط ليس ترتيب آثار المشروط، و لذا لو اشترط بيع شي ء لا يحكم بترتيب آثار البيع بدونه، بل مفاده نفوذ الشرط و صحته أو لزوم العمل به.

فتحصل مما ذكرناه: ان شرط

عدم الفسخ لا يوجب عدم تأثير الفسخ.

الثانية: في صحة هذا الشرط و شمول العموم له.

و قد يقال بعدم صحته من جهة المحذور الثاني من المحاذير المتقدمة، و هو كونه شرطا في ضمن عقد جائز.

و الجواب عنه: ما تقدم من ان الشرط في ضمن العقد الجائز لازم الوفاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 270

الثالث: ان يشترط اسقاط الخيار، (1) و مقتضي ظاهره وجوب الاسقاط بعد العقد (2) فلو اخل به و فسخ العقد ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان و الاقوي عدم التأثير،

______________________________

نعم لا يندفع ذلك بما اجاب به الشيخ رحمه الله من لزوم العقد بلزوم الشرط بناء علي القول بتأثير الفسخ كما لا يخفي.

الثالثة: في اثر هذا الشرط علي القول بتأثير الفسخ.

الظاهر انه لا أثر له سوي الاثم علي مخالفته، و ما يترتب علي مخالفة الشرط في سائر الموارد من تسلط المشروط له علي الفسخ عند مخالفة الشرط لا يترتب هنا كما لا يخفي.

(1) الرابع: ان يشترط اسقاط الخيار.

و الكلام في جواز هذا الشرط هو الكلام في جواز شرط عدم الفسخ، كما ان الكلام في تأثير الفسخ هو الكلام في تأثيره في الوجه المتقدم كما سنشير إليه.

و في المقام خصوصيات لا بد من الاشارة إليها:

احداها: هل يجب الاسقاط، ام لا؟ فيه وجهان، قال المصنف:

(2) ان مقتضي ظاهره وجوب الاسقاط بعد العقد.

و علق عليه السيد الفقيه بقوله: يعني ان ظاهر الاشتراط الاسقاط بعد العقد بلا فصل، و الا فمطلق الاسقاط بعد العقد مقتضي صريحه.

و لكن يمكن ان يكون نظر المصنف رحمه الله الي احد الوجهين:

اما الي انه بعد فرض اتحاد الاسقاط و السقوط حقيقة و اختلافهما اعتبارا لو اشترط الاسقاط يمكن حمله علي ارادة السقوط، فيسقط بعد البيع

و يمكن ان يكون مراده الفعل،

و الظاهر ارادة الثاني.

أو الي انكار هذا الظاهر، و انه لا يحتاج الي الاسقاط، بل يسقط الخيار بنفس هذا الشرط، و لم يكن للفسخ بعده اثر كما يختاره.

ثانيتها: علي فرض وجوب الاسقاط، لو اخل به، ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان، إذ مع لزوم الاسقاط لا سلطنة للمشروط عليه علي ضده، و هو اعمال الخيار بفسخ العقد و كذا دليل الشرط علي فرض دلالته علي لزوم ترتيب آثار الشرط يشمل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 271

و هل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار بعد العقد و ان لم يفسخ (1) وجهان من عدم حصول الشرط و من ان المقصود منه ابقاء العقد، فلا يحصل التخلف الا إذا فسخ، (2) و الاولي بناء علي القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار، لعدم تخلف الشرط و علي القول بتأثيره ثبوت الخيار لانه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد (3) و يكون بقاء المشترط علي سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له.

______________________________

اطلاقه بعد انشاء الفسخ فيكشف عن عدم تأثيره، و كذا الوجهان الآخران كما هو واضح، و قد عرفت فساد الجميع، فالأظهر تأثير فسخه.

(1) هل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار بعد العقد و ان لم يفسخ؟ فيه اقوال:

الأول: ان له ذلك مطلقا.

الثاني: عدم ثبوته له مطلقا.

الثالث: ما اختاره المصنف رحمه الله، و هو التفصيل بين القول بتأثير الفسخ و عدمه،

و اختيار أن له ذلك علي الأول دون الثاني.

و الأظهر هو الأول لما دل علي ثبوت الخيار للمشروط له إذا تخلف المشترط و لم يعمل بالشرط في سائر الموارد، فانه يجري في المقام طابق النعل بالنعل.

(2) و استدل للثاني: بان

المقصود منه ابقاء العقد، فلا يحصل التخلف الا إذا فسخ،

و بعده لا موضوع له.

(3) و المصنف رحمه الله قال: و الاولي بناء علي القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط، و علي القول بتأثيره ثبوت الخيار، لأنه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد.

و الظاهر ان مراده من عدم تخلف الشرط عدم تخلفه من حيث الغاية و النتيجة المرادة.

و يرد عليه: - مضافا الي ان الغرض قد يكون سقوط الحق لا خروج العقد عن التزلزل- ان الموجب للخيار تخلف الشرط بعنوانه لا من حيث تخلف الغاية المقصودة.

فالأظهر ثبوته مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 272

و قد يموت ذو الخيار و ينتقل الي وارثه. بقي الكلام في ان المشهور ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره في متن العقد، (1) فلو ذكراه قبله لم يفد لعدم الدليل علي وجوب الوفاء به، و صدق الشرط علي غير المذكور في العقد غير ثابت، لان المتبادر عرفا هو الالتزام المرتبط بمطلب آخر. (2) و قد تقدم عن القاموس انه الالزام و الالتزام في البيع و نحوه.

و عن الشيخ و القاضي تأثير الشرط المتقدم قال في محكي الخلاف لو شرطا قبل العقد ان لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط و لزم العقد بنفس الايجاب و القبول، ثمّ نقل الخلاف عن بعض اصحاب الشافعي ثمّ قال: دليلنا انه لا مانع من هذا الشرط و الاصل جوازه و عموم الاخبار في جواز الشرط يشمل هذا الموضع،

انتهي.

______________________________

الشرط غير المذكور في متن العقد

(1) قوله بقي الكلام في ان المشهور ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره في متن العقد بناء علي جواز الشرط كما هو المفروض في المقام، و ستعرف في محله تفصيل

القول فيه.

لا كلام في نفوذ الشرط المذكور في متن العقد و لو بأن يذكره قبل العقد و يشير إليه في العقد بان يقول مثلا: بعت علي ما ذكر.

كما لا كلام معتد به في عدم نفوذ الشرط غير المذكور في العقد و لم ينشأ العقد مبنيا عليه بان يكون حين العقد غافلا عنه.

انما الكلام فيما لو ذكر الشرط قبل العقد و وقع العقد مبنيا عليه.

فظاهر جماعة نفوذه.

و صريح آخرين عدمه.

و استدل لعدم العبرة به بوجوه:

(2) الأول: ما في المكاسب، و حاصله: ان الشرط هو الالزام أو الالتزام المرتبط بمطلب آخر، و عليه فالشرط المذكور سابقا لا يجب الوفاء به، لأنه اما وعد بالتزام أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به، و هو و ان كان باقيا الي حين العقد الا انه لا يرتبط بالالتزام العقدي الا بجعل المتكلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 273

و نحوه المحكي عن جواهر القاضي و قال في المختلف علي ما حكي عنه بعد ذلك و عندي في ذلك نظر، فان الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا علي ذلك الشرط صح ما شرطاه، انتهي.

اقول التبايع «التباني» علي ذلك الشرط ان كان بالاشارة إليه في العقد بأن يقول مثلا: بعت علي ما ذكر فهو من المذكور في متن العقد و ان كان بالقصد إليه و البناء عليه عند الانشاء، فهذا هو ظاهر كلام الشيخ. نعم يحتمل ان يريد الصورة الاولي و اراد بقوله قبل العقد قبل تمامه، و هذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط و يؤيده ايضا بل يعينه ان بعض اصحاب الشافعي انما يخالف في صحة هذا الاشتراط في

متن العقد و قد صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية في اشتراط عدم الخيار في متن العقد، و استدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد، فلا يصح اسقاطه قبل تمامه.

______________________________

و فيه: ان الالتزام الشرطي و البيعي كليهما من مقولة المعني لا اللفظ، و اللفظ مبرز لهما، و عليه فإذا كان الالتزام الشرطي باقيا الي حين العقد و اوقع العقد مبنيا عليه- اي قيد التزامه البيعي بالالتزام الشرطي بالنحو الصحيح الذي سيمر عليك في باب الشروط، الذي به يخرج العقد عن التعليق- صدق علي ذلك الالتزام الضمني الشرط حتي علي القول بانه التزام مربوط بمطلب آخر، فيشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان القصود و الدواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ علي طبقها، فمجرد وقوع العقد مبنيا علي شرط مع عدم ذكره في متن العقد لا يؤثر.

ثمّ تفطن لاشكال، و هو: انه لا إشكال في الاكتفاء بالقصد في الشروط التي جرت العادة و العرف علي الالتزام بها في العقد، كوصف الصحة، و تسليم المبيع و ما شابههما.

فأجاب عنه: بانه في تلك الشروط انشاء العقد انشاء لها لأنها من لوازم الفاظ العقود، فكما انه ينشأ بها معانيها المطابقية فكذا مداليلها الالتزامية، و هذا بخلاف الشرط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 274

و الحاصل ان ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف و التذكرة و استدلال الشيخ علي الجواز و بعض الشافعية علي المنع، يكاد يوجب القطع بعدم ارادة الشيخ صورة ترك الشرط في متن العقد و كيف كان. فالاقوي ان الشرط الغير المذكور في متن العقد، غير مؤثر لانه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق، لان المتحقق في السابق. اما وعد

بالتزام، أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به، و العقد اللاحق و ان وقع مبنيا عليه لا يلزمه لانه الزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد الا بجعل المتكلم، و الا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدي مثل العوضين و قيودهما حتي يقدر شرطا منويا،

فيكون كالمحذوف النحوي بعد نصب القرينة، فان من باع داره في حال بنائه في الواقع علي عدم الخيار له، لم يحصل له في ضمن بيعه ان شاء التزام بعدم الخيار و لم يقيد انشاءه بشي ء بخلاف قوله: بعتك علي ان لا خيار لي الذي مؤداه بعتك ملتزما علي نفسي و بانيا علي ان لا خيار لي فان انشاءه للبيع قد اعتبر مقيدا بانشائه

______________________________

الخاص للعاقد الخاص، فانه ليس من المداليل الالتزامية، فليس هو المنشأ في العقد الا مع ارتباط العقد به صريحا أو اشارة.

و فيه: انه في باب العقود و الايقاعات يعتبر وجود اللفظ أو مبرز آخر بلا كلام، و أما في باب الشروط فلا دليل علي اعتباره، و لعل الاكتفاء بالقصد و الالتزام النفساني في الشروط التي جرت العادة علي الالتزام بها في العقد اقوي شاهد علي ذلك إذ ليس ذلك الالتزام من لوازم الالتزام البيعي كي يكون اللفظ المبرز للالتزام البيعي مبرزا له بالالتزام.

و لو بني علي كفاية ذلك لا بد من البناء علي كفاية بناء المتعاقدين ايضا، فان بناء غيرهما من اهل العرف غير دخيل في الدلالة بهذا المعني.

الثالث: النصوص الواردة في النكاح الدالة علي انه لا عبرة بالشرط قبل العقد: منها:

موثق ابن بكير عن مولانا الصادق عليه السلام: إذا اشترطت علي المرأة شروط المتعة فرضيت به و اوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح فان اجازته فقد

جاز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 275

التزام عدم الخيار فحاصل الشرط الزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالاول و تمام الكلام في باب الشروط انشاء الله تعالي.

______________________________

و ان لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح «1».

و منها: موثق محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة متعة: انهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و انما الشرط بعد النكاح «2».

و منها: موثق ابن بكير عن الامام الصادق عليه السلام: ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز «3».

و فيه: اولا: ان هذه النصوص مختصة بشروط المتعة، و تدل علي انه إذا لم تذكر في ضمن العقد تنقلب دائما.

اما الأولان فواضح.

و أما الأخير فلقوله هدمه النكاح فان شروط المتعة يهدمها النكاح بدون الشرط.

و أما سائر الشروط فغاية الأمر عدم وجوب العمل بها لا هدمها و جعلها كالعدم.

و ثانيا: انه لا وجه للتعدي عن باب النكاح الي سائر الموارد و الأبواب.

و ثالثا: انها قابلة للحمل علي ما كان من الشروط سابقا و لم يكن مضمرا حال العقد علي وجه يكون مبنيا عليه، إذ لا يصدق كون الشرط قبل النكاح خاصة بعد فرض قصده في اثنائه.

فتحصل: ان الأظهر نفوذه و وجوب العمل به.

المنذور عتقه

______________________________

(1) الوسائل- باب 19- من ابواب المتعة من كتاب النكاح حديث 1.

(2) الوسائل- باب 19- من ابواب المتعة حديث 4.

(3) الوسائل- باب 19- من ابواب المتعة حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 276

فرع ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد، و هو ما إذا نذر المولي ان يعتق عبده إذا باعه بأن قال

لله: علي ان اعتقك إذا بعتك قال لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر، (1)

فيجب الوفاء به و لا يتم برفع الخيار و علي قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط و يصح البيع و يعتق انتهي.

اقول هذا مبني علي ان النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر علي التصرفات المنافية له. (2) و قد مر ان الاقوي في الشرط ايضا كونه كذلك.

______________________________

(1) ذكر العلامة في محكي التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد، و هو ما إذا نذر المولي ان يعتق عبده إذا باعه، قال: لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر.

و تصوير النذر المزبور بنحو يجب الوفاء به و يكون صحيحا: ان ينذر التملك ثمّ العتق،

إذ لو نذر العتق و هو ملك المشتري بطل النذر، و لو نذر العتق بعد التملك علي ان يكون التملك شرطا للنذر لم يجب التملك و الوفاء بالنذر.

و حينئذ تارة لا يمكن الاقالة أو الشراء منه ثانيا.

و اخري يمكن ذلك فالكلام يقع في موردين:

الأول: إذا لم يمكن الاقالة أو الشراء منه ثانيا.

لا اشكال في صحة البيع اشترط عدم الخيار ام لا، بناء علي ان الشرط الفاسد لا يفسد البيع و أما شرط عدم الخيار فهل يكون باطلا و فاسدا ام لا؟ وجهان.

قد استدل المصنف رحمه الله للأول:

(2) بان النذر المتعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر علي التصرفات المنافية له.

و فيه: اولا: ان غاية ما يقتضيه ذلك حرمة الشرط لا فساده لما تقدم من عدم دلالة الحرمة علي الفساد، الا ان يضم إليه ما سنذكره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 277

______________________________

و ثانيا: ان وجوب

الوفاء بالنذر انما يكون بعد البيع، فما لم يتم البيع لا وجوب من ناحية النذر كي يوجب عدم تسلط البائع علي هذا الشرط.

و الحق ان يقال: ان هذا الشرط من قبيل المقدمات المفوتة الموجبة لفوت الغرض و عدم القدرة علي امتثال التكليف في ظرفه- و قد حققنا في الاصول حرمتها- فيصير الشرط حراما، فلا يكون نافذا من جهة انه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة، و الشرط المخالف سواء كان المشروط مخالفا أو الشرط نفسه لا يكون نافذا علي ما سيجي ء في باب الشروط.

و دعوي ان الشرط المخالف بنفسه لا من جهة مخالفة المشروط انما لا يكون نافذا إذا كان الشرط مخالفا للشرع، و في المقام الشرط لا يكون مخالفا بنفسه و انما يكون المحرم اسقاط الخيار.

مندفعة بان الشرط بنفسه اسقاط، فيكون حراما و مخالفا للشرع.

المورد الثاني: ما إذا امكن الاقالة أو الشراء منه ثانيا، فقد افاد السيد الفقيه رحمه الله: انه يصح الشرط و لا مانع عنه.

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بان الاقالة أو الشراء ليس تحت قدرة الناذر، لأن تحقق هذه العناوين يتوقف علي ارادة شخص آخر، و قد لا يريدها، و ما هو تحت قدرته اعمال الفسخ، فيجب علي الناذر اعماله، و مقتضاه عدم صحة شرط سقوط الخيار.

و فيه: ان حرمة شرط سقوط الخيار انما تكون لأجل كونه تفويتا للغرض، فلو فرضنا العلم بعدم الفوت- و لو بفعل غير اختياري- لا يكون هذا الفعل مفوتا، فلا يكون حراما، فيكون صحيحا و نافذا.

فالأظهر ما افاده السيد رحمه الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 278

مسألة: و من المسقطات اسقاط هذا الخيار بعد العقد (1)
اشارة

بل هذا هو المسقط الحقيقي و لا خلاف ظاهرا في سقوطه بالاسقاط، و

يدل عليه بعد الاجماع، فحوي ما سيجي ء من النص الدال علي سقوط الخيار بالتصرف، معللا بأنه رضاء بالبيع، (2)

مضافا الي القاعدة المسلمة من ان لكل ذي حق اسقاط حقه، (3) و لعله لفحوي تسلط الناس علي اموالهم فهم اولي بالتسلط علي حقوقهم المتعلقة بالاموال،

______________________________

الاسقاط بعد العقد

(1) الثاني: من المسقطات: اسقاط هذا الخيار بعد العقد.

و استدل لسقوطه بالاسقاط بوجوه:

الأول: الاجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

(2) الوجه الثاني: فحوي ما سيجي ء من النص «1» الدال علي سقوط الخيار بالتصرف، معللا بانه رضا بالبيع، استدل بها المصنف رحمه الله.

و اورد عليه المحقق الايرواني رحمه الله: بان النص بعموم التعليل يدل علي حكم المقام بلا حاجة الي الفحوي، بل و مع منع الفحوي.

و لكن تقريب الفحوي علي مسلك المصنف رحمه الله- الملتزم بان لزوم العقد بالرضا و اقراره انما يكون من جهة ان مرجعه الي اسقاط الخيار: انه إذا دل الدليل علي مسقطية الرضا و كونه موجبا للزوم من جهة ان مرجعه الي اسقاط الخيار، فنفس الاسقاط اولي بان يكون مسقطا للخيار.

فلا يرد عليه ما اورده المحقق المذكور.

(3) الثالث: القاعدة المسلمة من ان لكل ذي حق اسقاط حقه لفحوي تسلط الناس علي اموالهم «2» فهم اولي بالتسلط علي حقوقهم المتعلقة بالأموال.

و اورد عليه بوجوه:

احدها: ان دليل السلطنة ضعيف السند.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) البحار ج 1 ص 156 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 279

______________________________

و فيه: انه لاعتماد الأصحاب عليه و تمسكهم به يكون معتبرا.

ثانيهما: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان علقة الحق اضعف من علقة المال،

و السلطنة في القوي لا تقتضي السلطنة في الضعيف بل الأمر بالعكس، فلو

ثبتت السلطنة في الحق اقتضي فحواها السلطنة في المال.

و فيه: انه علي فرض تسليم دلالة هذا الدليل علي سلطنة الانسان علي اعدام الملك،

و الاعراض عنه يتم هذه الاولوية، إذ السلطنة علي اعدام القوي و اذهابه توجب بالاولوية السلطنة علي اعدام الضعيف.

و ان شئت قلت: ان السلطنة في الشي ء غير السلطنة علي الشي ء، و الاولوية في الثانية بخلاف الاولوية في الاولي.

ثالثها: ان دليل السلطنة لا يدل علي ان للمالك الاعراض عن ماله و سلب الملكية عن نفسه لما تقدم في الجزء الثالث من هذا الشرح في مبحث المعاطاة من انه كسائر الأدلة انما يدل علي ثبوت الحكم علي فرض وجود الموضوع، و لا نظر له الي بقاء الموضوع و ارتفاعه، و موضوع السلطنة المال المضاف باضافة الملكية، فلا يدل علي ان له الاعراض عنها.

و بعبارة اخري: انه يدل علي ان له السلطنة علي التصرفات في المال، و لا يدل علي ان له السلطنة علي السلطنة باعدامها و الاعراض عنها، و عليه فلا يدل بالفحوي علي ان له اسقاط الحق و اعدامه.

لا يقال: انه حيث لا معني لتسلطهم علي مثل هذه الحقوق غير القابلة للنقل الا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الاسقاط كما عن المصنف فلو دل هذا الدليل علي ثبوت السلطنة علي الحقوق بالاولوية دل علي ان له الاسقاط.

فانه يقال: ان هذا يتم لو كان ذلك- اي ثبوت السلطنة علي الحقوق- مفاد دليل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 280

و لا معني لتسلطهم علي مثل هذا لحقوق الغير القابلة للنقل، (1) الا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الاسقاط، و يمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام الابتدائي. ثمّ ان الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه

بإحدي الدلالات العرفية (2) للفحوي المتقدمة (3) و فحوي ما دل علي كفاية بعض الافعال في اجازة عقد الفضولي. (4)

______________________________

خاص لا فيما إذا كان مستفادا من الدليل العام، فان الالتزام بعدم السلطنة في مثل هذه الحقوق رأسا لعدم المعني لها لا يترتب عليه محذور.

(1) قوله لا معني لتسلطهم علي مثل هذه الحقوق … الا نفوذ تصرفهم فيها فقد أورد عليه السيد بانه علي فرض كونه قابلا للنقل ايضا يمكن الاستدلال بان يراد الأعم من النقل و الاسقاط.

و قد عرفت في ذيل الايراد الثالث علي الوجه الثاني: انه يمكن توجيه كلام المصنف ره بنحو لا يرد عليه هذا الايراد، و ان كان غير تام علي اي تقدير. فراجع.

(2) قوله ثمّ ان الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه باحدي الدلالات.

و قد استدل له بوجوه:

(3) الأول: فحوي ما دل علي سقوط الخيار بالتصرف، فانه إذا كان الفعل الكاشف عن الرضا بالبيع و الالتزام به مسقطا للخيار فاللفظ الدال علي ذلك اولي بان يكون مسقطا لأقوائية اللفظ من الفعل.

و هذا هو مراد المصنف رحمه الله من قوله للفحوي المتقدمة.

فلا يرد عليه ما عن المحقق الخراساني رحمه الله من: ان دليل السلطنة لا يتكفل نفوذ السبب بل يتكفل مشروعية المسبب: فانه يتوقف علي ارادة الفحوي الثانية لا الأولي.

(4) الثاني فحوي ما دل علي كفاية بعض الأفعال في اجازة عقد الفضولي.

و فيه: انا لم نجد ما يدل علي دلك سوي طائفتين من النصوص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 281

و صدق الاسقاط النافذ بمقتضي ما تقدم من التسلط علي اسقاط الحقوق و علي هذا فلو قال احدهما: اسقطت الخيار من الطرفين، فرضي الآخر سقط خيار الراضي (1)

ايضا، لكون رضاه باسقاط الآخر خياره

اسقاطا ايضا.

______________________________

احداهما: في العبد يزوج نفسه بغير اذن مولاه، المتضمنة: ان سكوت المولي بعد العلم اقرار منه «1».

ثانيتهما: في المرأة تزوج نفسها في حال السكر، المتضمنة: انها لو اقامت معه بعد الافاقة يكون التزويج نافذا «2».

و موردهما ما يكون العقد تاما من جميع الجهات سوي عدم احراز رضا من يعتبر رضاه بالعقد، و من المعلوم ان الرضا القلبي يكفي باي شي ء احرز، و هذا بخلاف الموارد التي يكون العقد فيها ناقصا من جهة اخري و تتوقف تماميته من تلك الناحية علي الانشاء كبيع الفضولي، حيث انه ناقص من جهتين: من ناحية الرضا، و من ناحية عدم كونه مستندا الي المالك، و هو من الجهة الثانية يحتاج الي الانشاء، و لهذا لا يكفي في الاجازة الرضا القلبي، بل لا بد من الانشاء.

و المقام من هذه الموارد، اي يتوقف علي الانشاء و لا يكفي مجرد الرضا القلبي بسقوط الخيار، فهذا الوجه غير تام.

الثالث: ان مقتضي اطلاق الدليل كفاية كل ما يصدق عليه الاسقاط و فرع المصنف علي ذلك و قال.

(1) و علي هذا فلو قال احدهما اسقطت الخيار من الطرفين فرضي الآخر سقط خيار الراضي لعل وجه التفريع علي ما سبق انه بناء علي كفاية كل ما يدل علي الاسقاط في سقوط الحق لو انشأ احدهما السقوط من الطرفين و رضي الآخر كفي ذلك في سقوط الخيار لتحقق الانشاء و الرضا.

و لكن يرد عليه ان انشاء احدهما السقوط من طرف الآخر لا يكفي بل لا بد من استناده إليه و علي فرض جريان الفضولي في الايقاع لا بد من اعتبار الاجازة تحقيقا للاستناد و الرضا بالاسقاط ليس انشاء للسقوط و اسقاطا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب نكاح

العبيد و الاماء.

(2) الوسائل- باب 14- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 282

مسألة: لو قال احدهما لصاحبه: اختر، (1) فإن اختار المأمور الفسخ فلا اشكال في انفساخ العقد، و ان اختار الامضاء ففي سقوط خيار الامر ايضا مطلقا كما عن ظاهر الأكثر بل عن الخلاف، الإجماع عليه، أو بشرط إرادته تمليك الخيار لصاحبه، و إلا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة، أو مع قيد ارادة الاستكشاف دون التفويض و يكون حكم التفويض كالتمليك، اقوال و لو سكت فخيار الساكت باق اجماعا، و وجهه واضح. و أما خيار الامر ففي بقائه مطلقا أو بشرط عدم ارادة تمليك الخيار، كما هو ظاهر التذكرة، أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ، اقوال و الاولي ان يقال: ان كلمة اختر

______________________________

لو قال احدهما لصاحبه اختر

(1) مسألة: لو قال احدهما لصاحبه اختر فان اختار الفسخ فلا اشكال في انفساخ العقد، و ان اختار الامضاء ففي سقوط خيار الأمر ايضا اقوال:

احدها: السقوط مطلقا. نسب ذلك الي جمع من الأساطين فيما لو اختار الامضاء،

و أما لو سكت فلم اظفر بمن يقول بالسقوط و ان نسب الي الشيخ رحمه الله، و لكن الثابت خلافه.

ثانيها: السقوط إذا قصد التمليك.

ثالثها: السقوط إذا قصد التمليك أو التفويض.

رابعها: السقوط إذا قصد التمليك و اسقط الآخر.

خامسها: عدم السقوط.

و لا يخفي ان عنوان هذه المسألة انما يكون تبعا للنص: روي نافع عن ابن عمر: ان النبي صلي الله عليه و آله قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول احدهما لصاحبه اختر. «1» من جهة ان الأصحاب لم يفهموا منه التعبد المحض فالتجئوا الي تطبيقه علي القواعد، و حيث انه نبوي و لم يصل الينا بطريق معتبر،

و اعتماد الأصحاب عليه غير ثابت،

فهو لا يصلح لأن يعتمد عليه في الحكم، فلا بد من ملاحظة القواعد.

______________________________

(1) الخلاف كتاب البيوع مبحث خيار المجلس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 283

بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب احد طرفي العقد من الفسخ و الامضاء،

و ليس فيه دلالة علي ما ذكروه من تمليك الخيار أو تفويض الامر أو استكشاف الحال نعم الظاهر عرفا من حال الامر ان داعيه استكشاف حال المخاطب (1) و كأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب امر الشي ء، كما يظهر من باب الطلاق فإن تم دلالته حينئذ علي اسقاط الامر خياره بذلك و الا فلا مزيل لخياره،

______________________________

و ملخص القول فيه: انه لا خلاف في معني كلمة اختر مادة و هيئة، و لكن بعد عدم ارادة طلب الاختيار حقيقة يحتمل فيها معان:

احدها: ان يكون انشاء الطلب بها بقصد اسقاط حقه و الاعراض عنه.

ثانيها: ان يكون لغرض نقل خياره الي صاحبه و تمليكه اياه.

ثالثها: ان يكون بقصد تفويض اعمال خياره بفسخ أو امضاء الي صاحبه.

(1) رابعها: ان يكون بغرض استعلام حال المخاطب.

و علي جميع هذه المحتملات لو اختار الآخر الفسخ لا إشكال في الانفساخ، كما انه لو سكت لا كلام في عدم سقوط خياره، و لو اجاز لا كلام في سقوط خياره.

انما الكلام فيما لو اختار الامضاء أو سكت في انه هل يسقط خيار الأمر ام لا.

اما علي الاول: فيسقط خياره بمجرد الامر.

و أما علي الثاني: فان قبل صاحبه التمليك سقط و الا فلا.

لا يقال: انه قد تقدم عن المصنف رحمه الله و غيره: ان هذا الخيار لا يقبل النقل، فكيف يحكم بسقوط خياره.

فانه يجاب اولا: قد مر أنه قابل له.

و ثانيا: ان من يقول بعدم

قابليته للنقل انما يلتزم به في النقل الي الأجنبي من جهة انه خيار المجتمعين و يكون مغيا بافتراقهما، فلا يمكن نقله الي غير من هو طرف المعاملة.

و أما في النقل الي من هو طرف المعاملة فلا يلتزم به لعدم جريان هذا الوجه فيه.

و أما علي الثالث: فان سكت يبقي خياره، و ان اختار الامضاء من الطرفين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 284

و عليه يحمل علي تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض اخبار خيار المجلس، انهما بالخيار ما لم يفترقا، أو يقول احدهما لصاحبه اختر. (1)

ثمّ انه لا إشكال في ان اسقاط احدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر،

و منه يظهر انه لو اجاز احدهما و فسخ الآخر، انفسخ العقد لأنه مقتضي ثبوت الخيار، فكان العقد بعد اجازة احدهما جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز، كما لو جعل الخيار من اول الأمر لاحدهما و هذا ليس تعارضا بين الاجازة و الفسخ و ترجيحا له عليها.

نعم لو اقتضت الاجازة لزوم العقد من الطرفين (2) كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف احد المتعاقدين أو من طرفهما لمتعدد كالاصيل و الوكيل فأجاز احدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة، كما لو باع عبدا بجارية، ثمّ اعتقهما جميعا، حيث ان اعتاق العبد فسخ، و إعتاق الجارية، اجازة،

أو اختلف الورثة في الفسخ و الإجازة تحقق التعارض. و ظاهر العلامة في جميع هذه الصور، تقديم الفسخ، و لم يظهر له وجه تام و سيجي ء الاشارة الي ذلك في موضعه.

______________________________

سقط، إذ خيار الموكل لا يسقط ما لم يجز الوكيل من طرفه.

و أما علي الرابع: فلا يسقط خياره اصلا حتي بعد الاجازة.

و لا يبعد دعوي ظهوره

في الأول أو الثاني، و علي فرض عدم الظهور في شي ء منها مقتضي الاستصحاب بقاء الخيار حتي بعد الامضاء.

(1) قوله و عليه يحمل علي تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض … اختر من المقطوع به عدم كون هذه الكلمة الصادرة من احدهما غاية لخيار كل منهما و عليه فلا بد من حمل ذلك علي انها غاية لمجموع الخيارين لا لكل واحد منهما.

(2) قوله نعم لو اقتضت الاجازة لزوم العقد من الطرفين.

و ضابط ذلك ان يكون الخيار ثابتا للطبيعة المنطبقة علي كل منهما كما في خيار الورثة علي احتمال- أو يكون اجازة احدهما اجازة للآخر و مستندة إليه ايضا كما في الخيار الثابت للوكيل و الاصيل- فان اجازة الوكيل اجازة للموكل و مستندة إليه اللهم الا ان يقال ان فسخ الاصيل مقارنا لإجازة الوكيل يكون عزلا و عليه فيؤثر الفسخ اثره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 285

مسألة: من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين (1)
اشارة

و لا اشكال في سقوط الخيار به و لا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع، (2) و ان كان ظاهر بعض الاخبار ذلك (3) مثل قوله، فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا و معني حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد، افتراقهما بالنسبة الي الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الاضافي و لو بمسماه ارتفع الخيار

______________________________

من المسقطات افتراق المتبايعين

(1) الثالث: من جملة مسقطات الخيار: افتراق المتبايعين.

لا كلام في مسقطية الافتراق- بمعني انتهاء امد الخيار به.

انما الكلام وقع في موارد ثلاثة:

الأول: في ان مسقطية الافتراق هل تكون من جهة كاشفيته عن الرضا بلزوم العقد،

أو أنه بنفسه مسقط و غاية للخيار.

الثاني: في تعيين اقل ما يحصل به الافتراق.

الثالث: في انه هل يلزم حركة كل منهما

الي جانب ام يكفي حركة احدهما؟

(2) اما المورد الأول: فالحق انه بنفسه غاية له، إذ لا طريقية و لا كاشفية للتفرق عن الرضا، و الشاهد به ملاحظة حال سائر اقسام الخيار، فهل يتوهم احد كاشفية التفرق عن الرضا فيها، مع ان مقتضي اطلاق النصوص «1» عدم اعتبار شي ء في ذلك غير عنوان التفرق.

و استدل لاعتبار كشفه عن الرضا و ان مسقطيته بهذا الاعتبار بوجهين:

احدهما: قوله عليه السلام في صحيح جميل فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما. «2» و إليه اشار المصنف بقوله.

(3) و ان كان ظاهر بعض الاخبار ذلك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار. 2- نفس المصدر.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 286

فلا يعتبر الخطوة، (1) و لذا حكي عن جماعة: التعبير بأدني الانتقال. و الظاهر ان ذكره في بعض العبارات لبيان اقل الافراد خصوصا مثل قول الشيخ في الخلاف اقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبني علي الغالب في الخارج أو في التمثيل لاقل الافتراق فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفي مجرد افتراقهما و يظهر من بعض اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الاصحاب. و عن صريح آخر التأمل، و كفاية الخطوة لانصراف الاطلاق الي ازيد منها فيستصحب الخيار، و يؤيده قوله في بعض الروايات: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطأ ليجب البيع حين افترقنا، و فيه منع الانصراف و دلالة الرواية.

______________________________

ثانيهما: ان الطريقة العقلائية جارية علي انهم إذا اجتمعوا علي انفاذ معاملة لا يفترقون الا بعد التزامهم بها، فالمطلقات محمولة علي الغالب، فلا دليل علي انتهاء امد الخيار في غير مورد الرضا.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلما عرفت من منع الكاشفية، نعم كاشفيته عن الرضا بالبيع لا تنكر، مع ان المطلق

لا يحمل علي الغالب.

و أما الثاني: فلأنه حيث لم يذكر متعلق الرضا في الخبر فيمكن ان يكون المراد الرضا باصل المعاملة اما بان يكون المراد انهما أو جدا البيع عن الرضا، أو انهما رضيا بالبيع بمعني عدم الاكراه و الفسخ قبل التفرق، و يمكن ان يكون المراد الرضا بالتفرق في مقابل صدوره عن كره، و يمكن ان يكون المراد الرضا بلزوم العقد.

و لو لم ندع ظهوره في الأول فلا اقل من الاجمال، و حيث ان الاستدلال يتوقف علي ارادة الثالث فهو لا يتم لعدم ثبوتها.

الغريب ان المصنف رحمه الله في المقام بني علي عدم اعتبار هذا الظهور، و في المسألة الآتية يصرح باعتباره استنادا الي الصحيح.

و أما المورد الثاني: فالأقوال فيه ثلاثة:

(1) احدها: كفاية مجرد الافتراق و لو كان اقل من خطوة. ذهب إليه المصنف رحمه الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 287

ثمّ اعلم ان الافتراق علي ما عرفت من معناه يحصل بحركة احدهما و بقاء الآخر في مكانه فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق افتراقهما، (1) فالحركة من احدهما لا يسمي افتراقا حتي يحصل عدم المصاحبة من الآخر، فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من الساكن، و لو تحرك كل منهما، كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر، و كيف كان فلا يعتبر في الافتراق المسقط، حركة كل منهما الي غير جانب الآخر، كما يدل عليه الروايات الحاكية لشراء الإمام عليه السلام ارضا و انه عليه السلام قال:

______________________________

ثانيها: اعتبار الخطوة و كفايتها.

ثالثها: عدم كفايتها ايضا، و ان المدار علي صدق الافتراق عرفا.

و الأظهر هو الأخير لوجهين:

الأول: ان الافتراق المجعول غاية في مقابل الاجتماع البدني الصادق علي ما إذا كان الفصل

بينهما خطوة أو اقل أو اكثر من المفاهيم العرفية الذي لا يشك احد في عدم صدقه بمجرد التباعد بخطوة أو خطوتين.

الثاني: قوله عليه السلام في جملة من النصوص: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع. «1» تقريب الاستدلال به: تعليقه عليه السلام وجوب البيع علي المشي خطي، و لا ريب في ظهوره في عدم كفاية الأقل، و ليس مورد الاستدلال به فعله عليه السلام كي يقال انه لا يدل علي اعتبارها.

و استدل: للأول: بان الموضوع هو الافتراق الصادق علي الأقل من الخطوة.

و فيه: ان الافتراق غير التباعد، و الثاني يصدق بادني فصل بخلاف الأول.

و أما المورد الثالث: فمحل الكلام ليس صدق التفرق مع عدم تأثير من المتفرقين، بل هذا يبحث فيه في المسألة الآتية، و المفروض في المقام صدقه بدونه.

(1) بل هو كفاية حركة احدهما مع سكون الآخر. و الأظهر ذلك، لأن الهيئة الاجتماعية الحاصلة للمتبايعين محققة لصدق الاجتماع، و ان كلا منهما مجتمع مع الآخر،

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 288

فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا (1) فاثبت افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط.

مسألة: المعروف انه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه

إذا منع من التخاير أيضا (2) سواء بلغ حد سلب الاختيار ام لا لأصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار من الفعل المسند الي الفاعل المختار، (3) مضافا الي حديث: رفع ما استكرهوا عليه (4) و قد تقدم في مسألة

______________________________

و عدم تلك محقق لعنوان الافتراق- اي افتراق كل منهما عن صاحبه- و عليه فلو تحرك احدهما و سكن الآخر تنعدم الهيئة الاجتماعية، فلا محالة يصدق الافتراق. و اضف الي ذلك اثبات الامام عليه السلام افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط حين قال:

(1) فمشيت

خطي ليجب البيع حين افترقنا.

الافتراق عن اكراه

(2) قوله المعروف: انه لا اعتبار بالافتراق عن اكراه إذا منع من التخاير.

و قد استدل لذلك بوجوه:

(3) الأول: تبادر الاختيار من الفعل المسند الي الفاعل المختار.

و اجاب عنه المصنف رحمه الله: بان المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار.

و الحق ان يقال: انه لا يتبادر الاختياري في مقابل الاضطراري ايضا، لأن هيئات الأفعال موضوعة نوعيا، مثلا هيئة فعل وضعت لإفادة النسبة التحققية في ضمن اي مادة كانت. و قد تكون المادة اختيارية، و لا سبيل الي غير الاختيارية فيها كباع و طلق، و قد تكون بالعكس كمات و وجد و غيرهما. و قد يجوز الأمر ان فيها و الهيئة في جميع ذلك تستعمل في معني واحد و لها وضع واحد. و بذلك يستكشف عدم دخل الاختيار في معناها اصلا.

(4) الثاني: حديث رفع ما استكرهوا عليه «1» بدعوي انه يدل علي ان الافتراق

______________________________

(1) الوسائل- باب 56- من ابواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 289

اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه عموم: الرفع للحكم الوضعي المحمول علي المكلف فلا يختص برفع التكليف، هذا. و لكن يمكن منع التبادر فإن المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لم يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل، بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد علي تركه، فإن التبادر ممنوع، فإذا دخل الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل، مع ان المعروف بين الاصحاب ان الافتراق و لو اضطرارا مسقط للخيار، إذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الامضاء، مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار

______________________________

عن كره لا يترتب عليه الأثر

و وجوده كالعدم و قد تقدم في مسألة اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه شمول الحديث للحكم الوضعي.

و قد اورد علي الاستدلال به بوجوه:

احدها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله و السيد في الحاشية، و هو: انه من التزام القائل باعتبار الاختيار في مقابل الاكراه بسقوط الخيار مع النسيان و الغفلة يستكشف ان ذات الافتراق من حيث هو جعل من المسقطات لا بما هو فعل صادر عن اختيار، و حديث الرفع انما يجري فيما كان الفعل منوطا بالقصد كالعقود.

و فيه: ان النقض بالنسيان و الغفلة يمكن ان يجاب عنه بما اجبنا به عن ايراد المصنف و هو ثالث الوجوه و سيأتي.

و أما ما افاده من اختصاص الحديث بالأفعال القصدية.

فيرد عليه ما حققناه في محله من منع التخصيص بعد اطلاق الدليل.

ثانيها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله من انه من كون مورد بعض المرفوعات منحصرا في متعلق التكليف كالحسد يستكشف اختصاص الحديث بمتعلقات التكاليف، و لا يعم الموضوعات لعدم الجامع بين المتعلق و الموضوع، و لذا لو تحقق الاقامة عن كره لا يرفع حكمها بالحديث، و التفرق من قبيل الموضوع لا المتعلق فلا يشمله الحديث.

و فيه: ان الحديث يدل علي رفع كل ما هو في عالم التشريع عن ذلك العالم إذا كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 290

قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور، لأنه إذا كان متمكنا من الامضاء و الفسخ فلم يفعل، حتي وقع التفرق كان ذلك دليلا علي الرضا و الامضاء، انتهي.

و في جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار انتهي.

و منه يظهر انه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره للاعتراف بدخول المكره و المضطر إذا

تمكنا من التخاير.

و الحاصل ان فتوي الأصحاب هي ان التفرق عن إكراه عليه و علي ترك التخاير غير مسقط للخيار، (1) و انه لو حصل احدهما باختياره سقط خياره، و هذا لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الادلة بالتفرق الاختياري، و لا بأن مقتضي حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق، لأن المفروض ان التفرق الاضطراري ايضا مسقط

______________________________

عن كره، من غير فرق بين الموضوع و المتعلق، و لذا لو شرب الخمر عن اكراه يجوز الاقتداء به و ان ورد لا تصل خلف شارب الخمر. و قد صرح بذلك هو قده في حديث الرفع.

و أما مسألة الاقامة فالجواب عنها: ان الاقامة ليست موضوع وجوب التمام، بل الموضوع هو العلم بها، و هو لا يكون اكراهيا، و ما هو اكراهي ليس متعلق التكليف و لا موضوعه.

(1) ثالثها: ما افاده المصنف رحمه الله: بانه لو كان الحديث مدرك هذا الحكم كان اللازم البناء علي عدم مسقطية التفرق الاكراهي مع عدم المنع من التخاير، و لم يلتزموا بذلك،

فيستكشف منه انه لا يكون الحديث مدركا له.

و فيه: انه ان كان اجماع تعبدي علي السقوط كان هو المقيد للاطلاق، و به ترفع اليد عما يقتضيه الحديث، و الا يلتزم المستدل بعدم السقوط في هذا الفرض أيضا.

رابعها: - و هو الصحيح- و هو: ان لسان الحديث هو رفع الحكم لا وضعه، و لذا لو تعلق الاكراه بعدم التزويج لا يحكم بتحقق الزوجية، و التفرق ليس موضوع الحكم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 291

مع وقوعه في حال التمكن من التخاير، فالأولي الاستدلال عليه مضافا إلي الشهرة المحققة الجابرة للإجماع المحكي و إلي ان المتبادر من التفرق ما كان عن رضاء بالعقد (1) سواء وقع

اختيارا أو اضطرارا بقوله عليه السلام في صحيحة الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما، (2) دل علي ان الشرط في السقوط الافتراق و الرضا منهما، و لا ريب ان الرضا المعتبر ليس الا المتصل بالتفرق (3) بحيث يكون التفرق عنه إذ لا يعتبر الرضا في زمان آخر اجماعا، أو يقال ان قوله بعد الرضا اشارة الي اناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما، فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد (4) و اعراضهما عن الفسخ

______________________________

بل هو سبب لارتفاع ما هو الموضوع للخيار. و أما اللزوم فهو يثبت بادلته و موضوعه العقد.

و بالجملة: موضوع الخيار اجتماع المتبايعين، و الافتراق سبب لانعدامه، و هو ليس موضوعا لحكم، فلا يصح ان يقال ان التفرق الاكراهي كلا تفرق، فكان الاجتماع باق.

فالأظهر عدم صحة الاستدلال به.

(1) الثالث: ان المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد. استدل به المصنف رحمه الله.

و فيه: ما تقدم في المسألة المتقدمة من منع كاشفيته عن الرضا، فلا وجه لهذه الدعوي اصلا.

(2) الرابع: قوله عليه السلام في صحيح الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «1».

و ذكر المصنف رحمه الله في تقريب الاستدلال به وجهين:

(3) الأول: انه يدل علي ان الافتراق المجعول غاية هو الذي ينبعث عن الرضا بالعقد،

بمعني انه بعد الفراغ عن امر العقد و الرضا به يفترقان.

(4) الثاني: ان الافتراق من حيث كاشفيته عن الرضا بالعقد جعل غاية، و علي التقديرين الافتراق الاكراهي غير مشمول له، لأنه غير منبعث عن الرضا و لا كاشف

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 292

و علي كل تقدير. فيدل علي ان المتفرقين و لو اضطرارا،

إذا كانا متمكنين من الفسخ و لم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد فسقط خيارهما، فهذا هو الذي استفاده الشيخ قدس سره كما صرح به في عبارة المبسوط المتقدمة

______________________________

عنه و الفرق بين الوجهين هو الفرق بين مقام الثبوت و الاثبات.

و فيه: اولا: ما عرفت من تطرق احتمالات في الرضا الموجود في الحديث.

و ثانيا: انه لو سلم ان المراد بالرضا هو الرضا بلزوم العقد و الالتزام به.

انما نلتزم بالتقييد إذا كان لسان الخبر هكذا، فلا خيار لهما ان افترقا بعد الرضا منهما.

و أما مفاد ما في الخبر فهو كون الافتراق التزاما عمليا، و يكون قوله بعد الرضا بيانا للافتراق.

و بعبارة اخري: مفاد ما في الخبر انه لا خيار بعد الافتراق لكونه رضا بالعقد.

الخامس: ان تشريع الخيار انما هو للارفاق بالمتبايعين، و هذا لا يلائم مع سقوطه بالافتراق الاكراهي.

و فيه: اولا: ان ذلك حكمة لا يدور الحكم مدارها.

و ثانيا: ان اصل ثبوت الخيار انما هو للارفاق، و هذا لا يلازم مع كون غاية الخيار ايضا ملائمة له.

السادس: الاجماع المحكي عن غير واحد.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

فالأظهر سقوط الخيار بالافتراق الاكراهي ايضا.

هذا إذا كان الاكراه علي التفرق مع المنع من التخاير، و أما مع عدم المنع منه فالأمر اوضح.

لو اكره احدهما علي التفرق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 293

مسألة: لو اكره احدهما علي التفرق و منع عن التخاير و بقي الآخر في المجلس (1)

فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خيار احدهما، لأنهما مكرهان علي الافتراق و ترك التخاير، فدخل في المسألة السابقة و ان لم يمنع من المصاحبة.

ففيه أقوال و توضيح ذلك، ان افتراقهما المستند الي اختيارهما كما عرفت، يحصل بحركة احدهما اختيارا و عدم مصاحبة الآخر كذلك، و ان الاكراه علي التفرق لا يسقط حكمه

ما لم ينضم معه الاكراه علي ترك التخاير، فحينئذ نقول تحقق الاكراه المسقط في احدهما دون الآخر يحصل تارة بإكراه احدهما علي التفرق و ترك التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير، و اخري بالعكس بإبقاء احدهما في المجلس كرها مع المنع عن التخاير، و ذهاب الآخر اختيارا، و محل الكلام هو الاول و سيتضح به حكم الثاني و الاقوال فيه اربعة:

سقوط خيارهما، كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد (قدس الله اسرارهم).

و ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين و محتمل الارشاد.

و سقوطه في حق المختار خاصة. و فصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس،

فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسقوط عنهما

______________________________

(1) قوله و لو اكره احدهما علي التفرق و منع عن التخاير، و بقي الآخر في المجلس.

بناء علي ما اخترناه في المسألة السابقة من سقوط الخيارين بالتفرق الكرهي لا مجال لهذا البحث،

بل يكون الخياران ساقطين بالاولوية. نعم لو قلنا فيها بمقالة المشهور كان لهذا البحث مجال.

و مورد البحث في المقام: ان التفرق إذا كان عن اكراه احدهما هل يوجب سقوط الخيار ام لا؟ و أما الجهات الاخر فهي لا يبحث عنها في المقام.

و بعبارة اخري: البحث في المقام متمحض في مانعية اكراه احدهما عن السقوط و عدمها، و عليه فلا وجه للنزاع في ان التفرق هل يحصل بحركة احدهما و سكون الآخر ام لا؟ و قد تقدم حصوله بذلك كما تقدم عدم دخل الاختيار في ذلك.

و هكذا لا وجه لجعل النزاع في المقام و مبني الأقوال فيه بقاء الاكوان و عدمه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 294

و مبني

الاقوال علي ان افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف علي حصوله عن اختيارهما أو يكفي فيه حصوله عن اختيار احدهما؟ و علي الاول هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو يتوقف سقوط خيار كل واحد علي مجموع اختيارهما فعلي الأول يسقط خيار المختار خاصة، كما عن الخلاف و جواهر القاضي، و علي الثاني يثبت الخياران، كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين. و علي الثاني فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار احدهما أو يكفي كونه تركا اختياريا، كالبقاء في مجلس العقد مختارا،

فعلي الاول يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء الآخر في مجلس العقد و ذهابه علي الثاني يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد.

و اعلم ان ظاهر الايضاح ان قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما و ان محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا و الا سقط خيارهما اتفاقا، حيث قال في شرح قول والده: لو حمل احدهما و منع عن التخاير لم يسقط خياره علي اشكال. و أما الثابت فان منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خياره و إلا فالاقرب سقوطه، فيسقط خيار الأول، انتهي.

______________________________

و افتقار الباقي الي المؤثر و عدمه، إذ لو قلنا ببقاء الأكوان و عدم احتياج الباقي الي المؤثر فغاية ما يلزم منه ان بقاء الساكن ليس بفعله، و قد مر ان الافتراق يحصل و لو مع عدم تأثير من المتفرقين.

و تنقيح القول في المقام انما هو بالبحث في مقامين:

الأول: في ان مقتضي الأدلة المتقدمة في المسألة السابقة ما ذا.

الثاني: في ما تقتضيه الروايات الحاكية لفعله

عليه السلام.

اما المقام الأول: فمقتضي كون المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد، و مقتضي الاجماع سقوط الخيارين في المقام،

و مقتضي حديث الرفع «1» ثبوتهما معا،

______________________________

(1) الوسائل- باب 56- من ابواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 295

قال ان هذا مبني علي بقاء الاكوان و عدمه و افتقار الباقي الي المؤثر و عدمه و ان الافتراق ثبوتي أو عدمي فعلي عدم البقاء أو افتقار الباقي الي المؤثر يسقط، لأنه فعل المفارقة، و علي القول ببقائها و استغناء الباقي عن المؤثر و ثبوتية الافتراق لم يسقط خياره، لأنه لم يفعل شيئا.

و ان قلنا: بعدمية الافتراق و العدم ليس بمعلل فكذلك.

و ان قلنا انه يعلل سقط ايضا و الاقرب عندي السقوط لأنه مختار في المفارقة، انتهي.

و هذا الكلام و ان نوقش فيه بمنع بناء الاحكام علي هذه التدقيقات الا انه علي كل حال صريح في ان الباقي لو ذهب اختيارا فلا خلاف في سقوط خياره، و ظاهره كظاهر عبارة القواعد ان سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر فينتفي القول المحكي عن الخلاف و الجواهر، لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا القول، قال: لو اكرها، أو احدهما علي التفرق بالابدان علي وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير فلم يفعلا، بطل خيارهما أو خيار من تمكن من ذلك و نحوه المحكي عن القاضي، فإنه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر علي قوله: بطل خيارهما، فتأمل

______________________________

و مقتضي صحيح الفضيل «1» هو التفصيل بين المكره و غيره و سقوط خيار غير المكره خاصة.

اما التبادر فلأن المتيقن اعتبار رضا احدهما، و ليس المتبادر خصوص ما كان عن رضاهما.

و أما الاجماع فلعدم وجوده في المقام.

و أما حديث

الرفع فلأن غاية ما قيل في توجيه دلالته علي التفصيل انه يدل علي ارتفاع حكم ما تعلق الاكراه به خاصة دون غيره.

و دعوي انه لو شمل الحديث تفرق المكره و حكم عليه بكون افتراقه كلا افتراق كان لازمه بقاء اجتماع صاحبه معه، و مع بقاء الهيئة الاجتماعية شرعا يكون خيار كليهما باقيا شرعا.

مندفعة اولا: بان لسان الحديث ليس تنزيل الموجود منزلة المعدوم، لأنه حينئذ وضع لا رفع، بل لسانه رفع الحكم بلا نظر الي بقاء الموضوع و عدمه كما حقق في الاصول.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 296

بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها و فيه تأمل، و كيف كان فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين للأصل و ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما فإن التفرق و ان لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين و لا من أحدهما الا ان المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق، فرضاء احدهما في المقام و هو الماكث لا دليل علي كفايته في سقوط خيارهما، و لا في سقوط خيار خصوص التراضي، إذ الغاية غاية للخيارين فإن تحققت سقطا و الا ثبتا، و يدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة باناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء رضاء احدهما، (1) و لكن يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما و تبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوع،

بل المتيقن اعتبار رضا احدهما.

______________________________

و ثانيا: ان مقتضي كون افتراق المكره كلا افتراق كونه مجتمعا مع صاحبه تعبدا لا كون صاحبه مجتمعا معه، و عدم الانفكاك بينهما واقعا لا يلازم عدم الانفكاك بينهما تنزيلا و تعبدا.

و لكن الأرجح في النظر انه يقتضي ثبوت الخيارين

معا، لأن الغاية للخيارين امر واحد من جهة ان الافتراق من المعاني المتضايفة كالاجتماع، و لا يعقل افتراق احدهما عن صاحبه من دون ان يفترق صاحبه عنه، و عليه فجعل الغاية متعددة لغو فلا محالة تكون الغاية واحدة.

لا يقال: انه مع لحوق خصوصية الاكراه يكون قابلا للانفكاك فيصح جعل الغاية متعددة.

فانه يقال: ان الاكراه لا يكون قيد الافتراق واقعا كالرضا، بل خصوصية عدم الاكراه انما تعتبر بحديث الرفع الحاكم علي الأدلة الواقعية، فليس في عرض الواقع ما يثبت القيدية، و عليه فحديث الرفع انما يرفع حكم الافتراق المجعول غاية و هو سقوط الخيارين معا، و لازم ذلك ثبوتهما معا. فتدبر فانه دقيق.

و أما صحيح الفضيل، فقد افاد المصنف رحمه الله و تبعه المحقق النائيني رحمه الله:

(1) بان الظاهر منه تقييد السقوط بالرضا منهما المنتفي بانتفاء رضا احدهما أو كليهما، فيبقي الخيار حتي بالنسبة الي المختار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 297

و ظاهر الصحيحة و ان كان اعتبار ذلك إلا انه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الامام عليه السلام و انه قال: فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الامام عليه السلام، (1)

و دعوي انصرافه الي صورة شعور الآخر و تركه المصاحبة اختيارا ممنوعة.

و ظاهر الصحيحة و ان كان اخص (2) إلا ان ظهور الرواية في عدم مدخلية شي ء آخر زائدا علي مفارقة احدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات، مثل ما إذا مات احدهما و فارق الآخر اختيارا. فإن الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين.

و قد قطع به في جامع المقاصد مستدلا بانه قد تحقق الافتراق، فسقط الخياران، مع ان المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه، و كذا لو فارق احدهما في حال نوم الآخر، أو غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك بنقل الإجماع عن السيد عميد الدين.

______________________________

و فيه: ان مقتضي مقابلة التثنية بالتثنية كمقابلة الجمع بالجمع هو التوزيع، و ان خيار كل من البائع و المشتري يكون مغيا برضاه، و لازم ذلك هو التفصيل بين المكره و غيره.

فتحصل: أنه لو كان المدرك في المسألة هو التبادر أو الاجماع كان الحكم في هذه المسألة سقوط الخيارين، و لو كان هو صحيح الفضيل كان هو التفصيل بين المكره و غيره،

و لو كان هو حديث الرفع كان الحكم في المقام ثبوت الخيارين.

(1) و أما المقام الثاني فقد استدل المصنف رحمه الله لسقوط الخيارين في المقام بالرواية المتقدمة الحاكية لفعله عليه السلام و انه قال: فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا. فانها تدل علي ان مجرد مشيه سبب لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الامام عليه السلام.

و فيه: انها متضمنة لقضية شخصية، و لعل تجريده في مقام الاستناد من جهة حصول الشرط و هو الرضا منه أو منهما.

(2) قال المصنف قدس سره: و ظاهر الصحيحة و ان كان اخص الا ان ظهور الرواية في عدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 298

و ظاهر المبني المتقدم عن الإيضاح أيضا عدم الخلاف في عدم اعتبار الرضا من الطرفين. و إنما الخلاف في أن البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا، بل ظاهر القواعد أيضا أن سقوط خيار المكره متفرع علي

سقوط خيار الماكث من غير إشارة الي وجود خلاف في هذا التفريع و هو الذي ينبغي، لأن الغاية إن حصلت سقط الخياران و إلا بقيا، فتأمل:

و عبارة الخلاف المتقدمة و ان كانت ظاهرة في التفكيك بين المتبايعين في الخيار الا انها ليست بتلك الظهور لاحتمال ارادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال الآخر، فلا ينافي سقوط خيار الآخر لأجل التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما في الغاية، مع ان شمول عبارته لبعض الصور التي لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه، كما لا يخفي علي المتأمل،

و حملها علي ما ذكرنا من إرادة المتمكن، لا بشرط إرادة خصوصه فقط أولي من تخصيصها ببعض الصور. و لعل نظر الشيخ و القاضي إلي ان الافتراق المستند إلي اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما، فالمستند الي اختيار احدهما مسقط لخياره خاصة و هو استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص. ثمّ انه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة

______________________________

مدخلية شي ء آخر زائدا علي مفارقة احدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات انتهي.

و الذي اظنه ان هذا الكلام منه قده مبني علي ما ذكره في الاصول في مبحث التعادل و الترجيح من ان الخاص إذا كان ظني الدلالة لا يقدم علي العام مطلقا، بل لا بد من ملاحظة اقوي الظهورين: فانه في المقام دلالة الصحيح علي عدم سقوط الخيارين بدون رضاهما ليست قطعية بل ظنية و من باب الظهور فلا بد من ملاحظة اقوي الظهورين منه و من ظهور

الرواية، و حيث ان ظهور الرواية اقوي من جهة التزام مقتضاها في كثير من المقامات حسب ما ذكره

المصنف رحمه الله، فيكون هو مقدما علي ظهور الصحيح.

و عليه فما اورده المحقق الايرواني رحمه الله عليه بعد بيان مراده بغير ذلك في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 299

و هي ما إذا اكره احدهما علي البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر اختيارا، فإن مقتضي ما تقدم من الايضاح من مبني الخلاف في سقوط الخيارين هنا، و مقتضي ما ذكرنا من مبني الاقوال جريان الخلاف هنا ايضا و كيف كان،

فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا أقوي كما لا يخفي.

مسألة: لو زال الاكراه، (1)

فالمحكي عن الشيخ و جماعة، امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال. (2) و لعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال الاكراه كالمعدوم، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باق (3) و فيه ان الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا غاية الامر عدم ارتفاع حكمها و هو الخيار بسبب الاكراه، و لم يجعل مجلس زوال الاكراه

______________________________

لو زال الاكراه

(1) و لو زال الاكراه و هو لم يرد، ففيه اقوال:

(2) الأول ما عن الشيخ و جماعة، و هو: انه يمتد الخيار بامتداد مجلس الزوال.

الثاني: ما عن التذكرة، و هو: انه ينقطع خياره ببقائه سائرا، قال: و ليس عليه الانقلاب الي مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر ان طال الزمان، و ان لم يطل ففيه احتمال عند الجويني. انتهي.

الثالث ما عن جمع منهم السيد في الحاشية و هو: بقاء الخيار الي ان يحصل احد المسقطات الاخر.

(3) و قد استدل للأول: بان الافتراق الحاصل عن كره كالمعدوم، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باق الي ان يحصل الافتراق.

و فيه: ما تقدم من ان حديث الرفع لا ينفي الموضوع، و انما يتضمن رفع الحكم خاصة.

و استدل للثالث بوجهين:

احدهما: ان

النص ساكت عن غاية هذا الخيار، فيرجع الي استصحاب الخيار.

و فيه: - مضافا الي ما حققناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 300

بمنزلة مجلس العقد. و الحاصل ان الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد،

فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار، فلا بد اما من القول بالفور كما عن التذكرة،

و لعله، لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين، و أما من القول بالتراخي إلي ان يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار و الوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الادلة.

______________________________

- انه لو سلم ذلك لا سبيل له في المقام مع وجود عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» فانه و ان لم يكن له عموم ازماني الا ان المخصص بما انه من الابتداء لا من الوسط يكون هو المرجع دون الاستصحاب.

ثانيهما: ما افاده السيد رحمه الله و هو: ان النص يدل علي ذلك، فانه جعل المسقط الافتراق الاختياري و المفروض عدم تحققه و عدم بقاء شأنية التحقق له ايضا، لأن المفروض حصول الافتراق حسا، فيكون كما لم يكن الافتراق في الأصل. هذا إذا قلنا بان الافتراق منصرف الي الاختياري، و ان قلنا بذلك من جهة حديث الرفع فكذلك لأن مقتضاه ان الافتراق الاكراهي لا أثر له في الاسقاط، و المفروض عدم مسقط آخر فلا بد من بقاء الخيار.

و فيه: اولا: ان ذلك لو تم فانما هو علي القول بان الغاية هي حدوث الافتراق، اما لو قلنا بانها مطلق الافتراق حدوثا كان أو بقاء فيمكن ان يقال: ان الغاية و ان كانت حدوثا عن اكراه و عن غير رضا الا انها بقاء تكون لاعن اكراه، و مع تحقق الغاية بتحقق شرطها أو زوال

مانعها يرتفع المغيا و هو الخيار. و عليه فلا يكون الخيار باقيا لا فورا و لا بنحو التراخي.

و ثانيا: انه لو سلم كون الغاية هي حدوث الافتراق، فالغاية و ان كانت ممتنعة التحقق الا ان بقاء الخيار يتوقف علي ثبوت الاطلاق لدليله، و يمكن منعه من هذه الحيثية- اي حيثية امتناع تحقق غايته و امكانه- فتأمل.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول الثالث و ما يمكن ان يرد عليه.

______________________________

(1) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 301

مسألة: و من مسقطات هذا الخيار التصرف (1)

علي وجه يأتي في خياري الحيوان و الشرط، ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس و في الصرف، و العلامة في التذكرة، و نسب الي جميع من تأخر عنه، بل ربما يدعي اطباقهم عليه و حكي عن الخلاف و الجواهر و الكافي و السرائر و لعله لدلالة التعليل في بعض اخبار خيار الحيوان (2)

______________________________

مسقطية التصرف

(1) الرابع: من ما ذكر من مسقطات هذا الخيار: التصرف،

و لا بد اولا من بيان الموضوع، ثمّ حكمه.

الظاهر ان مرادهم منه هو تصرف البائع في الثمن، و المشتري في المبيع،

و أما العكس فلو دل علي شي ء فهو الفسخ لا لزوم العقد،

و ايضا المراد مسقطية تصرف كل منهما لخصوص خياره دون صاحبه.

و كيف كان فقد استدل لمسقطيته بوجوه:

الأول: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان التصرف اجازة فعلية، فمسقطيته تكون علي القاعدة.

و فيه: انه قده صرح في غير مورد بانه يعتبر في الانشاء ان يكون ما ينشأ به مصداقا للعنوان المقصود انشاؤه، فكل تصرف ليس مصداقا للاجازة لا يصح الانشاء به، نعم التصرف الذي يكون كذلك. و بعبارة اخري يكون مبرزا عرفا يصح انشاء الاجازة به.

(2) الثاني: ما في المتن، و هو عموم العلة المذكورة

في خيار الحيوان، و هي قوله عليه السلام: «1» فذلك رضا منه فلا شرط له.

بتقريب: انه يدل علي ان التصرف كاشف نوعي عن الرضا بالعقد، و الشارع الأقدس امضي هذه الكاشفية، و من المعلوم انه لا اختصاص للكاشفية بخيار الحيوان.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 302

و هو الوجه ايضا في اتفاقهم علي سقوط خيار الشرط و الا فلم يرد فيه نص بالخصوص، بل سقوط خيار المشتري بتصرفه، مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة حيث قال: فإن احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة ايام فذلك رضا منه فلا شرط (1) فان المنفي يشمل شرط المجلس و الحيوان، فتأمل.

و تفصيل التصرف المسقط سيجي ء انشاء الله تعالي.

______________________________

و فيه: انه سيجي ء ان محتملات هذه الجملة متعددة و اظهرها انه عليه السلام بصدد التعبد بكون تلك الأفعال التزاما و اجازة، و عليه فلا سبيل الي التمسك بعموم العلة: فانه انما تكون العلة معممة فيما إذا كانت علة عرفا و يفهم العرف عليته، و لا تكون تعبدية و الا فيدور الحكم مدار مقدار التعبد، و حيث ان النص مختص بخيار الحيوان، فلا وجه للتعدي.

(1) الثالث: ما في المتن، ايضا، و هو: ان سقوط خيار المشتري بتصرفه مستفاد من نفس الرواية المعللة حيث قال: فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل ثلاثة ايام فذلك رضا منه فلا شرط فان الشرط يشمل شرط المجلس.

و فيه: ان الشرط المنفي خصوص خيار الحيوان، إذ الشرط الذي يسقط بذلك قبل ثلاثة ايام خصوص ذلك.

و أما خيار المجلس فلا فرق فيه بين قبل الثلاثة و بعدها و لعله لذلك امر بالتأمل.

فالحق عدم مسقطية التصرف من حيث هو،

نعم الأفعال التي

تكون مبرزة لذلك و قصد بها السقوط تكون مسقطة لكونها اسقاطا، لا لمسقطية التصرف، هذا تمام الكلام في خيار المجلس.

خيار الحيوان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 303

و الثاني: خيار الحيوان، (1)
اشارة

لا خلاف بين الامامية في ثبوت الخيار في الحيوان للمشتري، و ظاهر النص و الفتوي، العموم لكل ذي حياة فيشمل مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق ودود القز و لا يبعد اختصاصه بالحيوان، المقصود حياته في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الاناء و شبه ذلك خارج،

لأنه لا يباع من حيث انه حيوان، بل من حيث انه لحم و (2) يشكل فيما صار كذلك لعارض كالصيد المشرف علي الموت

______________________________

(1) الثاني: خيار الحيوان الذي هو في الجملة اجماعي بل ضروري عند علماء المذهب كذا في الجواهر، و النصوص الشاهدة به مستفيضة ان لم تكن متواترة،

و استقصاء القول في المقام بالبحث في امور:

احدها: هل يثبت الخيار في بيع كل حيوان حتي مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق ودود القز، و حتي الحيوان المشرف علي الموت، ام يختص بما يقصد حياته، فلا يشمل المقصود لحمه، ام يختص بما يقصد لحمه و حياته معا؟ وجوه.

الظاهر من النص و الفتوي العموم لكل ذي حياة،

و قد وقع الكلام في الحيوان الذي بكون المقصود لحمه لا حياته لعدم بقاء حياته بالاصالة كالسمك المخرج من الماء، أو لعارض كالصيد المشرف علي الموت، ظاهر الفتوي ثبوت الخيار فيه، و عن جماعة من متأخري المتأخرين عدم ثبوته فيه.

(2) و المصنف رحمه الله نفي البعد عن عدم ثبوت هذا الخيار في القسم الاول و استشكل في القسم الثاني و استدل للاول بالنص و فيه: ان الظاهر من اخذ كل عنوان في الموضوع

دخله فيه من حيث هو لا كونه اشارة و معرفا للمصاديق الخارجية، و عليه فبما ان المأخوذ في موضوع هذا الخيار بيع الحيوان، فيكون الخيار ثابتا فيما يباع بما انه حيوان- اي ذو نفس و أما ما يباع لا بهذا العنوان بل بما هو لحم فلا يكون مشمولا لهذا الحكم، من غير فرق بين ما هو كذلك بالاصالة، أو بالعارض، بل لو بيع حيوان سالم باق لا بما هو حيوان بل بما انه لحم لا يكون مشمولا له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 304

باصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم، و علي كل حال فلا يعد زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض، أو في زمان الخيار، (1) و في منتهي خياره مع عدم بقائه الي الثلاثة، وجوه، (2)

______________________________

و هل يعد زهاق روح المشرف علي الموت تلفا من البائع قبل القبض أو في زمان الخيار علي القول به، أو في المجلس، ام لا؟ وجهان،

(1) مختار المصنف الثاني.

و اورد عليه: بانه بناء علي ثبوت الخيار لم لا يعد زهاق روحه تلفا في زمان الخيار.

و بعبارة اخري: ان لوحظ جهة اللحمية لا خيار و لا تلف من البائع، و ان لوحظ جهة الحيوانية دخل الخيار فيه و كان تلفه من البائع.

و فيه: ان ملاك ثبوت الخيار هو وقوع البيع علي ذات ما هو حيوان و ان لم يقصد هذه الجهة، و أما ملاك التلف فهو زوال الوصف و المقوم للمالية، و الحياة في الفرض غير مقومة لها، فلا يعد زوالها تلفا.

(2) و لو كان الحيوان لا يبقي الي ثلاثة ايام، ففي منتهي خياره وجوه و اقوال.

مقتضي ظاهر النص: ان كل حيوان ثبت فيه الخيار كان خياره باقيا الي الثلاثة،

و قد يقال: بان منتهاه في المقام التلف.

و فيه: انه مبني علي كون متعلق الخيار العين، و هي الحيوان، فمع نفاده يزول الخيار، و المبني فاسد، فانه متعلق بالعقد.

و قد يقال: بانه خيار ثابت لم يثبت منتهاه من الدليل، فان النصوص من جهة حكمة جعل الخيار- و هي الاطلاع علي عيوب الحيوان- تكون منصرفة عنه، فيأتي فيه الوجهان من امتداد الخيار الي ان يأتي احد المسقطات للاستصحاب، و من كونه علي الفور لأنه القدر المتيقن.

و فيه: ان الحكمة لا سيما غير المنصوصة منها لا يعتني بها، فالمتبع هو اطلاق النصوص.

هذا كله لو كان المبيع معينا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 305

ثمّ انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين، (1) كما هو المنساق في النظر من الاطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الاجماع كما في التذكرة، بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة أو يعم الكلي كما هو المتراءي من النص و الفتوي لم اجد مصرحا بأحد الأمرين.

نعم يظهر من بعض المعاصرين الأول و لعله الاقوي، و كيف كان،

فالكلام فيمن له الخيار و في مدته من حيث المبدأ و المنتهي، و مسقطاته يتم برسم مسائل.
مسألة: المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري، (2)

حكي عن الشيخين و الصدوقين و الإسكافي و ابن حمزة و الشاميين الخمسة و الحلبيين الستة و معظم المتأخرين،

______________________________

(1) قوله ثمّ انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين.

و ملخص القول فيه: انه ان كان المبيع كليا في المعين لا كلام في ثبوت الخيار فيه، و ان كان كليا في الذمة مقتضي اطلاق النصوص ثبوت الخيار فيه.

و قد استدل للعدم بوجهين:

الأول: انصراف النصوص الي الشخصي من حيث ان المتداول بين الناس في بيع الحيوان هو الشخصي، فالخيار الثابت في بيع الحيوان ينصرف الي ما هو المتداول عندهم.

و فيه: ان التعارف و التداول لا يوجب الانصراف المقيد للاطلاق،

فهل يتوهم احد انصراف (احل الله البيع) «1» عنه؟

الثاني: ان حكمة جعل الخيار لا تجري في الكلي.

و فيه: ان الحكمة لا توجب تقييد الاطلاق، فالأظهر ثبوت الخيار في الكلي مطلقا

اختصاص الخيار بالمشتري

(2) المشهور بين الاصحاب اختصاص هذا الخيار بالمشتري، و عن الغنية و الدروس دعوي الاجماع عليه.

______________________________

(1) البقرة: 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 306

و عن الغنية، و ظاهر الدروس، الاجماع عليه، لعموم قوله عليه السلام إذا افترقا وجب البيع، (1) خرج المشتري و بقي البائع،

______________________________

و تنقيح القول في هذا الأمر بالبحث في مقامين:

الأول: في انه هل يختص هذا الخيار بمن انتقل إليه الحيوان، ام يكون ثابتا لمن انتقل عنه ايضا الثاني: في انه هل يثبت لمن انتقل إليه مطلقا، ام يختص بخصوص المشتري.

اما المقام الأول: فالمشهور بين الأصحاب هو الاختصاص، و عن السيد الأجل المرتضي: ثبوته لمن انتقل عنه، و قواه في محكي المسالك مع قطع النظر عن الشهرة، و تبعه في ذلك صاحب المفاتيح، و توقف في محكي غاية المراد و حواشي القواعد، و تبعه في محكي المقتصر.

و تحقيق الكلام يقتضي البحث في موردين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

اما المورد الأول: فقد استدل المصنف رحمه الله لعدم الثبوت بوجهين:

(1) احدهما: عموم قوله: عليه السلام: فإذا افترقا وجب البيع «1» خرج المشتري و بقي البائع.

و فيه: اولا: انه مختص ببيع غير الحيوان، لأن التفصيل قاطع للشركة، فالتفصيل بين الحيوان و غيره في صحيح الفضيل الآتي. و غيره موجب لاختصاص ذلك بغير الحيوان.

و ثانيا: ان الوجوب الذي تثبته هذه الجملة هو الوجوب الاضافي، و قد ورد نظيره في خيار الحيوان، و لذا لا تكون ادلة الخيارات متعارضة،

و ثالثا: ان الوجوب بمعني لزوم العقد و

عدم قابليته للانحلال، فإذا ثبت الخيار

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 307

بل لعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالنسبة الي ما ليس فيه خيار المجلس بالاصل أو بالاشتراط، و يثبت الباقي بعدم القول بالفصل (1) و يدل عليه ايضا ظاهر غير واحد من الاخبار (2)

______________________________

- و لو للمشتري- لم يكن البيع واجبا، و ليس وجوب البيع من قبيل العام كي يقال انه خصص بالاضافة الي المشتري و تخصيصه بالنسبة الي البائع مشكوك فيه فيتمسك بالعموم.

و بما ذكرناه ظهر عدم صحة الاستدلال بقوله عليه السلام: فإذا افترقا فلا خيار «1».

(1) ثانيهما: العمومات العامة للبيع و غيره مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «2» فيما لا يكون فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط، و يثبت في الباقي بعدم القول بالفصل.

و فيه: انه يصح التمسك بها حتي فيما ثبت فيه خيار المجلس، فانه لو سلم كون المرجع استصحاب حكم الخاص إذا لم يكن للعام عموم ازماني- مع انه غير تام- فانما هو فيما إذا لم يكن التخصيص من الابتداء، و الا فالمرجع هو عموم العام.

و استدل للقول الآخر: باصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس.

و فيه: بعد تصحيحه بان اجتماع السببين للخيار موجب لثبوت خيار واحد ذي جهتين، و عليه فتصح دعوي استصحاب الكلي الموجود بوجود خيار المجلس، فانه من قبيل الكلي المردد بين الطويل و القصير،

مضافا الي ان المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام ان المقام، كما تقدم، مورد التمسك بالعموم لا الاستصحاب.

فتحصل: ان الأظهر بحسب القواعد عدم الثبوت لمن انتقل عنه.

(2) و أما المورد الثاني: فقد استدل للاختصاص بصحاح خمسة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار.

(2) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 308

منها صحيحة الفضيل

بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام للمشتري، قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:

البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افتراقا فلا خيار بعد الرضا منهما، و ظهوره في اختصاص الخيار بالمشتري، و اطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا، (1) و يتلوها في الظهور رواية علي بن اسباط عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال الخيار في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري فإن ذكر القيد مع اطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية، (2) و نحوها صحيحة الحلبي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحيوان كله شرط ثلاثة ايام للمشتري

______________________________

منها صحيح الفضيل «1» المذكور في المتن و تقريب الاستدلال به ما في المتن.

(1) قال و اطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا و فيه ان الظاهر كما تقدم ان الخيار المنفي خصوص خيار المجلس لا مطلق الخيار و قد افاد صاحب الجواهر في وجه اختصاصه و غيره من النصوص، بان اللام تفيد الاختصاص و فيه: ان الاختصاص الذي تفيده اللام غير الانحصار الموجب لثبوت المفهوم، فان الاختصاص ليس الا ان المشتري لا شريك له في حق الخيار غير المنافي ثبوت فرد آخر منه للبائع و منها رواية علي بن اسباط «2» المذكورة في المتن، و تقريب الاستدلال بها ما في المتن.

و هو الوجه عنده في دلالة سائر النصوص قال.

(2) فان ذكر القيد مع اطلاق الحكم قبيح الا لنكتة جلية.

و فيه: ان هذا ذكر وجها لدلالة الوصف، و اللقب علي المفهوم، و قد

حقق في الاصول عدم تماميته.

و منها صحيح الحلبي «3» الذي ذكر في المتن و تقريب الاستدلال به ما في سابقه.

______________________________

(1) ذكره صدره في باب 3 و ذيله في باب 1 من ابواب الخيار في الوسائل.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 8.

(3) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 309

و صحيحة ابن رئاب عن ابي عبد الله عليه السلام قال: الشرط في الحيوانات ثلاثة ايام للمشتري، اظهر من الكل، صحيحة ابن رئاب (1) المحكية عن قرب الاسناد قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل اشتري جارية، لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما، قال الخيار لمن اشتري نظرة ثلاثة أيام، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء.

______________________________

و منها صحيح ابن رئاب «1» المذكور في المتن و تقريب الاستدلال به و ما يرد عليه ما في سابقيه.

(1) نعم لا كلام في دلالة صحيح «2» علي بن رئاب الثاني المذكور في المتن علي ذلك، فان المسئول عنه انما هو جنس الخيار لا فرد منه، إذ لا مقابلة بين ثبوت فرد للبائع و فرد آخر للمشتري، بل المقابلة بين ثبوت الجنس للبائع و اختصاصه به و ثبوته للمشتري،

فجوابه عليه السلام كالنص في الاختصاص، فيدل بالمفهوم علي نفيه عن البائع.

و في مقابل هؤلاء من يدعي عدم دلالة شي ء من تلك النصوص علي الاختصاص،

اما صحيح ابن رئاب فلأنه وارد في الجارية دون الحيوان، و أما غيره فلأنه يحمل قوله عليه السلام ثلاثة ايام للمشتري علي ان جعل الخيار لأجل رعاية حال المشتري لا ان المجعول له الخيار هو المشتري، فكأن اللام للغاية لا للاختصاص.

و فيه: الظاهر ان عدم الفرق بين الجارية

و سائر الحيوانات من المتسالم عليه،

و حمل اللام علي الغاية خلاف الظاهر، لا سيما بعد وقوع هذه الجملة جوابا عن السؤال عن حد الخيار.

فالأظهر دلالتها علي الاختصاص من جهة ورودها في مقام الضبط و التحديد،

لا سيما ما وقع منها جوابا عن السؤال عما هو الشرط في الحيوان، و يؤيده تغيير التعبير،

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 310

______________________________

و عن سيدنا المرتضي قدس سره و ابن طاوس ثبوته للبائع أيضا (1) و حكي عن الانتصار دعوي الإجماع عليه لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس، (2) و لصحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام في الحيوان، و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا، (3) و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد الافتراق و هي ارجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الاسناد. (4)

لاحظ صحيح محمد بن مسلم: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام «1».

و دعوي ان صاحب الحيوان مطلق من حيث ارادة الصاحب الفعلي و السابق،

فيعم كليهما مندفعة بان المشتق حقيقة في المتلبس.

(1) و عن السيد الاجل المرتضي ثبوته لمن انتقل عنه، و قواه في محكي المسالك مع قطع النظر عن الشهرة، و تبعه في ذلك صاحب المفاتيح، و توقف في محكي غاية المراد و حواشي القواعد و قد استدل له بوجهين.

(2) احدهما اصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس و فيه بعد تصحيحه بان اجتماع السببين للخيار موجب لثبوت خيار واحد ذي جهتين و عليه فيصح دعوي استصحاب الكلي الموجود بوجود خيار المجلس فانه من قبيل

الكلي المردد بين الطويل و القصير مضافا الي ان المختار عدم جريان الاستصحاب في الاحكام ان المقام كما تقدم مورد التمسك بالعموم لا الاستصحاب فتحصل ان الاظهر بحسب القواعد عدم الثبوت لمن انتقل عنه.

(3) ثانيهما صحيح محمد بن مسلم «2» المذكور في المتن قال.

(4) و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا و بعد الافتراق و هي ارجح بحسب السند من صحيح ابن رئاب و المصنف اتعب نفسه في ارجحية سنده- و كيف كان فحيث لا شبهة في ظهوره في عدم الاختصاص فيتعين بيان ما يقتضيه الجمع بين الروايات

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 3- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 311

و قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة و اضرابهما علي غيرهم من الثقات مضافا الي ورودها في الكتب الأربعة المرجحة علي مثل قرب الأسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها اكثر اصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها. و أما الصحاح الاخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم فالانصاف ان دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة، (1) فيمكن حملها علي بيان الفرد الشديد الحاجة، لأن الغالب في المعاملة خصوصا معاملة الحيوان كون ارادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه علي خفايا الحيوان و لا ريب ان الاظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح علي الاكثرية.

و أما ما ذكر في تأويل صحيحة ابن مسلم، من ان خيار الحيوان للمشتري علي البائع، فكان بين المجموع، ففي غاية السقوط. و أما الشهرة المحققة فلا تصير حجة علي السيد، بل مطلقا بعد العلم بمستند المشهور، و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه، و اجماع الغنية لو

سلم رجوعه الي اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرد ثبوته له معارض باجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع، و لعله لذا قوي في المسالك قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة، بل الاتفاق علي خلافه و تبعه علي ذلك في المفاتيح، و توقف في غاية المراد و حواشي القواعد و تبعه في المختصر هذا و لكن الإنصاف ان اخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة (2) مع اشتهارها بين الرواة حتي محمد بن مسلم الراوي للصحيحة

______________________________

(1) و قد افاد المصنف رحمه الله في مقام الجمع بينه و بين الروايات المتقدمة اولا: بان تلك النصوص- سوي ما عن قرب الاسناد- انما تكون دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيح، فيمكن حملها علي بيان الفرد الشديد الحاجة، إذ الغالب كون ارادة الفسخ في طرف المشتري، و لا ريب ان الأظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح علي الأكثرية. و أما صحيح ابن رئاب، فصحيح ابن مسلم ارجح منه من حيث السند، لأن راويه من اجل الثقات، و هو مروي في الكتب الأربعة، و قرب الأسناد ليس في الاعتبار بتلك المكانة. ثمّ قال:

(2) الانصاف ان اخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة، حتي محمد بن مسلم الراوي للصحيحة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 312

مع ان المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق و المتيقن خروج المشتري، (1) فلا ريب في ضعف هذا القول.

______________________________

(1) مع ان المرجع بعد التكافؤ عموم ادلة لزوم العقد بالافتراق، و المتيقن خروج المشتري.

و لكن يرد علي ما افاده قده اولا: ان قوة دلالة احد المتعارضين في نفسها ليست موجبة للتقديم لعدم دلالة دليل

علي ذلك، و انما توجب ذلك فيما إذا كان قرينة علي الآخر و لم يكونا عند العرف متنافيين،

و ضابط ذلك انه لو جمعا في كلام واحد و فرض صدور المجموع عن شخص واحد لا يكون هذا الكلام متهافتا صدره مع ذيله، و كان احدهما قرينة علي الآخر، كما لو ورد اغتسل للجمعة ثمّ ورد لا بأس بترك غسل الجمعة.

و هذا الضابط لا ينطبق علي المقام، فانا إذا جمعنا قوله عليه السلام في صحيح الفضيل في جواب السائل ما الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري مع قوله عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام في الحيوان لا يري العرف احدهما قرينة علي الآخر، بل يكون هذا الكلام متهافتا صدره مع ذيله.

و يرد علي ما افاده ثانيا: انه في الخبرين المتعارضين لا يحكم بالتساقط و الرجوع الي العام الفوق، بل لا بد من الرجوع الي المرجحات، و مع فقدها يحكم بالتخيير و قد جمع بين الطائفتين المحقق النائيني رحمه الله بوجه آخر و هو: ان صحيح محمد بن مسلم باطلاقه يشمل ما إذا كان الثمن أو المثمن أو كلاهما حيوانا، فيقيد بواسطة النصوص الاخر التي منها صحيحه الآخر بما إذا كان العوضان حيوانين و فيه: انه حمل علي الفرد النادر، و في مثله يكون المطلق معارضا مع المقيد.

و دعواه ان قوله عليه السلام صاحب الحيوان اظهر في الاختصاص، لا تكون جوابا عن ذلك، فان ما ذكره تقريب لدلالته علي المفهوم، و صيرورته مقيدا، و هذا لا يلازم صلاحيته لتقييد الاطلاق بهذا النحو من التقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 313

نعم هنا قول ثالث، لعله اقوي منه و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان

ثمنا أو مثمنا، نسب الي جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك (1) لعموم صحيحة محمد بن مسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام، (2) و لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة ابن فضال لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب لأن الغالب، كون صاحب الحيوان مشتريا، (3) و لا ينافي هذه الدعوي التمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم

______________________________

فالحق: ان الطائفتين متعارضتان، و لا يمكن الجمع بينهما،

و الترجيح مع اخبار المشهور لوجهين:

احدهما: انها المشهورة بين الأصحاب رواية و فتوي:

ثانيهما: انها موافقة للكتاب، فانها تدل علي عدم ثبوت الخيار للبائع، و صحيح ابن مسلم يدل علي ثبوته له، و هي موافقة لقوله تعالي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» فتقدم هي.

هذا علي فرض تسليم حجية صحيح ابن مسلم في نفسه،

مع انها قابلة للمنع من جهة اعراض الأصحاب عنه و عدم افتائهم بمضمونه.

فالأظهر هو اختصاص هذا الخيار بمن انتقل إليه، و عدم ثبوته لمن انتقل عنه.

و أما المقام الثاني: فظاهر المشهور الاختصاص بالمشتري.

(1) و عن جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك: ثبوته لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا و استدل للعموم بصحيح محمد بن مسلم المذكور في المتن «2»

و اورد عليه بايرادات:

الأول: انه مطلق يقيد اطلاقه بموثق ابن فصال عن علي بن موسي عليه السلام: صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة ايام.

(3) و اجاب عنه المصنف باحتمال ورود التقييد مورد الغالب، إذا الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا.

ثمّ اورد علي نفسه: بانه كما يحتمل ذلك يحتمل ورود الاطلاق في الصحيح مورد الغالب، بان يكون المراد من صاحب الحيوان هو المشتري، و انما لم يذكر القيد من باب الاتكال علي الغلبة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب

الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 314

لأن الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها، و لا يوجب تنزيل الاطلاق، (1) و لا ينافيها ايضا ما دل علي اختصاص الخيار بالمشتري لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان. و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين، (2) لامكان تقييدها و ان بعد

______________________________

(1) و اجاب عنه: بانه قد تكون الغلبة بحيث توجب تنزيل التقييد عليها و لا توجب تنزيل الاطلاق.

و اورد عليه السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني رحمه الله: بان مجرد الدعوي و الامكان لا يصحح الاستدلال.

اقول: توضيحا لما افاده المصنف رحمه الله بنحو يظهر عدم ورود ما اورد عليه مع ما هو الحق في المقام: ان المطلق في الأحكام الانحلالية لا يحمل علي المقيد إذا كانا متوافقين- كما في اكرم العلماء و اكرم الفقهاء- لعدم التنافي بينهما، و المقام من هذا القبيل، و لا ينافي ثبوت الخيار لهما مع ثبوته للمشتري، فلا يحمل المطلق علي المقيد.

نعم يبقي حينئذ سؤال، و هو: انه علي هذا ما فائدة القيد و لم ذكر ذلك؟ و الجواب عنه:

انه انما ذكر القيد لكونه غالبيا كما في الآية الشريفة (و ربائبكم اللاتي في حجوركم) «1».

فان قيل: لم لا يحمل المطلق علي الغالب؟

اجبنا عنه: بانه مع تمامية مقدمات الحكمة ينعقد للفظ ظهور في الاطلاق، و لا يصح ارادة المقيد منه الا مع ضم ما يصلح عرفا ان يتكل عليه في مقام ارادة المقيد و بعض مراتب الغلبة لا يصلح لذلك، و هذا بخلاف حمل المقيد عليه فانه لا يراد بحمله علي الغلبة صرفه عن كونه مقيدا، بل هو بنفسه غير

قابل لذلك، و انما يحمل علي الغالب خروجا عن اللغوية. و علي هذا فتكون الغلبة موجبة لتنزيل التقييد عليها غير موجبة لتنزيل الاطلاق،

مع انه يمكن ان يكون المشتري وصفا للحيوان بان يقرأ بفتح الراء.

(2) الثاني: ما ذكره المصنف رحمه الله بقوله: و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين لامكان تقييدها و ان بعد بما إذا كان العوضان حيوانين

______________________________

(1) النساء: 23.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 315

بما إذا كان العوضان حيوانين، لكن الأشكال في اطلاق الصحيحة الأولي من جهة قوة انصرافه الي المشتري فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس، (1) فلا محيص عن المشهور.

مسألة: لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار، (2)

و في الغنية، كما عن الحلبي ان مدة خيار الأمة مدة استبرائها، بل عن الأول دعوي الاجماع، و ربما ينسب هذا الي المقنعة و النهاية و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء، و لم اقف لهم علي دليل.

______________________________

و لكن لم يظهر لي وجه هذا الايراد، و انه كيف يكون ايرادا علي هذا الدليل، بل الصحيح لو لم يكن معاضدا ليس بمناف قطعا.

الثالث: انه يقيد اطلاقه بما دل علي اختصاص الخيار بالمشتري من النصوص المتقدمة في المقام الأول.

و الجواب عنه: انه لا مفهوم لها، لأن صحيح ابن رئاب مورده اشتراء الجارية،

و غيره يتوقف ثبوت المفهوم له علي القول بثبوت المفهوم للوصف و اللقب.

الرابع: ما افاده المصنف رحمه الله و تبعه المحقق الاصفهاني ره، و هو:

(1) انصرافه الي المشتري، فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس.

و فيه: انه لا منشأ لتوهم الانصراف سوي الغلبة، و هي لا توجب الانصراف المقيد للاطلاق كما حقق في محله.

فالاظهر ثبوت هذا الخيار لمن انتقل إليه مطلقا.

(2) قوله

لا فرق بين الامة و غيرها في مدة الخيار و قد استدل لما عن جمع من ان مدة خيار الامة مدة استبرائها- بحكم الاصحاب بضمان البائع لها مدة الاستبراء من جهة تسالمهم علي ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له فانه يستكشف من ذلك ان مدة الاستبراء مدة الخيار.

و فيه اولا: انه لا دليل علي ضمان البائع في تلك المدة و ثانيا: انه لو تم ذلك لم يفد في الحكم بثبوت الخيار في تلك المدة فان الملازمة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 316

مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد، (1)

فلو لم يفترقا ثلاثة ايام انقضي خيار الحيوان أو بقي خيار المجلس، لظاهر قوله عليه السلام ان الشرط في الحيوان ثلاثة ايام. و في غيره حتي يتفرقا خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق.

و كذا الشيخ و الحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة الدليل الذي ذكراه قال في المبسوط الاولي ان يقال: انه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرق

______________________________

انما تكون بالعكس و ثالثا: ان صحيح ابن رئاب المحكي عن قرب الاسناد المتقدم صريح، في ان امد الخيار في الجارية انتهاء ثلاثة ايام و لو لا هذا الصحيح و صحيحه الآخر الآتي لكان للتشكيك في ثبوت الخيار في بيع الامة مجال لانصراف الحيوان عن الانسان- و كيف كان- فالاظهر هو ثبوت الخيار فيها و انتهاء امده بانتهاء ثلاثة ايام.

ثبوت خيار المجلس لو كان المبيع حيوانا

(1) الرابع: مبدأ هذا الخيار من حين العقد كما صرح به جماعة، و هو ظاهر الباقين،

بل هو المشهور بين الأصحاب كما عن مجمع البرهان،

و عن ظاهر الدروس، التوقف،

و عن الغنية: اطلاق التحديد بالتفرق في ابتداء مدة الخيار بحيث

يشمل خيار الحيوان.

و نص علي ذلك الشيخ و ابن ادريس في خيار الشرط، و يلزمهما القول به في غيره لعموم ما عللا به.

و كيف كان: فالكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأول: في انه هل يختص خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع حيوانا،

ام يعم ما إذا كان حيوانا؟

الثاني: في انه علي فرض التعميم، هل يكون مبدأه من بعد التفرق، أو من حين العقد؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 317

______________________________

اما المقام الأول: فقد ذهب السيد الفقيه و تبعه المحقق الايرواني رحمه الله الي الأول.

و استدل له: بان النصوص من جهة تضمنها المقابلة بين النوعين، و ان نوعا من الخيار و هو خيار الحيوان ثابت فيه و نوعا آخر منه ثابت في غيره، تدل علي الاختصاص، و بها يقيد اطلاق ما دل علي خيار المجلس مطلقا كقوله عليه السلام أيما رجل اشتري من رجل بيعا فهما بالخيار حتي يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع «1».

و فيه: اولا: ان المقابلة الواقعة بين الخيارين انما هي من حيث منتهاهما لا في انفسهما،

و عليه فالنصوص المشار إليها تدل علي ان امد الخيار في الحيوان ثلاثة ايام، و بعدها لا خيار، و نصوص خيار المجلس باطلاقها تدل علي ان امد الخيار مطلقا التفرق و لا خيار بعده، و لا تعارض بين الجملة الايجابية من كل منهما مع الجملة الايجابية من الاخري، و انما التعارض بين الايجابية من كل منهما مع السلبية من الاخري، و النسبة بما انها عموم مطلق فيقيد اطلاق السلبية من كل منهما بايجابية الاخري.

و ثانيا: ان النصوص المشار إليها بانفسها لا تصلح دليلا للتفصيل القاطع للشركة،

و ذلك لأن صحيح محمد بن مسلم المتقدم في المسألة المتقدمة دليلا علي السيد

المرتضي رحمه الله و ان كان مفصلا، الا انه قد عرفت انه مطروح اما للاعراض أو لترجيح غيره عليه.

لا يقال: انه متضمن لحكمين احدهما: ثبوت خيار الحيوان للمتبايعين. الثاني: عدم ثبوت خيار المجلس فيه و هو غير حجة في المدلول الأول دون الثاني، إذ لا مانع من طرح الخبر من جهة و العمل به من جهة اخري.

فانه يرد: بإن دلالته علي الحكم الثاني انما تكون من جهة التفصيل، فإذا سقط

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 318

لان الخيار يدخل إذا ثبت العقد، و العقد لم يثبت قبل التفرق، (1) انتهي.

______________________________

عن الحجية بالاضافة الي احد طرفي التفصيل و هو ثبوت خيار الحيوان للمتبايعين تبعه سقوطه عن الحجية في الحكم المترتب علي التفصيل.

و أما خبر علي بن اسباط: المتقدم فهو ضعيف السند، لأن في طريقه الحسين بن محمد بن عامر (عمران) و هو مجهول.

و أما صحيح الفضيل المتقدم: فالتفصيل فيه انما يكون في كلام السائل لا الإمام عليه السلام.

و أما الصحيح الآخر لمحمد بن مسلم: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام. «1» فهو لا يدل علي عدم ثبوت خيار المجلس في الحيوان،

فانه ذكر عليه السلام اولا: ان خيار المجلس ثابت في كل بيع، ثمّ عقبه ببيان حكم آخر لبعض افراد البيع و هو بيع الحيوان، فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام، و ترتيب حكم آخر علي الخاص غير المنافي لحكم العام، فلا يكون مخصصا له. و به يظهر حال صحيح الحلبي.

فالأظهر هو ثبوت خيار المجلس فيما إذا كان المبيع حيوانا.

مبدأ هذا الخيار

و أما المقام الثاني: فظاهر النصوص كالفتاوي كون المبدأ من حين العقد،

و قد استدل

لكون المبدأ من حين التفرق بوجوه:

(1) الأول: ما عن الشيخ في المبسوط، و هو: ان الخيار يدخل إذا ثبت العقد، و العقد لم يثبت قبل التفرق.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 319

و نحوه المحكي عن السرائر و هذه الدعوي لم نعرفها نعم ربما يستدل عليه بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد (1) بل أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس (2)

______________________________

و فيه: انه ان اريد من عدم الثبوت عدم تأثيره في الملكية، فيرد عليه: انه مؤثر فيها من حين العقد، غاية الأمر تكون جائزة قبل التفرق.

و ان اريد به عدم اللزوم الذاتي، فيرده: ان البيع من العقود اللازمة.

و ان اريد به عدم اللزوم الفعلي، فيرده: ان اللزوم الفعلي مع وجود الخيار غير معقول، لأنهما ضدان لا يجتمعان، و اللزوم الفعلي مع قطع النظر عنه موجود، إذ لا وجه للبناء علي ثبوت خيار المجلس ابتداء، ثمّ ملاحظة خيار الحيوان بعد كونهما في عرض واحد.

(1) الثاني: استصحاب عدم ارتفاع الخيار بانقضاء ثلاثة ايام من حين العقد.

و فيه: - مضافا الي انه لا يجري مع ظهور الدليل- انه لا يجري في جميع الموارد، فانه إذا فرض عدم التفرق قبل مضي ثلاثة ايام و حصوله بعده، لا يجري هذا الأصل، فانه ان اريد استصحاب بقاء خيار المجلس فهو متيقن الارتفاع، و ان اريد استصحاب بقاء خيار الحيوان فهو مشكوك الحدوث بعد الثلاثة، و ان اريد استصحاب الخيار الجامع بينهما فهو من قبيل استصحاب القسم الثالث من اقسام الكلي، و المختار عدم جريانه. فتأمل.

مع انه لا يترتب علي هذا الأصل الآثار المترتبة علي عدم ثبوته قبل التفرق من كون اسقاطه اسقاطا لما

لا يجب و نحوه، لأنه بالنسبة إليها مثبت.

(2) الثالث: اصل عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس.

و يرد عليه: انه لا يجري مع ظهور الدليل.

و اورد عليه بايرادين آخرين:

احدهما: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: انه بمعناه المحمولي- و هو عدم تحقق الخيار قبل بيع الحيوان- لا اثر له، و بمعناه النعتي مثبت.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 320

و بلزوم اجتماع السببين علي مسبب واحد، و ما دل علي ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع (2) مع ان التلف في الخيار المشترك من المشتري، و يرد الاصل ظاهر الدليل مع انه بالتقرير الثاني مثبت (1)

______________________________

و فيه: ان العدم المحمولي و النعتي انما يكون مقسمهما الوصف و الموصوف، فيقال عدم الوصف قبل الموصوف عدم محمولي، و عدمه بعده عدم نعتي، و لا ربط لذلك بالمقام، فان من له الخيار في المقام هو هذا المعني.

(1) ثانيهما: ما افاده المصنف رحمه الله، و هو: انه مثبت، فان عدمه قبل الافتراق لازم عقلي لبقائه الي الثلاثة من حين التفرق.

و فيه: انه كذلك بالنسبة الي آثار وجوده بعد انقضاء الثلاثة من حين العقد، و أما بالنسبة الي الآثار المترتبة علي عدم ثبوته قبل التفرق فلا يكون مثبتا. و بذلك يظهر ان هذين الأصلين بالنسبة إلي الآثار متعاكسان، و كل منهما يترتب عليه سنخ خاص من الآثار و مثبت بالنسبة الي السنخ الآخر، فلا وجه للاشكال في جريان احدهما خاصة بالمثبتية.

و يمكن تقريب جريان الأصل بوجه آخر، و هو استصحاب عدم جعل الشارع خيار الحيوان قبل التفرق، و يكون المستصحب العدم النعتي، فانه صلي الله عليه و آله في اول بعثته لم يجعل خيار الحيوان قبل التفرق قطعا، و يستصحب ذلك.

و

ما عن المحقق النائيني رحمه الله من ان استصحاب عدم الجعل لا يثبت به عدم المجعول،

اجبنا عنه في الاصول في مبحث البراءة حلا و نقضا،

و لكن يرد عليه: انه لا يثبت به منتهي الخيار، مضافا الي محكوميته بالنسبة الي الروايات الظاهرة في ان المبدأ من حين العقد.

(2) الرابع: ان جملة من النصوص «1» تدل علي ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع لا المشتري. و بضم هذه النصوص الي ما دل علي ان التلف في زمان الخيار المشترك ممن انتقل إليه يستكشف ان مبدأ خيار الحيوان مما بعد التفرق، إذ لو كان من حين العقد

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 321

و أدلة التلف من البائع محمول علي الغالب، من كونه بعد المجلس (1) و يرد التداخل بأن الخيارين ان اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد و ان اتحدا.

فكذلك

______________________________

لم يكن التلف في جزء من الثلاثة من البائع.

(1) و اجاب المصنف رحمه الله عن ذلك: بان ادلة التلف من البائع محمولة علي الغالب من كونه بعد المجلس.

و فيه: اولا: ان الغلبة ممنوعة، إذ نسبة التلف الي كل جزء من الأجزاء كنسبته الي سائر الأجزاء بلا تفاوت.

و ثانيا: ان الغلبة لا توجب الانصراف المقيد للاطلاق.

و الحق في الجواب ان يقال:

اولا: انه لو سلم التعارض بين هذين الدليلين المتكفلين لحكمين لما كان وجه للتصرف في الدليل الظاهر في ان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد.

و ثانيا: انه لا دليل بالخصوص علي ان التلف في زمان الخيار المشترك من المنتقل إليه، و انما يلتزم به علي القاعدة، فتخصص القاعدة بالنصوص الدالة علي ان تلف الحيوان في الثلاثة من البائع.

و ثالثا: انه لو سلم التعارض

و عدم التخصيص و لزوم التصرف في ادلة الخيار، نقول:

انه كما يرتفع التعارض حينئذ بما ذكر، كذلك يرتفع بالالتزام بعدم وجود خيار المجلس،

و بان خيار الحيوان يثبت بعد المجلس الي أن تتم ثلاثة ايام من حين العقد، بل لعل الأخير اظهر من جهة انه مقتضي ثبوت المقتضي لخيار الحيوان مع وجود المانع في المجلس.

الخامس: انه لو كان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد يلزم اما اجتماع المثلين أو اجتماع السببين علي مسبب واحد، لأن الثابت قبل التفرق اما خياران أو احدهما، فعلي الأول يلزم اجتماع المثلين، و علي الثاني يلزم اجتماع السببين علي مسبب واحد.

و المصنف رحمه الله في مقام تقريب الاشكال اقتصر علي المحذور الثاني، و العلامة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 322

لان الاسباب معرفات، و أما لأنها علل و مؤثرات يتوقف استقلال كل واحد منها في التأثير علي عدم مقارنة الآخر أو سبقه فهي علل تامة الا من هذه الجهة (1)

و هو المراد مما في التذكرة في الجواب عن ان الخيارين مثلان فلا يجتمعان، من ان الخيار واحد و الجهة متعددة.

ثمّ ان المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي علي القول بكون الاجازة ناقلة، أو زمان الملك؟ (2) عبر بذلك للغلبة الظاهر هو الثاني، كما استظهره بعض المعاصرين

______________________________

اقتصر علي المحذور الأول، و عليه فمن الغريب ان المصنف رحمه الله حمل جواب العلامة رحمه الله علي ما ذكره في مقام الجواب،

مع انه في مقام الجواب عما ذكره من المحذور لاما افاده المصنف رحمه الله.

(1) و كيف كان: فقد اجاب المصنف رحمه الله عنه: بان الخيار- الذي هو المسبب- ان كان مختلف الحقيقة باختلاف الموارد فلا محذور في تعدد السبب لفرض تعدد المسبب،

و لا

يلزم مع ذلك اجتماع المثلين، و ان كان في جميع الموارد متحد الحقيقة فلا باس بتعدد السبب، اما لأن الأسباب معرفات و السبب الحقيقي واحد، و أما لأن السببين عند الاجتماع معا علة تامة و عند الانفراد كل منهما علة تامة، و علي التقديرين السبب واحد.

و فيه: ان الأسباب لا معرفات و لا مؤثرات، بل المؤثر في جعل الأحكام الشرعية ارادة الجاعل، و هي تكون موضوعات للأحكام، و لا يعقل تخلف الأحكام عنها.

و الحق في الجواب ان يقال انه عند تعدد السبب ان امكن الالتزام بتعدد المسبب فهو المتعين، و الا فان امكن الالتزام بالتعدد من حيث الاضافة الي الأسباب كالقتل بالنسبة الي اسبابه يتعين ذلك، و الا فيلتزم بالتأكد ان امكن، و المقام من قبيل الثاني، فان الخيار الذي هو ملك الالتزام لا يقبل التعدد و لا التاكد، و لكنه يمكن تقييده من جهة السبب و اثره انه يمكن اسقاطه من جهة و ابقائه من جهة.

(2) و هل المراد بزمان العقد هو زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي علي القول بالنقل، أو زمان الملك؟ وجهان: أقربهما الثاني و يدلنا علي ذلك ان الخيار انما يثبت في العقد الذي لولاه كان لازم الوفاء. و بعبارة اخري: دليل الخيار مخصص لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إذ علي هذا فهو يكون ثابتا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 323

قال: فعلي هذا لو اسلم حيوانا في طعام و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان و ان كان بائعا كان مبدؤه بعد القبض و تمثيله بما ذكر مبني علي اختصاص الخيار بالحيوان المعين و قد تقدم التردد في ذلك.

ثمّ ان ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف و لو قبل القبض يدل علي

انه لا يعتبر في الخيار الملك، لكن لا بد له من اثر. و قد تقدم الاشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض.

مسألة: لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام، (1)

لا لدخول الليل في مفهوم اليوم، بل للاستمرار المستفاد من الخارج، و لا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار و لو عقد في الليل.

فالظاهر بقاء الخيار الي آخر اليوم الثالث، و يحمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد، لكن فيه انه يصدق حينئذ الاقل من ثلاثة ايام،

______________________________

من حين صدق عنوان البائع و المشتري، و هما انما يصدقان من حين الاجازة،

من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف.

نعم التعبير بصاحب الحيوان في بعض النصوص موهم لكون المدار علي الملكية،

و عليه فالتفصيل بين القول بالنقل أو الكشف في محله، و لكن الظاهر- و لو بقرينة سائر النصوص- ان المراد بالصاحب المتلقي للحيوان لا المالك الفعلي، و الغرض منه تخصيص الخيار بالمشتري،

فالأظهر ثبوت الخيار من حين الاجازة علي جميع المسالك.

فما افاده المحقق النائيني رحمه الله من انه علي القول بالكشف الحقيقي يتعين البناء علي ثبوت الخيار من حين اجراء الصيغة، في غير محله.

دخول الليلتين المتوسطتين في ثلاثة الخيار

(1) لا اشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة ايام.

و الوجه في ذلك: ظهور النصوص في امتداد الخيار من اول تحققه الي حين زواله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 324

و الاطلاق علي المقدار المساوي للنهار و لو من الليل خلاف الظاهر. قيل:

و المراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالة، فتدخل الثلاثة، و إلا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد، انتهي.

فإن اراد الليلة السابقة علي الايام فهو حسن الا انه لا يعلل بما ذكر و ان

اراد الليلة الاخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد إذ لا نقول باستعمال اليومين الأولين في اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث في خصوص النهار، بل نقول ان اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين لا في مجموع النهار و الليل أو مقدارهما، و لا في النهار و لو ملفقا من الليل، (1) و المراد من الثلاثة ايام هي بلياليها اي ليالي مجموعها لا كل واحد منها فالليالي لم ترد من نفس اللفظ، و انما اريدت من جهة الاجماع و ظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار، فكأنه قال: الخيار يستمر الي ان يمضي ست و ثلاثون ساعة من النهار.

______________________________

و لا اشكال ايضا في دخول الليلة الاولي ان وقع العقد في الليل،

انما الكلام فيما لو وقع العقد في اول اليوم، و انه هل تدخل الثالثة ام لا؟

قد يقال بالدخول، و استدل له:

بظهور اليوم في النهار مع الليل، اما لأنه اسم للمجموع أو للتغليب،

و بانه تدخل الليلتين في الثلاثة كما تقدم فتدخل الثالثة، و الا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن اليوم في اللغة و بحسب المتفاهم العرفي اسم لبياض النهار، و التغليب ليس بنحو يوجب الظهور.

و أما الثاني: فلأن دخول الليلتين ليس من جهة دخولهما في المستعمل فيه، بل لما عرفت، فلا يلزم الاختلاف في مفردات الجمع.

(1) ثمّ يقع الكلام في ان المراد باليوم هل هو اليوم التام فلا يكفي الملفق أو مقداره و لو من نهارين، أو مقداره من الزمان و لو بضم الليل؟ و الأظهر هو الأوسط،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 325

مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:
احدها: اشتراط سقوطه في العقد (1)

و لو شرط سقوط بعضه، فقد صرح بعض بالصحة و

لا بأس به.

و الثاني: اسقاطه بعد العقد، (2)

و قد تقدم الامران.

و الثالث: التصرف

و لا خلاف في اسقاطه في الجملة لهذا الخيار، (3) و يدل عليه قبل الاجماع النصوص:

______________________________

لأن الظاهر من الدليل اعتبار اليوم اي بياض النهار علي نحو الطريقية الي الساعات النهارية، و عليه فيكفي الملفق من نهارين، و لا يكفي الملفق من يوم و ليل.

التصرف مسقط للخيار

الخامس: ان هذا الخيار يكون باقيا ما لم يتحقق احد المسقطات و هي امور:

(1) احدها اشتراط سقوطه في العقد.

(2) و الثاني اسقاطه بعد العقد و قد تقدم الأمران في خيار المجلس، فلا حاجة الي ذكر مالهما من المباحث.

(3) و الثالث التصرف و لا خلاف في اسقاطه في الجملة لهذا الخيار و كلمات القوم في المقام مشوشة و مضطربة و الاقوال كثيرة حتي ان بعضهم افتي في كتاب بغير ما افتي به في كتاب آخر، و افرط بعضهم و حكم بمسقطية التصرف إذا كان اجازة فعلية و فرط آخر و حكم بمسقطية كل تصرف حتي التصرف للاستخبار و التصرف في طريق الرد و بينهما اقوال لا يهمّنا التعرض لها، و الغريب مع ذلك دعوي الاجماع في المقام اللهم، الا ان يراد به الاجماع علي مسقطية التصرف في الجملة و لو بمعني اسقاط الرضا المستكشف به.

و كيف كان فالاولي صرف عنان الكلام الي بيان ما هو الحق المستفاد من نصوص الائمة الاطهار صلوات الله عليهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 326

ففي صحيحة ابن رئاب، فإن احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة ايام فذلك رضا منه و لا شرط له، قيل له: و ما الحدث؟ قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الي ما كان محرما عليه قبل الشراء، و صحيحة الصفار كتبت الي ابي محمد عليه السلام

في الرجل اشتري دابة من رجل فاحدث فيها حدثا من اخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أ له ان يردها في الثلاثة الايام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقع عليه السلام إذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء انشاء الله تعالي.

و في ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الاسناد قلت له أ رأيت ان قبلها المشتري أو لامس؟ فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها الي ما يحرم علي غيره، فقد انقضي الشرط و لزم البيع. و استدل عليه في التذكرة بعد الاجماع بأن التصرف دليل الرضا و في موضع آخر منها انه دليل الرضا بلزوم العقد، و في موضع آخر منها كما في الغنية ان التصرف اجازة.

______________________________

و تنقيح القول في المقام بالبحث في موارد:

الأول: في بيان ما يستفاد من الأخبار. المذكورة في المتن و هي صحيح ابن رئاب «1»

و صحيح الصفار «2» و الصحيح المتقدم «3» عن قرب الاسناد الثاني: في المبعدات المذكورة لكون التصرف بنفسه مسقطا.

الثالث: فيما توهم من منافاة طائفة اخري من الأخبار لهذه الروايات.

اما المورد الأول: فالكلام فيه في جهات:

الأولي: ان قوله عليه السلام في صحيح الصفار إذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء و نحوه ما في صحيح ابن رئاب يدل علي ان احداث الحدث بنفسه مسقط، و المراد به اعمال عمل جديد لم يكن من شأنه قبل العقد، فهو لا يشمل كل تصرف كسقي الدابة و اعلافها، كما لا يشمل التصرف للاستخبار أو للرد لأنه ليس هذا التصرف من باب تصرف

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

(2) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 2.

(3) الوسائل-

باب 4- من ابواب الخيار حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 327

اقول: المراد بالحدث ان كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك الا برضاه كما يشير إليه قوله: أو نظر الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء، فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا، كما صرح به في التذكرة في بيان التصرف المسقط للرد بالعيب من انه لو استخدمه بشي ء خفيف مثل اسقني أو ناولني الثوب أو اغلق الباب، سقط الرد، ثمّ استضعف قول بعض الشافعية بعدم السقوط معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك بأن المسقط مطلق التصرف، و قال ايضا لو كان له علي الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليها بطل الرد،

لانه استعمال و انتفاع، انتهي.

و قال في موضع من التذكرة: عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من المشتري قبل عمله بالعيب أو بعده يمنع الرد، انتهي.

و هو في غاية الاشكال لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث، و عدم دلالة ذلك علي الرضا بلزوم العقد، مع ان من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشتري عن ذلك في اثناء الثلاثة، فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو مع انهم ذكروا ان الحكمة في هذا الخيار الاطلاع علي امور خفية في الحيوان

______________________________

المالكين في املاكهم، و لذا قيد الراوي ركوب الدابة بركوب ظهرها فراسخ الذي هو من شئون المالك و من وجوه الانتفاع بماله، كما ان الامام عليه السلام قيد النظر بما كان محرما قبل الشراء، و علي هذا فالمستفاد من هذه النصوص ان كل تصرف مالكي لم يكن للمشتري قبل الشراء إذا وقع بعده يكون مسقطا للخيار، و لو لم يكن اجازة فعلية.

الثانية: انه قد يتوهم ان الأمثلة

المذكورة في النصوص من تقبيل الجارية و لمسها و النظر إليها ليست مصاديق لاحداث الحدث بل هي من قبيل الأمر باغلاق الباب، فكيف حكم بمسقطيتها،

لكنه فاسد إذ قد عرفت ان احداث الحدث يعم كل تصرف لم يكن من شأنه قبل العقد و هذه منه.

الثالثة: ان في صدر صحيح ابن رئاب فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 328

توجب زهادة المشتري، و كيف يطلع الانسان علي ذلك بدون النظر الي الجارية و لمسها و امرها بغلق الباب و السقي و شبه ذلك.

و ان كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته علي الرضا بلزوم العقد، كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب، (1) و يظهر من استدلال العلامة و غيره علي المسألة، بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد، فهو لا يناسب اطلاقهم الحكم باسقاط التصرفات التي ذكروها و دعوي ان جميعها مما يدل لو خلي و طبعه علي الالتزام بالعقد، فيكون اجازة فعلية كما تري.

ثمّ ان قوله عليه السلام في الصحيحة فذلك رضاء منه يراد منه الرضا، بالعقد في مقابلة كراهة ضده اعني الفسخ و إلا فالرضا بأصل الملك مستمر من زمان العقد الي حين الفسخ، و يشهد لهذا المعني رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن ابيه عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله في رجل اشتري عبدا بشرط الي ثلاثة ايام فمات العبد في الشرط قال: يستحلف بالله تعالي ما رضيه، ثمّ هو برئ من الضمان، فإن المراد بالرضا الالتزام بالعقد، و الاستحلاف في الرواية محمولة علي سماع دعوي التهمة أو علي صورة حصول القطع للبائع

بذلك، إذا عرفت هذا فقوله عليه السلام فذلك رضاء منه و لا شرط له (1) يحتمل وجوها

______________________________

قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط.

(1) رتب سقوط الخيار علي كون احداث الحدث رضا بالبيع،

و قد وقع الكلام في ما هو المراد من هذه الجملة، و قبل بيان ما ذكره المصنف رحمه الله من المحتملات لا بد من بيان ما هو الحق عندنا و هو يتوقف علي مقدمة،

و هي ان المراد بالرضا ليس هو طيب النفس الذي هو من صفات النفس، بل المراد به الاختيار الذي هو من الأفعال، و ذلك لوجوه منها: حمله علي احداث الحدث الذي هو من الأفعال، و لا يصح حمل الصفة علي الفعل الا مع العناية.

و منها: انه لا عبرة بالرضا غير المبرز في باب المعاملات قطعا.

و منها: ان الرضا بمعني طيب النفس يتعدي بكلمة باء، و بمعني الاختيار يتعدي بنفسه، و هو في هذه النصوص تعدي بنفسه، و علي هذا فالمراد من قوله فذلك رضا منه انه اختيار و اجازة، فيكون مفاد هذه الجملة من الصحيح التعبد بان كل ما يكون احداث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 329

احدها: ان يكون الجملة جوابا للشرط فيكون حكما شرعيا بأن التصرف التزام بالعقد و ان لم يكن التزاما عرفا (1)

الثاني: ان يكون توطئة للجواب و هو قوله: و لا شرط له (2) لكنه توطئة لحكمة الحكم و تمهيد لها لا علة حقيقة، فيكون اشارة الي ان الحكمة في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا علي الرضا، نظير كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس بالتفرق في قوله فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما، فإنه لا يعتبر في الافتراق دلالة علي الرضا، و علي هذين المعنيين

فكل تصرف مسقط و ان علم عدم دلالته علي الرضا.

الثالث: ان تكون الجملة اخبارا عن الواقع نظرا الي الغالب و ملاحظة نوع التصرف لو خلي و طبعه، و يكون علة للجواب (3) فيكون نفي الخيار معللا بكون التصرف غالبا دالا علي الرضا بلزوم العقد، و بعد ملاحظة وجوب تقييد اطلاق الحكم بمؤدي علته، كما في قوله: لا تأكل الرمان لانه حامض. دل علي اختصاص الحكم بالتصرف الذي يكون كذلك. اي دالا بالنوع غالبا علي التزام العقد، و ان لم يدل في شخص المقام

______________________________

الحدث يكون اجازة للعقد و موجبا لسقوط الخيار، فيتحد مفادها مع سائر النصوص المطلقة.

إذا عرفت هذا فاعلم: ان المصنف رحمه الله لما بني علي ان المراد من الرضا هو طيب النفس احتمل وجوها فيها:

(1) احدها: ان الرضا محمول علي التصرف بعنوان التعبد و التنزيل.

(2) ثانيها: ان قوله فذلك رضا منه توطئة للجواب الذي هو قوله و لا شرط له و يكون المراد منه ان التصرف لكونه كاشفا نوعيا عن الرضا يكون مسقطا، لكن لوحظ هذا العنوان علي وجه الحكمة غير المطردة، فيكون التصرف مسقطا و لو علم في مورد عدم الرضا بالعقد.

(3) ثالثها: ان يكون المراد من قوله فذلك رضا منه هذا المعني المشار إليه في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 330

فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي في الرضا، نظير ظهور الالفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة، كما إذا دل الحال أو المقام علي وقوع التصرف للاختبار، أو اشتباها بعين اخري مملوكة له و يدخل فيه كلما دل نوعا علي الرضا و ان لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع و الأذن للبائع في التصرف فيه.

الرابع: ان يكون

اخبارا عن الواقع و يكون العلة هي نفس الرضا الفعلي و الشخصي و يكون اطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة، فيكون موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي، فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار. (1) ثمّ ان الاحتمالين الأولين و ان كانا موافقين لإطلاق سائر الاخبار و اطلاقات بعض كلماتهم، مثل ما تقدم من التذكرة من ان مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط، و كذا غيره كالمحقق و الشهيد الثانيين بل لإطلاق بعض معاقد الاجماع، الا انهما بعيدان عن ظاهر الخبر، مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم. فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ. بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة علي الرضا كما سيجي ء

______________________________

الوجه الثاني، لكنه ماخوذ علي وجه العلية، فيكون مفاده ان كل تصرف يكون كاشفا نوعيا عن الرضا يكون مسقطا للخيار.

(1) رابعها: هذا المعني مع ارادة الكاشفية الفعلية الشخصية عن الرضا، و هو قده اختار الوجه الثالث.

و جميع هذه الوجوه بعيدة،

اما الأول: فلأن الرضا بنفسه لا حكم له في باب المعاملات كي ينزل التصرف منزلته.

و أما الثاني: فلأن الظاهر مما يذكر في مقام العلة كونه علة لا حكمة.

و أما الثالث: فلعدم انطباق ذلك علي الأمثلة المذكورة في النصوص لعدم كونها كاشفة عن الرضا لو خليت و طبعها.

و أما الرابع: فيرد عليه- مضافا الي ما اورد علي الوجه الثالث-: انه لم يلتزم به احد،

و اضف الي ذلك ما عرفت من فساد المبني، فالمتعين هو ما ذكرناه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 331

و يؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال علي الرضا.

و ان لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية للمشتري (1) علي ما صرح به في التحرير و الدروس، فعلم ان العبرة بالرضا و انما اعتبر التصرف للدلالة

و ورود النص أيضا بأن العرض علي البيع اجازة، (2) مع انه ليس حدثا عرفا. و مما يؤيد عدم ارادة الاصحاب كون التصرف مسقطا إلا من جهة دلالته علي الرضا، حكمهم بأن كل تصرف يكون اجازة من المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع، (3) فلو كان التصرف مسقطا تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه اجازة الي كونه فسخا.

و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول و بالفعل، و ذكر التصرف مثلا للفسخ و الاجازة الفعليين، فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف مسقطا لا للدلالة علي الرضا بأن الاصحاب يعدونه في مقابل الاجازة.

______________________________

ثمّ مع الاغماض عما ذكرناه، فغاية الأمر اجمال هذه الجملة، فلا مقيد لإطلاق النصوص، فالمستفاد من النصوص ان احداث الحدث بنفسه مسقط للخيار.

فما عن المحقق النائيني رحمه الله من حمل النصوص علي ارادة ان كل تصرف يكون اجازة فعلية يكون مسقطا، غير تام.

و أما المورد الثاني: فقد ذكروا من مبعدات كون كل احداث الحدث مسقطا امورا.

(1) و منها: حكم بعضهم بكفاية الدال علي الرضا، و ان لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية و فيه: انه و ان لم يكن ذلك تصرفا الا انه احداث الحدث.

(2) و منها: ورود النص ايضا بان العرض علي البيع اجازة، مع انه ليس حدثا عرفا و الكلام في النص سيأتي مفصلا في المورد الثالث و فيه: ان التعريض للبيع إذا كان بعنوان بيعه لا بعنوان استخبار قيمته من الحدث عرفا.

(3) و منها: ان الاصحاب ذكروا ان كل فعل و تصرف يكون اجازة إذا كان فيما انتقل إليه يكون ردا و فسخا إذا كان في ما انتقل عنه، و من المعلوم ان

كل تصرف فيما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 332

و أما المعني الرابع فهو و ان كان اظهر الاحتمالات من حيث اللفظ، بل جزم به في الدروس و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله به الحسن بن زيد، الحاكية للنبوي الدال كما في الدروس ايضا علي الاعتبار بنفس الرضا.

و ظاهر بعض كلماتهم الآتية ان المستفاد من تتبع الفتاوي الاجماع علي عدم اناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد، مع ان اظهريته بالنسبة إلي المعني الثالث غير واضحة، فتعين ارادة المعني الثالث، ه لصحمو دلالة التصرف لو خلي و طبعه علي الالتزام و ان لم يفد في خصوص المقام، فيكون التصرف اجازة فعلية في مقابل الاجازة القولية و هذا هو الذي ينبغي ان يعتمد عليه، قال في المقنعة: ان هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع، الا ان يحدث فيه المبتاع حدثا يدل علي الرضا بالابتياع، انتهي.

و مثل للتصرف في مقام آخر بأن ينظر الي الأمة الي ما يحرم لغير المالك.

و قال في المبسوط في احكام العيوب: إذا كان المبيع بهيمة و اصاب بها عيبا فله ردها.

و إذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و سقيها و علفها و حلبها و أخذ لبنها، و ان نتجت كان له نتاجها، ثمّ قال: و لا يسقط الرد لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده، و ليس هنا شي ء من ذلك، انتهي.

______________________________

انتقل عنه لا يكون ردا، فكذا الاجازة.

و فيه: انه قد عرفت ان احداث الحدث بنفسه مسقط لا بما انه اجازة فعلية،

و الملازمة التي ذكرها الأصحاب انما هي بين ما هو اجازة فعلية و فسخ فعلي، لابين احداث الحدث و الفسخ، فلا

ربط لذلك بالمقام.

منها: انه لو كان كذلك لزم لغوية جعل الخيار، إذ من المعلوم عدم انفكاك المملوك أو الحيوان المشتري عن تصرف ما في اثناء الثلاثة.

و فيه: قد مر أن احداث الحدث اخص من وجه من التصرف.

و به يظهر الجواب عن الأمر الثاني و هو ان الحكمة في هذا الخيار الاطلاع علي امور خفية في الحيوان توجب زهادة المشتري، و كيف يمكن ان يطلع الانسان علي ذلك مع عدم التصرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 333

و في الغنية: لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه، الا ان يكون المبتاع قد احدث فيه حدثا يدل علي الرضا، انتهي.

و قال الحلبي في الكافي في خيار الحيوان: فإن هلك في مدة الخيار فهو من مال البائع، إلا ان يحدث فيه حدثا يدل علي الرضا، انتهي.

و في السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان الي ثلاثة ايام، قال: هذا إذا لم يحدث في هذه المدة حدثا يدل علي الرضا و يتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته، أو يكون لمثل ذلك التصرف اجرة، بأن يركب الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها، أو يدبرها تدبيرا، ليس له الرجوع فيه كالمنذور، انتهي.

و قال في موضع آخر: إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة.

و أما العلامة: فقد عرفت انه استدل علي اصل الحكم بأن التصرف دليل الرضا باللزوم.

و قال في موضع آخر لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت، لم يكن ذلك رضاء بها، ثمّ قال: و لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثمّ يردها لم يكن ذلك رضاء منه بامساكه، و لو حلبها في طريقه فالاقرب انه تصرف يؤذن بالرضا و في التحرير في مسألة

سقوط رد المعيب بالتصرف قال: و كذا لو استعمل المبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا و قال في الدروس: استثني بعضهم من التصرف ركوب الدابة و الطحن عليها و حلبها، إذ بها يعرف حالها ليختبر و ليس ببعيد.

و قال المحقق الكركي: لو تصرف ذو الخيار غير عالم، كأن ظنها جاريته المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة. ففي الحكم تردد، ينشأ من اطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف و من انه غير قاصد الي لزوم البيع إذ لو علم لم يفعل، و التصرف انما عد مسقطا لدلالته علي الرضا باللزوم و قال في موضع آخر:

و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها تصرفا، ثمّ قال و هل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد ان لا يعد. و كذا لو اراد ردها و حلبها لأخذ اللبن علي اشكال ينشأ من انه ملكه، فله استخلاصه، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 334

و حكي عنه في موضع آخر انه قال و المراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود منه التملك لا الاختبار و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقي، انتهي.

و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به و يحتمل ان يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختبار أو الحفظ، هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام،

الظاهرة في المعني الثالث. و حاصله التصرف علي وجه يدل عرفا لو خلي و طبعه،

علي الالتزام بالعقد، ليكون اسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة علي وقوعه لا الالتزام لكن يبقي الاشكال المتقدم سابقا من ان اكثر امثلة التصرف المذكورة في النصوص و الفتاوي ليست كذلك بل هي واقعة غالبا مع الغفلة

أو التردد أو العزم علي الفسخ مطلقا. و إذا اطلع علي ما يوجب زهده فيه. فهي غير دالة في نفسها عرفا علي الرضا. و منه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة، فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأن الغالب في هذه التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم فلا يسقط بها الخيار، إذ فيه ان هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضاء، لأن المصحح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض افراده رضاء هو ظهوره فيه

______________________________

و أما المورد الثالث: فما توهم منافاته للنصوص المتقدمة خبران:

احدهما: خبر عبد الله بن الحسن الحاكي للنبوي: في رجل اشتري عبدا بشرط الي ثلاثة ايام فمات العبد في الشرط قال صلي الله عليه و آله: يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو برئ من الضمان «1».

بتقريب: انه صلي الله عليه و آله لم يستفصل بين احداث الحدث و عدمه، و حكم بالبراءة و لو احدث الحدث، فيستكشف من ذلك ان المسقط انما هو الرضا، و مسقطية احداث الحدث انما تكون لأجل كاشفيته عن الرضا لا انه بنفسه مسقط.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند.

و ثانيا: ان المراد بالرضا فيه ليس هو طيب النفس، إذ هو ليس مسقطا للخيار

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 335

عرفا من اجل الغلبة، فإذا فرض ان الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها لاعن التزام بالعقد بل مع العزم علي الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة، كان تعليل الحكم علي المطلق بهذه العلة الغير الموجودة الا في قليل من افراده مستهجنا و أما الاستشهاد لذلك بما سيجي ء

من ان تصرف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا، و ليس ذلك الا من جهة صدوره لاعن التزام بالعقد، بل مع العزم علي الفسخ برد مثل الثمن. ففيه ما سيجي ء و مما ذكرنا من استهجان التعليل علي تقدير كون غالب التصرفات واقعة لاعن التزام يظهر فساد الجمع بهذا الوجه يعني حمل الاخبار المتقدمة علي صورة دلالة التصرفات المذكورة علي الرضا بلزوم العقد جمعا بينها و بين ما دل من الاخبار علي عدم سقوطه بمجرد التصرف مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة التي لم يستفصل في جوابها بين تصرف المشتري في العبد المتوفي في زمان الخيار و عدمه، و إنما انيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي و مثل الخبر المصحح في رجل اشتري شاة فامسكها ثلاثة ايام ثمّ رد قال: ان كان تلك الثلاثة ايام شرب لبنها يرد معها ثلاثة امداد، و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء،

و نحوه الآخر (1) و ما فيهما من رد ثلاثة امداد لعله محمول علي الاستحباب مع ان ترك العمل به لا يوجب رد الرواية، فتأمل.

______________________________

قطعا، بل المراد به الالتزام بالعقد و الاختيار، و قد مر أن احداث الحدث منه تعبدا و بالحكومة.

و ثالثا: ان الخبر وارد لبيان حيثية التلف في زمان الخيار خاصة لا للبيان من جهة اخري، فلا يمكن التمسك بترك الاستفصال فيه بين احداث الحدث و عدمه.

(1) ثانيهما: المصحح «1» المذكور في المتن و نحوه الآخر و فيه: اولا: ان موردهما الرد بعد الثلاثة، فهما اجنبيان عن المقام و يحملان علي ارادة الرد بخيار العيب، و التصرف ليس مسقطا له.

و ثانيا: انه لم يعمل بهما لتضمنهما رد ثلاثة امداد.

______________________________

(1) الوسائل- باب

13- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 336

و قد افتي بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة و حلبها اياما، ثمّ وجد المشتري فيها عيبا ثمّ قال و قيل ليس له ردها لانه تصرف بالحلب.

و بالجملة فالجمع بين النص و الفتوي الظاهرين في كون التصرف مسقطا لدلالته علي الرضا بلزوم العقد و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة في كثير من الفتاوي خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق الرد أو التردد فيه، و في التصرفات للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد في غاية الأشكال و الله العالم بحقيقة الحال.

الثالث: خيار الشرط
اشارة

اعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد (1) و لا خلاف في صحة هذا الشرط و لا في انه لا يتقدر بحد عندنا و نقل الاجماع عليه مستفيض،

و الاصل فيه قبل ذلك الاخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط الا ما استثني و الاخبار الخاصة الواردة في بعض افراد المسألة.

فمن الأولي: الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوي تواتره ان المسلمين عند شروطهم، (2) و يزيد في صحيحة ابن سنان، الا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز.

و في موثقة اسحاق بن عمار: الا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما.

______________________________

فتحصل: ان الاظهر كون احداث الحدث- اي اعمال عمل جديد- لم يكن له قبل الاشتراء من المسقطات بنفسه.

خيار الشرط

(1) الثالث: خيار الشرط بالضرورة بين علماء المذهب و الكتاب و السنة عموما و خصوصا في بعض افراده. كذا في الجواهر و هو يثبت في كل مبيع اشترط الخيار فيه.

و قد استدل لصحة هذا الشرط بوجهين.

(2) الأول: الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط الا ما استثني، كالخبر المستفيض: المسلمون

عند شروطهم «1».

______________________________

(1) راجع الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار- و باب 4 من ابواب كتاب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 337

______________________________

و قد اورد علي الاستدلال بها بامور:

احدها: ما عن المستند من ان هذا الشرط مخالف للكتاب و السنة. إذ السنة دلت علي ان البيع يجب بالافتراق، فاشتراط عدم وجوبه مخالف للسنة، فلا يكون مشمولا لتلك الأخبار، لأنه قد استثني من الشروط لازمة الوفاء ما خالف الكتاب و السنة.

و فيه: ان وجوب البيع و لزومه حقي لا حكمي لجريان الاقالة فيه، فشرط عدمه ليس مخالفا للكتاب و السنة، إذ الشرط المخالف للسنة هو شرط فعل، أو ترك محكوم بحكم الزامي، أو عدم حكم وضعي غير حقي كما تقدمت الاشارة إليه، و سيجي ء تفصيله في باب الشروط.

ثانيها: انه شرط مخالف لمقتضي العقد، لأن مقتضاه لزوم البيع.

و فيه: ان اللزوم من احكام العقد لا من مقوماته، فشرط عدمه ليس مخالفا لمقتضي العقد.

ثالثها: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان ظاهر الاخبار الحكم التكليفي و وجوب ان يكون المؤمن عند شرطه، فلا يعم ما هو من قبيل شرط النتيجة الذي منه المقام، و هو شرط الخيار و ثبوت حق الرجوع.

و فيه: اولا: قد تقدم في مسألة اشتراط سقوط خيار المجلس ان مفاد هذه النصوص بقرينة غيرها من الأخبار نفوذ الشرط الذي له ربط بالمشروط عليه، فتشمل شرط النتيجة.

و ثانيا: انه يمكن ارجاع هذا الشرط الي شرط الفعل بان يشترط ان يفسخ متي ما اراد.

رابعها: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله ايضا، و هو: ان المقام داخل في شرط فعل الله- اعني حكمه بالخيار- و هو خارج عن الاختيار، غير مشمول لخطاب المؤمنون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص:

338

نعم في صحيحة اخري لابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز علي الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم، فيما وافق كتاب الله لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للاجماع علي عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب، و تمام الكلام في معني هذه الاخبار و توضيح المراد من الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن العقد انشاء الله،

و المقصود هنا بيان احكام الخيار المشترط في العقد و هي تظهر برسم مسائل.
مسألة: لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه، (1)

لعموم أدلة الشرط، (2) قال في التذكرة: لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي

______________________________

و فيه: - مضافا الي ما تقدم من امكان ارجاعه الي شرط الفعل- ان هذا الحكم الشرعي بما انه مجعول في ظرف انشاء المكلف- كما في سائر الانشائيات- يكون مقدورا بالواسطة. و ان شئت قلت: ان المشروط هو الخيار عند المتبايعين، و الشارع الأقدس امضي ذلك و حكم بالخيار لا انه هو المشروط. فتدبر، فالأظهر تمامية هذا الوجه الوجه الثاني: الأخبار الخاصة الواردة في بعض افراد المسألة:

منها: النصوص المستفيضة الواردة في اشتراط الفسخ برد الثمن الآتي نقلها.

و منها: صحيح ابن سنان عن الامام الصادق عليه السلام: ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل ان يمضي الشرط فهو من مال البائع «1».

و منها: غير ذلك، و قد جعلها صاحب المستند مخصصة لما دل علي عدم صحة الشرط المخالف.

و اورد عليه: بان سياق ادلة عدم صحة الشرط المخالف آب عن التخصيص.

لو جعل الخيار و لم يعين المدة

(1) قوله لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه محل الكلام في هذا المقام ليس جواز كون زمان الخيار منفصلا- بل اتفقت كلماتهم علي جواز ذلك.

(2) لعموم ادلة الشروط.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار

حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 339

و استدل له في موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم (1) ورد بعدم المانع من ذلك، مع انه كما في التذكرة منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية. نعم يشترط تعيين المدة فلو تراضيا علي مدة مجهولة (2) كقدوم الحاج بطل بلا خلاف،

بل حكي الاجماع عليه صريحا

______________________________

(1) و دعوي انه يلزم منه جواز العقد بعد لزومه،

مندفعة بانه لا محذور في ذلك، مضافا الي ثبوت نظيرها في الشرع كخيار التأخير- و لا في جواز تقدير اي مدة شاءا.

(2) و انما الكلام وقع فيما لو عين مدة مجهولة كقدوم الحاج،

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في صحة الشرط و فساده.

الثاني: في صحة البيع و فساده.

اما المورد الأول: فقد استدل علي بطلان الشرط بوجوه:

احدها: الاجماع و هو كما تري.

ثانيها: ما ارسله بعض من نهي النبي صلي الله عليه و آله عن الغرر. «1» و هو عام شامل للشرط ايضا، و لا بأس به، و هو و ان كان ضعيف السند الا ان عمل الأصحاب و استدلالهم به في جملة من المواضع يوجب جبره.

ثالثها: ان البيع يبطل، فيكون الشرط باطلا بالتبع.

رابعها: ما في الجواهر، و هو: ان اشتراطه مخالف للسنة.

و فيه: انه ان اريد بذلك ان البيع بواسطة هذا الشرط يصير غرريا فهذا شرط مخالف للسنة، ففيه: ان الظاهر من قوله الا شرطا خالف كتاب الله كون الالتزام بنفسه أو الملتزم به مخالفا للكتاب أو السنة، و أما الشرط الموجب لمخالفة شي ء آخر للكتاب أو السنة فهو غير مشمول له، و ان اريد به ان الشرط الغرري بنفسه منهي عنه فيكفي في فساده نفس دليل الغرر.

و أما المورد الثاني: فقد استدل لبطلان البيع

بوجوه:

______________________________

(1) التذكرة ج 1- ص 466- مسألة بيع الطير في الهواء- و عن الشهيد ره نحوه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 340

لصيرورة المعاملة بذلك غررية، (1) و لا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات و اقدام العقلاء عليه احيانا، (2) فإن المستفاد من تتبع احكام المعاملات عدم رضاء الشارع بذلك، إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة و الساعتين من زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين.

و بالجملة، فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة الي المداقة و الا لم يكن بيع الجزاف و ما تعذر تسليمه، و الثمن المحتمل للتفاوت القليل و غير ذلك من الجهالات غررا، لتسامح الناس في غير مقام الحاجة الي المداقة في اكثر الجهالات.

و لعل هذا مراد بعض الاساطين من قوله ان دائرة الغرر في الشرع اضيق من دائرته في العرف، و إلا فالغرر لفظ لا يرجع في معناه الا الي العرف. نعم الجهالة التي لا يرجع الامر معها غالبا الي التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا،

كتفاوت المكائيل و الموازين

______________________________

احدها: الاجماع. و هو كما تري.

ثانيها: ان الشرط إذا فسد فسد المشروط، و قد تقدم فساد الشرط.

و فيه: ما سيجي ء في محله من ان الشرط الفاسد لا يكون مفسدا.

(1) ثالثها: صيرورة المعاملة بذلك غررية.

(2) و اورد عليه تارة: بان العقلاء يقدمون علي مثل هذه المعاملة و يسامحون في مثل هذه الجهالة،

و اخري: بان الشرط انما يكون التزاما في ضمن التزام، و جهالة المظروف لا تسري الي الظرف، و هو معلوم من جميع الجهات فلا يكون غرريا،

و ثالثة: بما عن المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان الغرر المنهي عنه لا يشمل الغرر الحاصل بجهالة مدة الخيار، و

الا بطل كل البيوع بجهالة مدة خيار المجلس.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن اقدام العقلاء لا يوجب رفع الغرر، فانهم ربما يقدمون علي المعاملة الخطرية، و الشارع الأقدس لسد هذا الباب نهي عن البيع الغرري.

و أما الثاني: فلأن الشرط و ان كان التزاما في ضمن التزام الا ان المشروط بما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 341

و يشير الي ما ذكرنا الاخبار الدالة علي اعتبار كون السلم الي اجل معلوم،

و خصوص موثقة غياث: لا بأس بالسلم في كيل معلوم الي اجل معلوم لا يسلم إلي دياس أو إلي حصاد. مع ان التأجيل الي الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الاحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع، و ربما يستدل علي ذلك بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة، لأنه غرر. (1) و فيه ان كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة، ففي الثاني يفسد الشرط و يتبعه البيع، و في الأول يفسد البيع فيلغو الشرط. اللهم الا ان يراد ان نفس الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر و ان لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر فيكون مخالفا للكتاب و السنة، لكن لا يخفي سراية الغرر الي البيع، (2) فيكون الاستناد في فساده الي فساد شرطه المخالف للكتاب كالاكل من القفاء.

______________________________

انه جواز العقد- و من المعلوم ان الملكية اللازمة غير الملكية الجائزة- فلا محالة تسري الجهالة الي البيع و يصير البيع بذلك غرريا كما لا يخفي.

و أما الثالث: فلأن خيار المجلس انما يكون بجعل من الشارع، و أما المتعاملان فهما عالمان بما ينشئان و لا جهالة فيه بوجه و لا غرر. و حكم الشارع لا يوجب غررية البيع.

فالأظهر

تمامية هذا الوجه، فتحصل بطلان البيع.

(1) قوله ان اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة لانه غرر قد عرفت ان مراد من استدل بهذا الوجه اثبات بطلان الشرط، بمخالفته للكتاب و السنة، و بكون نفس الشرط غرريّا فنفس الشرط مشمول لقوله عليه السلام نهي النبي صلي الله عليه و آله عن الغرر، و إذا كان الشرط باطلا كان البيع باطلا لان الشرط الفاسد مفسد و عليه فلا يرد عليه ما اورده المصنف بقوله.

(2) لكن لا يخفي سراية الغرر الي البيع و فيه انه إذا كان الشرط غرريا و باطلا لا يسري ذلك الي البيع لما سيأتي في محل من ان الشرط التزام في ضمن التزام الا بالتقريب الذي ذكرناه فراجع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 342

مسألة: لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة كقدوم الحاج،

و بين عدم ذكر المدة اصلا كان يقول بعتك علي ان يكون لي الخيار و بين ذكر المدة المطلقة، كان يقول بعتك علي ان يكون لي الخيار مدة لاستواء الكل في الغرر، (1) خلافا للمحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و الحلبي فجعلوا مدة الخيار في الصورة الثانية ثلاثة ايام و يحتمل حمل الثالثة عليها و عن الانتصار و الغنية و الجواهر، الاجماع عليه. و في محكي الخلاف وجود اخبار الفرقة به و لا شك ان هذه الحكاية بمنزلة ارسال اخبار (2) فيكفي في انجبارها الاجماعات المنقولة. و لذا مال إليه في محكي الدروس لكن العلامة في التذكرة لم يحك هذا القول الا عن الشيخ قدس سره و اوله بارادة خيار الحيوان.

و عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه: الجزم به، و قواه بعض المعاصرين منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة من انه ليس في الادلة ما

يخالفه إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع و ان لم يعلم به المتعاقدان

______________________________

(1) و قد صرح غير واحد بعدم الفرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة و بين عدم ذكر المدة، و بين ذكر المدة المطلقة بان يقول بعتك بشرط ان يكون لي الخيار مدة لاستواء الجميع في الغرر بالتقريب المتقدم.

و قيل ان المشهور بين المتقدمين الصحة في الثالث و الانصراف الي ثلاثة ايام، و عن جماعة: دعوي الاجماع عليه.

(2) و استدل له: بوجوه الاول ما عن محكي الخلاف من وجود اخبار الفرقة به.

بتقريب: ان هذه الحكاية بمنزلة ارسال اخبار، فيكفي في انجبارها الاجماعات المنقولة.

و فيه ان عمل الأصحاب انما يوجب انجبار ضعف السند لو علم استنادهم الي الخبر، و الا فمجرد مطابقة الفتاوي مع الخبر لا يوجب جبر الضعف، و في المقام حيث لم يحرز ذلك، و لعلهم استندوا الي الوجه الثاني، بل يحتمل ان يكون مراد الشيخ من الأخبار ذلك،

فلا يكون الضعف منجبرا مع ان العمل يوجب جبر ضعف السند لا الدلالة، و حيث انه يحتمل عدم دلالتها علي فرض وجودها فلا يصح الاستدلال بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 343

كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته، و زاد في مفتاح الكرامة التعليل بأن الجهل يئول الي العلم الحاصل من الشرع.

و فيه ما تقدم في مسألة تعذر التسليم من ان بيع الغرر موضوع عرفي حكم فيه الشارع بالفساد، و التحديد بالثلاثة تعبد شرعي لم يقصده المتعاقدان، فإن ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر و كان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص، و هو اهمال مدة الخيار.

و

الحاصل ان الدعوي في تخصيص ادلة نفي الغرر لا في تخصصها و الانصاف ان ما ذكرنا من حكاية الاخبار و نقل الاجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر،

لان الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي ء من هذه الاخبار في كتابيه الموضوعين لإيداع الاخبار، انه عول في هذه الدعوي علي اجتهاده في دلالة الاخبار الواردة في شرط الحيوان، (1) و لا ريب ان الاجماعات المحكية انما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته

______________________________

و ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله بان المسند المنقول بالمعني حجة عندهم و المرسل بعد الجبر يبلغ مبلغه،

يرده انه فرق بين الخبر المنقول بالمعني من غير ان يدخل فيه اجتهاد الراوي، و بين نقل مفاده بحسب اجتهاده، و الأول حجة دون الثاني، و المقام من قبيل الثاني.

(1) الثاني الأخبار الواردة في شرط الحيوان، بدعوي ان قوله عليه السلام الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط ام لم يشترط. «1» يدل بالفحوي علي ان الشرط في غيره ثلاثة ايام مع اشتراط الخيار و ان لم يشترط ثلاثة ايام لا اشتراطها لعدم اختصاصه به، إذ ضرورة صحة اشتراط اي عدد شاء فالمختص بها حينئذ اطلاق اشتراط الخيار.

و فيه انه لا مفهوم لتلك الأخبار اصلا، و علي فرضه فهو عدم ثبوت الثلاثة في غير الحيوان لا الثلاثة مع الاشتراط.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 344

أو القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأسا فالتعويل حينئذ علي نفس الجابر و لا حاجة الي ضم المنجبر، إذ نعلم اجمالا ان المجمعين اعتمدوا علي دلالات اجتهادية استنبطوها من الاخبار.

و لا ريب ان المستند غالبا في اجماعات القاضي و ابن زهرة اجماع السيد

في الانتصار، نعم قد روي في كتب العامة ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة اصابته في رأسه فقال له النبي صلي الله عليه و آله: إذا بعت فقل لا خلابة، و جعل له الخيار ثلثا، في رواية: و لك الخيار ثلاثا، (1) و الخلابة: الخديعة، و في دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفي و جبرها بالاجماعات كما تري

______________________________

(1) و قد يستدل بالنبويين الواردين في حنان بن منقذ الذي كان يخدع في البيع،

قال صلي الله عليه و آله له: إذا بعت فقل لا خلابة و لك الخيار ثلاثا كما في احدهما: و جعل له الخيار ثلاثا كما في الآخر «1».

و فيه انهما ضعيفان سندا و قاصران دلالة.

اما الأول فواضح، و أما الثاني فلما عن التذكرة من ان قوله لا خلابة عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا، و إذا اطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط،

انتهي.

فالأظهر ان حكم هذه الصورة حكم الصورة الاولي.

و استدل للقول الآخر: بان الغرر مندفع بتحديد الشرع، و ان لم يعلم به المتعاقدان كما في خيار الحيوان، فالاظهر هو التفصيل بين علمهما بتحديد الشارع و عدمه.

فعلي الأول لا غرر، إذ التزامهما بالخيار التزام به في ثلاثة ايام.

و علي الثاني: يكون غرريا، فانه لا إقدام علي الحكم الشرعي، و ما اقدما عليه حيث انه غرري و الحكم الشرعي لا يرفع الغرر فلا محالة يكون الدليل المفروض مخصصا لدليل الغرر، و لا يقاس بالجهل بخيار الحيوان و مدته، فانه ليس هناك اقدام معاملي علي الخيار.

______________________________

(1) التذكرة ج 1 ص 519.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 345

إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين الي خلافها في الخروج عن قاعدة الغرر مشكل، بل غير صحيح،

فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوة، ثمّ انه ربما يقال ببطلان الشرط دون العقد و لعله مبني علي ان فساد الشرط لا يوجب فساد العقد،

و فيه ان هذا علي القول به فيما إذا لم توجب الشرط فسادا في اصل البيع كما فيما نحن فيه، حيث ان جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا و إلا فالمتجه فساد البيع و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط الي المشروط، و سيجي ء تمام الكلام في مسألة الشروط.

مسألة: مبدأ هذا الخيار من حين العقد،

لأنه المتبادر من الاطلاق (1) و لو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدئه اول جزء من ذلك الزمان، فلو شرط خيار الغد كان مبدأه من طلوع فجر الغد، فيجوز جعل مبدأه من انقضاء خيار الحيوان بناء علي ان مبدأه من حين العقد

______________________________

و في الصورة الثالثة، و هي: ما لو ذكر مدة مطلقة اما ابدا أو ما دام العمر، ذهب المحقق النائيني رحمه الله: الي الحكم بفساد الشرط بدعوي انه مخالف لمقتضي العقد، فان مقتضاه بمدلوله الالتزامي هو التزام كل من المتبايعين بما انشئاه، فلو لم يلتزم احدهما به في مقدار من الزمان فهو ينافي اطلاقه،

و لا باس به. و أما لو لم يلتزم به ابدا فهو ينافي مقتضاه و يفسد.

و فيه: ان الشرط المخالف لحقيقة العقد أو لما يتقوم به انما لا يكون نافذا فيما إذا كان منافيا لمقتضاه حتي مع الشرط و أما ما ينافي مقتضاه الذي يكون مقتضاه لو لا الشرط فلا مانع من نفوذه كما سيأتي تنقيحه في مبحث الشروط، و المقام من هذا القبيل كما لا يخفي.

فالأظهر صحة البيع و الشرط في هذه الصورة.

مبدأ خيار الشرط

(1) قوله مبدأ هذا الخيار من حين العقد لأنه المتبادر من الاطلاق.

و

قد تقدم في مبحث خيار الحيوان ما يمكن ان يستدل به علي كون المبدأ من بعد انتهاء امد سائر الخيارات، و انه لا يتم شي ء مما ذكروه، فلا مانع ثبوتا من الالتزام بان مبدأه في المقام من حين العقد، و إذا كان المتبادر من الاطلاق كون المبدأ من حين العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 346

و لو جعل مبدأه من حين التفرق، بطل لأدائه الي جهالة مدة الخيار. (1)

و عن الشيخ و الحلي ان مبدأه من حين التفرق، و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته، نعم يمكن ان يقال هنا ان المتبادر من جعل الخيار جعله في زمان لو لا الخيار لزم العقد، كما أشار إليه في السرائر، لكن لو تم هذا لاقتضي كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة، مع ان هذا انما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس و إلا فمع الجهل به لا يقصد الا الجعل من حين العقد، بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما (2)

______________________________

نلتزم به، و انما الكلام في المقام في موردين:

(1) الأول: فيما افاده المصنف رحمه الله: بقوله و لو جعل مبدأه من حين التفرق بطل لأدائه الي جهالة مدة الخيار …

فانه يرد عليه: انه لو جعل الخيار من حين التفرق الي ثلاثة ايام يكون المجعول معلوما بحسب المقدار، و انما المجهول وقته و لا يوجب ذلك الغرر، بل لو جعل الخيار من حين التفرق الي ما يكمل مع المجلس ثلاثة ايام صح للعلم بمدة الخيار الثابت له الأصلي و الجعلي،

و جهالة كل واحد منهما لا توجب الغرر. فتأمل.

(2) الثاني: فيما افاده بقوله: بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف

قصدهما …

فانه اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بانه إذا قلنا ان المبدأ من حين انقضاء الخيار من جهة عدم امكان تأثير الشرط في زمان وجود خيار آخر لا يلزم هذا المحذور، إذ المانع من التأثير قهري، فلا يلزم مخالفة القصد التي لا يمكن الالتزام بها.

و فيه: ان ذلك خلاف ممشي المصنف رحمه الله، فان مورد بحثه ما إذا كان الالتزام بكون المبدأ من حين انقضاء الخيار من جهة الانصراف لا من جهة عدم امكان تأثير الشرط في زمان وجود خيار آخر، إذ عليه مع الجهل بخيار المجلس لا محالة يقصد الخيار من حين العقد، فالحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما، و هو و ان لم يكن محذور فيه لو ساعدنا الدليل الا انه لفقده لا يمكن الالتزام به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 347

مسألة: يصح جعل الخيار لأجنبي،

قال في التذكرة: لو باع العبد و شرط الخيار للعبد صح البيع و الشرط عندنا معا، (1) و حكي عنه الاجماع في الاجنبي، قال لأن العبد بمنزلة الاجنبي

______________________________

جعل الخيار للأجنبي

(1) قال في التذكرة لو باع العبد و شرط الخيار للعبد صح البيع و الشرط عندنا معا و حكي عنه الاجماع في الأجنبي، و هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في هذه المسألة يقع في موارد:

الأول: في انه هل يصح جعل الخيار للأجنبي ام لا؟

و قد استدل للثاني بوجوه:

احدها: ما ذكره المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان الخيار عبارة عن رد كل مال الي مالكه الأصلي أو اقراره في ملك مالكه الفعلي، و هذا ينفذ ممن كان زمام المال بيده، و أما الأجنبي فاجنبي عنه. و بعبارة اخري: و ان كان الأصل في كل حق ان

يكون قابلا للاسقاط الا انه ليس كل حق قابلا للنقل الي الغير، و علي فرض كونه قابلا له فليس قابلا للنقل الي كل احد، فان حق القسم قابل للتمليك الي الزوج و الضرة و لا يقبل التمليك الي الأجنبي،

فالخيار و ان كان قابلا للتمليك الي احدهما الا انه لا يقبل التمليك الي الأجنبي.

و فيه: ان الخيار عبارة عن حل العقد، و لازمه رد كل مال الي مالكه الأصلي، مع انه لو سلم كون ذلك معناه لم يدل دليل علي اعتبار كون الرد ممن كان زمام المال بيده،

و ما ذكره بعد. و بعبارة اخري: غير مربوط بالمقام، فانه انما هو في نقل الحق الثابت له كخيار المجلس و نحوه، و محل الكلام جعل الخيار له ابتداء.

ثانيها: ما ذكره المصنف رحمه الله في مسألة ثبوت الخيار للوكيل، و استند بعضهم إليه في المقام، و حاصله: ان مفاد ادلة الخيار اثبات سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل الي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه علي ما انتقل إليه، و الأجنبي حيث انه لا سلطنة له علي ما انتقل الي جاعل الخيار، فلا معني للخيار، و لعل ما افاده المحقق النائيني رحمه الله يرجع الي ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 348

و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار، فإن اختلفوا في الفسخ و الاجازة قدم الفاسخ (1) لأن مرجع الإجازة إلي اسقاط خيار المجيز «خاصة» بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار، فإن النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة بعد ذلك

______________________________

و فيه: اولا: ان الخيار انما يكون سلطنة علي حل العقد.

و ثانيا: انه لو تنزلنا عن ذلك فهو سلطنة علي التراد لا خصوص الاسترداد، و قد

تقدم في تلك المسألة توضيح ذلك.

ثالثها: ما افاده المحقق الاصفهاني رحمه الله، و هو: ان الخيار بناء علي تعلقه بالعقد انما يناسب من له عقد و من شانه الوفاء به، و الأجنبي اجنبي عنه و عن الوفاء به، و لذا قلنا ان دليل الخيار مخصص لدليل الوفاء بالعقد و انه لا يتوجه الا الي من له العقد، فدليل الوفاء بالشرط لا قصور له من حيث شموله لكل شرط، بل القصور من ناحية الخيار، حيث انه لا معني له الا بالاضافة الي من له العقد.

و فيه: اولا: انه لم يدل دليل علي كون الخيار ثابتا لخصوص من يكون مامورا بالوفاء بالعقد، و ما افاده مجرد الاعتبار.

و ثانيا: ان المأمور به علي ما تقدم في مبحث المعاطاة هو عدم حل العقد و نقضه،

و ليس هو ترتيب الآثار عملا كي لا يشمل الأجنبي، و عليه فالآية تشمل الأجنبي،

و دليل الشرط يكون مخصصا لها.

رابعها ما ذكره المصنف رحمه الله في آخر المسألة و سيمر عليك و ما يرد عليه.

(1) الثاني: لو جعل الخيار لمتعدد ففي المكاسب: كان كل منهم ذا خيار، فان اختلفوا في الفسخ و الاجازة قدم الفاسخ.

و لكن جعل الخيار للمتعدد يتصور علي وجوه:

احدها: جعل خيار واحد للمجموع من حيث المجموع.

ثانيها: جعل الخيار لكل واحد مستقلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 349

و عن الوسيلة: انه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا علي فسخ أو امضاء نفذ، و ان لم يجتمعا بطل (1) و ان كان لغيرهما و رضي، نفذ البيع، و ان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الامضاء، (2) انتهي

______________________________

ثالثها: جعل الخيار للطبيعة المنطبقة علي المتعدد.

و علي الأول: لا أثر لفعل واحد منهم ما لم

يوافقه الآخرون.

و علي الثاني: يقدم الفاسخ، لأن مرجع الاجازة الي اسقاط خيار المجيز خاصة.

و علي الثالث: يقدم فعل المقدم في فعله اجازة كان ام فسخا.

(1) و عن الوسيلة: انه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا علي فسخ أو امضاء نفذ و ان لم يجتمعا بطل.

و قد احتمل في توجيه هذه العبارة وجهان الأول: ان يكون مراده جعل المتبايعين الخيار لأنفسهما بقيد الاجتماع، و عليه فان اجتمعا فهو، و ان خالف احدهما الآخر بطل، اي لم يؤثر الفسخ و لا الإجازة.

الثاني: ان يكون مراده جعل الخيار لكل واحد مستقلا، فقوله و لم يجتمعا اي فسخ احدهما و امضي الآخر، بطل اي بطل البيع، اي يكون الفسخ مؤثرا.

يرد علي الوجه الأول: ان جعل الخيار بالنحو المزبور لغو بعد ان لهما الاقالة.

(2) قال فيها ايضا: و ان كان لغيرهما و رضي نفذ البيع، و ان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الامضاء مراده من الرضا ليس هو اجازة العقد بل المراد الرضا بجعل الخيار و قبوله، و عليه فمراده من هذه العبارة: ان الأجنبي المجعول له الخيار ان قبل نفذ البيع من ناحية المتبايعين- اي ليس للشارط خيار- و ان لم يقبل فالمبتاع بالخيار لتعذر الشرط.

و علي هذا فلا يرد عليه ما عن المختلف بان هذا الخيار ان جعل للأجنبي لم يكن لأحد المتبايعين خيار، فان اختار الأجنبي الامضاء نفذ، و ان اختار الفسخ انفسخ و لا عبرة بالمتبايعين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 350

و في الدروس يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع احدهما، و لو خولف امكن اعتبار فعله و الا لم يكن لذكره فائدة، انتهي. (1)

اقول و لو لم

يمض فسخ الاجنبي مع اجازته و المفروض عدم مضي اجازته مع فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة، (2) ثمّ انه ذكر غير واحد ان الأجنبي يراعي المصلحة للجاعل و لعله لتبادره من الاطلاق و إلا فمقتضي التحكيم نفوذ حكمه علي الجاعل من دون ملاحظة مصلحة، (3) فتعليل وجوب مراعاة الاصلح بكونه امينا لا يخلو عن نظر.

______________________________

كما انه لا يرد عليه ما في الحاشية من: ان مقتضي كون الخيار للأجنبي كون الأمر بيده، فلا معني لكون الأمر بيد المبتاع مع فرض فسخه. فان منشأ هذين الايرادين توهم كون مراده من الرضا امضاء العقد و اجازته.

(1) و عن الدروس: يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع احدهما و لو خولف امكن اعتبار فعله …

مراده بحسب الظاهر: انه لو جعل الخيار للأجنبي مع احدهما أو معهما فان اتفقا علي فسخ أو امضاء فهو، و ان خولف بان فسخ الأجنبي و اجاز الأصيل امكن تقديم فسخه، إذ لو لم يقدم- و المفروض انه لا يقدم اجازته لأنها لا توجب سقوط خيار الأصيل- لم يكن لذكر الأجنبي فائدة.

(2) و علي هذا فكلام المصنف رحمه الله مؤيد له،

و لكن يرد عليه: انه ان كان المجعول خيارا واحدا لهما عدم تقديم فسخه علي اجازة الأصيل لا يوجب لغوية ذكره، إذ فائدته حينئذ تأثير فسخه في صورة موافقة الأصيل،

و ان كان المجعول متعددا قدم فسخه كما هو الشأن في جميع الموارد لا للغوية ذكره لو لم يقدم.

(3) الثالث ان جعل الخيار للأجنبي هل هو من باب التمليك أو التوكيل أو التحكيم؟

فقد يقال- كما عن المحقق النائيني رحمه الله- بانه ليس من قبيل التمليك، لأنه لو كان علي نحو

جعل الملك فلازمه ارث وارث الأجنبي عنه، لأن ما تركه لوارثه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 351

ثمّ انه ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع، (1) نظرا الي ان الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالاصل كخياري المجلس و الشرط أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن لنفس المتعاقدين و هو ضعيف لمنع اعتبار كون الفسخ من احد المتعاقدين شرعا و لا عقلا

______________________________

و لا من باب التوكيل، و الا امكن عزله، بل هو متوسط بين الملكية و الوكالة نظير التولية علي الوقف، و هذا هو المراد من التحكيم الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله في المقام.

و لكن يمكن ان يقال: انه من قبيل التمليك و جعل الحق له، و انما لا يرثه وارثه من جهة ضيق مقدار الجعل و المجعول، لأن المجعول هو حق الخيار للأجنبي بما انه ذو نظر و رأي يعتمد عليه في امر العقد، و لا يجوز نقله الي الغير لأنه حق خاص لا يتعداه.

كما انه يمكن ان يقال: انه من باب التوكيل، و انما لا يجوز عزله لأنه بعنوان الشرط في عقد لازم، إذ الوكالة جائزة بعنوانها، و لا ينافي اللزوم إذا وقعت موقع الاشتراط في ضمن العقد اللازم، و الظاهر من جعل الخيار للأجنبي كونه من قبيل الأول.

و هل يراعي المصلحة للجاعل ام لا؟ وجهان قد استدل للأول: بانه امين فيجب عليه مراعاة الغبطة.

و اورد عليه المصنف رحمه الله: بان مقتضي التحكيم نفوذ حكمه علي الجاعل من دون ملاحظة مصلحة.

و فيه: انه كان جعل الخيار من باب التحكيم أو التمليك أو التوكيل لا بد من رعاية غبطة الجاعل. اما علي الأخير فواضح، و أما علي الأولين فلأن جعل الخيار

للأجنبي بحسب الغالب انما يكون للوثوق بنظر من جعل له الخيار، فالاطلاق وارد مورد الغالب من حيث اعتبار ما يراه صلاحا، و عليه فيصح التعليل المذكور، فانه تأمين بتفويض امر العقد إليه لا جعل الحق له خاصة.

(1) قوله ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للاجنبي مخالف للمشروع هذا هو رابع الوجوه التي ذكروها لعدم صحة جعل الخيار للاجنبي، و هو انه مخالف للمشروع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 352

بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و ان كان اجنبيا، (1) فحينئذ يجوز للمتبايعين اشتراط حق للاجنبي في العقد و سيجي ء نظيره في ارث الزوجة للخيار مع عدم ارثها من العين.

مسألة: يجوز لهما اشتراط الاستئمار (2)

بان يستأمر المشروط عليه الأجنبي في امر العقد فيأتمر بأمره أو بأن يأتمره إذا امره ابتداء و علي الاول فإن فسخ المشروط عليه من دون استئمار لم ينفذ و لو استأمره، فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا، إذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستئمار، بل الالتزام بأمره مع انه لو كان الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك ايضا ملك الفسخ، و ان امره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ، إذ لا معني لوجوب الفسخ عليه. اما مع عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح إذ المفروض ان الثالث لا سلطنة له علي الفسخ و المتعاقدان لا يريدانه. و أما مع طلب الآخر

______________________________

نظرا الي ان الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل أو بالعارض.

(1) و الجواب عنه ما افاده ره، و هو: منع اعتبار كون الفسخ من احد المتعاقدين شرعا و لا عقلا، بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و ان كان اجنبيا فالأظهر صحة

جعل الخيار للأجنبي.

جواز اشتراط الاستئمار

(2) لا خلاف بين الأصحاب في انه يجوز لكل منهما اشتراط الاستئمار بان يستامر المشروط عليه الأجنبي في امر العقد، فياتمر بامره، أو بان يأتمره إذا امره ابتداء.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأول: في الحكم الوضعي.

الثاني: في الحكم التكليفي.

اما الأول: فتارة: يجعل الخيار لنفسه و يشترط عليه ان لا يختار احد الأمرين من الفسخ أو الامضاء الا بتعيين المستامر بالفتح و اخري: يجعل الخيار لنفسه عند امر الأجنبي باحدهما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 353

للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ علي المستأمر بالكسر، راجع الي حق لصاحبه عليه، فإن اقتضي اشتراط الاستئمار ذلك الحق علي صاحبه عرفا فمعناه سلطنة صاحبه علي الفسخ (1) فيرجع اشتراط الاستئمار الي شرط لكل منهما علي صاحبه.

______________________________

و ثالثة: يجعل لنفسه حق الفسخ عند امر الأجنبي به و لا يجعل شيئا عند امره بالاجازة.

و رابعة: يجعل الخيار للأجنبي و يقيد بان لا يباشر اعماله بل يأمر العاقد بما يريد.

ففي الصورة الاولي: إذا فسخ قبل الاستئمار أو بعده مع امره به أو بالاجازة يكون نافذا لفرض ثبوت الخيار له. غاية الأمر تخلف ما اشترط عليه في الفرض الأول و الثالث.

فما افاده من انه لو فسخ المشروط عليه من دون استئمار لم ينفذ لا يتم في هذه الصورة و في الصورة الثالثة: لا ينفذ فسخه قبل الاستئمار، و كذا بعده، و امره بالاجازة و الامضاء.

و في الصورة الرابعة: لا ينفذ فسخه الا بعد امره به، لكون الحق للامر، و المأمور آلة.

هذا في الفسخ.

و في هاتين الصورتين الاخيرتين يتم ما افاده فان امره بالاجازة لم يكن له الفسخ دون الاوليتين و أما الاجازة: فان كانت قبل الاستئمار لم تنفذ في

الصور الثلاث الأخيرة و نفذت في الاولي، و لا يخفي وجهه.

و ان كانت بعد الاستئمار و امره بالفسخ نفذت في الصورتين الاوليتين و لم تنفذ في الأخيرتين.

و ان كانت بعده و امره بالامضاء نفذت في جميع الصور. و لا يخفي وجهه.

(1) قوله فان اقتضي اشتراط الاستيمار ذلك الحق علي صاحبه و فيه ان اشتراط الاستيمار من الطرفين يقتضي سلطنة كل منهما علي فسخ العقد إذا اذن الثالث لا سلطنة المطالبة بالفسخ من صاحبه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 354

و الحاصل: ان اشتراط الاستئمار من واحد منهما علي صاحبه انما يقتضي ملكه للفسخ، إذا اذن له الثالث المستأمر و اشتراطه لكل منهما علي صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الاذن، و مما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني و هو الائتمار بأمره الابتدائي فإنه ان كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو امره به و ان كان لكل منهما ملكا، كذلك. ثمّ في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة و عدمه وجهان (1)

اوجههما العدم ان لم يستفد الاعتبار من اطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

______________________________

(1) قوله ثمّ في اعتبار مراعاة المصلحة و عدمه وجهان الغرض من هذه العبارة بيان الحكم الوضعي و انه هل يثبت حق الخيار للمستامر بالكسر عند اذن الثالث مطلقا أو عند اذنه بشرط مراعاته للمصلحة.

و أما المقام الثاني: فان كان المشروط ثبوت الحق من دون ان يعمل احدهما عملا و لو معلقا علي امر المستامر بالفتح كما في الصورة الثانية و الثالثة لا كلام في عدم وجوب الاستئمار و لا العمل بامره، فان غاية ما هناك ثبوت الحق بهذا الشرط، فلا ملزم له بالاستئمار أو الفسخ لو امر به.

و ان كان المشروط مع ذلك عملا،

فتارة:

يكون ذلك حقا للمستامر علي صاحبه خاصة كما في الصورة الاولي لو اشترط المستامر بالكسر ان يكون اختياره للفسخ أو الامضاء عن امر المستامر.

و اخري: يكون حقا لصاحبه عليه اما خالصا أو بالمشاركة.

و في الفرض الأول: لا يجب عليه شي ء، إذ لا يجب للمشروط له استيفاء شرطه،

لأن الحق له، و جاز له ان يرفع اليد عن حقه، فلو امره بالفسخ له ان لا يفسخ.

و في الفرض الثاني: يجب عليه العمل بما يأمره.

و علي اي حال لا يجب الاستئمار الا إذا اشترط احدهما علي صاحبه ان يستامر زائدا علي جعل الخيار بعد الاستئمار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 355

مسألة: من افراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه، و يقال له بيع الخيار (1)
اشارة

و هو جائز عندنا كما في التذكرة، و عن غيرها الإجماع عليه و هو ان يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها و يرتجع المبيع، و الأصل فيه بعد العمومات المتقدمة في الشرط النصوص المستفيضة، منها موثقة اسحاق بن عمار،

و قال سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام و سأله رجل و انا عنده، فقال له رجل مسلم احتاج الي بيع داره فمشي «فجاء» إلي أخيه فقال له: ابيعك داري هذه و يكون لك أحب إلي من ان يكون لغيرك علي ان تشترط لي اني إذا جئتك بثمنها إلي سنة تردها علي قال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها ردها عليه قلت: أ رأيت «فإنها كانت فيها الغلة كذا في الوسائل» لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة؟ فقال للمشتري: أ لا تري انها لو احترقت كانت من ماله

______________________________

بيع الخيار

(1) مسالة: من افراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه و يقال له بيع الخيار، و هو اشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن و

يرتجع المبيع.

و هو جائز عندنا كما عن التذكرة، و عن غيرها: دعوي الاجماع عليه، و في الجواهر:

اجماعا بقسميه عليه.

و الكلام في هذه المسألة يقع اولا: في مدركها، ثمّ في الفروع المستخرجة من الاخبار.

اما الأول: فالنصوص الواردة في المقام اربعة:

الاول موثق «1» اسحاق بن عمار المذكور في المتن، و هو علي ما في الكافي و التهذيب يكون مرسلا، فانه لم يذكر المخبر لإسحاق، نعم علي ما عن الصدوق يكون موثقا و الظاهر من الموثق ان الشارط هو المشتري، و المشروط له هو البائع، و المعلق عليه هو رد الثمن، و المشروط رد المبيع. و علي هذا فليس الالتزام برد المبيع فسخا إذ المشتري ليس له الخيار، لأن من له الخيار هو البائع، بل المتعين اما ارادة الاقالة أو ارادة رد المبيع ردا ملكيا معاطاتيا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 356

و رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود و يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الذي اشتري منه الدار خلطة فشرط انك ان أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال له شرطه قال له أبو الجارود فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين، قال هو ماله و قال عليه السلام أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري.

و عن سعيد بن يسار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام انا نخالط اناسا من اهل السواد أو غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم في العشرة اثني عشر و ثلاثة عشر و نؤخر ذلك

فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها، و يكتب لنا رجل منهم علي داره أو ارضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بانه باع و قبض الثمن منا فنعده ان جاء هو بالمال إلي وقت بيننا و بينهم ان ترد عليه الشراء فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما تري في هذا الشراء؟ قال: أري انه لك ان لم يفعله و ان جاء بالمال الموقت فرد عليه.

______________________________

الثاني خبر معاوية بن ميسرة «1» المذكور في المتن و هذا الخبر من حيث السند قابل لأن يخدش فيه، إذ ابن ميسرة لم يوثق،

و أما من حيث الدلالة فظاهره شرط النتيجة، اما شرط ملكية الدار للبائع عند اعطاء الثمن أو انفساخ البيع،

و لا يبعد دعوي اظهرية الثاني من جهة تعارف رد المبيع بعنوان الانحلال.

الثالث صحيح سعيد بن يسار «2» المذكور في المتن و ما استظهرناه في الموثق المتقدم جار هنا و يحتمل فيه معني آخر، و هو: اشتراط تحقق البيع في رأس المدة إذا لم يرد مثل الثمن و كان الواقع فعلا صورة بيع. و يؤيده ان الظاهر من السؤال عدم اخذهم اجرة المبيع من البائع، و لو كان البيع حقيقيا كان اللازم الأخذ منه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 3.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 357

و عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال إن بعت رجلا علي شرط، فإن اتاك بمالك و إلا فالبيع لك، (1) إذا عرفت هذا فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في امور:

الأول: ان اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور علي وجوه:

احدها: ان يؤخذ قيدا للخيار علي وجه

التعليق أو التوقيت فلا خيار قبله (2) و يكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد و لو بقليل و لا خيار قبل الرد،

و المراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه و ان ابي المشتري.

______________________________

(1) الرابع خبر ابي الجارود «1» عن الامام الباقر عليه السلام المذكور في المتن و هذا الخبر ضعيف سندا و اجنبي عن المقام،

اما ضعفه فلأن ابا الجارود زياد بن المنذر ضعيف،

و أما اجنبيته عن المقام فلأن ظاهره ارادة ان من باع شيئا علي شرط و لم يعمل المشروط عليه بالشرط يثبت الخيار للبائع.

فتحصل: ان ما يستفاد من نصوص الباب امران:

احدهما: شرط الاقالة أو التمليك الجديد.

ثانيهما: شرط الانفساخ عند رد الثمن، لا تعليق الخيار علي رده.

الانحاء التي يقع الشرط عليها

إذا عرفت ثبوت هذا الخيار من الأخبار و الفتوي،

فاعلم ان توضيح المسألة يتحقق بالبحث في امور:

الأول: ما في الانحاء التي يمكن ان يقع الشرط عليها و هي خمسة:

(2) احدها: ان يكون الخيار معلقا علي رد الثمن، أو موقتا من حيث المبدأ بزمان رد الثمن. و الفرق بين التعليق و التوقيت انما هو في مقام الاثبات.

و قد اورد علي صحة الشرط في هذه الصورة في خصوص الأول بالتعليق الممنوع عنه شرعا، و في كليهما بجهالة مدة الخيار من حيث المبدأ لأنه لا يعلم وقت رد الثمن

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 358

الثاني: ان يؤخذ قيدا للفسخ بمعني ان له الخيار في كل جزء من المدة المضروبة و التسلط علي الفسخ علي وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخره عنه. (1)

الثالث: ان يكون رد الثمن فسخا فعليا بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع (2) و عليه حمل في

الرياض ظاهر الاخبار الدالة علي عود المبيع بمجرد رد الثمن.

______________________________

و يندفع الأول: بانه لا دليل علي مبطلية التعليق في غير العقود.

و قد يقال في مقام اندفاع الثاني: بان الجهالة لا تضر هنا لعدم الغرر، لأن امر الخيار بيده كما عن المحقق الخراساني.

و فيه: ان الغرر اللازم انما هو بالنسبة الي المشتري، لأنه لا يعلم متي يفسخ العقد.

و عن المحقق النائيني الجواب عنه: بان الخيار هنا غير مجهول الا من باب الجهل بالمعلق عليه، و هو يرجع الي اشكال التعليق لا الجهالة.

و فيه: ان الجهل بالمعلق عليه يوجب الجهل بمبدإ الخيار، و هو يوجب الغرر المبطل،

مع قطع النظر عن التعليق.

فالأظهر هو البطلان الا مع تعيين المدة كتحديده بالرد في رأس السنة التي هي الصورة الثانية في كلام المحقق النائيني رحمه الله.

(1) ثانيها: ان يكون الفسخ معلقا علي الرد لا الخيار، بان يكون الحق ثابتا من حين العقد متعلقا بالفسخ عند رد الثمن،

ففي الحقيقة ينحل الي شرط الخيار مطلقا، و شرط عدم اعماله الا عند رد الثمن،

و الشرط في هذه الصورة لا كلام في مشروعيته.

(2) ثالثها: ان يكون الرد فسخا فعليا، بان يشترط حق الخيار متعلقا بالفسخ برد الثمن، فيكون رد الثمن ما به الفسخ.

و سيأتي الكلام في صحة الفسخ به عند تعرض المصنف رحمه الله له،

فصحة هذا الشرط تتبع صحة الفسخ به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 359

الرابع: ان يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد (1) فمرجع ثبوت الخيار له إلي كونه مسلطا علي سبب الانفساخ لا علي مباشرة الفسخ و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة، و يحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار و موثقة اسحاق بن عمار و عنوان المسألة

بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا القسم من البيع في الخيار اصلا، و انما ذكره في امثلة الشروط الجائزة في متن العقد،

قال: ان يبيع و يشترط علي المشتري ان رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له،

انتهي.

______________________________

(1) رابعها: ان يكون رد الثمن قيدا للانفساخ، بان يشترط انفساخ العقد عند رد الثمن.

و اورد علي صحة هذا النحو من الاشتراط تارة: بان انفساخ البيع بنفسه بدون انشاء مخالف للمشروع، لأن المسببات متوقفة علي اسبابها الشرعية كما في المكاسب في ذيل الوجه الخامس و اخري: بانه من قبيل شرط النتيجة.

و ثالثة: بانه يلزم منه اما انفساخ البيع بلا سبب، و أما اقتضاء وجود الشي ء عدم نفسه، إذ لو كان اشتراط الانفساخ انشاء للفسخ لزم انفساخ البيع بهذا الشرط، فلا بيع حتي يشترط في ضمنه انفساخه برد مثل الثمن، و الا كان الشرط الانفساخ بلا سبب، و هو مخالف للسنة كما عن المحقق النائيني رحمه الله.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن الشرط يكفي في سببيته للفسخ.

و أما الثاني: فلما سيأتي في مبحث الشروط من صحة شرط النتيجة.

و أما الثالث: فلأن الشرط ليس هو انفساخ البيع من حين الشرط كي يرد المحذور الثاني، بل الشرط هو الانفساخ من حين رد الثمن، فحين الشرط يكون البيع متحققا ثابتا،

و الشرط لا يقتضي عدمه،

هذا كله مضافا الي ما عرفت من دلالة النصوص الخاصة علي صحة الاشتراط بهذا النحو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 360

الخامس: ان يكون رد الثمن شرطا لوجوب الاقالة علي المشتري بأن يلتزم المشتري علي نفسه ان يقيله إذا جاء بالثمن و استقاله (1)

و هو ظاهر الوسيلة حيث قال إذا باع شيئا علي ان يقيله في وقت

كذا بمثل الثمن الذي باعه منه لزمته الاقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة، انتهي.

فإن «و ان» ابي اجبره الحاكم أو اقال عنه و إلا استقل بالفسخ و هو محتمل روايتي سعيد بن يسار و اسحاق بن عمار علي ان يكون رد المبيع الي البائع فيهما كناية عن ملزومه و هي الاقالة، لا ان يكن وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع بمجرد فسخه بعد رد الثمن علي ما فهمه الاصحاب و مرجعه الي احد الأولين،

و الاظهر في كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة هو الثاني لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع، فان فيه اشكالا من جهة ان انفساخ البيع بنفسه بدون انشاء فعلي أو قولي يشبه انعقاده بنفسه في مخالفة المشروع (2) من توقف المسببات علي اسبابها الشرعية و سيجي ء في باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه.

الأمر الثاني: الثمن المشروط رده إما أن يكون في الذمة و إما أن يكون معينا (3) و علي كل تقدير اما ان يكون قد قبضه و أما لم يقبضه، فإن لم يقبضه فله الخيار، و ان لم يتحقق رد الثمن

______________________________

(1) خامسها: ان يكون رد الثمن شرطا لوجوب الاقالة علي المشتري أو التمليك الجديد، و هذا لا إشكال في مشروعيته، و هناك انحاء اخر يظهر حكمها مما ذكرناه.

(2) و قد مر توضيح هذا الايراد و سيجي ء في باب الشروط ما يتضح به ان الشرط يكفي في سببيته للفسخ

الثمن المشروط رده لفسخ البيع

(3) الأمر الثاني: الثمن المشروط رده اما ان يكون في الذمة و أما ان يكون معينا،

و علي كل تقدير تارة يقبضه و اخري لا يقبضه.

فالكلام في المقام يقع في موضعين:

الأول: فيما

إذا لم يقبض البائع الثمن المعلق علي رده الخيار من المشتري الي ان اتي رأس المدة.

الثاني: فيما إذا قبضه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 361

لأنه شرط علي تقدير قبضه و ان لم يفسخ حتي انقضت المدة لزم البيع و يحتمل العدم،

بناء علي ان اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله، (1) و ان قبض الثمن المعين فإما ان يشترط رد عينه أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه، أو مطلقا أو و لو مع التمكن منه علي اشكال في الاخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الامكان. و في جواز اشتراط رد القيمة في المثلي و بالعكس وجهان. و أما ان يطلق، فعلي الأول لا خيار الا برد العين، فلو تلف لا من البائع. فالظاهر عدم الخيار (2)

______________________________

اما الموضع الأول: فالكلام فيه انما هو في ثبوت الخيار و عدمه.

(1) و قد بني المنصف رحمه الله المسألة علي ان الرد شرط للخيار علي تقدير القبض لا مطلقا، أو ان اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله. فعلي الأول يثبت الخيار و علي الثاني لا يثبت.

لا اشكال في كون الوجه الأول خلاف الظاهر: فان مآله الي كون الخيار مطلقا علي تقدير عدم القبض، و مشروطا علي تقدير القبض، و ظاهر القضية كونه مشروطا مطلقا.

بل المسألة مبنية علي ان الرد الذي اخذ شرطا هل هو ماخوذ علي وجه الطريقية لوصول الثمن و حصوله عند البائع، ام يكون ماخوذا علي وجه الموضوعية. فعلي الأول يثبت الخيار، و علي الثاني لا يثبت، و لعل الظاهر المتعارف هو الأول و علي كل تقدير لو لم يفسخ حتي انقضت المدة لزم البيع.

و أما الموضع

الثاني: فالكلام فيه في موارد:

الأول: ما إذا كان الثمن عينا شخصية.

الثاني: ما إذا كان في ذمة المشتري.

الثالث: ما إذا كان في ذمة البائع.

(2) اما المورد الأول: فان كان الشرط رد العين بنفسها فلا شبهة في انه لا خيار مع عدم ردها من غير فرق بين صورة التلف و غيرها، و في التلف بين كونه بفعل البائع أو المشتري أو الأجنبي أو بآفة سماوية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 362

الا ان يكون اطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة سقوطه باتلاف البائع،

فيبقي الخيار في اتلاف غيره علي حاله، و فيه نظر.

و علي الثاني: فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط.

و أما الثالث: فمقتضي ظاهر الشرط فيه رد العين و يظهر من اطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع ان الاطلاق لا يحمل علي العين (1) و يحتمل حمله علي الثمن الكلي و سيأتي

______________________________

و ان كان الشرط رد العين مع وجودها ورد بدلها مع تلفها، فلا كلام ايضا في تحقق الخيار علي التقديرين.

و ان كان الشرط رد بدلها مع وجودها بالخصوص أو بالاطلاق، فقد اشكل عليه:

بان مقتضي الفسخ رجوع كل من العينين الي صاحبها الأصلي، فاشتراط رجوع البدل مع بقاء الأصل شرط مخالف لما يقتضيه الفسخ. و لذا قطع السيد في الحاشية بالفساد.

و لكن ذلك انما هو فيما إذا قيد الفسخ بالرد، و يكون الرد فسخا فعليا، و هي الصورة الثالثة من الصور المتقدمة في الأمر السابق، و لا يتم في باقي الصور من كون الرد مقدمة للفسخ أو معلقا عليه الخيار أو مقدمة للاقالة أو التمليك الجديد، إذ الفسخ لا يتحقق به،

بل يصير المردود في يد البائع بمنزلة المقبوض بالسوم، فان فسخ البائع بعد ذلك يرجع الثمن الي

المشتري، و المردود باق في ملك البائع. فلهما التراضي علي كون كل منهما بدلا عن الآخر.

و يمكن ان يقال: ان المعاملة بينهما و هي تملك عين الثمن الراجع الي البائع ببدله الذي احضره انما يتحقق بشرط حصولها في ضمن العقد، بلا احتياج الي معاملة اخري.

و ان كان الشرط رد الثمن بنحو الاطلاق من دون تعيين عينه أو بدلها،

فمقتضي الجمود علي ظاهر العبارة ان العبرة برد العين فيسقط الخيار بتلفها و لكن لا يبعد دعوي ان المتعارف المنصرف إليه الاطلاق ان المقصود دفع الاعم من العين و البدل.

(1) قوله و يظهر من اطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع ان الاطلاق لا يحمل علي العين الظاهر ان مرادهما ان الاطلاق منزل علي المتعارف من كون المقصود رفع الاعم من العين و البدل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 363

و ان كان الثمن كليا فإن كان في ذمة البائع، كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة فرده بأداء ما في الذمة، سواء قلنا انه عين الثمن أو بدله، من حيث ان ما في ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له، فكأنه تلف، فالمراد برده المشترط رد بدله (1) و ان لم يكن الثمن في ذمة البائع و قبضه، فإن شرط رد ذلك الفرد المقبوض أو رد مثله بأحد الوجوه المتقدمة، فالحكم علي مقتضي الشرط، و ان أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل. اما مطلقا، أو مع فقد العين، و يدل عليه صريحا بعض الاخبار المتقدمة الا ان المتيقن منها صورة فقد العين.

الأمر الثالث: قيل ظاهر الاصحاب، بناء علي ما تقدم، من ان رد الثمن في هذا البيع عندهم

مقدمة لفسخ البائع، انه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ (2) و صرح به في الدروس و غيره

______________________________

(1) و أما المورد الثاني: فيه معلق علي رد البدل يقينا، فان ما في ذمة البائع، يسقط بالبيع، و صيرورته له، فكأنه تلف، فالمراد برده المشترط رد بدله.

و أما المورد الثالث: فقد يقال: بان رده- اي رد الثمن- يتحقق بمثله ايضا، كما يتحقق بنفس المقبوض، إذ كل فرد من مصاديق الكلي، و شرط رد الكلي معناه شرط رد ما كان مصداقا له كما عن المحقق النائيني رحمه الله.

و فيه: ان الثمن و ان كان هو الكلي في الذمة الا انه بعد اداء فرد منه- بما انه اداء للكلي- يستقر الثمن علي الفرد المقبوض، و الفرد الآخر بدله لا انه مصداق للثمن، فيلحقه حكم العين الشخصية.

الفسخ بالرد

(2) الثالث: هل يصح انشاء الفسخ بالرد، ام لا كما هو ظاهر الأصحاب نظرا الي رد الثمن في هذا البيع مقدمة لفسخ البائع؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 364

______________________________

و ملخص القول: ان الكلام في المقام ليس في كفاية الرد في الفسخ إذا قصد به ذلك،

بل البحث في المقام انما هو في ان الرد المعلق عليه الخيار، أو الفسخ، أو الاقالة، هل يمكن ان ينشأ به الفسخ ام لا؟

و الكلام فيه في مقامين:

الأول: في معقولية ذلك في مقام الثبوت.

الثاني: في الدلالة عليه في مقام الاثبات.

اما الأول: فعمدة ما قيل في وجه عدم المعقولية: ان الخيار و حق الفسخ انما هو في رتبة لاحقة علي الرد، فكيف يحصل به الفسخ.

و فيه: اولا: انه لو تم لاختص بوجهين من الوجوه المزبورة، و هما الوجه الأول- و هو تعليق الخيار علي الرد- و الوجه الثالث- و هو

اشتراط الفسخ بالرد من غير ان يكون خيار قبله- و لا يتم في سائر الوجوه.

اما في الوجه الثاني: فلأنه يكون الخيار قبله و ان اشترط ان لا يفسخ الا بعد الرد،

و هذا لا يوجب عدم تأثير فسخه في مرتبة مقارنة، بل أو سابقة علي الرد.

و أما في الوجه الرابع: فلأن لهما الاقالة أو المعاملة الجديدة قبل ان يرد الثمن.

و ثانيا: انه لا يتم، فان الرد شرط مقارن لحق الخيار، فمقارنا للرد يحدث الخيار و يثبت له حق السلطنة علي الفسخ، و في ذلك الزمان إذا اعمل خياره له ذلك، و به ينفسخ العقد. و مجرد تقدم الرد علي الخيار رتبة لا يوجب عدم المعية في الوجود التي هي المعيار في الأسباب و المسببات الشرعية.

و بالجملة حين الرد يثبت الخيار، و لمن له الخيار استيفاء حقه في نفس ذلك الزمان،

فلا مانع من جعله آلة للأعمال، نعم إذا كان الرد شرطا متقدما صح ما ذكر.

و أما الثاني: فقد استدل علي عدم دلالته علي الفسخ بوجهين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 365

و لعل منشأ الظهور ان هذا القسم فرد من خيار الشرط، مع اعتبار شي ء زائد فيه و هو رد الثمن، و عللوا ذلك ايضا بأن الرد من حيث هو لا يدل علي الفسخ اصلا، (1)

و هو حسن مع عدم الدلالة. اما لو فرض الدلالة عرفا. اما بأن يفهم منه كونه تمليكا للثمن من المشتري ليتملك منه المبيع علي وجه المعاطاة، و أما بأن يدل الرد بنفسه علي الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري، فلا وجه لعدم الكفاية مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو اخفي من ذلك دلالة، و ما قيل من ان الرد يدل علي

ارادة الفسخ و الارادة غير المراد. (2) ففيه ان المدعي دلالته علي ارادة كون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري (3) و لا يعتبر في الفسخ الفعلي ازيد من هذا مع ان ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع (4) بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، فيحمل علي تحقق الفسخ الفعلي به (5)

______________________________

(1) احدهما: ان الرد من حيث هو لا يدل علي الفسخ اصلا.

(2) ثانيهما: ان الرد يدل علي ارادة الفسخ، و الارادة غير المراد.

و الجواب ان الرد من حيث هو و ان كان لا يدل علي الفسخ الا انه مع قصد الفسخ يدل عليه، كما ان الاعطاء بنفسه لا يدل علي التمليك و لكن مع قصده يدل عليه.

و اجاب عنهما المصنف رحمه الله بوجوه اخر:

(3) الأول: ان الرد بنفسه يدل علي الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري، و الفرق بين هذا الوجه و ما اخترناه الذي ذكره ايضا قبل ذلك ان السبب المؤثر في الوجه المختار الرد بنفسه، و في هذا الوجه ما ينكشف به و هي الكراهة الباطنية. فالفعل دال علي ما به الفسخ لا انه هو ما به الفسخ.

و فيه: ان الفسخ من الانشائيات، و لا يتحقق بمجرد القصد، بل يحتاج الي دال و مظهر خارجي من قول أو فعل.

(4) الثاني: ظهور الأخبار في كفاية رد الثمن في وجوب رد المبيع.

و فيه: انه قد عرفت ان المستفاد من الروايات امران: شرط الاقالة أو التمليك الجديد بعد الرد، و شرط الانفساخ عند رد الثمن. و به يظهر ما في الوجه الثالث الذي ذكره بقوله،

(5) بل قد عرفت في رواية معاوية بن

ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، فيحمل علي تحقق الفسخ الفعلي به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 366

الأمر الرابع: يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد (1) علي الوجه الثاني من الوجهين الأولين، بل و علي الوجه الأول بناء علي ان تحقق السبب و هو العقد كاف في صحة اسقاط الحق (2) لكن مقتضي ما صرح به في التذكرة: من انه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان بعد العقد بناء علي حدوثهما من زمان التفرق عدم الجواز ايضا، الا ان يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد، و لو من حيث تملكه للرد (3) الموجب له فله اسقاطه بخلاف ما في التذكرة

______________________________

مسقطات خيار الشرط
اشارة

يسقط هذا الخيار بامور.

(1) منها: اسقاطه بعد العقد ذكره جماعة و استشكل فيه العلامة في التذكرة و علي ضوء عدم جواز اسقاط الخيار قبل ثبوته اما منجزا كما هو المختار أو و لو معلقا كما ذهب إليه جمع من جهة انه اسقاط لما لا يجب تعرض الفقهاء لانه:

هل يصح اسقاط هذا الخيار بعد العقد ام لا؟

لا اشكال في صحته علي الوجه الثاني من الوجهين الاولين لتحقق الخيار و ثبوته بعد العقد.

و أما علي الوجه الأول- و هو تعليق الخيار علي الرد- فقد ذكر في وجه صحة اسقاطه وجوه:

(2) احدها: ما في المتن و هو ان تحقن السبب- و هو العقد- يكفي في صحة اسقاط الحق.

و فيه: اولا: ان الرد ايضا جزء السبب.

و ثانيا: ان البرهان المذكور لعدم صحة اسقاط ما لم يجب لا يفرق فيه بين تحقق سببه و عدمه.

(3) ثانيها: ما في المتن ايضا، و هو: ان المشروط له مالك للخيار قبل الرد، و لو من حيث تملكه للرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 5، ص: 367

و يسقط ايضا بانقضاء المدة (1) و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا علي التفصيل المتقدم، و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفي في الرد و له الاستبدال، (2)

______________________________

و فيه: ان هذا لو تم لاقتضي جواز الاسقاط قبل العقد ايضا لكونه مالكا لسببه و هو العقد. و الفرق بين السبب و هو العقد، و الشرط و هو الرد و الالتزام بكفاية ملك الثاني دون الأول تحكم.

ثالثها: ما افاده السيد الفقيه و المحقق النائيني رحمه الله و هو: ان حق الخيار و ان لم يمكن اسقاطه الا ان حق الشرط، و هو الحق الثابت للمشروط له علي المشروط عليه بعد العقد،

و الشرط في ضمنه فعلي و قابل للاسقاط، فلا يحدث الخيار بالرد.

و فيه: ان المشروط ان كان فعلا من افعال المشروط عليه كان لثبوت حق الشرط معني معقول: و ان كان من قبيل النتيجة لا معني له، لأنه بنفوذ الشرط تثبت تلك النتيجة،

و لا حالة منتظرة كي يستحق المشروط له. و المقام من قبيل الثاني، فان المشروط ثبوت الخيار علي تقدير الرد، و نفس ذلك ليس من الحقوق الفعلية، بل حق تعليقي. فتدبر فانه دقيق.

فالأظهر ان حق الخيار علي القول بعدم نفوذ اسقاط ما لم يجب لا يصح اسقاطه قبل الرد و بعد العقد. نعم لو قلنا بان اسقاط ما لم يجب لا دليل علي عدم نفوذه سوي الاجماع و المتيقن منه عدم تحقق السبب ايضا، امكن ان يقال بصحة اسقاطه في المقام بعد العقد.

(1) و منها انقضاء المدة و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا و يشهد به الاجماع و

النصوص علي ما تقدم.

(2) قوله و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفي في الرد و قد اورد عليه المحقق الايرواني رحمه الله بان الرد الذي علق عليه الخيار ان كان هو رد خصوص الصحيح لم يكف رد المعيب و كان رده كرد غير الجنس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 368

و يسقط أيضا بالتصرف (1) في الثمن المعين مع اشتراط رد العين (2) أو حمل الإطلاق عليه، و كذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل الاطلاق علي اعتبار رد العين المدفوع، كل ذلك لإطلاق ما دل علي ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضاء بالعقد و لا خيار. و قد عمل الاصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري المجلس و الشرط،

______________________________

و ان كان هو رد الاعم من الصحيح و المعيب لم يكن له الاستبدال و كان المعيب فردا من حقه- و ان كان رد الاعم شرطا لحدوث الخيار من غير ان يكون الفرد المدفوع هو المتعين للعوضية فسخ العقد برده ثمّ اخذه و اعطي مكانه الصحيح- كان ذلك خلاف ظاهر ما هو المتداول من البيع الخياري مع انه جاز تعليق الخيار علي رد غير الجنس علي هذا الوجه ايضا- فلا فرق بين رد المعيب و الخارج عن الجنس في كل صوره و فروضه و فيه: ان هناك شقا رابعا و هو المتعارف- و هو تعليق الخيار علي رد كلي مثل الثمن الشامل للمعيب ايضا- مع اشتراط كونه صحيحا ضمنا- فالمعيب مصداق لما علق عليه الخيار و انما له الاستبدال من جهة انه فاقد للوصف المشترط فله المطالبة بتلك الخصوصية و هي لا يمكن ادائها الا بالتبديل، و هذا

بخلاف ما لورد من غير الجنس فانه ليس مصداقا لما علق عليه الخيار.

التصرف في الثمن المعين مسقط

(1) و منها: التصرف في الثمن المعين.

محل الكلام في المقام ذو قيود:

الأول: ان يكون الخيار فعليا، و اعماله معلقا علي الرد، أو كون الخيار معلقا عليه.

(2) الثاني: ان يكون المشروط رد الثمن المعين لا مثله، و الا لم يكن التصرف فيه مسقطا بلا كلام، إذ لا يكون التصرف حينئذ كاشفا عن الرضا بلزوم العقد لعدم المنافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف.

الثالث: ان يكون التصرف مسقطا للخيار مطلقا لا في خصوص خيار الحيوان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 369

و المحكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية: ان الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في هذا الخيار عليه، لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن فلو سقط الخيار سقط الفائدة، (1) و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك، (2) و المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الرد علي ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الاصحاب بما محصله ان التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار الا بعد الرد (3) و لا ينافي شي ء مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد لأن ذلك منه بعده لا قبله و ان كان قادرا علي ايجاد سببه فيه، إذ المدار علي الفعل لا علي القوة علي انه لا يتم فيما اشترط فيه الرد

______________________________

و علي هذا فمحل الكلام صورتان:

احداهما: ما إذا كان الخيار فعليا و اعماله معلقا علي رد الثمن: لا ينبغي التوقف في مسقطية التصرف في هذه الصورة،

و ما ذكروه من الوجوه الثلاثة لعدم مسقطية التصرف لهذا الخيار و هي:

(1) منافاة ذلك لمشروعية الخيار

لانتفاع البائع بالثمن،

(2) موثق اسحاق المتقدم،

(3) و ان التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار الا بعد الرد.

لا يجري شي ء منها في هذه الصورة.

اما الاول فلان المغروض في هذه الصورة تعلق الغرض برد عين الثمن فلا يكون الغرض الانتفاع بعينه و أما الثاني: فلأن مورد الموثق شرط رد مثل الثمن لا عينه، مع انه قد مر عدم كون مورده بيع الخيار بشرط رد الثمن.

و أما الثالث: فلأن الخيار في هذه الصورة ثابت من حين العقد.

ثانيتهما: ما إذا كان الخيار معلقا علي الرد: فقد ذكر في وجه عدم مسقطية التصرف له الوجوه الثلاثة المشار إليها آنفا، و قد ظهر جواب الأولين منها،

و أما الثالث: فقد اجاب عنه المصنف فيما سيأتي بان المستفاد من النص و الفتوي ان التصرف مسقط فعلي كالقول يسقط الخيار به في كل مورد يصح اسقاطه بالقول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 370

في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا، انتهي. محصل كلامه و ناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله بان ذلك يقتضي جهالة مبدأ الخيار.

و بأن الظاهر من اطلاق العرف و تضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ بتوقف الملك علي انقضاء الخيار ببعض الاخبار المتقدمة في هذه المسألة الدالة علي ان غلة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدة زمان الخيار، انتهي.

اقول في اصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة علي الرد نظر (1)

اما الأول: فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب في غير مورد النص عليه باتفاق الأصحاب. و أما بناء هذا العقد علي التصرف فهو من جهة ان الغالب المتعارف، البيع بالثمن الكلي.

______________________________

و قد تقدم

جواز الاسقاط قولا قبل العقد.

و فيه: ما تقدم من عدم جوازه علي القول بعدم جواز اسقاط الخيار قبل مجي ء زمانه. نعم علي القول بجواز اسقاط الخيار قبل مجيئه معلقا امكن البناء علي مسقطية التصرف الذي يكون كاشفا عن الرضا و الالتزام بسقوطه في فرض مجي ء زمانه.

هذا كله في الكبري، و أما الصغري فالظاهر ان بيع الخيار المتعارف بين الناس كما يظهر من الروايات هو البيع بشرط الخيار برد مثل الثمن لا عينه، و هو الموافق لبناء هذه المعاملة علي التصرف في الثمن،

كما ان الظاهر كون المتعارف بين الناس تعليق اعمال الخيار علي الرد لا نفسه.

(1) قوله في اصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة علي الرد نظر الاستظهار من المحقق الاردبيلي، و صاحب الكفاية، و الرد من المصابيح، و المناقشة من صاحب الجواهر و محصل ما افاده المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية ان الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في الخيار عليه،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 371

و ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن، و لذا قوينا حمل الاطلاق في هذه الصورة علي ما يعم البدل، و حينئذ فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا علي الرضا بلزوم العقد، إذ لا منافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم أو منصرف اطلاقه أو من جهة تواطئ المتعاقدين علي ثبوت الخيار مع التصرف ايضا، أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن، و قد مر ان السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتي المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد.

و أما الثاني: فلأن المستفاد من النص و الفتوي كما عرفت، كون

التصرف مسقطا فعليا، كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح اسقاطه بالقول.

و الظاهر عدم الاشكال في جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرد، هذا، مع ان حدوث الخيار بعد الرد مبني علي الوجه الاول المتقدم من الوجوه الخمسة في مدخلية الرد في الخيار و لا دليل علي تعينه في بيع الخيار المتعارف بين الناس. بل الظاهر من عبارة غير واحد، هو الثاني، أو نقول ان المتبع مدلول الجملة الشرطية الواقعة في متن العقد، فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار و قد يؤخذ قيدا للفسخ، نعم لو جعل الخيار و الرد في جزء معين من المدة كيوم بعد السنة

______________________________

لانه شرع لانتفاع البائع بالثمن، فلو سقط الخيار سقطت الفائدة، و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك.

و يرد عليهما انه ان كان مرادهما ان التصرف لا يسقط هذا الخيار فيما هو المتعارف بين الناس من هذه المعاملة، تم ما افاداه كما عرفت،

و ان كان مرادهما عدم مسقطيته لهذا الخيار اصلا- كما يظهر من التعليل- فيرد عليهما ما تقدم من مسقطيته له في بعض الصور.

و أما المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه في الرد علي ذلك، فحاصله: ان التصرف انما يسقط الخيار إذا وقع في زمان الخيار و ما قبل الرد ليس زمان الخيار، و الخيار و ان كان مقدورا في المدة المشروطة للقدرة علي سببه الا ان التمكن منه لا يقتضي الفعلية،

و الحكم منوط بالفعلية دون القوة، مع ان القوة غير مطردة إذ لو اشترط الخيار لو رد في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا لا خيار هناك لا بالفعل و لا بالقوة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 372

كان التصرف

قبله تصرفا مع لزوم العقد، و جاء فيه الاشكال في صحة الاسقاط هنا، و لو قولا من عدم تحقق الخيار و من تحقق سببه. و أما المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار (1) ففيه انها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط علي الرد و الفسخ بعده إنشاء، نعم ذكر في التذكرة انه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الاطلاق من حين العقد لكن الفرق يظهر بالتأمل و أما الاستشهاد عليه بحكم العرف، (2) ففيه ان زمان الخيار عرفا، لا يراد به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا، أو بجعل المتعاقدين و المفروض ان الخيار هنا جعلي، فالشك في تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين. و أما ما ذكره بعض الأصحاب في رد الشيخ من بعض اخبار المسألة (3) فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار مطلقا حتي المنفصل كما لا يبعد عن إطلاق كلامه،

و اطلاق ما استدل له به من الأخبار.

______________________________

و فيه ان ما افاده ان تم فانما هو في غير بيع الخيار المتعارف بين الناس، و هو تعليق اعماله علي الرد، مع ان تماميته فيه ايضا محل كلام كما تقدم و افاد صاحب الجواهر في رد صاحب المصابيح بما حاصله يرجع الي امور ثلاثة:

(1) الأول: ان تعليق الخيار علي الرد موجب لجهالة مبدأه.

(2) الثاني: انه خلاف فهم اهل العرف، لأنهم يفهمون من هذا الشرط جعل الخيار في طول المدة.

الثالث: ان المنقول من الشيخ رحمه الله عدم ثبوت الملك في زمان الخيار،

(3) و رده الأصحاب ببعض نصوص «1» الباب الدال علي ان غلة المبيع للمشتري،

و لو لا كون ذلك مدة الخيار لم

يصح هذا الرد، فيستكشف من ذلك انهم فهموا من هذه النصوص ان مجموع المدة ظرف للخيار.

أما الوجه الاول فقد عرفت في اول مبحث خيار الشرط تماميته، و ان ما ذكر في جوابه لا يتم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 8- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 373

الأمر الخامس: لو تلف المبيع كان من المشتري (1) سواء كان قبل الرد أو بعده و نمائه ايضا له مطلقا. و الظاهر عدم سقوط خيار البائع فيسترد المثل أو القيمة برد الثمن أو بدله و يحتمل عدم الخيار بناء علي ان مورد هذا الخيار هو الزام ان له رد الثمن و ارتجاع البيع و ظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك فلا خيار مع تلفه. (2)

______________________________

و أما الوجه الثاني فقد عرفت آنفا تماميته.

و أما الوجه الثالث فقد اجاب عنه المصنف رحمه الله: بانه لعل الأصحاب فهموا من كلام الشيخ ان مذهبه توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار و لو منفصلا. فتأمل.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف و موارد الرد و القبول منها

حكم تلف المبيع

(1) الخامس: و قد طفحت كلماتهم بانه لو تلف المبيع كان من المشتري و النماء له اما كون النماء له فواضح،

و أما كون التلف منه فالكلام فيه في مقامين:

الأول: في حكم تلف المبيع.

الثاني: في حكم تلف الثمن.

اما المقام الأول: فلا كلام في ان التلف يكون من المشتري، سواء كان قبل الرد ام بعده، و انما الكلام في انه هل يسقط خيار البائع ام لا، و فيه اقوال:

الأول: السقوط مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك.

الثالث: التفصيل بين ما قبل الرد و ما بعده، و السقوط في الأول دون الثاني اختاره في الجواهر.

و استدل للأول بوجهين:

(2) احدهما: الخيار متعلق بالعين، فمع

تلفها يسقط الخيار لانتفاء الموضوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 374

______________________________

و فيه: انه متعلق بالعقد، و هو ملك حل العقد، و لا مانع من ثبوته بعد تلف العين،

و هذا مضافا الي انه محقق في محله نفس تشريع بيع الخيار اقوي شاهد له، فانه انما يكون المتعارف فيه التصرف في الثمن بالنقل و الاتلاف، و مع ذلك يكون الخيار باقيا.

ثانيهما: ان الغرض من البيع الخياري نوعا هو ان يصون البائع ماله بما له من الخصوصية العينية، فلا محالة يشترط ارتجاع المبيع عند رد الثمن، فمع تلف العين يسقط الخيار.

و فيه: ان المتعارف في هذه المعاملة هو ان الغرض صون البائع ماله من التلف بما له من المالية، من دون غرض له في الخصوصية العينية، و العين وجودا و عدما عنده علي حد سواء، و لو كان في مورد غرض شخصي متعلق بالعين يشترط ذلك علي المشتري صريحا.

و بما ذكرناه ظهر وجه عدم السقوط.

و أما القول الثالث: فغاية ما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله في وجهه: ان التلف بعد الرد حيث انه في زمان الخيار، فله حينئذ الفسخ ثمّ الرجوع الي المثل أو القيمة، و أما التلف قبل الرد فحيث انه ليس في زمان الخيار كي يستحق الرجوع عليه فيتجه سقوط الخيار.

و فيه: انه ان كان نظره قدس سره الي قاعدة: التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، فيرد عليه: ان مقتضاها الانفساخ لا ثبوت حق الفسخ،

مع انه لو دلت القاعدة علي ذلك كان مفادها ثبوت الخيار للبائع من هذه الجهة ايضا، و هذا لا ينافي ثبوته له قبل الرد من جهة اخري.

مع ان تلك القاعدة انما هو فيما لو تلف عند من انتقل إليه في زمان

خياره، و هنا يتلف عند المشتري الذي لا خيار له.

مضافا الي انه في جواب المصابيح التزم بان قبل الرد ايضا يكون الخيار ثابتا، و ان كان نظره الي غير تلك القاعدة فعليه البيان.

فالأظهر عدم السقوط مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 375

ثمّ انه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط (1) فلا يجوز للمشتري اتلاف المبيع كما سيجي ء في احكام الخيار لأن غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله و لا يتم الا بالتزام ابقائه للبائع و لو تلف الثمن، (2) فإن كان بعد الرد و قبل الفسخ، فمقتضي ما سيجي ء من ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له (3) كونه من المشتري و ان كان ملكا للبائع الا ان يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدعي اختصاصها بالمبيع، كما ذكره بعض المعاصرين و استظهره من رواية معاوية ابن ميسرة المتقدمة و لم اعرف وجه الاستظهار (4)

______________________________

(1) قوله ثمّ انه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط وجه التنافي انه إذا كان الخيار معلقا علي بقاء العين و كان ذلك شرطا فهو من قبيل المقدمة الوجوبية و هي لا تكون واجبه فكيف حكموا هنا بعدم جواز اتلاف العين و الجواب عنه انه انما يلتزم بذلك من جهة ان هناك شرطين- احدهما- شرط الخيار علي تقدير رد الثمن- ثانيهما- شرط الابقاء ليتمكن من استرداد العين.

حكم تلف الثمن

(2) و أما المقام الثاني: و هو ما لو تلف الثمن، فالكلام فيه في موضعين:

الأول: في ان تلف الثمن من البائع أو المشتري.

الثاني: في سقوط الخيار و بقائه.

اما الموضع الأول: فان كان التلف بعد الرد و قبل الفسخ فمقتضي القاعدة كونه من البائع لأنه

مملوك له، و تكون يد المشتري امانية.

و قد استدل لكونه من المشتري.

(3) بقاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له.

و فيه: ان مورد نصوص «1» تلك القاعدة خيار الحيوان، و الشرط مع كون التالف هو المبيع، و التعدي الي غيرهما و إلي تلف الثمن يحتاج الي دليل مفقود.

(4) قوله و لم اعرف وجه الاستظهار الظاهر ان وجهه جعل نماء الثاني في قبال تلف المبيع، فكما ان الثاني من مالكه فكذلك الاول

______________________________

(1) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 376

إذ ليس فيها إلا ان نماء الثمن للبائع و تلف المبيع من المشتري و هما إجماعيان حتي في مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما الي تلك الرواية و لا يكون الرواية مخالفة للقاعدة، و انما المخالف لها هي قاعدة ان الخراج بالضمان (1) إذا انضمت الي الاجماع علي كون النماء للمالك، نعم الاشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع افراد الخيار، لكن الظاهر من اطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن و اختصاصها بالخيارات الثلاثة اعني خيار المجلس و الشرط و الحيوان و سيجي ء الكلام في احكام الخيار و ان كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء علي عدم ثبوت الخيار قبل الرد. و فيه مع ما عرفت من منع المبني منع البناء، (2) فإن دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه هو تزلزل البيع سواء كان بخيار متصل أو منفصل كما يقتضيه اخبار تلك المسألة كما سيجي ء ثمّ إن قلنا بأن التلف الثمن من المشتري انفسخ البيع و ان قلنا بأنه من البائع. فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل و يرتجع المبيع.

______________________________

و هذا يكشف عن ان

النماء كالتلف و البائع، كالمشتري و الثمن كالمثمن- لكنه كما تري.

(1) و قد يقال ان مقتضي قاعدة ان الخراج بالضمان إذا انضمت الي الاجماع علي ان النماء للمالك، كون تلف المبيع من المشتري، و تلف الثمن من البائع.

و فيه اولا: ان سند ما تضمن «1» القاعدة ضعيف للارسال، و جبره بالعمل غير معلوم كما بيناه في الجزء الثالث من هذا الشرح في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد و ثانيا: ان محتملات هذه العبارة كثيرة اظهرها ان المراد بالضمان المعني المصدري مع امضاء الشارع له، فتختص بالعقود المعاوضية الصحيحة، و هذا هو الذي فهمه المشهور منها، فهي اجنبية عن المقام.

مع انه سيأتي في احكام الخيار ان قاعدة التلف في زمان الخيار حاكمة عليها.

و بما ذكرناه ظهر حكم تلف الثمن قبل الرد و انه من البائع.

(2) قوله مع ما عرفت من منع المبني منع البناء محصل ما افاده انه ان كان الخيار ثابتا قبل الرد فلا ريب في كونه مشمولا

______________________________

(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 285- و سنن ابي دود ج 2- ص 255. و المبسوط كتاب البيوع فصل الخراج بالضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 377

الأمر السادس: لا إشكال في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري،

أو برده علي وكيله المطلق، أو الحاكم، أو العدول، مع التصريح بذلك في العقد، (1)

و ان كان المشروط هو رده إلي المشتري مع عدم التصريح ببدله (2) فامتنع رده إليه عقلا لغيبة و نحوها أو شرعا لجنون و نحوه

______________________________

لقاعدة التلف في زمان الخيار، و هي تدل علي انه من المشتري، و الا فحيث ان البيع متزلزل- و لو بواسطة الخيار المنفصل- فتشمله القاعدة ايضا كما هو مقتضي اخبار المسألة، و الظاهر

ان نظره الشريف الي ما في نصوص الباب من قوله «1» عليه السلام: حتي يمضي شرطه، بدعوي شموله لما إذا كان البيع في معرض حدوث الخيار، و الا فموردها خيار الحيوان المتصل بالعقد، فهو كما تري.

فالأظهر كونه من البائع في الصورتين.

و أما الموضع الثاني: فان كان الشرط رد عين الثمن، فان كان التلف قبل الرد سقط الخيار لعدم امكان رده، و الا فهو باق، كان الشرط رد مثل الثمن أو كان التلف بعد الرد،

و وجهه واضح.

رد الثمن الي الوكيل أو الولي

(1) السادس: لا خلاف ظاهرا في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري،

أو برده علي وكيله المطلق، أو الحاكم، أو العدول مع التصريح بذلك في العقد، و وجهه ظاهر،

انما الكلام فيما إذا لم يعلق الخيار علي ما يشمل الرد الي غير المشتري من الوكيل أو غيره، و الا فلا ريب في الكفاية، بل لو علق الخيار علي الالقاء في البحر أو الوضع في مكان مخصوص ثبت الخيار بذلك.

كما انه ليس مورد البحث ما لو علق الخيار علي الرد الي خصوص المشتري بنحو التقييد، إذ لا ريب حينئذ في عدم الكفاية و انه لو امتنع الرد إليه سقط الخيار لتعذر شرطه

(2) بل مورد البحث ما لو علق الخيار علي الرد الي خصوص المشتري لا بنحو التقييد بل الرد إليه فقط يكون ثابتا بالقصر الذاتي لا بلحاظه بما هو مشتر فقط

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 378

ففي حصول الشرط برده إلي الحاكم كما اختاره المحقق القمي في بعض أجوبة مسائله و عدمه كما اختاره سيد مشايخنا في مناهله قولان: (1) و ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق علي عدم لزوم رد الثمن إلي المشتري مع

غيبته حيث أنه بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار و انه لا اعتبار بالأشهاد خلافا لبعض علمائنا قال: إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع بعد دفع الثمن فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري و جعل الثمن أمانة إلي ان يجئ المشتري و ان كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا انه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة، انتهي.

اقول لم اجد فيما رأيت من تعرض لحكم رد الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتي يحضر المشتري،

و ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل العامة و بعض الخاصة، حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور الخصم، و لا تنافي بينه و بين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ و هو رد الثمن إلي المشتري، مع ان ما ذكره من اخبار المسألة لا يدل علي اعتبار حضور الخصم في الفسخ و ان كان موردها صورة حضوره لأجل تحقق الرد، إلا ان الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان، بناء علي مغايرة الفسخ للرد و عدم الاكتفاء به عنه.

______________________________

إذا عرفت هذا فاعلم: انه يقع الكلام في هذا الأمر في موارد:

الأول: في انه هل يكفي الرد الي وكيل المشتري ام لا.

(1) الثاني: في كفاية الرد الي الحاكم الشرعي كما عن المحقق القمي و عدمها كما عن سيد المناهل الثالث: في انه إذا كان المشتري هو الأب و اشتري للصغير هل يكفي الرد الي الجد ام لا؟

الرابع: في انه إذا كان المشتري هو الحاكم الشرعي و اشتري ولاية هل يكفي الرد

الي حاكم آخر ام لا؟

الخامس: في انه إذا اشتري شخص فمات هل يكفي الرد الي وارثه ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 379

نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار، خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد رد الثمن، فافهم،

و كيف كان، فالاقوي فيما لم يصرح باشتراط الرد الي خصوص المشتري هو قيام الولي مقامه، (1) لأن الظاهر من الرد الي المشتري حصوله عنده و تملكه له،

حتي لا يبقي الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ، و لذا لو دفع الي وارث المشتري كفي،

و كذا لو رد وارث البائع مع ان المصرح به في العقد رد البائع و ليس ذلك لأجل ارثه للخيار، لأن ذلك متفرع علي عدم مدخلية خصوص البائع في الرد، و كذا الكلام في وليه و دعوي ان الحاكم انما يتصرف

______________________________

اما المورد الأول: فان لم يكن وكيلا في قبض الثمن لا إشكال في عدم الكفاية،

و ان كان وكيلا فيه فقد يقال كما عن المحقق النائيني رحمه الله و غيره: ان عموم دليل الوكالة علي فرض اطلاق الوكالة لماله و عليه كما هو المفروض في المقام يدل علي ان قبض الوكيل قبض الموكل، فإذا كان قبض الموكل يشمل الاطلاق الرد إليه.

و فيه: ان كان المعلق عليه الخيار قبض الموكل بما هو فعل من افعاله صح ذلك، و أما ان كان المعلق عليه احضار البائع الثمن عند المشتري لم يصلح دليل الوكالة للتعميم من هذه الجهة، فان معني التوكيل الاستنابة فيما هو من وظائف الموكل، و يكون تحت اختياره و سلطانه، و لا تقتضي الوكالة تنزيل ذات الوكيل منزلة ذات الموكل، و لا تنزيل

صفاته منزلة صفاته، فليس رد البائع إليه و احضار الثمن عنده ردا للثمن الي الموكل و احضارا لديه، فلا يكون ذلك كافيا و لعله الي هذا نظر السيد الفقيه رحمه الله حيث قال: ان عموم دليل النيابة لا يجعل الرد الي الوكيل ردا إليه.

(1) و أما المورد الثاني: فقد استدل المحقق النائيني رحمه الله للكفاية: بعموم دليل ولاية الحاكم «1».

و فيه: ان ولاية الحاكم ان كانت من جهة ولايته علي الغائب لا يشمل دليله

______________________________

(1) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح- مبحث ولاية الحاكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 380

في مال الغائب علي وجه الحفظ و المصلحة، و الثمن قبل رده باق علي ملك البائع و قبضه عنه الموجب لسلطنة البائع علي الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو شبهه فلا يكون وليا في القبض فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد الفسخ مدفوعة بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتي يناط بالمصلحة، بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليه للثمن حتي يقال ان ولايته في القبول متوقفة علي المصلحة، بل المعتبر تمكين المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ، و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن الي عدول المؤمنين ليحفظوها حسبة عن الغائب و شبهه، و لو اشتري الاب للطفل بخيار البائع فهل يصح له الفسخ مع رد الثمن الي الولي الآخر، اعني الجد مطلقا، (1) أو مع عدم التمكن من الرد الي الاب، أو لا؟ وجوه و يجري مثلها

______________________________

المقام، فان موردها مال الغائب، و الغائب لا مال له في المقام قبل الرد، فانه للبائع لا المشتري. و ان

كانت من جهة ولايته علي الممتنع فلا بد من التفصيل المتقدم، فان دليل الولاية يدل علي ان للحاكم تصدي ما هو فعل الممتنع، و عليه فان كان المعلق عليه الخيار قبض المشتري بما هو فعله كان مقتضي عموم دليل الولاية ان للحاكم ذلك و ان فعله بمنزلة فعله، و ان كان المعلق عليه احضار البائع الثمن عنده لم يكف دليل الولاية، فانه ليس هناك فعل امتنع المشتري عنه كي يكون للحاكم الولاية عليه.

هذا بناء علي شمول دليل الولاية للامتناع الاضطراري، و الا لم يكف في الفرض الأول ايضا.

(1) و أما المورد الثالث: فالأظهر عدم الكفاية مطلقا حتي في مورد قيام الحاكم و الوكيل مقامه، فان دليل ولاية الجد انما يدل علي ولايته في عرض ولاية الأب بخلاف دليل نيابة الوكيل و ولاية الحاكم، فلا يقام الجد مقام الأب، و لا يكون فعله فعله، و عليه فان كان الشرط الرد الي الأب بما هو ولي كفي الرد الي الجد، لكنه خارج عن فرض المسألة، و ان كان هو الرد الي الأب بما هو لم يكف الرد الي الجد قطعا.

و ما افاده المحقق النائيني رحمه الله من انه يكفي: لولاية كل منهما علي الطفل، فقبض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 381

فيما لو اشتري الحاكم للصغير، فرد البائع إلي حاكم آخر و ليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للاول حتي لا يجوز (1) قبوله للثمن و لا يجري ولايته بالنسبة الي هذه المعاملة بناء علي عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر في مثل هذه الامور لما عرفت من ان اخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا بل البائع إذا وجد من يجوز ان يتملك الثمن عن المشتري عنه فسخه

جاز له الفسخ و ليس في مجرد تملك الحاكم الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول غاية الأمر وجوب دفعه إليه مع احتمال عدم الوجوب لأن هذا ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول فلا مزاحمة لكن الأظهر انها مزاحمة عرفا. (2)

______________________________

رد الثمن الي الحاكم

كل منهما قبض الطفل،

غريب، فان المعلق عليه ليس قبض الطفل بل قبض الأب الذي هو المشتري و أما المورد الرابع: فقد استدل المصنف رحمه الله للكفاية فيه:

(1) بان قبول الحاكم الآخر و تملكه ليس مزاحمة للحاكم الأول كي لا يجوز، ثمّ قال:

(2) لكن الأظهر انها مزاحمة عرفا.

و استدل المحقق النائيني رحمه الله لعدم الكفاية: بانه بتصرف الحاكم الأول و وضع يده عليه خرج مال الطفل عن المال الذي لا ولي له، فليس للحاكم الآخر التصرف في هذا المال.

الظاهر ان هذه الكلمات اجنبية عما هو محل البحث، فان مورد البحث كفاية رد البائع الثمن الي الحاكم الآخر مع اشتراط الرد الي الحاكم المشتري نفسه، و لا ريب في انه ليس له ذلك لعدم ولايته علي الحاكم الآخر، نعم إذا كان الشرط الرد الي الحاكم كفي. فتدبر حتي لا تبادر بالاشكال.

و أما المورد الخامس: فالأظهر عدم الكفاية، فان الرد الي الوارث ليس ردا الي المورث الذي علق عليه الخيار.

و ما افاده المحقق النائيني رحمه الله: بان الوارث ينتقل إليه المال علي نحو تعلق حق المورث البائع إليه فالرد إليه كالرد الي مورثه،

غير تام، فان ما افاده يتم في ورثة البائع، و الكلام انما هو في ورثة المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 382

الأمر السابع: إذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك الا برد الجميع، (1) فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ

و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه علي ملك البائع. و الظاهر انه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه علي وجه الثمنية الا ان يصرح بكونها امانة عنده الي ان يجتمع قدر الثمن فيفسخ البائع، و لو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن (2) جاز الفسخ فيما قابل المدفوع و للمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع و خرجت المدة و هل له ذلك

______________________________

حكم الفسخ برد بعض الثمن

(1) الأمر السابع: لا خلاف و لا كلام في انه إذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن ليس له الفسخ الا برد الجميع،

فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ، و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه علي ملك البائع.

كما لا كلام في انه لو اشترط الفسخ برد بعضه له ذلك،

(2) انما الكلام في انه لو اشترط الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن،

و الكلام فيه يقع في موردين:

الأول: في صحة هذا الشرط و فساده.

الثاني: في انه علي فرض فسخ البعض لو قلنا بصحة هذا الشرط هل يثبت للمشتري الخيار ام لا؟

اما المورد الأول فقد استدل للفساد بوجهين:

احدهما: ما عن المستند، و هو: ان شرط الخيار في نفسه شرط مخالف للسنة، و انما التزمنا به للاجماع و النصوص «1» الخاصة، و مورد النصوص شرط الخيار بالفسخ في الجميع، و التعدي يحتاج الي دليل مفقود، و المتيقن من الاجماع غير المقام.

و فيه: ما تقدم مفصلا من انه ليس شرطا مخالفا للسنة، و انه يصح علي القاعدة.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 383

قبل خروجها الوجه ذلك (1) و يجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين من الثمن

في المدة بل بجزء غير معين (2) فيبقي الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.

______________________________

ثانيهما: ان الالتزام العقدي امر بسيط، فاما ان يجعل للمشروط له تمام الالتزام و أما يبطل. و بعبارة اخري: انه غير قابل للتبعيض.

و فيه: ان الالتزام و ان كان واحدا و إذا لم يجعل الخيار بهذا النحو كان جميع اجزاء الملتزم به متحد الحكم، و لا يجوز الفسخ في البعض.

و أما إذا جعل له الخيار بهذا النحو فالالتزام المزبور ينحل الي الالتزام بكون كل جزء من المبيع في مقابل كل جزء من الثمن، بلا ربط له بسائر الأجزاء، فكأنه التزامات عديدة، و عليه فلا مانع من فسخ البعض دون البقية،

فالأظهر صحة هذا الشرط.

و أما المورد الثاني: فان كان المجعول رد كل جزء مستقلا و لو لم يرد البقية لا خيار للمشتري قطعا، فانه الذي اقدم علي ذلك.

و ان كان رد الجميع بهذا النحو فما دام لم تخرج المدة و كانت باقية لا خيار له، فان المشتري اقدم علي الفسخ تدريجا،

و أما ان خرجت المدة فلم يفسخ الجميع بل فسخ البعض فحينئذ ان كان جعل الخيار له بهذا منوطا برد الثمن بتمامه تدريجا كشف ذلك عن بطلان ما فعله من الفسخ لعدم حصول المعلق عليه، و ان لم يكن منوطا به بل شرط في ضمن هذا الجعل ان يفسخ الجميع كان للمشتري خيار تخلف الشرط.

و علي اي حال لا وجه لثبوت خيار التبعيض الذي افاده المصنف رحمه الله.

(1) و اضعف منه الالتزام بثبوته و ان لم تخرج المدة.

(2) قوله بل بجزء غير معين فيبقي الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ لا يقال انه يبطل حينئذ للجهل بالجزء غير المعين فانه يجاب عنه بان

هذا الجهل لا يوجب الغرر المبطل بعد ضبط مدة الخيار من حيث المبدأ و المنتهي، إذ لا ريب في صحة جعل الخيار مع عدم التعليق علي رد الثمن فإذا لم يكن اصله معتبرا لم يكن وجه لاعتبار تعينه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 384

الأمر الثامن: كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد الثمن (1) و لا اشكال في انصراف الاطلاق الي العين و لا في جواز التصريح برد بدله مع تلفه، لأن مرجعه إلي اشتراط الخيار برد المبيع مع وجوده و بدله مع تلفه، و عدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ و في جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين اشكال، من انه خلاف مقتضي الفسخ، لأن مقتضاه رجوع كل من العوضين الي صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ علي وجه غير مشروع بل ليس فسخا في الحقيقة، نعم لو اشترط رد التالف بالمثل في القيمي، و بالقيمة في المثلي (2) امكن الجواز لأنه بمنزلة اشتراط ايفاء ما في الذمة بغير جنسه، لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة و القيمي بالمثل، و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد الي البائع، فتأمل. و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله و الله العالم.

مسألة: لا اشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع، (3)
اشارة

و جريانه في كل معاوضة لازمة، كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقات، بل قال في التذكرة الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور،

______________________________

(1) الكلام في صحة هذا الشرط هو الكلام في صحة شرط الخيار برد المبيع في جميع الصور الخمس أو الست المتقدمة مع جميع فروعه فلا وجه للاعادة.

(2) قوله نعم لو اشترط رد

التالف بالمثل في القيمي إذ كما ان مرجع هذا الاشتراط الي اشتراط الايفاء و لا يكون منافيا لحقيقة الفسخ،

كذلك اشتراط رد البدل مع وجود العين فان مرجعه الي اشتراط تملك البدل بدلا عن العين المرجوعة بمقتضي الفسخ.

جريان خيار الشرط في العقود الجائزة

(3) مسألة: هل يختص خيار الشرط بالبيع ام يعم كل معاوضة لازمة، أو العقود مطلقا، ام يدخل خيار الشرط في الايقاعات ايضا؟

و تمام الكلام فيها بالبحث في مقامات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 385

و مراده ما يكون لازما (1) لانه صرح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لأن الخيار لكل منهما دائما فلا معني لدخول خيار الشرط فيه. و الأصل فيما ذكر عموم المؤمنون عند شروطهم، بل الظاهر المصرح به في كلمات جماعة دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد،

بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة، إلا ان يدعي من الخارج عدم معني للخيار في العقد الجائز، و لو من الطرف الواحد، فعن الشرائع و الارشاد و الدروس و تعليق الارشاد و مجمع البرهان و الكفاية، دخول خيار الشرط في كل عقد سوي النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق و ظاهرها ما عدا الجائز. و لذا ذكر نحو هذه العبارة في التحرير بعد ما منع الخيار في العقود الجائزة و كيف كان. فالظاهر عدم الخلاف بينهم في ان مقتضي عموم أدلة الشرط الصحة في الكل و إنما الإخراج لمانع، (2) و لذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره انه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم. فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا

العموم.

______________________________

الأول: في العقود الجائزة.

الثاني: في الايقاعات.

الثالث: في العقود اللازمة.

اما الأول: فظاهر الشرائع، و الارشاد، و الدروس، و تعليق الارشاد، و مجمع البرهان، و الكفاية دخول خيار الشرط فيها:

(1) و توجيه الشيخ كلماتهم بان مرادهم العقود اللازمة، لا وجه له: إذ لم يذكر وجها له سوي ان هذه العبارة التي في هذه الكتب ذكرها في التحرير بعد ما منع من الخيار في العقود الجائزة، و هو كما تري.

(2) و كيف كان: فقد استدل لعدم الجريان في مقابل عموم ما دل علي نفوذ كل شرط و صحته «1». بوجوه:

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الخيار و- باب 4- من ابواب المكاتبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 386

فنقول اما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها (1)

كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر علي عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود، قيل لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين (2) كما ينبه عليه جملة من الاخبار و الايقاع انما يقوم بواحد

______________________________

منها: انه من قبيل تحصيل الحاصل، فان السلطنة علي الفسخ فيها ثابتة دائما و لا تنفك عنها و لا تسقط بالاسقاط.

و فيه: ان الثابت بالشرط فرد آخر من السلطنة دون ما هو من لوازمها.

و منها: انه يلزم اجتماع المثلين. و قد تقدم الجواب عن ذلك في خيار الحيوان.

و منها: لزوم اللغوية، فانها جائزة ذاتا، فجعل الخيار فيها لغو رأسا.

و فيه: ان هذه السلطنة المجعولة غير ما هو من لوازم العقد و ثابت فيها، فان تلك السلطنة غير قابلة للمصالحة و الاسقاط و الارث، و هذه قابلة لتلك، فيمكن ان ينقلها الي غيره بالصلح و نحوه و يرثها وارثه. فالأظهر صحة جعل الخيار فيها.

ثمّ ان هذه الوجوه

لو تمت فانما هي في جعل الخيار للعاقد، و أما جعله للأجنبي فلا يجري شي ء منها فيه.

و افاد المحقق النائيني رحمه الله: ان العقود الاذنية كالوكالة لا يجري فيها الخيار لوجه آخر،

و هو: ان اطلاق العقد عليها انما هو لكونها واقعة بين اثنين، و الا فنفس حقيقتها متقومة بالاذن المحض و الرضا الصرف.

و فيه: ان مجرد ذلك لا يمنع من جعل الخيار بعد كون هذا الاذن و الرضا بعنوان العقد و الالتزام، و له آثار غير ما هو مترتب علي الاذن المحض.

جريان الخيار في الايقاعات

(1) و أما المقام الثاني: و هو انه هل يثبت هذا الخيار في الايقاعات ام لا؟

و قد استدل لعدم دخول ذلك فيها بوجوه:

(2) منها: ان المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين، كما نبه عليه جملة من الأخبار،

و الايقاع انما يقوم بواحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 387

و فيه ان المستفاد من الاخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه لا كونه متوقفا علي الايجاب و القبول، أ لا تري انهم جوزوا ان يشترط في اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم غاية الأمر توقف لزومه كاشتراط مال علي العبد علي قبول العبد، علي قول بعض، لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب و القبول. فالاولي الاستدلال عليه مضافا الي امكان منع صدق الشرط و انصرافه (1) خصوصا علي ما تقدم عن القاموس بعد مشروعية الفسخ في الايقاعات حتي تقبل لاشتراط التسلط علي الفسخ فيها و الرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعي في بعض اقسامه لا يقبل الثبوت في غير مورده، بل و لا السقوط في مورده، و مرجع هذا الي ان مشروعية الفسخ لا

بد لها من دليل، و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الاقالة، و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها بخلاف الايقاعات، (2) فإنه لم يعهد من الشارع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتي يصح اشتراط ذلك فيها.

______________________________

و فيه: ان الشرط متقوم بامرين: مشروط له، و مشروط عليه، و هذا غير كون مورده و محله متقوما بامرين، فلو سلم احتياج الشرط الي القبول فانما هو محتاج الي قبول الشرط لا قبول محله و مورده.

و منها: الاجماع الذي ادعاه في المبسوط علي عدم دخوله في الطلاق و العتق، و الذي ادعاه في المسالك علي عدم دخوله في الابراء.

و فيه: انه مضافا الي كونه اخص من المدعي، ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

(1) و منها: ما في المتن، و هو: منع صدق الشرط و انصرافه عما هو في ضمن الايقاع و فيه: ان غاية ما يثبت بالدليل خروج الشروط الابتدائية عن تحت ادلة الشروط اما تخصيصا أو تخصصا، و أما لزوم كونه في ضمن التزامين و عدم كفاية ما هو في ضمن التزام واحد فمما لم يدل عليه دليل، بل النصوص الآتية تدل علي عدم لزوم ذلك.

(2) و منها: ما في المتن ايضا، و حاصله: ان دليل الشرط انما يدل علي ايجاب ما هو سائغ في نفسه، و مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل، و قد وجد في العقود من جهة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 388

و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا، فإذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الايقاع أو علم عدمه بناء علي ان اللزوم في الايقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سببا

باشتراط التسلط عليه في متن الايقاع هذا كله مضافا الي الاجماع عن المبسوط و نفي الخلاف عن السرائر علي عدم دخوله في العتق و الطلاق و إجماع المسالك علي عدم دخوله في العتق و الإبراء، و مما ذكرنا في الإيقاع يمكن ان يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع و لو كان عقدا كالصلح المفيد فائدة الابراء كما في التحرير و جامع المقاصد

______________________________

مشروعية الاقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان فيها، و لم يثبت ذلك في الايقاعات.

و فيه: انه لم تثبت مشروعية الفسخ في العقود- اي الفسخ الذي يجعل للمشروط له- بل الثابت عدمها قبل الشرط،

و مشروعية الاقالة و الفسخ بسبب خيار المجلس أو الحيوان لا توجب مشروعية الفسخ بسبب آخر،

مع انها غير ثابتة، بالاضافة الي الأجنبي، و يصح جعل الخيار له.

و منها: ما افاده المصنف رحمه الله في آخر كلامه، و حاصله: اناطة دخول الشرط بصحة التقايل، فيكون الالتزام في ضمن العقد مثلا بمنزلة رضا المتعاقدين بعده، فإذا كان تراضيهما بعد العقد كافيا في الانحلال كان الالتزام به في ضمن العقد كافيا في تسلط المشروط له علي حله، و الا فلا.

و فيه: ان اعتبار كون الالتزام بمنزلة التراضي بعد العقد لا يكون من منشآت الشارط و لم يدل دليل علي كونه كذلك بحسب الجعل الشرعي فلا وجه له.

و منها: ان دليل الشرط خصص بما دل علي عدم نفوذ ما خالف الكتاب و السنة،

و شرط الخيار في الايقاع ان علم كونه مخالفا للسنة من جهة كون لزومه حكميا لا حقيا،

فهو و الا فالنتيجة نتيجة ثبوته في عدم جواز شرط الخيار، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و فيه: انه سيجي ء في محله انه في موارد الشك

مقتضي اصالة عدم المخالفة البناء علي شمول العموم لها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 389

و في غاية المرام ان الصلح ان وقع معاوضة دخله خيار الشرط و ان وقع عما في الذمة مع جهالته أو علي اسقاط الدعوي قبل ثبوتها لم يدخله لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط، و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم، انتهي و الكبري المذكورة في كلامه راجعة الي ما ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات، و لا أقل من الشك في ذلك الراجع الي الشك في سببية الفسخ لرفع الايقاع.

______________________________

و منها: ان الخيار ملك الفسخ و الحل، و لا حل الا بين امرين مرتبطين، فلا يعقل في الايقاع الذي هو التزام واحد.

و فيه: ان الفسخ رفع الأمر الثابت كان واحدا ام متعددا.

و منها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و حاصله: ان الايقاع حيث انه إذا انشأ يوجد المنشأ و لا يتوقف علي القبول، فالشرط الواقع بعده اما يرجع الي الشرط الابتدائي لو لم ينط المنشأ به،

و أما الي تعليق المنشأ الذي هو باطل لو انيط اصل المنشأ به،

و أما الي تخصيص المنشأ بخصوصية. و علي اي تقدير فهو خارج عن الالتزام في ضمن الالتزام الذي هو محل الكلام، و هذا بخلاف العقود، فانه يعقل فيها اناطة المنشأ به بحيث يصير الشرط ضميمة لأحد العوضين.

و فيه: انه في العقود لا يناط المنشأ به بهذا المعني، و لذا لا يرد من العوض بمقدار ما يقابل به الشرط، و سيأتي في باب الشروط بيان حقيقة الشرط و انه امر يوجد في العقد و الايقاع بلا تفاوت بينهما.

فتحصل: ان الأظهر صحة شرط الخيار في الايقاع الا ما

خرج بالدليل،

و يشهد له- مضافا الي ذلك- النصوص الواردة فيمن يعتق عبده أو جاريته و يشترط عليه العمالة أو الخدمة «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب كتاب العتق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 390

و أما العقود فمنها ما لا يدخله اتفاقا، و منها ما اختلف فيه، و منها ما يدخله اتفاقا. (1)

فالأول: النكاح، (2) فإنه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و جامع المقاصد و المسالك، الاجماع عليه و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا علي الطلاق (3) و عدم مشروعية التقايل فيه. (4)

______________________________

جريان الخيار في غير البيع من العقود اللازمة

(1) و أما المقام الثالث: و هو جريان الخيار في العقود اللازمة، فملخص القول فيه:

انها علي اقسام:

الأول: ما ادعي انه لا يدخله شرط الخيار اتفاقا.

الثاني: ما اختلف فيه.

الثالث: ما يدخله اتفاقا.

(2) اما القسم الأول: فهو النكاح و قد استدل علي المنع فيه بوجوه:

(3) احدها: ما ذكره المنصف رحمه الله في المقام، و هو: توقف ارتفاعه شرعا علي الطلاق.

و فيه: انه لو كان دليل الطلاق دالا علي عدم ارتفاعه و لو بنحو رفع علقة النكاح من دون انشاء البينونة و الفرقة بغير الطلاق اما بالمنطوق أو بالمفهوم كان ما افاده متينا جدا،

و لكن حيث انه لا يدل علي ذلك فلا يصح هذا الاستدلال.

(4) ثانيها: ما افاده المصنف رحمه الله ايضا، و هو: عدم مشروعية التقايل فيه. و تقدم تقريبه مع جوابه.

ثالثها: ما افاده صاحب الجواهر رحمه الله، و هو: ان فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار و فيه: ان مجرد ذلك لا يكفي لكونه عبادة لا يجري فيها الخيار، فانه لا يعتبر فيه القربة قطعا.

رابعها: ما عن الجواهر ايضا، و هو: ان اشتراط الخيار فيه يفضي الي ابتذال المرأة،

و هو

ضرر لها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 391

و من الثاني: الوقف، فإن المشهور عدم دخوله فيه (1) و عن المسالك انه موضع وفاق و يظهر من محكي السرائر و الدروس وجود الخلاف فيه، و ربما علل باشتراط القربة فيه (2) و انه فك ملك بغير عوض و الكبري في الصغريين ممنوعة، (3) و يمكن الاستدلال له

______________________________

و فيه: انه مع اقدامها عليه لا يوجب دليل نفي الضرر نفيه.

خامسها: ان شرط الخيار مناف للدوام المعتبر في النكاح الدائم، فهو شرط مخالف لمقتضي العقد.

و فيه: ان الخيار لا ينافي الدوام، فانه رفع للموجود لا توقيت له في البيع، و لذا في البيع لا إشكال في صحة شرطه، مع انه ايضا انشاء للملكية الدائمية.

سادسها: انه شرط مخالف للسنة، لأن لزوم النكاح حكمي لا حقي، و لا أقل من الشك في ذلك، فلا يجوز التمسك بالعام.

و فيه: انه لم يثبت كونه كذلك، و قد مر أن الشك في ذلك يكفي في التمسك بالعام لأصالة عدم المخالفة.

فالأظهر انه لا دليل علي المنع سوي الاجماع المدعي في كلمات غير واحد، و لا بأس به.

(1) و أما القسم الثاني: فمنه الوقف.

فقد استدل للمنع فيه بوجوه:

(2) منها: انه يشترط القربة فيه، و ما كان لله لا يرجع.

(3) و المصنف اورد عليه: بمنع الكبري و اورد عليه السيد قده و تبعه المحقق الايرواني: بانه قده سيعترف بصحة الكبري في الصدقة.

و لكن يمكن ان يقال: ان ما ذكره في المقام لا ينافي مع ما ذكره في الصدقة، فانه يسلم دلالة النصوص «1» المتضمنة لذلك المضمون علي اللزوم غير القابل للفسخ، الا ان منعه في المقام من جهة عدم شمولها بما لها من المعني للمقام فان المراد بها

ليس ما يقع في الخارج

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات و- باب 6- من ابواب الكتاب الهبات و- باب 24- من ابواب

الصدقة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 392

بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونه احق بالوقف عند الحاجة و هي قوله عليه السلام من اوقف أرضا ثمّ قال: ان احتجت إليها فأنا احق بها، ثمّ مات الرجل فإنها ترجع في الميراث (1) و قريب منها غيرها و في دلالتها علي المدعي تأمل، و يظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة تجويز اشتراط الخيار في الوقف و لعله المخالف الذي أشير إليه في محكي السرائر و الدروس

______________________________

لله و ان امكن ان يقع لغيره كالبيع، و لاما يشترط في صحته الوقوع لله كالوقف، بل المراد بها ما لا يقع في ذاته الا لله كالصدقة بالمعني الأخص التي تكون القربة من قبيل الفصل المقوم لها لا الشرط.

و يمكن ان يورد علي هذا الوجه: بمنع الصغري ايضا، فانه و ان كان المشهور اعتبار القربة في الوقف الا ان الأظهر تبعا لجمع من الأساطين عدم اعتبارها للاطلاقات و لما دل علي صحة وقف الكافر، و اطلاق الصدقة عليه انما يكون باعتبار الأفراد التي تقع في الخارج مع قصد القربة. و تمام الكلام في محله.

و منها: انه فك ملك بلا عوض، و شرط الخيار يصح في العقود المعاوضية.

و فيه اولا: ان الوقف حقيقته ليست فك الملك بل حبس العين و تسبيل المنفعة.

و ثانيا: انه قد مر جريان شرط الخيار في الايقاع فضلا عما هو بمنزلته.

و منها خبر اسماعيل بن الفضل عن مولانا الصادق عليه السلام عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من

وجوه الخير، و قال: ان احتجت الي شي ء من المال فانا احق به تري ذلك له و قد جعله لله يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا الي اهله أو يمضي صدقة قال عليه السلام: يرجع ميراثا علي اهله «1».

(1) و موثقه الآخر «2» المذكور في المتن و تقريب دلالتهما: انهما يدلان علي بطلان الوقف، و ليس الا من جهة اشتماله علي الشرط المزبور.

______________________________

(1) الوسائل- باب 3- من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات حديث 3.

(2) التهذيب ج 9 ص 950 طبع النجف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 393

و أما حكم الصدقة فالظاهر انه حكم الوقف، قال في التذكرة في باب الوقف:

انه يشترط في الوقف الالزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة، انتهي.

لكن قال في باب خيار الشرط: اما الهبة المقبوضة فإن كانت لأجنبي غير معوض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرف المتهب، يجوز للواهب الرجوع فيها و ان اختل احد القيود لزمت، و هل يدخلها خيار الشرط الاقرب ذلك، انتهي.

و ظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتي الصدقة، و كيف كان فالأقوي عدم دخوله فيها لعموم ما دل علي انه لا يرجع فيما كان لله، (1) بناء علي ان المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة، و لو شك في ذلك كفي في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها و توهم امكان اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع

______________________________

و فيه: انه يمكن ان يقال بدلالتهما علي الصحة بقرينة التعبير بالرجوع، إذ مع البطلان لا رجوع بل هو باق علي ملكه، فيدلان علي صحة الوقف و

الشرط، و انه يعود إليه عند الحاجة، ثمّ ان مات يرثه وارثه،

و علي فرض دلالتهما علي البطلان يمكن ان يكون الوجه فيه ادخال نفسه في الوقف.

و قد استدل للمنع ببعض الوجوه المتقدمة،

فالأظهر تبعا للمشايخ الثلاثة جواز اشتراط الخيار في الوقف.

و منه: الصدقة.

(1) و قد استدل المصنف رحمه الله لعدم دخول خيار الشرط فيها: بعموم ما دل علي انه لا يرجع فيما كان لله،

و هي اخبار مستفيضة: منها: قوله عليه السلام «1»: انما الصدقة لله عز و جل، فما جعل لله عز و جل فلا رجعة له فيه و نحوه غيره.

و تقريب الاستدلال بها: انها تدل علي ان اللزوم حكم لماهية الصدقة، و انها ماهية منافية للرجوع، و هذا المعني آب عن لحوق خصوصية توجب تغير الحكم، فلا يصح جعل الخيار فيها.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 394

و منه الصلح، (1) فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالعلامة في التذكرة،

دخول الخيار فيه مطلقا، بل عن المهذب البارع في باب الصلح الاجماع علي دخوله فيه بقول مطلق. و ظاهر المبسوط كالمحكي عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا. و قد تقدم التفصيل عن التحرير و غاية المرام و لا يخلو عن قرب (2)

______________________________

و اورد علي الاستدلال بها السيد الفقيه رحمه الله: بانه لا يصدق الرجوع الي الصدقة علي الفسخ بالخيار، لأن اخراجه للمال ليس علي كل تقدير، و الاخراج الخياري المتزلزل ليس اخراجا حقيقة، فالرجوع انما يصدق مع كون المال باقيا علي الوقفية أو الصدقة أو نحو ذلك لا مثل المقام.

و فيه: ان الرجوع الحقيقي هو رد الملك و هو المراد في هذه النصوص، إذ الرجوع الممنوع

عنه في الصدقة هو ما يكون جائزا في الهبة، و من المعلوم ان الرجوع الجائز فيها رد الملك لا التصرف في الموهوب مع بقاء الهبة،

فالأظهر عدم دخول خيار الشرط فيها.

(1) و منه: الصلح.

و فيه: اقوال:

الأول: دخوله فيه مطلقا، و لعله المشهور، و عن غير واحد: دعوي الاجماع عليه.

الثاني: عدم دخوله كذلك، و هو المنسوب الي الشيخ في المبسوط و الخلاف.

الثالث: التفصيل بين الصلح الذي فائدته الابراء فلا يدخل فيه، و غيره فيدخل،

ذهب إليه العلامة في التحرير و المحقق الثاني في جامع المقاصد،

(2) و اختاره المصنف رحمه الله و قد استدل للمنع في المفيد فائدة الابراء بوجوه:

احدها: ما عن غاية المرام بان مشروعيته لقطع المنازعة فقط، و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته، و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم.

و فيه: اولا: ان مشروعيته ليست لخصوص قطع المنازعة، و لذا الصلح في غير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 395

لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الابراء أو ما يفيد فائدته (1) و منه الضمان: (2) فإن المحكي عن ضمان التذكرة و القواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه،

و هو ظاهر المبسوط و الاقوي دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه، و منه الرهن (3) فإن المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لأن الرهن وثيقة للدين،

و الخيار ينافي الاستيثاق (4) و لعله لذا استشكل في التحرير و هو ظاهر المبسوط،

و مرجعه الي ان مقتضي طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة، و الخيار مناف لذلك.

______________________________

مقام الدعوي صحيح.

و ثانيا: ان مجرد ذلك لا يصلح للمنع لأنه حكمة لا علة.

(1) الثاني: ما افاده المصنف رحمه الله، قال: لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الابراء، أو

ما يفيد فائدته. انتهي.

و فيه: ما تقدم من ان الشك في السببية لا يمنع من نفوذ الشرط.

الثالث: انه ايقاع، و لا يدخل شرط الخيار في الايقاع.

و فيه: اولا: انه عقد لا إيقاع، و ان كان الابراء ايقاعا.

و ثانيا: انه قد تقدم دخوله في الايقاع.

فالأظهر جريانه فيه مطلقا.

(2) و منه: الضمان.

و قد استدل المحقق النائيني رحمه الله للمنع من دخول شرط الخيار فيه: بان لزومه حكمي كالنكاح، لأن من آثاره انتقال الدين الي ذمة الضامن و براءة المديون، فارجاعه الي ما كان لا يمكن الا بضمان آخر.

و فيه: ما تقدم من انه لو لا الاجماع لكنا ملتزمين بدخوله في النكاح فضلا عن الضمان.

(3) و منه: الرهن.

(4) و قد استدل للمنع فيه: بان الرهن وثيقة، للدين و الخيار ينافي الاستيثاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 396

و فيه ان غاية الأمر كون وضعه علي اللزوم، فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين، (1) و منه الصرف فإن صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه، مدعين علي ذلك الاجماع و لعله لما ذكره في التذكرة للشافعي المانع عن دخوله في الصرف و السلم من ان المقصود من اعتبار التقابض فيهما ان يفترقا و لا يبقي بينهما علقة و لو اثبتنا الخيار بقيت العلقة، و الملازمة ممنوعة، كما في التذكرة، و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف (2) و ان استشكله اولا كما في القواعد.

و من الثالث: اقسام البيع ما عدا الصرف و مطلق الاجارة و المزارعة و المساقاة و غير ما ذكر من موارد الخلاف، فإن الظاهر عدم الخلاف فيها.

و اعلم انه ذكر في التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة و ان لم يكن

فيها رد، و لا يتصور الا بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام.

و أما التراضي الفعلي فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء علي وجوب ذكر الشرط في متن العقد، و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة. (3)

______________________________

(1) و اجاب عنه المصنف رحمه الله: بان غاية الأمر كون وضعه علي اللزوم، فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين.

و فيه: ان المدعي منافاة الخيار و التزلزل لحقيقة الرهن لا لحكمه، فيكون من قبيل الشرط المخالف لمقتضي العقد.

و بما ذكرناه في هذه الأبواب يظهر الحكم في سائر الأبواب التي لم نتعرض لها.

(2) قوله و الملازمة ممنوعة كما في التذكرة و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف لان العلقة الحقية تتعلق بالعقد لا بالعوضين فهما يفترقان و لا علقة بينهما و لا يستحق احدهما شيئا من صاحبه و لو كان الخيار ثابتا- و يمكن منع المقدمة الاولي، إذ لا سبيل لنا الي اثبات ان المقصود من اعتبار التقابض ما ذكر.

(3) و هل يجري هذا الخيار في المعاطاة ام لا نظرا الي ان الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلي ذكره في محكي التذكرة تبعا للمبسوط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 397

و ان قلنا بلزومها من اول الأمر أو بعد التلف، و السر في ذلك ان الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلي، و ذكر فيهما ايضا دخول الخيار في الصداق، (1) و لعله لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات، كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل، و فيه نظر و ذكر في المبسوط ايضا دخول هذا الخيار في السبق و الرماية للعموم.

اقول: و الاظهر بحسب القواعد اناطة دخول خيار الشرط بصحة التقايل في العقد فمتي شرع التقايل

مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد علي سلطنة احدهما أو كليهما علي الفسخ، فإن اقدامه علي ذلك حين العقد كاف في ذلك بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه علي نفسه، فيكون امر الشارع اياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه، قائما مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه و ان لم يرض فعلا

______________________________

و الحق: ان للعقود و الشروط مقامين:

احدهما: مقام الثبوت و التحقق، و هو مقام الالتزامات النفسانية.

ثانيهما: مقام اظهارها و ابرازها.

اما في المقام الأول فلا دخل للفظ و لا للفعل فيه،

و أما المقام الثاني فلا مانع من ان يدل علي الالتزام العقدي باللفظ، و علي الالتزام الشرطي بالفعل.

و بعبارة اخري: ان ربط الالتزامين انما هو في المرتبة السابقة علي الابراز، و اللفظ أو الفعل كاشف عن ذلك و دال عليه، و عليه فكما ان الفعل ربما يحتف بالكلام و يوجب صرفه عن ظاهره، كذلك يمكن ان يدل علي ربط ما انكشف به بما ينكشف باللفظ، فلو قال مقارنا للفعل بشرط كذا يكون قوله مرتبطا بفعله.

(1) و عن التذكرة و المبسوط: دخول الخيار في الصداق، و لكن ربما يقال: ان الصداق ليس عقدا كي يمكن حله و فسخه، و لكن يمكن ان يقال: ان المهر حيث لا يكون ركنا لعقد النكاح يكون من قبيل الالتزام الضمني، و الفسخ يوجب رفعه، فكأنه لم يقع علي الصداق اصلا و الظاهر عدم الخلاف في دخول الخيار فيه، و قد عرفت انه علي القاعدة فلا حاجة الي ما استدل به المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 398

و أما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه،

لأنه إذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد لسلطنة احدهما عليه لا يحدث له اثرا لما عرفت من ان الالتزام حين العقد لا يفيد الا فائدة الرضاء الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا و الله العالم.

الرابع: خيار الغبن (1)
اشارة

و اصله الخديعة، قال في الصحاح: هو بالتسكين في البيع و الغبن بالتحريك في الرأي، و هو في اصطلاح الفقهاء تمليك ماله بما يزيد علي قيمته مع جهل الآخر (2) و تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا مع انه قد لا يكون خدع اصلا، كما لو كانا جاهلين

______________________________

خيار الغبن

(1) الرابع: خيار الغبن و في المتن: اصله الخديعة،

و لكن الظاهر ان الغبن و الخديعة يتصادقان علي مورد احيانا و لا اتحاد بينهما مفهوما، بل الظاهر انه بسكون الوسط نقص في المعاملة و المقاسمة كما صرح بذلك ائمة الفن،

و عليه فيوم التغابن في الآية الشريفة (ذلك يوم التغابن) «1» مستعار من تغابن القوم في التجارة.

و في الحديث: «2» نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ. و استعمال الغبن فيه انما هو من جهة ان اشتغال المكلف ايام الصحة و الفراغة بالامور الدنيوية الدنية يوجب كونه مغبونا لأنه قد باع ايام الصحة و الفراغة بشي ء لا قيمة له،

و هو بتحريك الوسط نقص في العقل و الرأي، و في المجمع: و غبن رأيه غبنا من باب تعب، قلت: فطنته و ذكاؤه، و مغابن البدن الارفاغ و الاباط الواحد المغبن كمسجد،

و منه حديث الميت: فامسح بالكافور جميع مغابنه «3».

و بما ذكرناه يظهر ان ما افاده الفقهاء في تفسيره.

(2) و هو تمليك ماله بما يزيد علي قيمته مع جهل الآخر ليس من

جهة ان لهم اصطلاحا خاصا و انما يطلقونه بما له من المعني اللغوي

______________________________

(1) سورة التغابن: 9.

(2) سفينة البحار ج 2 ص 305.

(3) جامع احاديث الشيعة- باب 6- من ابواب تحنيط الميت حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 399

لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة علي وجه الخدع (1) و المراد بما يزيد أو ينقص العوض مع ملاحظة ما انضم إليه الشرط، فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقل منه مع اشتراط الخيار للبائع، فلا غبن لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم و هكذا غيره من الشروط.

و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه (2)

بخلاف الجهل بقيمته، ثمّ ان ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الاصحاب، و نسبه في التذكرة الي علمائنا و عن نهج الحق نسبته إلي الامامية.

و عن الغنية و المختلف الاجماع عليه صريحا، نعم المحكي عن المحقق قدس سره في درسه انكاره و لا يعد ذلك خلافا في المسألة (3) كسكوت جماعة عن التعرض له.

______________________________

(1) قوله لاجل غلبة صدور هذه المعاوضة علي وجه الخدع بناء علي ما ذكرناه يكون تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا في مورد جهلهما علي طبق المعني اللغوي لا للغلبة.

(2) قوله و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه ربما تكون الزيادة يسيرة جدا، بمقدار لا يصدق الغبن من جهة ان تحديد القيمة بحد ليس علي وجه التحقيق بل علي نحو التخمين، و ربما تكون بمقدار يصدق ذلك و في مثل ذلك لا دليل علي عدم ثبوت الخيار بعد عموم دليله.

و كيف كان: فإذا ثبت الغبن يثبت للمغبون الخيار كما هو المشهور بين الأصحاب،

و

قد تكرر في كلماتهم دعوي الاجماع عليه، و لم ينقل الخلاف الا عن الاسكافي و المحقق.

(3) و ما افاده المصنف رحمه الله من ان انكاره في مجلس درسه اعم من كون فتواه ذلك كما تري،

و سكوت جماعة من القدماء عن التعرض له لا يكون كاشفا عن خلافهم بعد دعوي غير واحد الاجماع عليه.

و علي اي حال لا يكون حجة بعد معلومية المدرك، فالعمدة ملاحظة ادلتهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 400

نعم حكي عن الاسكافي منعه و هو شاذ، و استدل في التذكرة علي هذا الخيار بقوله تعالي: (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم). (1) قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني علي عنوان مفقود، (2) و هو عدم نقصه عنه في المالية، فكأنه قال: اشتريت هذا الذي يسوي «يساوي» درهما بدرهم، فإذا تبين انه لا يسوي «يساوي» درهما تبين انه لم يكن راضيا به عوضا لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين فقدها، الا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة الزامه بما لم يلتزم و لم يرض به،

فالآية انما تدل علي عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض الغير المساوي كان كالرضا السابق لفحوي حكم الفضولي و المكره

______________________________

و قد استدل لثبوت هذا الخيار بوجوه:

(1) الأول: ما عن التذكرة، و هو قوله تعالي (الا ان تكون تجارة عن تراض) «1» قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض، و حيث ان ظاهر ذلك مانعية الكراهة التقديرية مع الرضا الفعلي، وجهه المصنف

رحمه الله بقوله:

(2) و توجيهه ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني علي عنوان مفقود و حاصله: ان الرضا الفعلي مفقود، بتقريب: ان الرضا متعلق بعنوان مفقود و هو عدم نقصه عنه في المالية، و حيث ان العنوان المفقود وصفي في المبيع فلا يوجب تخلفه الا الخيار كما في سائر موارد تخلف الوصف، فالآية تدل علي عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض غير المساوي كان كالرضا السابق، فكما ان الرضا السابق بالفاقد للوصف مؤثر في اللزوم كذلك الرضا اللاحق مؤثر فيه، فان رضا المالك المتأخر إذا كان مؤثرا في الصحة و في انعقاد البيع في الفضولي و المكره كان رضاه المتأخر اولي بالتأثير في لزومه بعد صحته.

و بما ذكرناه في تقريب هذا الوجه اندفع ايراد المحقق السيد الفقيه رحمه الله عليه

______________________________

(1) النساء آية 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 401

و يضعف يمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس الا من قبيل الداعي الذي لا يوجب تخلفه شيئا، (1) بل قد لا يكون داعيا ايضا. (2)

كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم علي اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الي احتمال ذلك مع ان اخذه علي وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد، (3)

______________________________

بان مقتضي البيان المذكور بطلان البيع لا الخيار كما هو مقتضي قوله: فإذا حصل … الخ فانه ايضا انما يناسب البطلان بدون الرضا، و الا فمع فرض الدلالة علي عدم اللزوم لا حاجة الي اجراء فحوي حكم الفضولي و المكره، انتهي.

و اجاب المصنف رحمه الله عنه باجوبة:

(1) احدها: ان الوصف المذكور من قبيل الداعي الذي لا

يوجب تخلفه شيئا.

و فيه: ان الداعي هو الغرض من الفعل و العلة الغائية له، و من المعلوم ان عنوان ما يساوي بالثمن ليس علة غائية للفعل.

(2) ثانيها: انه قد لا يكون داعيا ايضا، كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم علي اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الي احتمال ذلك.

و فيه: انه في مثل هذا المورد لا يكون خيار الغبن ثابتا لاقدامه عليه.

(3) ثالثها: ان اخذه علي وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد.

و فيه: ان هذا يصلح وجها لعدم ثبوت خيار تخلف الشرط لا لعدم ثبوت خيار الغبن الثابت بالتعبد علي الفرض.

فالاولي ان يورد عليه اولا: بما تقدم في مبحث المعاطاة و بيع المكره من ان الاستثناء في الآية الشريفة منقطع غير مفرغ، فلا تدل علي الحصر، و لا علي عدم جواز الأكل بغير التجارة عن تراض.

و ثانيا: ان العنوان المشار إليه لا يكون قيدا للمبيع فضلا عن كونه عنوانا له.

و ثالثا: انه لو سلم كونه عنوانا للمبيع و قيدا في متعلق الرضا علي نحو وحدة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 402

و لو ابدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالي: (و لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل) كان اولي (1) بناء علي ان اكل المال علي وجه الخدع ببيع ما يسوي درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه علي رد المعاملة و عدم نفوذ رده اكل المال بالباطل، اما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد اكلا بالباطل، و مقتضي الآية و ان كان حرمة الأكل حتي قبل تبين الخدع، إلا انه خرج بالإجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون

و رده للمعاملة لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالي: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) بناء علي ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي، فمع التكافؤ يرجع إلي أصالة اللزوم، (2) إلا ان يقال ان التراضي مع الجهل بالحال لا يخرج عن كون اكل الغابن لمال المغبون الجاهل اكلا بالباطل، (3)

______________________________

المطلوب لزم منه بطلان المعاملة، و الا كان داخلا في منطوقها. فتدبر حتي لا تبادر بالاشكال.

(1) الثاني: قوله تعالي (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). «1»

و تقريب ما افادوه في تقريب الاستدلال هو: ان البيع الغبني إذا وقع علي وجه الخديعة يكون الأكل به اكلا بالباطل، و هو حرام سوء في ذلك قبل تبين الخديعة أو بعده،

و سواء رد المغبون ام لم يرد، نعم لو تبين و رضي المغبون لا يكون اكلا للمال بالباطل،

و حرمة الأكل بعد الرد مساوقة لتأثيره و ان له ذلك، و مقتضي اطلاق الآية و ان كان حرمة الأكل حتي قبل تبين الخديعة الا انه خرج بالاجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة.

(2) و اجاب المصنف عنه بما حاصله: ان قوله تعالي (الا ان تكون تجارة عن تراض) بناء علي ما تقدم من وجود الرضا الفعلي قبل تبين الخديعة يدل علي لزوم هذه التجارة، فيتعارضان فيرجع الي اصالة اللزوم. ثمّ استدرك عن ذلك بما حاصله:

(3) ان مورد آية التجارة عن تراض انما هو قبل تبين الخديعة ورد المغبون،

و تدل الآية علي انه سبب صحيح، و مورد آية النهي عن الأكل بعد التبين ورد البيع و لا تعارض بين كونه سببا صحيحا في نفسه

______________________________

(1) النساء: 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 403

و يمكن ان يقال: ان آية التراضي يشمل

غير صورة الخدع، كما إذا اقدم المغبون علي شراء العين محتملا لكونه بأضعاف قيمته فيدل علي نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارضة فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهي المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل (1) فيرجع بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل و تكافؤهما إلي أصالة اللزوم. و استدل أيضا في التذكرة بأن النبي صلي الله عليه و آله اثبت الخيار في تلقي الركبان و إنما اثبته للغبن، (2)

______________________________

الا انه من جهة تعنون التصرف الواقع بعد هذا السبب بعنوان آخر، و هو كون الأكل بعد رد المغبون اكلا بالباطل يصير منهيا عنه، و علي هذا فكلمة (لا) في قوله و لا يخرج ليست زائدة كما توهمه جمع منهم المحقق الايرواني رحمه الله.

و بالجملة: بعد فرض ان لكل منهما موردا مختصا به، فلا تعارض بينهما.

(1) ثمّ اورد عليه بوجه آخر و حاصله: ان مورد كل منهما و ان كان غير مورد الآخر الا انه من جهة عدم القول بالفصل بين الموردين يتحقق التعارض بالعرض.

و لكن يرد علي الاستدلال بالآية: ان التجارة المفروضة بما انه يصدق عليها التجارة عن تراض لا تكون مشمولة لآية النهي، اما من جهة عدم تصادقهما علي مورد واحدا و من جهة الاستثناء، و أما الأكل بعد رد المغبون فمضافا الي عدم كونه مشمولا للآية لأن نظرها الي التصرفات المعاملية بقرينة كلمة بينكم الظاهرة في اعطاء مال واخذ مال،

انه من جهة كونه بعد التجارة عن تراض لا يكون مشمولا لها.

و بذلك ظهر عدم تمامية الجواب الثاني الذي افاده المصنف رحمه الله.

(2) الثالث: النبوي الذي استدل به جماعة من الأصحاب: ان النبي صلي الله

عليه و آله نهي ان يتلقي الجلب، فان تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق «1».

______________________________

(1) اخرجه مسلم في 21 كتاب البيوع حديث رقم 17. و اخرجه ابو داود في 22 كتاب البيوع باب في التلقي حديث رقم

3437. و رواه الشيخ في الخلاف ج 2 ص 76 طبع قم عن ابي هريرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 404

و يمكن ان يمنع صحة حكاية اثبات الخيار لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل (1) و أقوي ما استدل به علي ذلك في التذكرة و غيرها قوله صلي الله عليه و آله لا ضرر و لا ضرار في الاسلام (2)

______________________________

و الكلام فيه يقع اولا: في سنده، و ثانيا: في دلالته. اما من حيث السند:

(1) فقد اورد عليه المصنف رحمه الله بعدم وجوده في الكتب المعروفة بين الامامية، فلا يقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

و فيه: انه مع تسليم العمل كما هو كذلك، فان المحكي عن الشيخ في الخلاف الاستناد إليه، و كذلك ابن زهرة في الغنية، مع انه لا يعمل الا بالمقطوع به من الأخبار، و الظاهر انه مشهور عند قدماء الأصحاب و لذا يعدون غبن الركبان من احد اسباب الخيار، و ظاهر التذكرة الاستناد إليه، لا وجه لعدم البناء علي الانجبار، إذ لا يشترط في الجبر وجود الرواية في الكتب المعروفة، مع انه موجود في الغنية.

و قد يقال: ان قول ابن زهرة: نهي النبي صلي الله عليه و آله الي آخر الحديث يشعر باذعانه بمضمون الخبر، فهو توثيق لجميع من في سند الخبر المحذوفين، فتشمله ادلة حجية الخبر الواحد.

و فيه: ان غاية ما يثبت بذلك اذعانه بمضمون الخبر، و حيث يحتمل ان

يكون ذلك للقرائن الخارجية فلا يكون توثيقا للوسائط، فالعمدة ما ذكرناه.

و أما من حيث الدلالة فيرد عليه: انه لا يدل علي ان ما اثبته من الخيار هو خيار الغبن، بل مقتضي اطلاقه بالنسبة الي غير مورد الغبن عدمه، و قد افتي الحلي بثبوت هذا الخيار مع عدم الغبن.

(2) الرابع: حديث: لا ضرر و لا ضرار في الاسلام «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب موانع الارث و التذكرة المسألة الاولي من خيار الغبن و هو مروي مع حذف كلمة في

الاسلام في الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار و باب 12 و 7 من ابواب كتاب احياء الموات و باب 5 من ابواب كتاب

الشفعة و في الكتب الاخر و ايضا مروي مع اضافة كلمة علي مؤمن في الوسائل في جملة من الأبواب و في المستدرك

و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 405

و كان وجه الاستدلال ان لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون علي فسخه ضرر عليه، و اضرار به فيكون منفيا، فحاصل الرواية ان الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا، و لم يمض لهم من التصرفات ما فيه ضرر علي الممضي عليه، و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضرارا علي الممضي عليه، سواء كان من جهة الغبن ام لا، و سواء كان في البيع، ام في غيره كالصلح الغير المبني علي المسامحة و الاجارة و غيرها من المعاوضات، هذا.

و لكن يمكن الخدشة في ذلك بأن انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الامضاء بكل الثمن، (1) إذ يحتمل ان يتخير بين امضاء العقد بكل الثمن و

رده في المقدار الزائد، (2) غاية الامر ثبوت الخيار للغابن لتبعض المال عليه، فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشتري بأزيد من ثمن المثل، و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري في ان له استرداد الزيادة من دون رد جزء من العوض، كما عليه الاكثر في معاوضات المريض المشتملة علي المحابات، و ان اعترض عليهم العلامة بما حاصله ان استرداد بعض احد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضي المعاوضة. (3)

______________________________

بتقريب: ان لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون علي فسخه ضرر عليه و اضرار به، فيكون منفيا.

و اورد عليه بوجوه:

(1) الأول: ما عن المصنف رحمه الله من: ان حديث لا ضرر لا يدل علي ثبوت الخيار بين الفسخ و الامضاء بتمام الثمن كما هو المدعي، فانه يمكن تدارك الضرر باحد انحاء ثلاثة:

الأول: الخيار بين امضاء العقد بكل الثمن، و رده كذلك.

(2) الثاني: الخيار بين رد مقدار ما تضرر به من المثمن أو الثمن. و بين امضاء العقد بكل الثمن.

و ظاهر صدر كلامه- بل صريحه- ارادة الرد من عين الثمن أو المثمن،

(3) و لذا اورد عليه ما ذكره العلامة في مسألة محاباة المريض من منافاته لمقتضي المعاوضة و لكن ظاهر عبارته المتأخرة- منها قوله: فالمبذول غرامة، و منها قوله: ان المبذول ليس هبة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 406

و يحتمل ايضا ان يكون نفي اللزوم بتسلط المغبون علي الزام الغابن بأحد الامرين من الفسخ في الكل. و من تدارك ما فات علي المغبون برد القدر الزائد أو بدله، و مرجعه الي ان للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن، التفاوت، (1) فالمبذول غرامة لما فات علي المغبون علي تقدير امضاء

البيع، لا هبة مستقلة، كما في الايضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار، و سيجي ء ذلك، و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة و احتمله في القواعد من انه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإن مرجع هذا الي تخيير البائع بين رد التفاوت و بين الالتزام بفسخ المشتري.

و حاصل الاحتمالين عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل، و لعل هذا هو الوجه في استشكال العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل، بل قول بعض بعدمه، كما يظهر من الرياض،

______________________________

و لا جزء من احد العوضين- ارادة رد مقدار منه أو بدله غرامة.

(1) الثالث: تخيير الغابن بين رد الزائد غرامة و فسخ المغبون، نظير ما احتمله في القواعد من انه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في اخباره برأس المال و بذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري.

و الظاهر ان تدارك ضرر المغبون باحد الاحتمالين الأخيرين اللذين حاصلهما عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت اولي من اثبات الخيار، لأن الزام الغابن بالفسخ ضرر عليه، و هذا و ان كان لا يصلح لمعارضة ضرر المغبون الا انه يصلح لترجيح احد الاحتمالين المذكورين علي ما هو المشهور من ثبوت الخيار.

و لا يخفي ان المصنف رحمه الله لا يدعي ان بذل التفاوت تدارك للضرر، و الحديث ينفي الضرر غير المتدارك، فان ذلك خلاف مبناه، بل يدعي ان اللزوم عبارة عن عدم التسلط علي حل العقد، بالاضافة الي

تمام الثمن، و بالاضافة الي المقدار الزائد، و عدم التسلط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 407

ثمّ ان المبذول ليس هبة مستقلة حتي يقال انها لا تخرج لمعاملة المشتملة علي الغبن عن كونها مشتملة عليه و لا جزء من احد العوضين حتي يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضي المعاوضة، بل هو غرامة لما اتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية، فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الارش في المعيب.

و من هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح و جامع المقاصد من الاستدلال علي عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب، بأن بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لانها هبة مستقلة حتي انه لو دفعه علي وجه الاستحقاق لم يحل اخذه، إذ لا ريب في ان من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره، انتهي بمعناه، وجه الخدشة ما تقدم

______________________________

علي حله مع عدم بذل الغابن لما به التفاوت و ارتفاع هذا اللزوم كما يكون بثبوت السلطنة علي الحل في الجميع كذلك بثبوتها علي الحل في المقدار الزائد، و بثبوتها علي الحل مع عدم بذل ما به التفاوت، فلا يتعين ارتفاع اللزوم الضرري بالنحو الأول. فتدبر فانه دقيق.

و لكن يرد عليه: ان بذل مقدار من احد العوضين غير صحيح، فانه مناف لمقتضي المعاوضة كما اعترف به في اثناء كلامه، و بذل ما به التفاوت بعنوان الغرامة بلا وجه، فان الغرامة عبارة عن تدارك ما اشتغلت به الذمة، و مجرد كون الطرف غابنا لا يصير سببا لضمانه، فلا محالة يكون هبة، و هي لا توجب انقلاب المعاملة عن كونها غبنية.

و بالجملة: ان اللزوم لا معني له سوي عدم السلطنة علي حل العقد

في تمام الثمن، و نفي ذلك لا يقتضي سوي الجواز المشهور.

الثاني: ما عن المحقق النائيني رحمه الله، بناء علي ان لا يكون اعتبار التساوي في المالية من قبيل الشرط الضمني، بان مفاد حديث لا ضرر ان الحكم الذي ينشأ منه الضرر بحيث يكون الضرر عنوانا ثانويا له فهو مرفوع دون ضرر لا يكون عنوانا للحكم، بل يكون عنوانا لنفس فعل المكلف، و باقدام و اختيار صدر الفعل عنه، و منشأ الضرر في المقام ليس حكم الشارع، لأن العاقد من دون ان يكون ملزما شرعا اقدم علي المعاملة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 408

من احتمال كون المبذول غرامة لما اتلفه الغابن علي المغبون قد دل عليه نفي الضرر.

و أما الاستصحاب ففيه ان الشك في اندفاع الخيار بالبذل لا في ارتفاعه به إذ من المحتمل ثبوت الخيار علي الممتنع دون الباذل، ثمّ ان الظاهر ان تدارك ضرر، المغبون بأحد الاحتمالين المذكورين اولي من اثبات الخيار له، لأن الزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من اعواض اموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و ان لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون، الا انه يصلح مرجحا لأحد الاحتمالين المذكورين علي ما اشتهر من تخييره بين الرد و الامضاء بكل الثمن الا ان يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة لكون المقصود اقتنائها للتجمل. و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل، فتأمل.

______________________________

فلا معني لرفعه.

و فيه: ان المعاملة الغبنية الواقعة- مع قطع النظر عن حكم الشارع بالصحة و اللزوم- لا تكون ضررية لفرض بقاء ماله علي ملكه، و مع فرض حكمه بالصحة دون اللزوم يكون حدوثا ضرريا و بقاء غير ضرري، فاللزوم

منشأ لضررية المعاملة بقاء، فهو يكون مرفوعا بحكم الحديث.

الثالث: ما افاده جمع منهم المحقق الايرواني رحمه الله، و هو: ان الضرر ينشأ من الحكم بالصحة، و ملك اليسير في مقابل الكثير لا من الحكم باللزوم، و انما الفسخ علاج لما وقع فيه من الضرر، فكان الحكم بالخيار معالجة للضرر، و ليس مفاد دليل نفي الضرر تشريع ما يعالج به الضرر الواقع فيه المكلف باختياره، و انما مفاده رفع ما يقتضي الضرر من الأحكام، فنتيجة دليل نفي الضرر هو خروج المعاملة الغبنية عن ادلة الصحة و الحكم بفسادها.

و فيه: ما تقدم من ان الصحة و اللزوم كلاهما ضرريان، تلك باعتبار حدوث المعاملة و ذلك باعتبار بقائها، نعم يبقي حينئذ سؤال و هو: انه ما الموجب للتفكيك و الحكم بالصحة دون اللزوم؟ و الجواب: ان الصحة لا تكون مشمولة له لوجهين:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 409

و قد يستدل علي الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن، (1) فعن الكافي بسنده إلي اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت، و عن الميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال غبن المؤمن حرام،

______________________________

احدهما: الاجماع.

ثانيهما: ان حديث لا ضرر انما ينفي الحكم الذي في رفعه منة، و رفع الصحة لا امتنان فيه، بخلاف رفع اللزوم.

هذا بناء علي كون المرفوع في الحديث الحكم الذي ينشأ منه الضرر،

و أما بناء علي مسلك المحقق الخراساني رحمه الله من ان مفاد الحديث نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، و انه انما ينفي الحكم الذي يكون موضوعه ضرريا، فالأمر واضح،

فان الصحة إذا كانت ضررية فهي لا ترتفع بالحديث، و بما انها موضوع للزوم فيكون اللزوم مرفوعا.

الرابع: ما عن المحقق الخراساني رحمه

الله، و هو: ان غاية ما يثبت بحديث لا ضرر هو مجرد السلطنة علي الحل الموجود مثلها في الهبة لا الخيار الذي يعد من الحقوق، و يقبل الاسقاط، و يكون حقا خارجيا لا دخل له بالجواز، فان لسان الحديث هو النفي لا الإثبات.

ما أفاده رحمه الله لا بأس به بناء علي شمول الحديث له،

و اولي من ذلك المنع من شموله له، فان اللزوم ليس حكما وجوديا مجعولا، بل هو امر عدمي، و هو عدم السلطنة علي الحل. و قد حققنا في محله ان حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام العدمية، فان النفي انما يتعلق بما هو وجودي، و العدم ليس شيئا قابلا لتعلق النفي به الا بالعناية.

(1) الخامس: ادلة هذا الخيار النصوص الواردة في حكم الغبن، لاحظ خبر اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام: غبن المسترسل سحت «1».

و خبر ميسر عنه عليه السلام: غبن المؤمن حرام «2».

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 1 و ذكره في باب 9 من أبواب آداب التجارة.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 410

و في رواية اخري لا تغبن المسترسل فان غبنه لا يحل و عن مجمع البحرين: أن الاسترسال: الاستئناس و الطمأنينة الي الانسان و الثقة به فيما يحدثه و اصله السكون و الثبات، و منه الحديث أيما مسلم استرسل الي مسلم فغبنه فهو كذا و منه غبن المسترسل سحت انتهي.

و يظهر منه ان ما ذكره اولا حديث رابع و الانصاف عدم دلالتها علي المدعي،

فان ما عدا الرواية الاولي ظاهرة في حرمة الخيانة في المشاورة، (1) فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.

______________________________

و المرسل: لا يغبن المسترسل فان غبنه لا

يحل «1».

و خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله:

غبن المسترسل ربا «2».

و خبر دعائم الاسلام عن مولانا الصادق عليه السلام- في حديث-: و ان كان امرا فاحشا و غبنا بينا- الي ان قال- ثمّ قيل للمشتري: ان شئت خذها بمبلغ القيمة و ان شئت فدع «3».

و لكن يرد علي هذا الوجه: ان اكثر هذه الأخبار ضعيفة الاسناد، لأن في طريق الأول ابا جميلة، و الثالث مرسل، و في طريق الرابع، احمد بن علي بن ابراهيم، و هو لم يوثق،

و الخامس مرسل.

و أما من حيث الدلالة فالأخير صريح فيما ذكر، و البقية لا تدل علي ذلك،

(1) اما الثاني و الثالث فقد استظهر المصنف رحمه الله دلالتهما علي حرمة الخيانة في المشاورة، ثمّ قال: فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.

و لكن كان بفتح الباء أو سكونها لا دخل لهما بما افاده كما ستعرف،

مع ان الظاهر كونه بسكون الباء، إذ هو بالفتح لازم، و قد استعمل في الخبر متعديا.

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب آداب التجارة حديث 7.

(2) المستدرك- باب 13- من ابواب الخيار حديث 1.

(3) المستدرك- باب 13- من ابواب الخيار حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 411

و أما الرواية الاولي فهي و ان كانت ظاهرة فيما يتعلق بالاموال، لكن يحتمل حينئذ ان يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب علي اصل العمل (1)

و الخديعة في أخذ المال، و يحتمل ان يراد كون المقدار الذي يأخذه زائدا علي ما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان، (2) و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل علي الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة

خاصة و هي اطلاع المغبون و رده للمعاملة المغبون فيها، و لا ريب في ان الحمل علي احد الأولين أولي و لا أقل من المساواة للثالث، فلا دلالة، فالعمدة في المسألة الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة، و حديث نفي الضرر بالنسبة إلي خصوص الممتنع عن بذل التفاوت،

ثمّ ان تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل.

______________________________

و الحق ان يقال: ان النهي اما بملاحظة تضمنه للمكر و الخديعة، أو بملاحظة ان المعاملة المشتملة علي الزيادة إذا صدرت عن علم و عمد حرام، و علي اي تقدير غاية ما يثبت بهما الحرمة التكليفية دون الفساد أو الجواز.

و أما الخبر الأول فالسحت و ان كان في نفسه ظاهرا فيما يتعلق بالأموال، الا انه من جهة حمله علي الغبن الظاهر في المعني المصدري لا بد من التصرف في احدهما اما بارادة المال المغبون فيه من الغبن ثمّ تقييده بما بعد فسخ المغبون للاجماع علي عدم حرمته قبل ذلك، أو بارادة الحرام من لفظ السحت، و لا ريب في اظهرية الثاني.

و هذا الذي ذكرناه اولي مما افاده المصنف رحمه الله.

(1) من الحمل علي ان الغابن بمنزلة آكل السحت،

(2) أو الحمل علي ارادة كون المقدار الزائد عما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان.

السادس: ان الغرض النوعي في المعاملات المعاوضية الذي عليه بناء العقلاء في معاملاتهم حفظ مالية اموالهم مع التبديل باعطاء مال واخذ ما يقوم مقامه في المالية،

و هذا شرط ضمني ارتكازي في جميع المعاملات غير المبنية علي التسامح، و مثل هذا الغرض النوعي العقدي يكون العقد بما هو مبنيا عليه، و لا يعتبر ذكره صريحا في متن العقد.

و بعبارة اخري: ان بنا العقلاء و ان كان علي عدم ترتيب الآثار علي

الالتزامات

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 412

مسألة: يشترط في هذا الخيار أمران: (1)
الأول: عدم علم المغبون بالقيمة
اشارة

فلو علم بالقيمة فلا خيار بل لا غبن، (2) كما عرفت بلا خلاف و لا إشكال، لأنه أقدم علي الضرر، (3)

______________________________

النفسانية ما لم تبرز و لم تنشأ، الا ان ذلك، في غير الشروط المبني عليها العقد،

و في تلك بنائهم علي الترتيب، بل يرون ذلك بحكم الذكر، و عليه فتخلفه موجب للخيار من باب تخلف الشرط.

فتحصل: ان دليل هذا الخيار الالتزام الضمني.

اعتبار عدم علم المغبون بالقيمة

و تمام الكلام بالبحث في مواضع.

(1) الأول: انه يشترط في هذا الخيار امران:

(2) احدهما: عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم بها لا خيار بلا خلاف و لا إشكال في ذلك.

و الوجه في ذلك بناء علي الوجه المختار- و هو الالتزام الضمني- واضح، فانه مع علمه بالقيمة لا بناء و لا شرط، و يكون اقدامه اسقاطا للشرط المزبور و أما بناء علي كون المدرك حديث لا ضرر،

(3) فقد يقال كما في المتن و عن المحقق النائيني رحمه الله: انه اقدم علي الضرر.

توضيحه: ان منشأ الضرر إذا كان حكم الشارع يكون منفيا بالحديث، و ان كان فعل المكلف لا يكون حكمه مشمولا له، و مع العلم بالضرر و اقدامه عليه يكون منشأ الضرر فعل المكلف، فلا يشمله الحديث.

و فيه: انه في صورة العلم بالضرر و الاقدام بقاء المعاملة و لزومها منشأ لبقاء الضرر،

إذ لو كانت المعاملة جائزة و تمكن المكلف من التخلص عن الضرر بالفسخ لا يكون الضرر باقيا، فحكم الشارع باللزوم ضرري يكون مشمولا للحديث.

هذا بناء علي تسليم المبني و ان حديث لا ضرر انما ينفي الحكم الذي يكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 413

ثمّ ان الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو ملتفتا

إليها، و لابين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه، و لابين كونه الجهل المركب و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة أو الظن بهما أو الشك، (1) و يشكل في الأخيرين إذا اقدم علي المعاملة بانيا علي المسامحة علي تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم، بل الشاك في الشي ء إذا اقدم عليه بانيا علي تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه أو الذم، و من حيث معذوريته لو كان ذلك الشي ء مما يعذر الغافل فيه و الحاصل ان الشاك الملتفت إلي الضرر مقدم عليه، (2) و من ان مقتضي عموم نفي الضرر و اطلاق الإجماع المحكي ثبوته بمجرد تحقق الضرر، خرج المقدم عليه عن علم

______________________________

منشئا للضرر، و أما بناء علي القول بشموله لما إذا كان موضوع الحكم ضرريا و يرفع حكمه فالأمر اوضح،

فالحق في وجه عدم الشمول ان يقال: ان الحديث انما ينفي الحكم الذي في رفعه منة،

و مع العلم بالغبن و الضرر و اقدامه عليه لا يكون نفي اللزوم امتنانيا، فلا ينفيه الحديث.

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) الاول انه لا خلاف و لا كلام و لا إشكال في ما إذا كان غافلا من القيمة أو ملتفتا مع كونه عالما أو مطمئنا بالتساوي، و انه في هذين الموردين يثبت الخيار،

كما لا إشكال في عدم ثبوت الخيار مع علمه بعدم التساوي،

انما الكلام فيما إذا كان شاكا أو ظانا بالظن غير المعتبر، فان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر فقد يقال كما في المكاسب و تبعه غيره: بانه يثبت الخيار،

(2) إذ الحديث يدل علي النفي في غير مورد الاقدام، و لا يصدق الاقدام علي الضرر مع رجاء عدم الضرر.

و فيه: انه مع الاحتمال

ان كانت المعاملة معلقة علي المساواة بطلت، و الا فلا محالة يكون مقدما علي المعاملة كيفما كانت القيمة، فلا محالة يكون مقدما علي الضرر، أ لا تري ان من يحتمل ان يكون في طريقه سبع يفترسه لو مشي من ذلك الطريق يصدق انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 414

بل مطلق الشاك ليس مقدما علي الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه و مساواته للعالم في الآثار ممنوعة حتي في استحقاق المدح و الذم، لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الأقدام عليه، و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه علي الغبن حالة اخري لو حصلت له قبل العقد، لم يقدم عليه، نعم لو صرح في العقد بالالتزام به و لو علي تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا إلي اسقاط الغبن، و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و ان كان قادرا علي السؤال، كما صرح به في التحرير و التذكرة، و لو اقدم عالما علي غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار (1) و لو اقدم علي ما لا يتسامح، فبان ازيد بما يتسامح به منفردا، أو بما لا يتسامح ففي الخيار وجه،

______________________________

اقدم علي ذلك و ينسب الفعل إليه، فعلي هذا المسلك لا بد من البناء علي سقوط الخيار.

و أما بناء علي الالتزام الضمني فالأظهر ثبوت الخيار، إذ لا اختصاص بالشرط سواء كان صريحا ام ضمنيا ثابتا ببناء العقلاء بصورة العلم، بل الغالب هو الشرط في صورة الشك.

ثانيها: لو اقدم عالما علي غبن فبان ازيد، فتارة يكون ما اقدم عليه مما يتسامح به و اخري يكون مما لا يتسامح به، و علي كل تقدير، قد تكون الزيادة

مما يتسامح به،

و اخري مما لا يتسامح به.

فصور المسألة اربع:

(1) الاولي: ان يقدم علي ما يتسامح به فبان ازيد مما يتسامح به منفردا و لا يتسامح به منضما، ففي المتن فلا يبعد الخيار و قد اختار المحقق النائيني رحمه الله عدم سقوط الخيار فيها من جهة ان المجموع لم يكن مقدما عليه، و الاقدام علي القدر المتسامح به لا أثر له لكونه مقيدا بهذا المقدار.

و فيه: ان المجموع مركب من المقدار الذي اقدم عليه، و المقدار الذي يتسامح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 415

______________________________

به، و ليس شيئا ورائهما، و شي ء منهما لا يقتضي الخيار، فالأظهر عدم الخيار.

الثانية: هذه الصورة مع كون الزائد بنفسه مما لا يتسامح به،

فالأظهر في هذه الصورة ثبوت الخيار.

الثالثة: ان يقدم علي ما لا يتسامح به فبان ازيد بما يتسامح به منفردا،

و الأظهر في هذه الصورة عدم الخيار، لأن ما يوجب الخيار اقدم عليه، و ما لم يقدم عليه لا يوجب الخيار.

الرابعة: هذه الصورة مع كون الزائد مما لا يتسامح به،

و الأقوي في هذه الصورة الخيار.

لا يقال: انه مع الاقدام علي ما لا يتسامح به اسقط شرط التساوي و معه كيف يبني علي الخيار.

فانه يقال: ان المشروط ليس هو التساوي بل عدم الزيادة، و للزيادة مراتب فيمكن ان يسقط اشتراط بعض مراتبها دون بعض.

الخيار يدور مدار الغبن الموجود حال العقد

ثالثها: هل العبرة بالقيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علي النقصان حين العقد لم ينفع كما هو المشهور، ام لا خيار له في الفرض كما عن التذكرة وجهان؟

ان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر يمكن ان يقال بسقوط الخيار لو زادت قيمته السوقية قبل الرد مطلقا، لأنه بعد ازدياد القيمة لا يكون لزوم

العقد بقاء ضرريا،

و مع عدم كونه ضرريا لا وجه لرفع اللزوم، إذ الحكم وجودا و عدما يدور مدار ما اخذ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 416

ثمّ ان المعتبر القيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علي النقصان حين العقد لم ينفع لان الزيادة انما حصلت في ملكه و المعاملة وقعت علي الغبن. و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد، فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر، (1) كما لو برء المعيوب قبل الاطلاع علي غبنه بل في التذكرة انه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد، و اشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض فارتفع الغبن قبله، (2) لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته

______________________________

في موضوعه، و لعل هذا مراد المصنف رحمه الله حيث قال:

(1) و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر.

و ما ذكره وجها للخيار قبل ذلك بان الزيادة قد حصلت في ملكه و المعاملة وقعت علي الغبن،

لا يفيد، فانه و ان حصلت الزيادة في ملكه الا انها توجب ارتفاع الضرر من بقاء المعاملة،

و ان كان المدرك الالتزام الضمني فالشرط الضمني ليس خصوص التساوي حين العقد، فان المقصد الأصلي تسلم شي ء لا ينقص ماليته عن مالية ما اعطاه،

فالزيادة بعد العقد قبل القبض توجب عدم الخيار قطعا،

و كذلك الزيادة بعد القبض قبل الرد ان كان في زمان قصير، و الا فيمكن ان يقال بسقوط الخيار ايضا من جهة ان حدوث الخيار و بقائه تابعان لانتفاء الشرط، فإذا حصل الشرط ارتفع الخيار.

فتحصل: ان الأقوي سقوط الخيار في موارد الزيادة بعد العقد و

قبل الرد.

(2) قوله و اشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض فارتفع الغبن قبله لما اشكل علي ثبوت الخيار في صورة الزيادة بعد العقد و قال و يحتمل عدم الخيار قال و اشكل منه الخ يعني احتمال عدم الخيار في الصرف و السلم اظهر إن ارتفع الغبن بعد العقد و قبل القبض إذ الملك انتقل إليه من غير نقص فلم يتوجه إليه ضرر لا انه توجه و ارتفع كما في الفرض السابق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 417

نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد، (1) كما صرح به العلامة في الصرف يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب اقباض الزائد في مقابلة الناقض، لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض و لو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد، (2)

فإنه لا عبرة بهما اجماعا كما في التذكرة، ثمّ انه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد، بل العبرة بعلم الموكل و جهله (3)

______________________________

(1) قوله نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد … يثبت الخيار بعد ما وجه عدم ثبوت الخيار في الفرض الثاني: بعدم توجه الضرر إليه، توجه الي اشكال و هو انه إذا وجب التقابض فقبل ارتفاع الغبن المفروض وجوب الاقباض و نفس حكم الشارع بوجوب اقباض الزائد ضرر ينفيه الحديث و حيث انه من لوازم لزوم العقد بل لا معني للزوم في هذه المعاملة الا ذلك فيرتفع المنشأ و هو اللزوم فيثبت الخيار فيكون حكم هذه المعاملة حكم المعاملات الاخر المذكور في الفرض السابق و بهذا البيان اندفع ايراد المحقق الايرواني رحمه الله عليه بانه يرتفع بالحديث وجوب الاقباض لا انه يثبت به الخيار و لكن يرد عليه ما تقدم في خيار المجلس من ضعف المبني.

(2) قوله

و لو ثبتت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فانه لا عبرة بهما مورد الكلام فيما ذكره سابقا و اشكل فيه ما إذا كان الغبن موجودا ثمّ ارتفع و في المقام ما إذا لم يكن حين العقد موجودا بل تحقق بعد العقد و قد ادعي قده الاجماع علي عدم ثبوت الخيار

لا عبرة بعلم مجري الصيغة

(3) رابعها: هل العبرة بعلم الوكيل، أو الموكل، أو هما معا؟ وجوه،

و ملخص القول فيه: انه لا إشكال في ان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة لا عبرة بعلمه و لا بجهله، و لا يثبت له الخيار، و أما الوكيل المفوض، فالكلام فيه في موردين:

الأول: في انه متي يثبت الخيار.

الثاني: فيمن يثبت له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 418

نعم لو كان وكيلا في المعاملة و المساومة، فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل (1) و مع جهله يثبت الخيار للموكل الا ان يكون عالما بالقيمة، و بأن وكيله يعقد علي ازيد منها و يقرره له، و إذا ثبت الخيار في عقد الوكيل فهو للموكل خاصة، الا ان يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ، فإنه كالولي حينئذ و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس، (2)

______________________________

اما الأول: فلا اشكال في ثبوته لو كان الوكيل و الموكل جاهلين،

انما الكلام فيما إذا كان الوكيل عالما بالغبن و الموكل جاهلا أو عالما، و فيما إذا انعكس الأمر،

اما في الصورة الاولي:

فقد يقال: ان التوكيل اما ان يشمل المعاملة الغبنية أو يختص بغيرها، لا إشكال في اللزوم في الفرض الأول و عدم الصحة في الثاني، فما معني ثبوت الخيار.

و فيه: انه يمكن ان يقال انه يشمل التوكيل المعاملة الغبنية و لكن بما لها من الأحكام و الخصوصيات و منها

ثبوت الخيار،

(1) و صريح المصنف رحمه الله و غيره عدم ثبوت الخيار،

و الوجه فيه ان طرف المعاملة انما هو الوكيل، و الموكل اجنبي عن المعاملة فلا بناء من الموكل كي يوجب تخلفه الخيار، و لا إقدام منه علي معاملة ضررية.

و أما في الصورة الثانية: فظاهر المصنف رحمه الله عدم ثبوت الخيار، و صريح المحقق النائيني رحمه الله ثبوته، و هو الحق، لأن طرف المعاملة هو الوكيل فهو الملتزم بالمساواة و يوقع المعاملة مبنية عليها، و المعاملة الضررية لزومها مستند الي الشارع دون المكلف، و مجرد علم الموكل بالغبن لا يوجب عدم ثبوت الخيار.

و أما المورد الثاني: فان كان مدرك الخيار حديث لا ضرر كان الخيار ثابتا للموكل كما افاده المصنف رحمه الله، لأنه الذي يتضرر من المعاملة، و ان كان المدرك هو الالتزام الضمني كان الخيار للوكيل لأنه طرف المعاملة و البناء منه.

(2) قوله و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس و فيه انه لا يكون طريق المسألتين واحدا فان موضوع الخيار في تلك المسألة عنوان البيع و هو يصدق علي الوكيل و في المقام المتضرر علي مسلكه و هو لا يصدق عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 419

ثمّ ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة ان تحققت و بقول مدعيه مع اليمين، (1) لأصالة عدم العلم (2) الحاكمة علي اصالة اللزوم، مع انه قد يتعسر اقامة البينة علي الجهل، و لا يمكن للغابن الحلف علي علمه لجهله بالحال، فتأمل.

هذا كله إذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة بحيث لا يخفي عليه القيمة الا لعارض من غفلة أو غيرها، و الا فلا يقبل قوله كما في الجامع و المسالك. (3)

______________________________

ما يثبت به الجهل

خامسها: فيما يثبت به

الجهل، فقد يقال كما في المتن: انه.

(1) يثبت باعتراف الغابن و بالبينة ان تحققت و بقول مدعيه مع اليمين،

و ظاهر ذلك جعل المغبون مدعيا،

(2) و استدل له باصالة عدم العلم، فيثبت قوله باعتراف الغابن له أو بإقامة البينة عليه أو بيمينه حيث يتعذر عليه اقامة البينة عليه.

و في كلامه قدس سره موقعان للنظر:

الأول: انه ان جري الأصل المزبور لزم منه كون المغبون منكرا لموافقة قوله الأصل لا مدعيا، نعم لو كان المدعي من لو ترك ترك صح جعل المغبون مدعيا.

الثاني: ان المانع عن ثبوت الخيار انما هو اقدام المغبون علي الضرر و الغبن، و به يسقط اشتراط التساوي و لا يكون مشمولا لحديث نفي الضرر، و العلم من حيث هو لا دخل له في ذلك، و اجراء اصالة عدم العلم لاثبات اثر عدم الاقدام من اوضح انحاء الأصل المثبت.

فالحق ان يقال: ان المنكر هو الغابن لموافقة قوله للأصل و هو اصالة اللزوم، و عليه فان اقام المغبون البينة علي جهله فهو و الا فيحلف الغابن، و ان رد الحلف يحلف المغبون.

(3) و قد ذكر صاحبا المسالك و الجامع: انه إذا كان المغبون من اهل الخبرة لا يقبل قوله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 420

و قد يشكل بأن هذا انما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر علي الاصل، فغاية الامر ان يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعي لما تعسر اقامة البينة عليه و لا يعرف الا من قبله يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا من هذا القبيل. (1) الا ان يقال ان مقتضي تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه (2) لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتي في

قبول قوله إذا تعسر عليه اقامة البينة أ لا تري انهم لم يحكموا بقبول قول مدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة البينة علي سبب الفساد، هذا مع عموم تلك القاعدة، (3) ثمّ اندراج المسألة فيها محل تأمل، (4)

______________________________

(1) و المصنف اورد عليهما: بان غاية ما هناك موافقة قول الغابن للظاهر،

فالمغبون يصير مدعيا، و المدعي إذا تعسر عليه اقامة البينة- لأن ما يدعيه لا يعرف الا من قبله- يقبل قوله مع اليمين، و المقام من هذا القبيل.

و قد رد هو ذلك بوجوه:

(2) الأول: ان مقتضي تقديم الظاهر قبول قول موافقة باليمين، فتكون القاعدة المشار إليها- اي سماع قول المدعي بيمينه مع تعسر البينة عليه- مختصة بما إذا لم يكن قول المدعي مخالفا للظاهر.

(3) الثاني: ان عموم تلك القاعدة محل تأمل، إذ لا وجه له سوي انه يلزم من عدم تقديمه ايقاف الدعوي و ضياع الحقوق، و هذا اللازم مختص بما إذا لم يتمكن المدعي عليه من الحلف، و الا لكان الفصل ممكنا، و في المقام يتمكن المنكر من ذلك.

(4) الثالث: ان المقام غير داخل في تلك القاعدة، لأنه ليس اقامة البينة متعسرة عليه نوعا.

و في ما أفاده رحمه الله موقعان للنظر:

احدهما: ان العلمين انما حكما بعدم قبول قول المغبون لا من جهة كونه مدعيا، بل من جهة ان من شرط سماع الدعوي ان يكون ما يدعيه محتملا بالاحتمال العقلائي و العادي، و الا لا تسمع الدعوي،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 421

و لو اختلفا في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده، مع تعذر الاستعلام، فالقول قول منكر سبب الغبن (1) لأصالة عدم التغير (2) و أصالة اللزوم، و منه يظهر حكم ما لو اتفقا علي

التغير و اختلفا في تاريخ العقد، و لو علم تاريخ التغير فالأصل و ان اقتضي تأخر العقد الواقع علي الزائد عن القيمة، إلا انه لا يثبت به وقوع العقد علي الزائد حتي يثبت العقد.

______________________________

أ لا تري انه إذا ادعي الفقير علي غني فصا بقيمة عشرة آلاف ليرة لا تسمع دعواه،

و المقام من هذا القبيل، فان الخبير إذا ادعي الجهل بالقيمة لغير عارض لا يحتمل عقلائيا صدقه.

ثانيها: ان ما افاده في الجواب الأول يرد عليه: انه إذا ثبت كون من يكون قوله مخالفا للظاهر مدعيا كيف لا تترتب عليه جميع احكام المدعي و ما المخصص للقاعدة المشار إليها.

سادسها لو اختلفا في القيمة وقت العقد، أو في القيمة بعده مع تعذر الاستعلام،

(1) ففي المتن: القول قول منكر سبب الغبن،

و الظاهر ان مورد كلامه ما لو اتفقا علي القيمة الفعلية، و مدعي الغبن يدعي تغير القيمة و انها كانت حين العقد ازيد مثلا.

(2) و في هذا المورد ادعي المصنف رحمه الله ان اصالة عدم التغير تجري و يثبت بها قول منكر الغبن،

و اورد عليه المحقق النائيني رحمه الله: بان هذا الاستصحاب من قبيل الاستصحاب القهقري و لا نقول بحجيته، مع ان الأثر لم يترتب علي هذا الأمر الانتزاعي، بل علي منشأ انتزاعه و هو عدم التساوي.

و لكن الظاهر ان مراد المصنف رحمه الله من اصالة عدم التغير اصالة عدم وقوع العقد علي الزائد، و عليه فليس هو من الاستصحاب القهقري و لا مثبتا، فان موضوع الخيار وقوع العقد علي الزائد، و به ينتفي موضوع الخيار.

و لا تعارضها اصالة عدم وقوع العقد علي المساوي لعدم ترتب الأثر عليه، إذ الأثر ترتب علي العقد الواقع علي الزائد أو الناقص، و

قد اشبعنا الكلام في هذه المسألة في اواخر كتاب البيع في الجزء الرابع من هذا الشرح. فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 422

الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا، (1)
اشارة

فالواحد بل الاثنان في العشرين لا يوجب الغبن وحده عندنا، كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله، (2) و حكي فيها عن مالك ان التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، و ان كان بأكثر من الثلث اوجبه، و رده بأنه تخمين لم يشهد له اصل في الشرع، انتهي.

و الظاهر انه لا إشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا، نعم الاشكال في الخمس و لا يبعد دعوي عدم مسامحة الناس فيه: كما سيجي ء التصريح من المحقق القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين، ثمّ الظاهر ان المرجع عند الشك في ذلك هو اصالة ثبوت الخيار، لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه، و يحتمل الرجوع إلي أصالة اللزوم، لأن الخارج هو الضرر الذي يناقش «يتفاحش» فيه لا مطلق الضرر بقي هنا شي ء

______________________________

اشتراط كون التفاوت فاحشا

(1) الأمر الثاني الذي يعتبر في ثبوت الخيار: كون التفاوت فاحشا، ذكره الاصحاب و تنقيح القول فيه بالبحث في موارد:

الأول: في اعتبار ذلك في الجملة.

الثاني: في ضابطه.

الثالث: في ما لو شك في انه مما يتسامح فيه او لا.

اما الأول: فلا ينبغي التوقف في اعتباره، لأن مدرك هذا الخيار ان كان هو الشرط الضمني فالشرط عدم التفاوت بمقدار لا يتسامح فيه، و ان كان قاعدة لا ضرر يكون المتعاملان مقدمين علي هذا المقدار من الضرر، و بنائهم علي تحمله.

و أما الثاني: فاحسن ما قيل في المقام، ما ذكره العلامة رحمه الله بقوله.

(2) ما لا يتغابن الناس بمثله اي لا يعدونه غبنا و لا يردون المعاملة بمثل هذا التفاوت، من غير فرق

بين كون التفاوت في مقام العقد معتني به ام لا، بل العبرة بعدم الاعتناء به في مقام فسخ العقد، و هذا يختلف بحسب اختلاف المقامات، مثلا في المعاملات الحقيرة مع التفاوت بالنصف بل بالمساوي لا يقدمون علي رد المعاملة، كما إذا اشتري شيئا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 423

و هو ان ظاهر الأصحاب و غيرهم ان المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبايعين، (1) و لذا حدّوه بما لا يتغابن به الناس أو بالزائد علي الثلث، كما عرفت عن بعض العامة.

و ظاهر حديث نفي الضرر المستدل عليه في أبواب الفقه ملاحظة الضرر بالنسبة إلي شخص الواقعة، و لذا استدلوا به علي عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير إذا اضر بالمكلف، و وجوب شرائه بذلك المبلغ علي من لا يضر به ذلك،

مع ان أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق الكل.

و الحاصل ان العبرة إذا كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف قيمته، و ان كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره، و الأظهر اعتبار الضرر المالي (2) لأنه ضرر في نفسه من غير مدخلية، لحال الشخص، و تحمله في بعض المقامات انما خرج بالنص،

______________________________

بقرانين يسوي قرانا واحدا، و في المعاملات الخطيرة ربما يقدمون علي الرد مع كون التفاوت بالعشر، كما إذا اشتري شيئا بعشرة ملايين تومان و هو يسوي تسعة،

فما افاده المصنف رحمه الله في مقام الضابط كغيره لا يتم.

و أما الثالث: فان كان مدرك الخيار قاعدة نفي الضرر فلا يمكن التمسك بها، لأن مخصص القاعدة في موارد الاقدام و ان لم يكن لفظيا،

الا انه القرينة المقارنة، و في مثله لا يتمسك بالعموم، فيتعين الرجوع الي اصالة اللزوم، و ان كان هو الشرط الضمني فثبوته غير محرز، فالمتعين الرجوع الي اصالة اللزوم ايضا.

(1) بقي في المقام اشكال، ه لصحمو: ان المدار في الضرر في باب العبادات و المعاملات ان كان علي الضرر المالي فلم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف قيمته، و ان كان علي الضرر الحالي كما هو فتوي الأصحاب في باب الوضوء تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره.

و اجاب المصنف قدس سره عن ذلك بجوابين:

(2) الأول: ان المدار علي الضرر المالي، و انما لا يلتزم به في باب الوضوء للنص الخاص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 424

و لذا اجاب في المعتبر عن الشافعي المنكر لوجوب الوضوء في الفرض المذكور، بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص و يمكن ايضا ان يلتزم الضرر المالي في مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص. بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر (1) كما يشير إليه قوله عليه السلام بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه باضعاف قيمته ان ما يشتري به مال كثير.

نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف، انتفي بأدلة نفي الحرج (2) لا دليل نفي الضرر، فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون الا إذا كان تحمله حرجا اشكال،

______________________________

(1) الثاني: ان المدار علي الضرر المالي، و عدم الالتزام به في باب الوضوء من جهة انه لا يعد بذل المال في مقابل ماء الوضوء ضررا بملاحظة ما بازائه من الأجر.

ثمّ انه تنبه لاشكال و هو: انه علي هذين الجوابين لا بد من البناء علي وجوب الوضوء و ان كان مضرا بحاله، فأجاب عنه:

(2) بانه

انما يلتزم بعدم الوجوب لأدلة نفي الحرج.

و في ما ذكره قدس سره موقعان للنظر:

الأول: تسليمه لكون بذل المال الكثير بازاء ماء الوضوء ضررا،

فانه يرد عليه: ان قيمة الماء إذا كانت في نفسها كثيرة و اكثر من ثمنه المعتاد- كما لو كان الماء في محل يعتبرون العقلاء له هذا المقدار من المالية لقلته و كثرة الحاجة إليه- لا يعد بذل الماء بازائه ضررا ماليا.

الثاني: ما افاده من عدم كون بذل المال الكثير بازاء ماء الوضوء ضررا بملاحظة ما بازائه من الأجر،

فانه يرد عليه: ان الأجر متوقف علي ثبوت الأمر، و هو علي عدم الضرر،

مع ان الالتزام بذلك مستلزم لعدم جريان قاعدة الضرر في باب العبادات فالمتحصل مما ذكرناه: انه في باب الوضوء ايضا المدار علي الضرر المالي لو لا النص «1» المخرج.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب التيمم حديث 1 و 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 425

ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد في اقسام الغبن ان المغبون اما ان يكون هو البائع أو المشتري أو هما، انتهي.

فيقع الاشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا، و المحكي عن بعض الفضلاء في تعليقه علي الروضة، ما حاصله استحالة ذلك حيث قال: قد عرفت ان الغبن في طرف البائع انما هو إذا باع بأقل من القيمة السوقية. و في طرف المشتري إذا اشتري بأزيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الاثمان أو العروض أو مختلفين، و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين، و إلا لزم كون الثمن اقل من القيمة السوقية و اكثر و هو محال، فتأمل، انتهي.

و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض الفروض منها ما

ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة، قال: انها تفرض فيما إذا باع متاعه باربعة توامين من الفلوس علي ان يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا انها يسوي بأربعة توامين ثمّ تبين ان المتاع يسوي خمسة توامين و ان الدنانير تسوي خمسة توامين الا خمسا، فصار البائع مغبونا من كون الثمن اقل من القيمة السوقية بخمس تومان، و المشتري مغبونا من جهة زيادة الدنانير علي أربعة توامين فالبائع مغبون في اصل البيع و المشتري مغبون فيما التزمه من اعطاء الدنانير عن الثمن و ان لم يكن مغبونا في أصل البيع، انتهي.

اقول الظاهر ان مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل الي البائع بسبب مجموع العقد و الشرط، كما لو باع شيئا يسوي خمسة دراهم بدرهمين، علي ان يخيط له ثوبا مع فرض كون اجرة الخياطة ثلاثة دراهم. و من هنا يقال ان للشروط قسطا من العوض و ان ابيت الا عن ان الشرط معاملة مستقلة و لا مدخل له في زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كلي من المتبايعين في معاملة واحدة لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد.

و منها ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما إذا باع شيئين في عقد واحد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 426

بثمنين، فغبن البائع في احدهما و المشتري في الأخر. و هذا الجواب قريب من سابقه في الضعف لأنه ان جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتي يجوز له الفسخ في العين المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن في كل واحدة منهما لاحدهما خاصة فلا

وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي غبن البائع خاصة و المشتري خاصة، و ان لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن اصلا مع تساوي الزيادة في احدهما للنقيصة في الآخر، و مع عدم المساواة فالغبن من طرف واحد.

و منها ان يراد بالغبن في المقسم معناه الاعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا علي خلاف ما شاهده أو خروج ما اخبر البائع بوزنه علي خلاف خبره، و قد اطلق الغبن علي هذا المعني الاعم العلامة في القواعد و الشهيد في اللمعة و علي هذا المعني الاعم تحقق الغبن في كل منهما و هذا حسن، لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين ارادة ما عنون به هذا الخيار و هو الغبن بالمعني الاخص علي ما فسروه به.

و منها ما ذكره بعض من انه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد في مكانين،

كما إذا حصر العسكر البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته في البلد،

فاشتري بعض اهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشتري مغبون لزيادة الثمن علي قيمة الطعام في مكانه، و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة في مكانه، و يمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق علي قيمته حين العقد، و لا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد، و إنما نزلت قيمته بقبض المشتري و نقله اياه الي مكان الرخص.

و بالجملة: الطعام عند العقد لا يكون الا في محل واحد له قيمة واحدة.

و منها ما ذكره في مفتاح الكرامة من فرضه فيما إذا ادعي كل من المتبايعين الغبن، كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة، ثمّ ادعي كل منهما نقص ما في يده عما في يد الآخر، و

لم يوجد المقوم ليرجع إليه فتحالفا، فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه و قال و يتصور غبنهما في احد العوضين، كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم، ثمّ ادعي البائع كونه يسوي بمائتين و المشتري كونه لا يسوي إلا بخمسين، و لا مقوم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 427

و فيه ان الظاهر ان لازم التحالف عدم الغبن في المعاملة اصلا، مع ان الكلام في الغبن الواقعي دون الظاهري، و الاولي من هذه الوجوه هو الوجه الثالث، (1) و الله العالم.

______________________________

و أما ما اورده المحقق الايرواني رحمه الله علي تمسكه بقاعدة نفي الحرج «1» بانه يأتي في الحرج ما تقدم في الضرر من اعتبار الحرج النوعي أو الشخصي،

فمندفع بان الاشكال لم يكن مربوطا بنوعيته و شخصيته. فراجع.

تصوير الغبن من الطرفين

ذكر في الروضة- في اقسام الغبن-: ان المغبون اما ان يكون هو البائع أو المشتري أو هما.

و قد اشكل في تصور غبن كل من المتبايعين بانه يلزم منه كون الثمن اقل من القيمة السوقية و اكثر، و هو محال، و قد ذكروا في تصويره وجوها، ذكر المصنف رحمه الله جملة منها مع ما يرد عليها،

(1) و قد استحسن هو قدس سره الوجه الثالث في كلامه،

و يرد عليه ايضا ما افاده من ان عبارات الأعلام لا توافقه.

و يمكن ان يتصور بوجهين آخرين:

احدهما: ما لو فرضنا قيمة الشي ء منضما ازيد من قيمته منفردا، كمصراعي الباب بان تكون قيمة كل مصراع تومانين و قيمتهما معاً ستة توامين، فباع من له مصراعان مصراعا واحدا بتخيل انه ليس له الا ذلك بثلاثة توامين، فان المشتري حينئذ مغبون بتومان، و البائع ايضا كذلك من جهة زوال حيثية

الانضمام الموجب لنقص ما عنده.

ثانيهما: ان يكون شي ء واحد مختلف القيمة بالاضافة الي شخصين، كما لو

______________________________

(1) سورة المائدة آية 7 سورة الحج آية 77 سورة البقرة آية 185.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 428

مسألة: ظهور الغبن، شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد، (1)

وجهان، منشؤهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم و معاقد اجماعهم و استدلالاتهم.

فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو الأول، و في الغنية الاجماع علي ان ظهور الغبن سبب للخيار و ظاهر كلمات آخرين الثاني و في التذكرة ان الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا و قولهم لا يسقط هذا الخيار بالتصرف، فان المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر في ثبوته،

______________________________

فرض ان للشخص امة تسوي مائة تومان، و لها ولد يسوي مائة ايضا، فباع الامة بمائة و خمسين و فرض ان الولد يموت بالتفريق بينه و بين امه، فالبائع مغبون من جهة ان الامة تسوي بالاضافة إليه باكثر من ما باعها به، و المشتري مغبون لفرض اكثرية ثمنها من قيمتها.

ظهور الغبن كاشف عن ثبوت الخيار

(1) الثاني: ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد. وجهان،

و الكلام في هذه المسألة يقع في جهات:

الاولي: في ان مدرك هذا الخيار هل يقتضي ثبوته من حين العقد أو من حين ظهور الغبن.

الثانية: في ان الحق الخياري هل هو عين السلطنة الفعلية ام غيرها.

الثالثة: في انه هل تكون السلطنة الفعلية من حين العقد أو من حين ظهور الغبن الرابعة: في ان الآثار المجعولة للخيار هل هي باجمعها مترتبة علي الحق أو علي السلطنة ام هناك تفصيل.

اما الجهة الاولي: فان كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر فهو يقتضي ثبوته من حين العقد، لأن لزوم العقد المشتمل علي

النقص المالي ضرر و ان لم يكن البائع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 429

و مما يؤيد الأول انهم اختلفوا في صحة التصرفات الناقلة في زمان الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون، بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون بعد ظهور غبنه الي البدل، و يؤيده ايضا الاستدلال في التذكرة و الغنية علي هذا الخيار بقوله صلي الله عليه و آله في حديث تلقي الركبان انهم بالخيار إذا دخلوا السوق، فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن، هذا و لكن لا يخفي امكان ارجاع الكلمات الي احد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعني الأخر.

و توضيح ذلك انه ان أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها علي الفسخ و الامضاء قولا أو فعلا فلا يحدث الا بعد ظهور الغبن، و ان اريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم (1) و إنما يتوقف علي العلم اعمال هذا الحق،

______________________________

ملتفتا إليه، و كذلك ان كان المدرك الشرط الضمني، فان الشرط هو التساوي بين المالين واقعا لا في اعتقاد الشارط.

و أما ان كان المدرك نصوص الغبن فيمكن ان يقال: انها تقتضي حدوث الخيار بعد ظهور الغبن، فانه علق الخيار فيها علي دخول السوق الذي هو كناية عن ظهور الغبن، اللهم الا ان يقال انه يمكن ان يكون التعليق علي دخول السوق لكونه طريق الضرر و أما الجهة الثانية: فالظاهر ان الحق الخياري غير السلطنة من جهة ان الخيار حق و هو امر اعتباري كالملكية و السلطنة التي هي عبارة عن جواز التصرفات، و نفوذها غير ذلك الأمر الاعتباري، بل ربما تفارقه كما في التصرف في مال

الصغير: فان الحق و الملك للصغير، و من له السلطنة هو الولي،

فما افاده المحقق الايرواني رحمه الله من انه لا معني للخيار الا السلطنة غير تام.

و أما الجهة الثالثة: فالحق ان السلطنة الفعلية التي هي اثر الخيار ثابتة من حين حدوثه، فكما ان المغبون له الخيار من حين العقد و ان لم يعلم به، كذلك له السلطنة و ان لم يلتفت إليها. فما افاده المصنف رحمه الله في مقام الجمع بين كلمات القوم من.

(1) كون الحق ثابتا من حين العقد و السلطنة حادثة من حين ظهور الغبن، في غير محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 430

فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس أو الحيوان أو غيرها، ثمّ ان الآثار المجعولة للخيار بين ما يترتب علي تلك السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون الا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله كما سيجي ء و منه التلف.

فإن الظاهر انه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن، كما جزم به بعض و تردد فيه آخر و بين ما يترتب علي ذلك الحق الواقعي كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره، (1)

و بين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة، (2) فإن تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذي الخيار من العين ظاهر في ترتب المنع علي وجود نفس الحق، و ان لم يعلم به، و حكم بعض من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه ان المنع لأجل التسلط الفعلي، و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الأثر علي

نفس الحق الواقعي و لو كان مجهولا لصاحبه. و قد يظهر منه ترتبه علي السلطنة الفعلية، و يظهر ثمرة الوجهين ايضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع

______________________________

(1) و أما الجهة الرابعة: فعلي ما ذكرناه في الجهة الثالثة لا فرق بين كون جميع الآثار آثار الحق أو السلطنة ام يكون هناك تفصيل،

و أما بناء علي المسلك الآخر فالظاهر انها باجمعها آثار الحق كما هو لسان الأدلة، نعم ان كان سقوط الخيار بالتصرف بمناط كاشفيته عن الرضا و الالتزام بالعقد لا يكون التصرف قبل ظهور الغبن مسقطا، لأنه لا يكون كاشفا عن الرضا مع الجهل.

و أما التلف فجماعة و هم الأكثرون انما افتوا بكونه من المغبون قبل ظهور الغبن من جهة انهم يرون قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له مختصة بغير هذا الخيار،

و جماعة آخرون ممن يري عدم الاختصاص لعلهم حكموا بانه من المغبون من جهة انهم يرون ثبوت هذا الخيار من حين ظهور الغبن.

(2) و أما التصرفات الناقلة التي تردد المصنف رحمه الله فيها بين الأمرين، فظاهر ما ذكر في وجه المنع من كونها تصرفا في متعلق حق الغير المنع عنها قبل ظهور الغبن، و حكم بعض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 431

فصادف الغبن، ثمّ ان ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب، و قد يستظهر من عبارة القواعد في باب التدليس، الوجه الأول قال: و كذا يعني لارد لو تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس، انتهي.

فإنه ذكر في جامع المقاصد انه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده، لان العيب مضمون علي المشتري، ثمّ قال: الا ان يقال ان العيب بعد العلم

غير مضمون علي المشتري لثبوت الخيار و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب، لكون العيب في زمان الخيار مضمونا علي من لا خيار له، لكن الاستظهار المذكور مبني علي شمول قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب و سيجي ء عدم العموم ان شاء الله تعالي.

و أما خيار الرؤية فسيأتي ان ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور:
احدها: اسقاطه بعد العقد، (1)
اشارة

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن، فلا اشكال في صحة اسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لامع الجهل بها إذا اسقط الغبن المسبب عن اي مرتبة كان فاحشا كان أو افحش

______________________________

من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرف الناقل قبل ظهور الغبن، اما من جهة انه يري حدوث الخيار من حين الظهور، أو يكون الاشكال واردا عليه.

اسقاط خيار الغبن بعد العقد

(1) الثالث: يسقط هذا الخيار بامور احدها اسقاطه بعد العقد.

و قد جعل المصنف رحمه الله صحة الاسقاط مفروغا عنها، مع انها محل البحث، فانه إذا كان مدرك هذا الخيار حديث لا ضرر فقد مر أن مقتضاه نفي اللزوم خاصة لا إثبات خيار حقي قابل للاسقاط و المصالحة، بل هو يلائم مع كونه جوازا حكميا، و مقتضي الاستصحاب عدم سقوطه بشي ء من المسقطات.

نعم إذا كان مدركه الشرط الضمني كان الثابت خيار كسائر الخيارات القابلة للاسقاط،

كما انه كذلك لو كان المدرك نصوص الغبن أو الاجماع،

و الظاهر ان الاسقاط متعلق بالحق و من الانشائيات و لا يكفي فيه الرضا النفساني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 432

و لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة. ففي السقوط وجهان (1) من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق، كما لو اسقط حق عرض بزعم انه شتم

لا يبلغ القذف، فتبين كونه قذفا، و من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الاسقاط، (2) و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان.

______________________________

بل يحتاج الي الانشاء.

و بعد ذلك يقع الكلام فيما ذكره المصنف رحمه الله من انه.

(1) لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مائة، ففي السقوط وجهان،

و الكلام فيه في موردين:

الأول: في الاسقاط بلا عوض.

الثاني: في الاسقاط مع العوض بمعني المصالحة عنه به.

(2) اما الأول: فقد بني المصنف المقام علي تعدد الحق و وحدته، و انه علي الأول لا يسقط لو اسقطه بتخيل كون التفاوت عشرة فظهر مائة، و علي الثاني يسقط،

و لكن هذا المقدار لا يكفي، إذ يمكن ان يقال انه علي الوحدة ايضا يمكن اسقاطه علي تقدير دون آخر.

و في حاشية السيد الفقيه رحمه الله: ان مبني الوجهين ان اعتقاد مرتبة من الغبن من قبيل الداعي أو التقييد، فعلي الأول يسقط دون الثاني.

و يرد عليه: انه ليس من قبيل الداعي و لا من قبيل التقييد،

اما الأول: فلأن الداعي هو العلة الغائية المترتبة علي الفعل، و من الواضح ان الاعتقاد المزبور ليس كذلك.

و أما الثاني: فلأن متعلق الاسقاط و هو الحق جزئي خارجي، و هو غير قابل للتقييد.

و قد يقال: ان مبني الوجهين كون الاسقاط معلقا علي كونه مسببا من مرتبة يعتقدها، أو انه متعلق به كائنا ما كان سببه، فعلي الأول لا يسقط، و علي الثاني يسقط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 433

و أما الاسقاط بعوض بمعني المصالحة عنه به فلا اشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب، و لو اطلق و كان للاطلاق منصرف، كما

لو صالح عن الغبن المحقق في المتاع المشتري بعشرين بدرهم، فإن المتعارف من الغبن المحتمل في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت اربعة أو خمسة في العشرين، فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر، و ان المبيع يسوي درهمين. ففي بطلان الصلح لأنه لم يقع علي الحق الموجود، أو صحته مع لزومه لما ذكرنا من ان الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الذي له افراد متعددة، فإذا اسقطه سقط أو صحته متزلزلا، لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد ان عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله ازيد من الدرهم ضرورة انه كلما كان التفاوت المحتمل ازيد يبذل في مقابله ازيد مما يبذل في مقابله لو كان اقل فيحصل الغبن في المصالحة (1) إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه، و بين كونه لأجل الجهل بعينه وجوه، و هذا هو الأقوي فتأمل

______________________________

و فيه: انه لو كان معلقا بطل الاسقاط، و لو لم يكن الاعتقاد خطأ، لأنه من الانشائيات، مع ان الاسقاط بما انه من الانشائيات لا يكتفي فيه و لا في قيده بالقصد المجرد،

بل يتوقف علي الانشاء،

فإذا اسقط الخيار غير معلق كان منشأ سقوط الخيار كائنا ما كان سببه و اعتقاد كونه من سبب خاص من المقارنات، فالأظهر السقوط.

و أما الثاني: فالكلام فيه من حيث الصحة و البطلان ما تقدم،

و أما من حيث ثبوت الخيار، فقد افاد المصنف رحمه الله في وجهه:

(1) انه يحصل الغبن في المصالحة من جهة انه لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بغبنه، و بين كون للجهل بغبنه و اورد عليه المحقق

الايرواني رحمه الله: بان بناء الصلح علي المغابنة، فكيف يطرقه خيار الغبن.

و فيه: ان الصلح المقصود به حقيقة المعاوضة، اما لعدم امكان البيع لعدم كون المعوض عينا، أو لعدم وجود شرائط البيع لا يكون مبنيا علي المغابنة، و المقام من هذا القبيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 434

و أما اسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن. (1)

فالظاهر ايضا جوازه، و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء علي كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار

______________________________

و ربما يورد عليه: بان حقيقة الصلح التسالم، و الغبن انما يدخل في المعاوضات.

و فيه: انه لا ينافي كونه عبارة عن التسالم، مع كونه تمليك شي ء بعوض،

فالاولي ان يورد عليه: بان الغبن في المقام ايضا من جهة الجهل بمقدار المالية لفرض ان التفاوت المحتمل كلما كان ازيد يبذل في مقابله ازيد مما يبذل في مقابله لو كان اقل،

و لعله الي هذا اشار بقوله، فتأمل.

اسقاط الخيار قبل ظهور الغبن

(1) هذا كله في اسقاط هذا الخيار بعد العلم بالغبن، و أما اسقاطه قبل ظهور الغبن،

فالكلام فيه يقع اولا: في الاسقاط،

ثمّ في الصلح عليه.

اما الأول: فقد اشكل علي جوازه بوجوه اربعة، اثنان منها متوجهان كان الغبن شرطا شرعيا ام كان كاشفا عقليا، و اثنان منها مختصان بما إذا كان الغبن شرطا شرعيا.

اما المحذوران المشتركان:

فاحدهما: انه لا جزم بالاسقاط، فلا يكون الاسقاط جديا لعدم تعقل الجد الي الشي ء مع عدم الجزم به.

و ثانيهما: التعليق.

اما الأول: فيمكن دفعه: بان الانشاء بقصد حصول المنشأ علي تقدير حصول قيده امر ممكن لا استحالة فيه.

و أما الثاني: فيندفع: بان التعليق لا دليل علي مبطليته سوي الاجماع، و هو علي فرض شموله لجميع العقود و الايقاعات المتيقن منه التعليق علي ما لا يتوقف عليه الشي ء،

و

الا كما في تعليق البيع علي الملكية و الطلاق علي الزوجية، فلا محذور فيه، و المقام من هذا القبيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 435

إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار، و هو الغبن الواقعي (1) و ان لم يعلم به،

و هذا كاف في جواز اسقاط المسبب قبل حصول شرطه، كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، (2) و كبراءة البائع من العيوب الراجعة الي اسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها، و لا يقدح في المقام ايضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق، إذ لا مانع منه إلا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن الايقاعات، و هو غير قادح هنا، فإن الممنوع منه هو التعليق علي ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه.

______________________________

اما المحذوران المختصان:

فاحدهما: ما اشار إليه المصنف و هو ان اسقاط ما لم يجب كضمان ما لم يجب باطل و ثانيهما: ما افاده المحقق الاصفهاني رحمه الله، و هو: ان اسقاط الخيار لا دليل علي نفوذه شرعا سوي قاعدة ان لكل ذي حق اسقاط حقه، و الظاهر منها ان من كان له حق فعلا له اسقاطه فعلا، و لا تشمل المقام.

اما المحذور الأول: فقد اجاب المصنف رحمه الله عنه: بانه.

(1) يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار و هو الغبن الواقعي،

ثمّ نظر المقام بابراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، مع ان اشتغال ذمته بالبدل انما يكون بعد التلف، و بالتبري من العيوب الموجب لسقوط خيار العيب، مع ان ظهور العيب شرط.

و يرد علي جوابه ما تقدم في خيار المجلس من انه لا ثبوت للشي ء مع عدم تحقق اجزاء علته و ان تحقق مقتضيه، و لا سقوط حقيقة قبل الثبوت،

مع ان تمييز المقتضي عن الشرط في باب الأحكام الشرعية مشكل، بل لا تكون الموضوعات و الأسباب و الشرائط مقتضيات قطعا. و تمام الكلام في محله.

(2) و أما مسألة الودعي فهي غير ثابتة: و علي فرض الثبوت الودعي بمجرد التفريط تنتقل العين الي عهدته، و من آثار العهدة رد بدلها مع التلف، و هي امر ثابت لا مانع من اسقاطه.

و أما التبري من العيوب فالكلام فيه هو الكلام في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 436

و أما ما نحن فيه و شبهه (1) مثل طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق مشكوك الرقية منجزا أو الابراء عما احتمل الاشتغال به، فقد تقدم في شرائط الصيغة انه لا مانع منه، لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلم، و منه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير. (2)

نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به، فإنه لا بد من وقوع شي ء بإزائه (3) و هو غير معلوم

______________________________

اما ما افاده المحقق النائيني رحمه الله في مقام الجواب من انه ليس اسقاطا لما لم يجب بل هو اسقاط لحق الشرط، بناء علي كون مدرك هذا الخيار الشرط الضمني، فقد تقدم في اسقاط الخيار المشروط برد الثمن قبل الرد اندفاعه. فراجع.

فالحق في الجواب ان يقال: ان اسقاط ما لم يجب معلقا علي ثبوته، اي اسقاطه في زمان وجوده لا دليل علي المنع عنه، و لو سلم الاجماع عليه فهو يختص بصورة عدم تحقق السبب، فلا يشمل المقام.

و أما المحذور الثاني فيمكن دفعه: بان القاعدة التي اشار إليها ليست مضمون رواية خاصة كي يستدل بظاهر تلك الجملة، بل هي مستفادة من دليل

السلطنة بالتقريب المتقدم في خيار المجلس، و هو غير مختص بالصورة المفروضة،

مع انه قد تقدم في ذلك المبحث ان مدرك مشروعيته فحوي ما دل «1» علي ان التصرف انما يكون مسقطا لكونه التزاما بالعقد و اسقاطا للخيار. فراجع.

(1) قوله و أما ما نحن فيه و شبهه مثل طلاق مشكوك الزوجية هذه الامثلة انما ذكرت نظيرا للمقام من حيث التعليق و عدم الجزم- لا من حيث كفاية وجود السبب في اسقاط المسبب كما توهم.

(2) قوله و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير الظاهر ان مراده ضمانه مع كون الثمن تالفا و الا وجب دفع الثمن الي مالكه.

(3) و أما الصلح عن الحق، فقد اشكل عليه بانه مع عدم الحق المعوض عنه كيف

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 437

فالاولي ضم شي ء الي المصالح عنه المجهول التحقق (1) أو ضم سائر الخيارات إليه بأن يقول صالحتك عن كل خيار لي بكذا و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه (2) لأن المعدوم انما دخل علي تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

______________________________

يمكن المعاوضة الصلحية، و لذا قال المصنف رحمه الله.

(1) فالاولي ضم شي ء الي المصالح عنه المجهول التحقق و قد افيد في وجه صحته، و الجواب عن هذا الاشكال امور:

الأول: ما افاده السيد الفقيه قدس سره، و هو: ان المعوض هو المحتمل بما هو محتمل لا الحق الواقعي. و بعبارة اخري انه احتمال الحق و هو ثابت محقق.

و فيه: ان الاحتمال و المحتمل غير قابلين للنقل و الاسقاط.

الثاني: ما افاده المحقق الخراساني رحمه الله، و هو: ان المعوض نفس الصلح، فيأخذ العوض بازائه لا الحق المجهول.

و فيه: انه حينئذ لا

مصالح عنه، و لا يمكن تحقق الصلح بدونه.

الثالث: ما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، من ان المعوض الرضا بالعقد و لزومه، و هو فعلي.

و فيه: ان الرضا بلزوم العقد انما يكون موجبا للزوم من جهة ان مرجعه الي اسقاط الخيار كما تقدم في خيار المجلس فالأظهر تمامية هذا الايراد، فلا يصح الصلح عنه مع الالتزام بكون ظهور الغبن شرطا شرعيا لحدوث الخيار،

و أما بناء علي ما اخترناه من كونه كاشفا عقليا فالاشكال مندفع من اصله.

(2) قوله و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه و الوجه فيه ان الصلح انما وقع بنحو يكون الحق المجهول جزء المعوض علي تقدير وجود و الا فالضميمة مستقلة في العوضية فلا يرد عليه ما ذكره المحقق الايرواني رحمه الله من انه لو صح الاشكال لم يجد في دفعه ضم شي ء الي المصالح عنه المجهول فان الخيار المجهول ان لم يقابل بالمال علي انفراده لم يقابل بالمال مع الضميمة لوقوع جزء من العوض بازائه فيعود المحذور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 438

الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد (1)

و الاشكال فيه من الجهات المذكورة هنا أو المتقدمة في اسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها، نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار و خيار الرؤية و هو لزوم الغرر من اشتراط اسقاطه قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه: و لو اشترطا رفعه أو رفع خيار الرؤية. فالظاهر بطلان العقد للغرر، انتهي.

ثمّ احتمل الفرق بين الخيارين بأن الغرر في الغبن سهل الازالة و جزم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد و الشرط، و تردد فيه المحقق الثاني الا انه استظهر الصحة و لعل توجيه كلام الشهيد هو ان الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع

كالجهل بصفاته لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه الي الجهل بمقدار ماليته، (2) و لذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل لها في القيمة لكن الاقوي الصحة، لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك في القيمة، (3) و ايضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتي يكون اسقاطه موجبا لثبوته، و إلا لم يصح البيع إذ لا يجدي في الاخراج عن الغرر ثبوت الخيار

______________________________

اشتراط سقوط الخيار في متن العقد

(1) الثاني من المسقطات: اشتراط سقوط الخيار في متن العقد و استدل الشهيد رحمه الله علي بطلان العقد الذي اشترط فيه سقوط خيار الغبن بلزوم الغرر. و وجهه: المصنف رحمه الله.

(2) بان الجهل بصفات المبيع أو الثمن انما يوجب الغرر لا لأجل الجهل بالصفات من حيث هي، و الا لزم بطلان البيع مع الجهل بالصفات غير الدخيلة في التمول، بل انما هو لأجل ادائه الي الجهل بالمالية، و لازمه بطلان البيع في المقام.

و اجاب المصنف رحمه الله عنه بجوابين نقيضين:

(3) احدهما: انه لو كان الجهل بالقيمة موجبا للغرر لزم بطلان البيع مع الشك فيها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 439

لأنه حكم شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر، و إلا لصح كل بيع غرري علي وجه التزلزل و ثبوت الخيار (1) كبيع المجهول وجوده و المتعذر تسليمه.

و أما خيار الرؤية (2) فاشتراط سقوطه راجع الي اسقاط اعتبار ما اشترطاه

______________________________

(1) ثانيهما: ان الخيار لا يرفع الغرر و الا لزم صحة كل بيع غرري بشرط الخيار.

و الحق في الجواب عنه ان يقال: ان هذا الوجه اساسه امران.

الأول: كون الجهل بالقيمة موجبا للغرر.

الثاني: ارتفاع الغرر بالخيار.

و يندفع الأول: بان

الموجب للغرر الذي نهي عنه هو الجهل بذات المبيع أو صفاته الدخيلة في المالية، و ذلك لأن غررية البيع انما هي من ناحية متعلقه، و جهالة المبيع أو الثمن انما هي من ناحية ذاته أو صفاته، اما جهالة قيمته السوقية غير المربوطة به فهي اجنبية عن البيع و لا توجب الغرر.

و بالجملة: الموجب للغرر هو الجهل بذات المبيع أو الصفات الدخيلة في المالية لا الصفات من حيث هي و لا المالية المجردة، فالجهل بالقيمة لا يوجب الغرر.

و يندفع الثاني: بان الخيار متوقف علي صحة العقد، فإذا كانت صحته متوقفة علي الخيار لزم الدور.

و يمكن ان يوجه كلام الشهيد رحمه الله: بان شرط سقوط الخيار- مع كون ثبوته غير معلوم- غرري للجهل بالمشروط، و هو يوجب بطلان العقد لأن الشرط الفاسد مفسد.

و الظاهر انه الي هذا نظر الصيمري في غاية المرام الملتزم بفساد العقد و الشرط.

و لكن يرد عليه: ان الشرط الفاسد غير مفسد، مع ان شرط سقوط الخيار بما انه يئول الي شرط لزوم العقد الثابت المحقق لا يكون غرريا، فالحق صحة الشرط و العقد.

(2) قوله و أما خيار الرؤية،

الاولي ايكال البحث عن ذلك الي محله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 440

من الاوصاف في العين الغير المرئية، فكأنهما تبايعا، سواء وجد فيها تلك الاوصاف ام لا فصحة البيع موقوفة علي اشتراط تلك الاوصاف و اسقاط الخيار في معني الغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناك ايضا، لأن مرجع اسقاط خيار الرؤية الي التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط لا إلي عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف، و لا تنافي بين ان يقدم علي اشتراء العين بانيا علي وجود تلك الأوصاف،

و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت

فتأمل و سيجي ء تمام الكلام في خيار الرؤية، و كيف كان فلا اري اشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر، إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن اصلا لم يلزم منه غرر

الثالث: تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن، (1)

و يدل عليه ما دل علي سقوط خياري المجلس و الشرط به، مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان، و هو اطلاق بعض معاقد الاجماع،

بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه اجازة و فيما انتقل عنه فسخ،

______________________________

تصرف المغبون بعد العلم بالغبن

(1) الثالث: تصرف المغبون باحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن ذكره بعضهم، و المشهور بين الأصحاب عدم سقوط الخيار به، و في الحدائق:

و ظاهرهم انه سواء كان المتصرف الغابن في مال المغبون أو بالعكس خرج به عن الملك كالبيع ام منع من الرد كالاستيلاد ام لا، و لهم في هذه المسألة تفاصيل و شقوق انهاها شيخنا في الروضة و المسالك الي ما يزيد علي مائتي مسألة. انتهي.

فالكلام في موردين:

الأول: في التصرف غير المخرج عن الملك.

لا اشكال في مسقطية التصرف الكاشف عن الرضا بلزوم العقد مع قصده ذلك،

فانه حينئذ اسقاط فعلي، كما لا إشكال في عدم مسقطية التصرف لا بعنوان الالتزام بالبيع إذا كان قبل الاطلاع، بل الظاهر اجماعهم عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 441

و عموم العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان المستدل بها في كلمات العلماء علي السقوط و هي الرضا بلزوم العقد مع ان الدليل هنا اما نفي الضرر و أما الاجماع. (1)

و الاول منتف، فإنه كما لا يجري مع الاقدام عليه فكذلك لا يجري مع الرضا به بعده و أما الاجماع فهو غير ثابت مع الرضا الا ان يقال ان الشك في

الرفع لا الدفع فستصحب، (2) فتأمل.

أو ندعي ان ظاهر قولهم فيما نحن فيه ان هذا الخيار لا يسقط بالتصرف شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك، لكن الإنصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار ان التصرف مسقط لكل خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار، كما في العيب و التدليس سوي هذا الخيار، و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من ان التصرف قبل العلم بالعيب و التدليس ملزم لدلالته علي الرضا بالبيع فيسقط الرد، و إنما يثبت الأرش في خصوص العيب عدم دلالة التصرف علي الرضا بالعيب، و كيف كان،

فاختصاص التصرف الغير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفي علي المتتبع في كلماتهم.

______________________________

اما التصرف بعد العلم بالغبن مع عدم كونه اجازة فعلية: فقد استدل علي مسقطيته بطريقين: احدهما: من ناحية المانع ثانيهما: من ناحية عدم المقتضي.

اما الأول: فهو اطلاق بعض معاقد الاجماعات، و عموم العلة في خبر الحيوان، و قد تقدم الكلام عليهما في خيار المجلس و عرفت عدم تماميتهما.

(1) و أما الثاني: فتقريبه: ان مدرك خيار الغبن اما حديث نفي الضرر، و أما الاجماع، و الأول لا يشمل المقام، لأنه كما لا يشمل المعاملة الغبنية التي اقدم عليها،

كذلك لا يشمل المعاملة الضررية التي رضي المغبون بها بقاء: فانه لا يكون اللزوم بقاء ضرريا، بل الضرر ناش من اختيار المغبون حقيقة.

(2) و اورد المصنف رحمه الله عليه: بان الشك في الرفع لا الدفع، فيستصحب الخيار، ثمّ امر بالتأمل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 442

نعم لم اجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكي عن صاحب المسالك و تبعه جماعة

لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل، مما لا ينبغي، بل ربما يستشكل في حكمهم بعد السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم و الاعتذار بالنص انما يتم في العيب دون التدليس، فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص و مقتضي القاعدة في حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد و التحقيق ان يقال: ان مقتضي القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل علي الرضا بلزوم العقد و تحمل الضرر.

نعم قد ورد النص في العيب علي السقوط و ادعي عليه الاجماع مع ان ضرر السقوط فيه متدارك بالارش، و ان كان نفس امساك العين قد تكون ضررا، فإن تم دليل في التدليس ايضا، قلنا به، و الا وجب الرجوع الي دليل خياره، ثمّ ان الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني علي ما تقدم في الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا علي الرضا بلزوم العقد، و الا كان اللازم في غير ما دل فعلا علي الالتزام بالعقد من افراد التصرف الرجوع الي اصالة بقاء الخيار.

______________________________

و قد قيل في وجه التأمل امور:

منها: ما افاده السيد الفقيه رحمه الله، و هو: ان الشك في بقاء الخيار من قبيل الشك في المقتضي لعدم احراز مقدار استعداد المستصحب مع التصرف، فلا يجري فيه الاستصحاب.

و منها: ان المورد مما يجب فيه الاستدلال بعموم العام لا استصحاب حكم المخصص.

و منها: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله، و هو: ان الشك شك في الموضوع، لأن موضوع من له الخيار ليس ذات المغبون و لا العقد الغبني، بل يحتمل ان يكون لوصف عدم الرضا و لو نوعا دخل

في الموضوع، فلا يجري الاستصحاب.

و بعض هذه الوجوه لا يخلو عن النظر، و لكن في بعضها الآخر- بضميمة ان المختار عدم جريان الاستصحاب في الأحكام- كفاية،

و لكن مع ذلك كله يرد علي اصل الاستدلال: ان مفروض البحث هو التصرف غير الكاشف عن الالتزام بالعقد، و عليه فلا مانع من اجراء قاعدة لا ضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 443

الرابع: من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك علي وجه اللزوم
اشارة

كالبيع و العتق، (1) فإن المصرح به في كلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ. و قيل: انه المشهور و هو كذلك بين المتأخرين.

نعم ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع انه لو هلك السلعة أو تصرف فيها سقط الرد، و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن، كما يظهر من جامع المقاصد في شرح قول الماتن، و لا يبطل الخيار بتلف العين فراجع، و استدل علي هذا الحكم في التذكرة بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك، و هو بظاهره مشكل، لأن الخيار غير مشروط عندهم بإمكان رد العين و يمكن ان يوجه بأن حديث نفي الضرر لم يدل علي الخيار

______________________________

التصرف المخرج عن الملك.

(1) الثاني: في التصرف المخرج عن الملك، و قد ذكره المصنف رابع المسقطات، و في بعض الكلمات بعد تسليم مسقطيته: ان الاولي تبديل عنوان التصرف بالتلف، لأن عنوان هذا المسقط ليس هو التصرف بما هو تصرف، فانه هو المسقط السابق بل بما هو اتلاف.

و كيف كان: فالتلف قد يكون حقيقيا و قد يكون حكميا، و مجموع ما ذكر في وجه المسقطية وجوه اربعة ثلاثة منها جارية في كلا التلفين و واحد منها مختص بالتلف الحكمي،

و لا يجري في التلف الحقيقي،

و هي علي قسمين:

الأول: من طريق عدم المقتضي للخيار

بعد التلف.

الثاني: من طريق المانع.

اما القسم الأول فهو اثنان:

احدهما: ان دليل هذا الخيار اما الاجماع أو قاعدة نفي الضرر، و المتيقن من الاجماع صورة بقاء العين، و قد افتي المشهور بسقوط الخيار في صورة تلفها- يعني تلف ما في يد المغبون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 444

بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها، فإذا امتنع ردها، فلا دليل علي جواز فسخ العقد، (1) و تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفين انما يكون بتسلط المغبون علي رد العين فيكون حاله من حيث ان له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في ان له ان يشتري و ان يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه، مع ان اخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر، و لو جهلا منه به (2) هذا، و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد في اللمعة بما توضيحه: ان الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف، و التصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه، لما عرفت من ان الخارج عن عموم نفي الضرر ليس الا صورة الاقدام عليه عالما به،

فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها علي ملكه و بدلها مع عدمه، و فوات خصوصية العين علي الغابن ليس ضررا

______________________________

(1) و قاعدة نفي الضرر انما تنفي اللزوم و تثبت الجواز، و المتيقن من الجواز الثابت بها حق رد العين، فإذا امتنع ردها فلا دليل علي جواز فسخ العقد.

و فيه: اولا: ان حديث نفي الضرر ينفي اللزوم فيثبت بديله، و بديل لزوم العقد جوازه، و تراد العوضين غير مربوط بحديث

نفي الضرر.

و ثانيا: انه لو تم لاختص بتلف العين الحقيقي، و لا يجري في التلف الحكمي- اي الانتقال بالعقد اللازم- فان حديث نفي الضرر لحكومته علي جميع الأدلة يصلح لرفع لزومه، و جواز حل المغبون ذلك العقد ايضا.

و ثالثا: ان مدرك هذا الخيار كما عرفت هو الشرط الضمني دون حديث نفي الضرر.

(2) ثانيهما: ان اتلاف المغبون العين و اخراجها عن ملكه التزام بالضرر و لو جهلا منه به، و توطين للنفس علي الالتزام بالبيع و لو كان مغبونا فيه واقعا، و الاقدام بحسب الدوام كالاقدام ابتداء في اسقاط الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 445

لأن العين المبيعة ان كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها، و ان كانت قيمية،

فتعريضها للبيع يدل علي ارادة قيمتها، فلا ضرر اصلا فضلا عن ان يعارض ضرر زيادة الثمن علي القيمة خصوصا مع الافراط في الزيادة و الانصاف ان هذا حسن جدا، لكن قال في الروضة: ان لم يكن الحكم اجماعا (1)

اقول: و الظاهر عدمه (2) لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدم علي المحقق فيما تتبعت، ثمّ ان مقتضي دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين البائع و المشتري، قال في التحرير بعد ان صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان أو مشتريا. و لا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد، و مقتضي اطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم و بين فك الملك كالعتق و الوقف، و بين المانع عن الرد مع البقاء علي الملك كالاستيلاد. بل و يعم التلف

______________________________

و فيه: ان التصرف قبل العلم بالغبن ليس التزاما بالعقد و رضا ببقائه، و الا كان الاقدام علي المعاملة مع الجهل اقداما علي الضرر موجبا لعدم ثبوت الخيار رأسا،

مع ان

الرضا بالعقد ما لم يرجع الي اسقاط الخيار لا يوجب سقوطه.

و أما القسم الثاني فهو ايضا اثنان: احدهما: ظهور الاجماع،

(1) قال الشهيد في محكي الروضة: ان الحكم بعدم السقوط حسن ان لم يكن الحكم اجماعا.

(2) و فيه: اولا: ما افاده المصنف رحمه الله من ان الظاهر عدمه.

و ثانيا: انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

ثانيهما: ان دليل نفي الضرر في جانب المغبون مزاحم به في جانب الغابن، لأن قبول البدل ضرر علي الغابن، كما ان الالتزام بالبيع ضرر علي المغبون، و بعد التساقط يرجع الي اصالة اللزوم.

و فيه: ان ضرر الغابن ان كان بلحاظ فوات خصوصية العين فهو ضرر اقدم عليه بالبيع، و ان كان بلحاظ النقص في المالية، و المفروض انه يأخذ مالية ماله باخذه القيمة.

فتحصل: ان الأظهر عدم كونه مسقطا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 446

و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشتري، فإن ارادوا قصر الحكم عليه فلا يعرف له وجه، الا ان يبني علي مخالفته لعموم دليل الخيار، اعني نفي الضرر فيقتصر علي مورد الاجماع ثمّ ان ظاهر التقييد بصورة امتناع الرد، و ظاهر التعليل بعدم امكان الاستدراك ما صرح به جماعة من ان الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار (1) إذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات الغير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن، لعموم نفي الضرر (2) و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن،

______________________________

فروع

و ذكر المصنف رحمه الله في المقام فروعا: و لكن بناء علي ما اخترناه من عدم مسقطيته التلف لهذا الخيار لا محل للكلام في هذه الفروع،

و أما بناء علي ما هو المشهور من المسقطية فيقع الكلام فيها،

و هي فروع:

(1) الأول: ان الناقل الجائز هل يمنع الرد ام لا؟

(2) و قد استدل المصنف رحمه الله للثاني بعموم نفي الضرر، و ان مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن.

و فيه: انه ان كان مدرك مسقطية التلف الاجماع صح ما ذكر من عدم مسقطية الناقل الجائز، و ان كان غيره فحكمه حكم اللازم: فانه إذا لم يفسخ العقد الجائز، كما هو مفروض البحث، الرد غير ممكن.

و لو قيل: ان دليل الخيار يقتضي فسخ العقد الجائز توطئة لفسخ العقد الغبني،

اجبنا عنه انه يقتضي اعادة العين الي ملكه و لو بالشراء أو الاقالة.

و ان قيل: انه يقتضي انفساخ العقد الجائز،

قلنا: انه يقتضي انفساخ اللازم ايضا.

و بالجملة: لا فرق بين اللازم و الجائز اصلا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 447

و لو اتفق زوال المانع كموت ولد ام الولد و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن. (1)

ففي جواز الرد وجهان من انه متمكن حينئذ، و من استقرار البيع (2) و ربما يبنيان علي ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد، (3) و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا اولي لأن العود هنا بسبب جديد، و في الفسخ برفع السبب السابق و في لحوق الإجارة بالبيع، قولان (4) من امتناع الرد و هو مختار الصيمري و ابي العباس، و من ان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك (5)

و هو المحكي عن ظاهر الأكثر، و لو لم يعلم بالغبن الا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد،

و كذا لو لم يعلم به حتي انفسخ البيع

______________________________

(1) الثاني: لو اتفق زوال المانع، كموت ام الولد، و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن،

ففي المتن

ففي جواز الرد وجهان، و قد ذكر في مبني الوجهين امرين:

(2) احدهما: انه يتمكن من الرد فله ذلك، و ان البيع استقر و صار لازما فلا يعود حق الخيار.

الظاهر ان مدرك مسقطية التلف، ان كان تزاحم فردين من الضرر، أو أن لا ضرر انما يثبت حق رد العين لا حل العقد، كان الاوجه هو الأول: لأن سقوط الخيار و لزوم العقد انما هو لمانع عن شمول لا ضرر، فمع ارتفاعه لا مانع من شموله،

و ان كان هو كون الناقل اللازم التزاما بالعقد الأوجه هو الثاني كما لا يخفي.

(3) ثانيهما: الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد.

الظاهر ان الزائل في المقام بما انه امر اعتباري و هي الملكية، فهي ان عادت بفسخ السبب كالتي لم تزل، لأن العائد و ان كان غير الزائل بالدقة العقلية الا انه عينه اعتبارا و عرفا، و ان عادت بسبب آخر فالظاهر انه غيره، و لو اعتبارا، لكن شيئا من المبنيين ليس وجها لثبوت الخيار، و عود ذاك الحق و عدمه، فانه و ان كان العائد كالذي لم يزل يمكن ان يقال بعد سقوط هذا الحق ما السبب لرجوعه.

(4) الثالث: و هل يلحق الاجارة بالبيع كما عن الصيمري، ام لا كما عن ظاهر الأكثر؟ قولان،

(5) و قد استدل لعدم اللحوق: بان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 448

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه أقواها اللحوق (1) لحصول الشركة، فيمتنع رد العين الذي هو مورد الاستثناء.

______________________________

و يرد عليه: ان مدرك سقوط الخيار في هذه المسألة لم يكن خصوص الاجماع، و لا رواية خاصة متضمنة لمسقطية التصرف المخرج عن الملك

كي يستدل بظاهره. فلا بد من ملاحظة سائر الأدلة.

و الحق هو اللحوق، فان العين لا يمكن ردها خارجا و لا ملكا علي ما هي عليه من المنفعة، فان كان هذا الخيار هو جواز رد العين لا محالة يسقط في الفرض.

(1) الرابع: ما ذكره بقوله: و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك، وجوه اقواها اللحوق.

الامتزاج تارة يوجب تلف المال من جهة الاستهلاك كما لو امتزج ماء الورد بماء مطلق كثير موجب لاستهلاكه فيه، و اخري يوجب الشركة علي القول بذلك كامتزاج دهن بدهن آخر، و ثالثة لا يوجب شيئا منهما.

مورد الكلام هو الوسط، اما الأول فهو ملحق بالتلف قطعا، و أما الأخير فهو لا يمنع من الرد كذلك،

و انما الكلام في الموجب للشركة،

ثمّ ان الامتزاج، قد يكون بملك الغابن، و قد يكون بملك المغبون و قد يكون بملك شخص ثالث، فان كان الامتزاج بملك الغابن بما هو من جنس المبيع لا أري مانعا من الرد،

و احتمال اعتبار رد العين متميزة لا يعتني به،

و أما في سائر صور الامتزاج فالحق هو اللحوق، فان الملكية المشاعة غير الملكية غير المشاعة، و هي اما عبارة عن الملكية الناقصة كما هو المختار و بيناه في الجزء الثالث من هذا الشرح، أو عبارة عن كون كل جزء نصفه له و نصفه لشريكه. و علي التقدير الأول تتبدل الملكية التامة المتعلقة بالنصف مثلا بالملكية الناقصة المتعلقة بالمجموع، و علي التقدير الثاني يوجب انتقال نصف ماله الي شريكه بازاء نصف مال شريكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 449

و كذا و لو تغيرت العين بالنقيصة، (1) و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوي الرد في الوسطي (2)

بناء علي حصول الشركة في غيرها المانعة عن رد العين، فتأمل. هذا كله في تصرف المغبون.

و أما تصرف الغابن فالظاهر انه لا وجه لسقوط خيار المغبون به، (3)

______________________________

(1) الخامس: ما ذكره بقوله: و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة.

الأظهر فيه ايضا اللحوق، فانه مع التغير بالنقيصة لا يمكن رد العين بعينها و بحدها،

و هو موجب لسقوط الخيار كما تقدم.

(2) السادس: ما ذكره بقوله: و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوي الرد في الوسطي.

الظاهر: ان المراد، من الحكمية ترقي القيمة السوقية، و من العينية الزيادة غير المنفصلة، و عليه فالزيادة الحكمية لا تمنع من الرد، ان لم تكن بمقدار الغبن، و الا فتمنع كما تقدم عند بيان إن العبرة بالقيمة حال العقد أو بها بعده ايضا و أما الزيادة العينية فعلي القول بان الشركة مانعة عن الرد كما تقدم فهي تمنع من الرد لاستلزامه الشركة كما لا يخفي.

تصرف الغابن المخرج عن الملك

الموضع الرابع: في تصرف الغابن.

و تمام الكلام فيه في طي فروع:

(3) الأول: اختار المصنف رحمه الله كغيره، و تبعه غير واحد من عدم سقوط الخيار بتصرف الغابن المخرج عن الملك: و انه لا وجه لسقوطه،

و هو يتم لو كان مدرك سقوط الخيار باتلاف المغبون هو كونه التزاما بالعقد و توطينا للنفس علي تحمل الضرر، و أما لو كان مدركه تعلق حق الخيار بالرد لا العقد و هو لا يمكن بعد خروجه عن ملكه، فلا فرق بين التصرفين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 450

و حينئذ فان فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو الوقف أو البيع اللازم، ففي تسلطه علي ابطال ذلك من حينه (1) أو من اصلها كالمرتهن و الشفيع، (2) أو رجوعه

الي البدل، (3) وجوه من وقوع العقد في متعلق حق الغير فإن حق المغبون ثابت بأصل المعاملة الغبنية. و انما يظهر له بظهور السبب فله الخيار في استرداد العين إذا ظهر السبب و حيث وقع العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس

______________________________

إذ الخيار لو كان هو السلطنة علي الرد ليس المراد بها السلطنة عليه خاصة، بل عليه و علي الاسترداد، بل قيل انه السلطنة علي الاسترداد خاصة و مع عدم التمكن من الاسترداد لا معني للخيار حينئذ،

و لكن قد عرفت ان الخيار لا يسقط بتصرف المغبون فضلا عن تصرف الغابن.

(1) الثاني: مع بقاء خيار المغبون ان فسخ العقد و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالبيع أو الوقف أو ما شاكل ففي تسلطه علي ابطال ذلك من حينه، أو من اصله أو رجوعه الي البدل، أو بطلان تصرف الغابن وجوه،

محل البحث في الوجه الأخير انما هو مبحث احكام الخيار،

فالكلام في المقام في الوجوه الثلاثة الاول التي ذكرها المصنف رحمه الله:

(1) الأول: تسلطه علي حل العقد الثاني الذي اوقعه الغابن من حين الفسخ.

(2) الثاني: تسلطه علي حل ابطاله من اصله.

(3) الثالث: رجوعه الي البدل.

و الظاهر ان مراده من التسلط علي حل العقد من حينه و ابطاله من اصله، كون الفسخ موجبا لبطلانه من حينه أو من اصله،

فلا يرد عليه ما اورده المحقق الايرواني رحمه الله من انه لا وجه لابطاله، بل هي اما ان تنفسخ أو تبقي نافذة لا تنفسخ بفسخه.

و قد استدل للأول: بانه مقتضي الجمع بين تسلط الناس علي اموالهم «1» المقتضي لنفوذ تصرف الغابن لوقوعه في ملكه، و بين دليل الخيار المقتضي لاستحقاق العين بالفسخ.

و فيه: ان الخيار ان كان متعلقا

بالعقد لما اقتضي رجوع العين بعد خروجها عن

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 372 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 451

و من ان وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس، (1) كما في بيع الرهن و مقتضي فسخ البيع الأول تلقي الملك من الغابن الذي وقع البيع معه، لا من المشتري الثاني، و من انه لا وجه للتزلزل، اما لأن التصرف في زمان خيار الغير المتصرف صحيح لازم، كما سيجي ء في احكام الخيار فيسترد الفاسخ البدل.

و أما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا علي وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار، كما هو ظاهر الجماعة هنا و في خيار العيب قبل ظهوره، فإن غير واحد ممن منع من تصرف غير ذي الخيار بدون اذنه أو استشكل فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب، و هذا هو الأقوي، و سيأتي تتمة لذلك في أحكام الخيار.

______________________________

ملكه، و ان كان متعلقا بالعين اقتضي توقف نفوذ تصرف الغابن علي اذن المغبون و اجازته.

و المحقق الاصفهاني رحمه الله استدل له بوجه آخر، و هو: ان تصرف الغابن بدليله صحيح، و فسخ المغبون يوجب حل العقد من حينه، و حيث ان مقتضي الفسخ عود العين الي ملك الفاسخ فلا محالة يؤثر في انحلال التصرف المترتب علي المعاملة الغبنية.

و يرده ما ذكره رحمه الله من ان مقتضي الفسخ ان كان عود العين فعدم امكانه يوجب امتناع الفسخ و سقوط الحق، و ليس مقتضاه ولاية ذي الخيار علي حل التصرف المترتب عليها، و ان لم يكن مقتضيا لعودها حقيقة فلا موجب لانحلال التصرف.

(1) و قد استدل للثاني: بان دليل الخيار يقتضي استحقاق العين. بالفسخ و تلقيها من

الغابن، و حيث ان العقد الثاني الواقع بين الغابن و المشتري متزلزل من رأسه لكون المبيع حق المغبون، فالفسخ يوجب حله من رأس.

و فيه: ما تقدم من ان حق الخيار ان كان متعلقا بالعقد اقتضي رجوع العين مع الامكان، و بدلها مع التلف و لو تعبدا، و ان كان متعلقا بالعين اقتضي توقف تصرف الغابن علي اذن المغبون أو اجازته،

مع انه لو تمت المقدمات اقتضي انفساخ المعاملة الثانية آنا ما قبل فسخ الاولي.

فتحصل: ان المتعين هو الوجه الثالث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 452

و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد (1) و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه علي الاستيلاد، ثمّ ان مقتضي ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز، (2) لأن معني جوازه تسلط احد المتعاقدين علي فسخه، اما تسلط الاجنبي و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا.

و في المسالك لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار، ألزم بالفسخ، فإن امتنع فسخه الحاكم، و إن تعذر فسخه المغبون، (3) و يمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه و إما بدخول بدلها. (4)

______________________________

(1) قال المصنف: و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد يعني: ان الوجوه الثلاثة المتقدمة في بيع الغابن جارية في الاستيلاد بناء علي تأثيره مطلقا، و يحتمل فيه زائدا علي تلك بطلان الاستيلاد و عدم تأثيره في المنع عن الاسترداد من جهة ان الاستيلاد يوجب حدوث حق لام الولد مانع عن انتقالها، فتقع المزاحمة بين الحقين: حق الاستيلاد و حق خيار المغبون الموجب لجواز الاسترداد، و حيث ان سبب الخيار مقدم علي سبب حق الاستيلاد

لأنه العقد و هذا الاستيلاد، فيقدم حق الخيار لسبق سببه، فلا يؤثر الاستيلاد شيئا، و لو فسخ المغبون يستردها،

و يرد هذا الاحتمال ان سبق السبب زمانا لا يوجب تقديم دليل السابق، مع انه لا تزاحم بينهما، فان حق الخيار متعلق بالعقد، و حق الاستيلاد متعلق بالعين، فلا منافاة بينهما و لا تزاحم.

(2) الثالث: لو فسخ العقد و قد خرج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز فقد يقال كما عن المصنف: ان الوجوه الثلاثة الجارية في العقد اللازم جارية في العقد الجائز، لأنه بالنسبة الي المغبون لازم، و جوازه بالاضافة الي الغابن لا ربط له بفسخ المغبون. و ان تعذر فسخه المغبون.

(4) و اورد عليه المصنف رحمه الله: بانه لا وجه لإلزام الغابن بالفسخ، إذ مقتضي الوجهين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 453

فعلي الأول لا حاجة الي الفسخ حتي يتكلم في الفاسخ. و علي الثاني فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ الي غيره اللهم الا ان يقال انه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ انما هو للحيلولة، فإذا امكن رد العين وجب علي الغابن تحصيلها، (1) لكن ذلك انما يتم مع كون العين باقية علي ملك المغبون، (2) و أما مع عدمه و تملك المغبون للبدل فلا دليل علي وجوب تحصيل العين، ثمّ علي القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز، لو اتفق عود الملك إليه لفسخ، فان كان ذلك قبل فسخ المغبون.

فالظاهر وجوب رد العين، و ان كان بعده، فالظاهر عدم وجوب رده (3)

لعدم الدليل بعد تملك البدل و لو كان العود بعقد جديد فالأقوي عدم وجوب الرد مطلقا، لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه، و الفاسخ انما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل

______________________________

الاولين انفساخ

معاملة الغابن و دخول العين في ملك المغبون، فلا مورد لفسخه، و مقتضي الوجه الثالث دخول بدلها في ملكه، و معه لا يستحق شيئا علي الغابن كي يوجب الزامه بالفسخ.

(1) ثمّ اورد علي نفسه: بانه يمكن ان يقال ان البدل انما هو للحيلولة: فإذا امكن رد العين علي الغابن وجب تحصيلها.

(2) و اجاب عنه: بان مورد بدل الحيلولة ما إذا كانت العين باقية في ملكة، و في المقام تكون هي لمن انتقلت إليه من الغابن، و للمغبون البدل.

و لكن هذا الايراد علي الشهيد يتم إذا كان مراده الزام الغابن بالفسخ بعد فسخ المغبون المعاملة، و أما ان كان مراده الزامه بالفسخ قبله توطئة لفسخ المغبون فلا يرد عليه هذا الايراد، و عليه فالصحيح ان يورد عليه بان الزام الغابن بالفسخ مما لا وجه له.

(3) الرابع: و لو اتفق عود الملك إليه لفسخ فقد افاد المصنف رحمه الله: انه إذا فسخ الغابن معاملته ثمّ فسخ المغبون المعاملة الغبنية فالظاهر وجوب رد العين، و أما ان تملكها الغابن بعقد جديد ثمّ فسخ المغبون فالظاهر عدم وجوب ردها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 454

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، (1) فإما ان يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج فإن كان بالنقيصة، فإما ان يكون نقصا يوجب الأرش، و أما ان يكون مما لا يوجبه (2) فإن اوجب الأرش اخذه مع الأرش، كما هو مقتضي الفسخ، لأن الفائت مضمون بجزء من العوض

______________________________

و محصل ما ذكره رحمه الله في مقام الفرق: ان الفسخ انما يرفع السبب الناقل و يوجب صيرورته كالعدم، فتعود الملكية السابقة، و هذا بخلاف التملك بسبب آخر، فانها غير الملكية السابقة، فإذا كان الغابن مالكا بالملكية السابقة،

و المفروض فسخ المغبون، و الفسخ يعدم السبب و يوجب تملك الفاسخ بالملكية السابقة، فلا محالة تعود هي إليه، و ان كان الغابن مالكا بملكية جديدة، فالفسخ لا يوجب انتقالها إليه.

و فيه: ان المغبون له ان يرجع العين الي ملكه بمقتضي حديث لا ضرر أو غيره،

و بحسب الدليل لا فرق بين كونها ملكا للغابن بالملكية الجديدة أو السابقة، مع ان الملكية جديدة علي اي تقدير، إذ المعدوم لا يعود. فتأمل.

تصرف الغابن الموجب للنقيصة

(1) الخامس: فيما لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين.

و الكلام فيه في مقامات:

الأول: في التصرف الموجب للنقيصة.

الثاني: في التصرف الموجب للزيادة.

الثالث: في الامتزاج.

(2) اما الأول: فقد قسمه المصنف رحمه الله الي قسمين:

احدهما: ما يوجب النقيصة بالنقص الموجب للارش.

ثانيهما: ما يوجب النقيصة بما لا يوجبه.

و مراده من الأول: نقص وصف الصحة المساوق للعيب، و بالثاني: نقص وصف الكمال لا النقص المالي و غير المالي، لجعله العين المستأجرة من القسم الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 455

فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله (1) و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين، و ان كان مما لا يوجب شيئا رده بلا شي ء،

______________________________

و كيف كان: فالكلام يقع في موردين:

الأول: في النقصان الموجب للارش.

و قد استدل لضمان الغابن للنقص بوجوه: الأول: ما في المتن.

(1) و حاصله: ان وصف الصحة الفائت مضمون بجزء من العوض، فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله.

و فيه: ان الوصف سواء كان من قبيل وصف الصحة أو كان من قبيل وصف الكمال- كان مقوما للمال و موجبا لازدياد المالية ام لم يكن- لا يقابل بجزء من العوض،

و الشيخ رحمه الله ايضا ملتزم بذلك، فلا وجه لعود

بدله ان كان تالفا.

الثاني: ان مقتضي قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «1» بناء علي شمولها لخيار الغبن و لتلف وصف الصحة ضمان الغابن للنقص.

و فيه: ان تلك القاعدة لا تشمل خيار الغبن، و لا الأوصاف.

الثالث: ان الفسخ يوجب رجوع العين علي ما هي عليه حين البيع ليكون العائد ما وقع عليه العقد، و لازم ذلك ضمان كل وصف فائت، سيما إذا كان الفوت بفعل الغابن كما هو المفروض.

الظاهر انه وجه متين و سيأتي تمام الكلام فيه في مسألة تلف احد العوضين أو كليهما فانتظر.

المورد الثاني: في النقصان غير الموجب للارش.

فان كان وصفا لا مالية له و لا يوجب ازدياد المالية لا إشكال في عدم ضمان شي ء،

و الا فان كان مدرك الضمان في المورد الأول الوجه الأول أو الثاني لم يكن عليه شي ء في المقام، فان وصف الكمال غير مقابل بجزء من الثمن قطعا، كما انه غير مشمول

______________________________

(1) الوسائل- باب 5- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 456

و منه ما لو وجد العين مستأجرة، (1) فإن علي الفاسخ الصبر إلي ان ينقضي مدة الإجارة، و لا يجب علي الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلي بقية المدة بعد الفسخ، لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد و الفسخ، فهي ملك للمفسوخ عليه، فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق، فإذا تحقق في زمان ملك منفعة العين باسرها و يحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة، لأن ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل (2) و هو الذي جزم به المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع، و فيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة.

نعم ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ

لأجل اختلاف المتبايعين انه إذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الأجرة للمشتري المؤجر و وجب عليه للبائع اجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ، و قرره علي ذلك شراح الكتاب و سيجي ء ما يمكن ان يكون فارقا بين المقامين

______________________________

لقاعدة التلف في زمان الخيار. و ان كان هو الوجه الأخير كان الأوجه الضمان في المقام،

إذ لا فرق في اقتضاء الفسخ الذي حقيقته ما عرفت بين فوات وصف الصحة أو الكمال،

فتفصيل الشيخ رحمه الله بينهما في غير محله.

(1) و في المتن: و منه ما لو وجد العين مستاجرة.

و الكلام فيه تارة: في حكم الاجارة،

و اخري: في تدارك المنفعة المستوفاة بالاجارة.

اما الكلام من الجهة الاولي: فقد استدل لانفساخ الاجارة:

(2) بان ملكية العين بما انها متزلزلة فملكية المنافع ايضا كذلك، لأنها تابعة لها.

و فيه: ان ملكية العين في زمان تتبعها ملكية المنفعة الي الأبد، فيصح لمالك العين استيفائها بالاجارة، فإذا صحت الاجارة شملتها ادلة لزومها، فلا وجه للانفساخ.

و أما الكلام من الجهة الثانية:

فالحق ان الفسخ يوجب تدارك النقص المالي الوارد علي العين بسبب استيفاء منافعها بالاجارة، فان المنافع شئون و حيثيات قائمة بالعين موجبة للمالية، فحيث ان المفسوخ عليه اتلفها باستيفائها بالاجارة فيكون ضامنا لها، و لا يهمّنا النزاع في انه هل يضمن اجرة المثل للمنافع، أو النقص المالي الوارد علي العين إذ هما متطابقان دائما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 457

و ان كان التغيير بالزيادة فإن كانت حكمية محضة كقصارة الثوب و تعليم الصنعة، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن يقوم العين معها و لا معها و يؤخذ النسبة، (1) و لو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة.

فالظاهر عدم شي ء لمحدثها لأنه انما عمل فيما له و

عمله لنفسه غير مضمون علي غيره و لو لم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال، و لو في ضمن العين

______________________________

تصرف الغابن الموجب للزيادة

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه في موردين:

الأول: في الزيادة الحكمية، و هي ما ليس لها ما بحذاء في الخارج كقصارة الثوب،

و ملخص القول فيه: ان الزيادة ان لم تكن موجبة لزيادة القيمة لا إشكال في عدم الشركة،

و لا في عدم استحقاق اجرة العمل.

اما الأول فواضح،

و أما الثاني فلأنه عمل عملا في ملكه.

و ان كان لها دخل في زيادة القيمة ففي المتن.

(1) فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بان يقوم العين معها و لا معها و يؤخذ النسبة.

و اورد عليه المحقق الايرواني: بانه لا وجه للشركة بعد عدم حصول امتزاج مالين من شخصين، فان المال جميعا لواحد، و أما الوصف فذلك لا يقابل بالمال بل يوجب زيادة قيمة الموصوف.

و فيه: ان منشأ الشركة ان الوصف الحادث الموجب لازدياد القيمة الباقي لا يدخل هو و لاما هو معلوله و اثره، و هو زيادة القيمة في ملك الفاسخ،

بل يكون باقيا في ملك المفسوخ عليه، و حيث ان ذلك المقدار من المالية غير متميزة واقعا فلا محالة تحصل الشركة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 458

و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس. (1) ففي تسلط المغبون علي القلع بلا ارش، (2) كما اختاره في المختلف في الشفعة أو عدم تسلطه عليه مطلقا، كما عليه المشهور فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري أو تسلطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا و قيل به في الشفعة و العارية وجوه

______________________________

(1) المورد الثاني: في الزيادة العينية المحضة كالغرس.

و الكلام فيها في جهات:

(2) الاولي: في انه هل للغابن

سلطنة علي الابقاء فلا يجوز للمغبون قلعه و لا إجبار المالك بالقلع، ام لا؟ نسب الي المشهور الأول،

و قد استدل له بوجوه:

الأول: ان الغرس وقع من اهله في محله، فالغارس مالك الغرس بوصف الشجرية.

و بعبارة اخري: الغارس بغرسه الشجر قد استوفي منفعة الأرض ما دام غرسه باقيا، فيكون الغرس كالاستيفاء الاعتباري بالاجارة، فبالفسخ تنتقل العين بدون هذه المنفعة المستوفاة بالغرس الي المغبون، فلا منفعة له حتي تكون له السلطنة علي المنع من استيفاء الغابن.

و فيه: ان استيفاء المنفعة اما ان يكون حقيقيا أو اعتباريا، و شي ء منهما لا يكون في هذه المنفعة بعد الفسخ،

اما الأول: فلأن استيفاء هذه المنفعة انما يكون تدريجيا بانتفاع الشجرة بتشربها من اعماق الأرض، و من الضروري ان ما كان منه بعد الفسخ لا يكون حاصلا بمجرد الغرس.

و أما الثاني: فهو مفروض العدم، فمنفعة الأرض تعود الي المغبون.

الثاني: ما في حاشية السيد رحمه الله، و حاصله: ان مقتضي الجمع بين تسلط مالك الأرض علي ماله، و تسلط مالك الشجر علي غرسه بما هو غرس الذي يكون عرقه حقا هو سلطنة مالك الغرس علي الابقاء، غاية الأمر مع الاجرة.

و فيه: ان مالك الشجر مسلط علي ماله و هو الشجر لا علي انتفاع الشجرة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 459

______________________________

بتشربها من اعماق الأرض، و الابقاء مستلزم لذلك ايضا.

الثالث: ان سلطنة المغبون علي القلع و لو بمعني المنع عن ابقاء الشجر تستلزم تضرر الغابن بصيرورته حطبا، و قاعدة نفي الضرر حاكمة علي دليل السلطنة كسائر ادلة الأحكام.

و فيه: اولا: انه يعارض ذلك بتضرر المغبون ببقاء الغرس في ملكه، و بعد التساقط يرجع الي القواعد الأولية.

و ثانيا: انه مع العلم بالغبن قد اقدم علي ذلك فلا

تشمله قاعدة نفي الضرر فالأظهر ان له السلطنة علي المنع من البقاء.

الجهة الثانية: في انه علي فرض السلطنة علي عدم البقاء هل يجوز للمغبون مباشرة القلع، ام له مطالبة المالك بالقلع، فان امتنع يجبره الحاكم، أو يقلعه هو؟ وجوه:

و الأظهر هو الأخير، فانه و ان لم يكن له من ابتداء الأمر القلع لأنه تصرف في مال الغير و هو غير جائز، الا انه بعد امتناعه يجوز له قلعه، اما لأنه اسقط حرمة ماله بالامتناع،

أو لأن توقف جواز القلع علي الاذن ضرري مرفوع بالحديث.

و علي اي حال لا دليل علي لزوم الرجوع الي الحاكم، فانه انما يرجع إليه في موردين:

الأول: فيما إذا كان لشخص حق علي الآخر و امتنع من عليه الحق منه، فانه يرجع إليه لكونه ولي الممتنع.

الثاني: فيما إذا كان لشخص ولاية علي تصرف لازم عليه، و المقام ليس داخلا في شي ء من الموردين،

اما الأول: فلأنه لا حق للمغبون علي الغابن،

و أما الثاني: فلأن الغابن لا ولاية له علي التصرف بل انما يجب عليه القلع فقط.

فالأظهر هو الرجوع إليه، فان امتنع قلعه بنفسه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 460

من ان صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة عن كونه في مكان صار ملكا للغير، فلا حق للغرس كما إذا باع ارضا مشغولة بماله و كان ماله في تلك الأرض ازيد قيمة، (1) مضافا الي ما في المختلف في مسألة الشفعة، من ان الفائت لما حدث في محل معرض للزوال لم يجب تداركه و من ان الغرس المنصوب الذي هو مال للمشتري مال مغاير للمقلوع عرفا و ليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان مضافا الي مفهوم قوله صلي الله

عليه و آله: ليس لعرق ظالم حق (2)

فيكون كما لو باع الأرض المغروسة، و من ان الغرس إنما وقع في ملك متزلزل، و لا دليل علي استحقاق الغرس (3) علي الأرض البقاء، و قياس الأرض المغروسة علي الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ اجارتها و لا تغرم لها اجرة المثل فاسد للفرق بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه

______________________________

الجهة الثالثة: في انه لو قلعه هل يستحق الغابن ارش الغرس ام لا؟ وجهان:

(1) قد استدل للأول: بما في المكاسب، و حاصله: ان الغابن مستحق لصفة منصوبية الغرس، فإذا زال هذا الوصف بقلع المغبون غرم له تفاوت ما بين كون الغرس منصوبا و غير منصوب.

و فيه: ان الغابن في ابتداء الأمر غرس بحق، و لكن بعد ما فسخ المغبون المعاملة و انتقلت العين بما لها من المنافع الي المغبون يكون بقاء الغرس و منصوبيته في هذا المكان بقاء بغير حق، فلا موجب للأرش، كيف و ليس لعرق ظالم حق،

فالحق انه لا يستحق الارش.

(2) قوله مضافا الي مفهوم قوله عليه السلام ليس لعرق ظالم حق «1»

قد مر ان المقام داخل في منطوق قوله عليه السلام.

(3) قوله و من ان الغرس انما وقع في ملك متزلزل و لا دليل علي استحقاق الغرس محصل هذا الوجه، ان الغابن يستحق الغرس مع وصف منصوبيته، نعم لا يستحق المنصوبية في المكان الخاص و عليه فلمالك الارض قلعه مع الارش، اما القلع فلعدم استحقاق الغابن النصب في هذا المكان و أما الارش فلفوات وصف المنصوبية

______________________________

(1) الوسائل- باب 3- من كتاب الغصب حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 461

فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان في الأرض.

فالتحقيق ان كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له علي الآخر و لا عليه له (1) فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه، فإن اراد مالك الغرس قلعه فعليه ارش طم الحفر، و ان اراد مالك الأرض تخليصها فعليه ارش الغرس، اعني تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما، و كونه مقلوعا، و كونه مالا للمالك علي صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه علي قلعه، (2) لأن المال هو الغرس المنصوب و مرجع دوامه الي دوام ثبوت هذا المال الخاص له، فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان، فافهم.

و يبقي الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الأكثر الي ان ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش، و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون انما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الأرض المغروسة (3).

______________________________

و فيه: ان المتحقق وصف خاص و هو النصب في مكان خاص لا وصفين النصب و النصب في مكان خاص ليستحق الغابن احدهما دون الآخر، فمع عدم استحقاقه ذلك الوصف لا حق له علي صاحب الارض لو قلعه،

(1) و بذلك يظهر ما في تحقيق المصنف رحمه الله.

(2) قوله و كونه مالا للمالك علي صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه علي قلعه حاصل الاشكال انه إذا استحق الغابن خصوصية النصب و لذا تكون ملحوظة في مقام التدارك يستحق الابقاء و هو مضاد لاستحقاق المغبون القلع و محصل الجواب ان هناك امرين- النصب، و النصب في مكان خاص، و الذي يضاد حق المغبون الثاني، و الذي يكون منشأ

الغرامة هو الاول و قد عرفت ما فيه فلا نعيد.

(3) قوله فيشبه بيع الارض المغروسة ما ذكرناه في المقام يجري بعينه في تلك المسألة فان البائع إذا باع العين من غير استثناء شي ء من المنافع و انتقلت المنافع الي المشتري، يكون بقاء الغرس بغير حق فلا يستحق شيئا نعم في تلك المسألة يمكن ان يقال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 462

و ليس للمشتري قلعه، و لو مع الارش بلا خلاف. بل عرفت ان العلامة في المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق ارش الغرس، ثمّ إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع ام له مطالبة المالك بالقلع و مع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه؟

وجوه ذكروها فيما لو دخلت اغصان شجر الجار الي داره، و يحتمل الفرق بين المقامين (1) من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك. و لذا قيل فيه بعدم وجوب اجابة المالك الجار الي القلع و ان جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله. هذا

كله حكم التخليص و أما لو اختار المغبون الابقاء فمقتضي ما ذكرنا من عدم ثبوت حق لأحد المالكين علي الآخر استحقاقه الأجرة علي البقاء لأن انتقال الأرض الي المغبون (2) بحق سابق علي الغرس، لا بسبب لاحق له، هذا كله حكم الشجر. و أما الزرع ففي المسالك انه يتعين ابقائه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر، (3) و لعله لامكان الجمع بين الحقين علي وجه لا ضرر فيه علي الطرفين بخلاف مسألة الشجر، فإن في تعيين ابقائه بالأجرة ضررا علي مالك الأرض لطول مدة البقاء، فتأمل.

______________________________

بظهور البيع مع استثناء الشجر في استثناء هذه المنفعة و استحقاق البقاء، بخلاف المقام فانه بالفسخ يعود العين مع جميع منافعها و صفاتها بلا استثناء

شي ء منها.

(1) قوله و يحتمل الفرق بين المقامين و فيه: ان الدخول في ملك الغير هناك و ان كان حدوثه بغير فعل المالك الا انه بقاء

يكون بفعله فان ابقاء الاغصان في دار الغير اشغال للفضاء.

(2) قوله و أما لو اختار المغبون الابقاء … لان انتقال الارض الي المغبون بحق سابق كون الانتقال بحق سابق اولا حق لا دخل له في استحقاق الاجرة بل المدار فيه انتقال هذه المنفعة من الارض الي المغبون و عدمه، إذ علي الاول يستحق الاجرة، و لا يستحقها علي الثاني:

(3) قوله و أما الزرع- لان له امدا ينتظر و لعله لامكان الجمع بين الحقين و اورد عليه المحقق الايرواني رحمه الله بان دفع الاجرة لو كان سادا للضرر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 463

و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الأرض منعه (1) لاستلزام نقص ارضه، فإن كلا منهما مسلط علي ماله و لا يجوز تصرفه في مال غيره الا بإذنه ام لا؟

لأن التسلط علي المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف في ماله، وجهان أقواهما الثاني.

و لو كان التغير بالامتزاج (2) فإما ان يكون بغير جنسه، و أما ان يكون بجنسه.

______________________________

في الزمان القصير لكان سادا له في الزمان الطويل و فيه: ان دفع الاجرة ساد من حيث المالية في الموردين، و الفرق بينهما انما هو من ناحية نقص الارض من حيث القيمة- فان اشتغال الارض بالغرس في المدة الطويلة،

يوجب نقص قيمتها بخلاف اشتغالها بالزرع فانه لا يوجب نقص قيمتها لقصر المدة،

نعم يرد عليه قدس سره ما اورده اولا و هو ان مناط استحقاق القلع لم يكن هو الضرر بل مناطه عدم استحقاق صاحب الغرس للمكان و هذا مشترك بين

الموردين.

(1) قوله و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الارض منعه قد مر انه لا حق لمالك الغرس في الارض، و لا لمالك الارض في الغرس فله ان ينقله الي مكان آخر و لا أري وجها لجواز منعه الا من جهة استلزامه التصرف في ارض الغير و علاجه مراجعته في ذلك فان امتنع قلعه بنفسه أو تصداه الحاكم، و عليه اجرة طم الارض- بل اجرة المثل من يوم الغرس الي يوم القلع، و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام.

التغير بالامتزاج

(2) و أما المقام الثالث: - و هو التغير بالامتزاج- فقبل الدخول في البحث لا بد من تقديم امرين:

الأول: ان خلط مال بمال يتصور علي وجوه:

الأول: ان يكون بنحو لا يتميز احدهما من الآخر حسا كامتزاج الخل بالعسل الموجب لحصول حقيقة ثالثة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 464

فان كان بغير جنسه، فإن كان علي وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت، فهو في حكم التالف يرجع الي قيمته (1)

و ان كان لا علي وجه يعد تالفا كالخل مع الانجبين.

______________________________

الثاني: ان يكون بنحو يتميز حسا و يكون كل من المالين باقيا علي ما هو عليه من الصورة.

الثالث: ان يكون بنحو لا يتميز حسا و لا تحصل صورة ثالثة، و يعد احد الخليطين مستهلكا في الآخر و تلفا كخلط ماء الورد بالنفط.

و مورد الشركة هو الوجه الأول، و دليله مضافا الي الاجماع: ان الخصوصية الشخصية لكل من المالين زالت و تلفت و التالف لا يتعلق به تكليف أو وضع، فمالك المال قبل الامتزاج لا يمكن ان يكون مالكا لشخص ماله بعد الامتزاج، فلا محالة يوجب التلف الاشاعة قهرا،

و لا فرق في ذلك بين المتحدين وصفا و المختلفين.

فما افاده المحقق الايرواني رحمه الله، بان دليل الشركة هو الاجماع المختص بالمتماثلين ذاتا و وصفا، غير تام.

الثاني أنه للشركة مراتب:

الاولي: الشركة في العين بنسبة المالين في المقدار كما في مزج الجنس بالجنس مع تساويهما في الصفات، و الوجه فيها ان التالف خصوص الخصوصية الشخصية لا أصل المال و وصفه و ماليته.

الثانية: الشركة في العين بمقدار المالية لا الوزن كما في المزج بغير الجنس كمزج الخل بالعسل، إذ الفائت حينئذ غير الخصوصية الشخصية الصورة النوعية، فلا محالة يشتركان في قيمة الممزوج، و لكن من نفس الممتزج.

الثالثة: الشركة في الثمن كما في قصارة الثوب.

إذا عرفت هذين الأمرين،

فاعلم: ان الامتزاج تارة يكون بغير جنسه، و اخري يكون بجنسه.

(1) اما المورد الأول: فان كان علي وجه الاستهلاك عرفا فهو في حكم التالف و يرجع الي قيمته كما في المكاسب، و ان كان لا علي وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 465

ففي كونه شريكا (1) أو كونه كالمعدوم وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين و من تغير حقيقته، (2) فيكون كالتلف الرافع للخيار (3)

______________________________

الانجبين فقد ذكر المصنف رحمه الله فيه وجهين:

(1) احدهما: الشركة لحصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين.

(2) ثانيهما: كونه كالمعدوم لتغير حقيقته.

و اورد المحقق الايرواني رحمه الله علي الوجه الثاني: بانه لو كان هذا كالتالف كان الممتزج الآخر ايضا كالتالف، لأن نسبة الصورة الحادثة بالامتزاج الي كل من الممتزجين نسبة واحدة، و لازم ذلك ان لا يكون الممتزج مالا لواحد منهما، مع ان ذلك باطل بالضرورة.

و: تنقيح القول في المقام بنحو يظهر ما هو الحق و يجاب عن ايراد المحقق الايرواني رحمه

الله: ان الشركة انما تكون في مالين لشخصين، و أما إذا حدثت الصورة الثالثة في حال يكون المالين لمالك واحد فلا معني لحصول الشركة، و عليه فلو مزج الغابن الخل الذي اشتراه بالانجبين ثمّ فسخ المغبون المعاملة لا معني لرجوع الخل بالفسخ، الي صاحبه لعدم بقائه، و الصورة الثالثة لم تملك بالبيع كي تعود بالفسخ، فلا بد من اجراء حكم التلف عليه و هو رجوعه بماليته الي الفاسخ.

(3) و أما ما في المتن من ان حكمه ارتفاع الخيار، فالظاهر ان مراده ارتفاعه علي وجه يوجب رجوع العين.

حكم الامتزاج بالجنس

و أما المورد الثاني: فالكلام فيه في مواضع:

الأول: في الامتزاج بالمساوي.

الثاني: في الامتزاج بالاردإ.

الثالث: في الامتزاج بالاجود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 466

و ان كان الامتزاج بالجنس، فإن كان بالمساوي يثبت الشركة، (1) و ان كان بالأردإ فكذلك و في استحقاقه لارش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه، (2)

______________________________

(1) اما في الموضع الأول: فقد حكم المصنف رحمه الله بالشركة.

و اورد عليه المحقق الاصفهاني رحمه الله بما حاصله: ان المزج ان كان بمال الأجنبي و حصلت الشركة بين الغابن و الأجنبي لا يبقي مجال لعود العين، إذ يستحيل عود الملك الاستقلالي بعد زواله، و الملك الاشاعي لم يكن بسبب البيع حتي يوجب فسخه عوده الي المغبون ليكون شريكا للمغبون،

و ان كان الامتزاج بمال الغابن فلا شركة قبل الفسخ، إذ الانسان لا يكون شريكا لنفسه، و فسخ العقد ان اوجب رجوع العين الي المغبون حقيقة فلا شركة و ان لم يوجب رجوع العين نظرا الي ان الامتزاج يمنع عن اعتبار الملك الاستقلالي شرعا فلا عود للعين.

و لكنه يمكن ان يكون نظر المصنف رحمه الله الي انه

و ان لم يمكن عود العين بالفسخ فيعد بحكم التالف، الا انه حيث يمكن ان يرجع بعض العين ممتزجا بما هو مثله كان ذلك متعينا في مقام اداء التالف، فيتعين ارجاع ذلك، و لهذا يحكم بالشركة.

(2) و أما الموضع الثاني: فقد احتمل المصنف رحمه الله فيه وجوها:

احدها: الشركة بنسبة المالين، و يكون الغابن ضامنا لارش النقص.

ثانيها: الشركة في العين بمقدار المالية.

ثالثها: الشركة في قيمة العين.

و قد اختار المحقق النائيني رحمه الله الوجه الأول، و علله: بانه إذا امكن الشركة في العين بنسبة المالين لا تصل النوبة الي المرتبتين اللاحقتين.

و فيه: انه لا وجه للشركة في العين، إذ العين كما عرفت في الموضع الأول بحكم التالف، و ليس رد بعضها ممتزجا بالأردإ اقرب الي التالف.

و عن المحقق الاصفهاني رحمه الله: اختيار الوجه الثالث نظرا الي انه و ان لم يكن وجه للشركة في العين الا انه حيث يمكن عود العين بماليتها من المالية الشخصية فهو المتعين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 467

و لو كان بالاجود احتمل الشركة في الثمن، بأن يباع و يعطي من الثمن بنسبة قيمته،

و يحتمل الشركة بنسبة القيمة (1) فإذا كان الاجود يساوي قيمتي الردي كان المجموع بينهما اثلاثا و رده الشيخ في مسألة رجوع البائع علي المفلس بعين ماله بأنه يستلزم الربا، قيل: و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة. بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن (2) و تفصيله ان التلف. اما ان يكون فيما وصل الي الغابن، أو فيما وصل الي المغبون، و التلف اما بآفة أو باتلاف احدهما أو باتلاف الأجنبي

______________________________

لأنه اقرب من المالية المطلقة.

و لكن: هذا يتم إذا كان المال من القيميات، و الظاهر انه من المثليات،

فيتعين دفع المثل ان امكن، و الا فما افاده متين،

اللهم الا ان يقال ان المالية الخاصة اقرب الي التالف من المثل و لا بعد فيه، و عليه فيتعين ذلك.

(1) و أما الموضع الثالث: فقد احتمل المصنف رحمه الله فيه احتمالين:

احدهما: الشركة بنسبة المالية.

ثانيهما: الشركة في الثمن.

ثمّ رد الأول: بانه يستلزم الربا، و وجهه انتقال ثلث المجموع الي المغبون بازاء نصفه،

فانه بالامتزاج يعطي النصف و يأخذ الثلث، و مع وجود سائر الشرائط من كون المبيع من المكيل و الموزون و عموم حرمة الربا لكل معاوضة و لو كانت قهرية يتوجه حكم الربا.

و الجواب ان هذا الوجه غير تام لعدم شمول دليل حرمة الربا للمعاوضة القهرية،

و لكن بما ذكرناه في الموضعين الأولين ظهر ضعف الاحتمال الأول، فالمتعين هو الثاني

حكم تلف العوضين

(2) قوله بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن الظاهر ان حكم التلف لا بد و ان يذكر في احكام الخيار، و انما اشار إليه المصنف ره في المقام من جهة ان المشهور بين الأصحاب ان تصرف المغبون قبل العلم بالغبن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 468

و حكمها انه لو تلف ما في يد المغبون، فإن كان بآفة، فمقتضي ما تقدم من التذكرة في الاخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم امكان الاستدراك سقوط الخيار (1)

لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره. و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار، فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف أو يوم الفسخ و أخذ ما عند الغابن أو بدله.

و كذا لو كان بإتلافه و لو كان باتلاف الاجنبي ففسخ المغبون اخذ الثمن و رجع الغابن الي المتلف ان لم يرجع المغبون عليه و ان رجع عليه بالبدل. ثمّ ظهر

الغبن ففسخ رد علي الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ و لو كان باتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون اخذ القيمة من الغابن و ان فسخ اخذ الثمن، و لو كان اتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثمّ ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة لأن ما ابرأه بمنزلة المقبوض، و لو تلف ما في يد الغابن بآفة أو باتلافه

______________________________

المخرج للمال عن ملكه مسقط لخياره، فتوهم ان التلف ايضا كذلك، بل هو اولي بان يكون مسقطا، فذكر حكم التلف في المقام لتنقيح ذلك.

و لا فرق بين تلف ما في يد المغبون و تلف ما بيد الغابن في الأحكام الا من جهتين نشير اليهما، فلا وجه للبسط و الأطناب في بيان الأحكام لكل منهما مستقلا، فلنفرض تلف ما في يد المغبون، و به يظهر حال تلف ما في يد الغابن.

و حق القول فيه يقتضي البحث في جهات:

الاولي: في انه هل يوجب سقوط الخيار ام لا؟ و محصل القول فيها: انه ان قلنا بان هذا الخيار متعلق بالعوضين و حقيقته جواز الرد و الاسترداد.

(1) كما هو مقتضي الوجه الذي ذكره العلامة و وجهه المصنف رحمه الله لمسقطية التصرف- تعين البناء علي مسقطية التلف، بل هو اولي بان يكون مسقطا، فانه في تصرف يمكن ان يقال بجواز الرد و انفساخ معاملته، و في المقام لا سبيل الي ذلك.

و بهذا يظهر امران:

احدهما: ان المصنف رحمه الله الملتزم بمسقطية التصرف من جهة ما افاده في تلك المسألة ليس له البناء علي العدم في المقام.

ثانيهما: ان ظاهر تبصرة العلامة ان التلف اولي من التصرف في عدم صحة الاستدلال، مع ان الامر بالعكس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 469

ففسخ المغبون،

اخذ البدل و في اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ، قولان. ظاهر الأكثر الأول.

و لكن صرح في الدروس و المسالك و محكي حاشية الشرائع للمحقق الثاني و صاحب الحدائق و بعض آخر: انه لو اشتري عينا بعين فقبض احداهما دون الأخري فباع المقبوض، ثمّ تلف غير المقبوض، ان البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقه قبل القبض بخلاف البيع الثاني، فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض. (1)

و هذا ظاهر بل صريح في ان العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين،

و الفرق بين المسألتين مشكل، و تمام الكلام في باب الاقالة ان شاء الله تعالي،

______________________________

و أما ان قلنا بان هذا الخيار كسائر الخيارات متعلق بالعقد، فحيث ان العقد باق مع تلف العين ايضا، فلا وجه لسقوط الخيار بالتلف، و الأظهر هو الثاني.

نعم لو قلنا بشمول قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له «1» لخيار الغبن يكون التلف بآفة سماوية موجبا لكون تلف ما عند المغبون من الغابن و انفساخ العقد،

و لكن المبني فاسد كما سيأتي.

(1) الثانية: ان قيمة التالف التي يرجع إليها هل هي قيمة يوم التلف كما احتمله العلامة و لعله ظاهر الأكثر، ام قيمة يوم الفسخ، كما ذهب إليه جماعة، ام قيمة يوم الأداء،

كما عليه المحقق الخراساني رحمه الله-؟ وجوه.

وجه الأول: ان القيمة في يوم التلف تقوم مقام العين في كونها متعلقة لحق الخيار.

و وجه الثاني: ما افاده السيد الفقيه من ان الانتقال الي الغابن انما هو من حين الفسخ، فلا بد من اعتبار قيمته حينه لا حين التلف الذي كان للمغبون.

و وجه الثالث: انه في موارد الضمانات تكون العين ثابتة في الذمة الي حين الأداء،

و لذا بنينا علي

ان الضامن يدفع قيمة يوم الأداء.

______________________________

(1) الوسائل- باب 5 و 8- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 470

و لو تلف باتلاف الاجنبي رجع المغبون بعد الفسخ الي الغابن لأنه الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله، و لأنه ملك القيمة علي المتلف، و يحتمل الرجوع إلي المتلف، (1) لأن المال في ضمانه، و ما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته و لذا صرح في الشرائع بجواز المصالحة علي ذلك المتلف بما لو صالح به علي قيمته لزم الربا،

و صرح العلامة بأنه لو صالحه علي نفس المتلف بأقل من قيمته لم يلزم الربا، و ان صالحه علي قيمته بالأقل لزم الربا، بناء علي جريانه في الصلح

______________________________

و في المقام و ان كان التالف حين تلفه للمغبون، فلا يكون ضامنا، الا ان البيع بما هو متزلزل و متعلق لحق الخيار فتعتبر العين باقية في عهدة من هي عنده، و الفسخ يقتضي عود العين التي تكون في العهدة الي الفاسخ، و عليه فيتعين قيمة يوم الأداء.

و به يظهر ما في الوجهين الأولين.

الثالثة: انه لو اتلف المال الأجنبي، فهل الفسخ يقتضي الرجوع الي الغابن أو المتلف.

(1) و احتمل المصنف رحمه الله في المقام، الرجوع الي الغابن، و الرجوع الي المتلف،

و التخيير و في تلف ما عند الغابن و ان كان يذكر وجوها و لكن ظاهره اختيار ان المغبون يرجع الي الغابن و يذكر له وجهين جارين في المقام ايضا و كيف كان: فقد استدل للرجوع الي طرف المعاملة بوجهين:

احدهما: ان العوض يرجع الي الغابن، فيؤخذ منه المعوض أو بدله.

و فيه: انه إذا اتلف الأجنبي المال تثبت العين في عهدته، و مقتضي الفسخ رجوع العين الي المغبون،

و حيث انها في عهدة الاجنبي فيرجع إليه.

ثانيهما: ان الغابن يملك القيمة علي الأجنبي، و ليس لشي ء واحد الا قيمة واحدة،

فلا يعقل رجوع المغبون الي الأجنبي.

و فيه: ما تقدم من ان العين تثبت في عهدته،

فالأظهر انه يرجع الي الأجنبي، و لكن لا يتعين ذلك، بل له ان يرجع إليه، و ان يرجع الي المفسوخ عليه، لأن المال كان في عهدته قبل وضع الأجنبي يده عليه.

الرابعة: انه لو اتلف الغابن ما في يد المغبون ثمّ فسخ المغبون العقد، فقبل الفسخ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 471

و يحتمل التخيير اما الغابن فلأنه ملك البدل و أما المتلف فلأن المال المتلف في عهدته (1) قبل اداء القيمة، و ان كان باتلاف المغبون، فإن لم يفسخ غرم بدله و لو ابرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسح رد الثمن واخذ قيمة التلف لأن المبرأ منه كالمقبوض هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام، و ينبغي احالة الزائد علي ما ذكروه في غير هذا المقام و الله العالم بالأحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم إلي يوم القيام.

مسألة: الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية

بناء علي الاستناد في ثبوته في البيع الي نفي الضرر، (2) نعم لو استند الي الاجماعات المنقولة امكن الرجوع في غير البيع الي اصالة اللزوم و ممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره في شرح الارشاد و صاحب التنقيح و صاحب ايضاح النافع و عن اجارة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا الي انه من توابع المعاوضات. نعم حكي عن المهذب البارع عدم جريانه في الصلح.

و لعله لكون الغرض الاصلي فيه قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفي

______________________________

كانت

العين التالفة في عهدة الغابن، و بعده تثبت في عهدة المغبون، و نتيجة ذلك سقوط العهدة بالنسبة الي كل منهما كما لا يخفي.

(1) قوله و يحتمل التخيير اما الغابن فلانه ملك البدل و أما المتلف فلان المال المتلف في عهدته هذا الاحتمال و ان كان هو الاظهر كما عرفت الا انه لما ذكرناه، لا لما افاده قدس سره فان مبني احد فردي التخيير في كلامه اشتغال ذمة المتلف بالقيمة- و مبني الآخر دخول العين في العهدة و هما متقابلان

ثبوت خيار الغبن في غير البيع

(2) الموضع الخامس: في ثبوت خيار الغبن في سائر المعاوضات اقوال:

احدها: ثبوته فيها، اختاره فخر الدين و صاحبا التنقيح و ايضاح النافع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 472

و في غاية المرام التفصيل (1) بين الصلح الواقع علي وجه المعاوضة فيجري فيه، و بين الواقع علي اسقاط دعوي قبل ثبوتها، ثمّ ظهر حقيقة ما يدعيه و كان مغبونا فيما صالح به و الواقع علي ما في الذمم و كان مجهولا، ثمّ ظهر بعد عقد الصلح و ظهر غبن احدهما علي تأمل. و لعله للاقدام في هذين علي رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان.

فقد اقدم علي الضرر و حكي عن بعض التفصيل (2) بين كل عقد وقع شخصه علي وجه المسامحة و كان الأقدام فيه علي المعاملة مبنيا علي عدم الالتفات إلي النقص و الزيادة بيعا كان أو صلحا أو غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن، و بين غيره.

و فيه مع ان منع صدق الغبن محل نظر ان الحكم بالخيار لم يعلق في دليل علي مفهوم لفظ الغبن حتي يتبع مصاديقه. فإن الفتاوي مختصة بغبن البيع و حديث نفي الضرر عام لم

يخرج منه الا ما استثني في الفتاوي من صورة الاقدام علي الضرر عالما به،

نعم لو استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن اكل المال بالباطل امكن اختصاصها بما إذا اقدم علي المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك الاحتمال و الحاصل ان المسألة لا يخلو عن اشكال من جهة أصالة اللزوم و اختصاص معقد الاجماع و الشهرة بالبيع و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع،

______________________________

ثانيها: عدم ثبوته فيها، و لعله الظاهر من اجارة جامع المقاصد.

ثالثها: عدم جريانه في خصوص الصلح، حكي عن المهذب البارع.

رابعها: التفصيل بين كل عقد وقع شخصه علي وجه المسامحة و بين غيره.

(1) قوله في غاية المرام التفصيل، قد عرفت تماميته.

(2) قوله و حكي عن بعض التفصيل بما حققناه ظهر تمامية ما افاده هذا البعض، فلا حاجة الي التكرار، و دفع ما اورده المصنف عليه.

و كيف كان فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في شمول دليل هذا الخيار لغير البيع.

الثاني: في قابلية الصلح في ذاته للخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 473

كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع،

لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض افراد ما عدا البيع، فلا يدل علي عموم غيره لما عدا البيع و من دلالة حديث نفي الضرر، علي عدم لزوم المعاملة المغبون فيها في صورة امتناع الغابن، عن بذل التفاوت بعد الحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الاصحاب. و قد استدل به الاصحاب علي اثبات كثير من الخيارات، فدخوله فيما عدا البيع، لا يخلو عن قوة. (1) نعم يبقي الاشكال في شموله للصورة المتقدمة، و هي ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان أو غيره

علي عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية، كما إذا احتاج المشتري الي قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية أو دنيوية، فإنه لا يلاحظ في شرائه مساواته للثمن المدفوع بازائه، فإن في شمول الادلة لمثل هذا خفاء، بل منعا، الا ان يتم بعدم القول بالفصل، (2) و الله العالم.

______________________________

اما المقام الثاني: فقد تقدم الكلام فيه في خيار الشرط. فراجع.

(1) و أما المقام الأول: فان كان مدرك هذا الخيار هو الاجماع، مختصا بالبيع لأنه المتيقن من معقده و ان كان غيره من الشرط الضمني، أو نفي الضرر، «1» أو آية التجارة، «2» أو آية لا تأكلوا، «3» أو خبر تلقي الركبان، «4» أو خبر غبن المسترسل سحت، «5» لم يكن مختصا بالبيع لعدم الفرق في هذه الأدلة بين البيع و غيره من المعاوضات المالية المبنية علي المداقة،

و حيث ان المختار كون مدركه الشرط الضمني فلا وجه لدعوي الاختصاص.

(2) ثمّ انه بناء علي المختار، ان كانت المعاملة مبنية علي تساوي المالين نوعا كالبيع و الاجارة و الصلح القائم مقامهما جري فيها خيار الغبن الا مع الاقدام علي المعاوضة

______________________________

(1) الوسائل- باب 12 و 7- من ابواب كتاب احياء الموات و غيرهما من الأبواب المتقدم إليها الاشارة.

(2) النساء آية 29.

(3) نفس المصدر.

(4) و هو النبوي المروي عن غير طرقنا المتقدم.

(5) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 474

مسألة: اختلف اصحابنا في كون هذا الخيار علي الفور أو علي التراخي علي قولين (1)
اشارة

و استند للقول الأول: و هو المشهور ظاهرا الي كون الخيار علي خلاف الأصل فيقتصر فيه علي المتيقن و قرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و إلا لم ينتفع بعمومه، انتهي. (2)

و للقول الثاني: الي الاستصحاب (3) و ذكر

في الرياض ما حاصله ان المستند في هذا الخيار ان كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب و ان كان نفي الضرر وجب الاقتصار علي الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.

______________________________

بالغة ما بلغت فانه حينئذ يكون مسقطا لشرط التساوي، و ان كانت لعكس تلك و كان بنائها علي التسالم و التجاوز عن الحق كائنا ما كان كالصلح الواقع في مقام رفع الخصومة لا يكون هذا الخيار ثابتا فيها: لأنه يسقط شرط التساوي، و ان لم تكن مبنية لا علي ذلك و لا علي هذا كالجعالة، فثبوت هذا الخيار فيها و عدمه يدوران مدار الاشتراط و عدمه.

كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي

(1) مسأله: اختلف اصحابنا في كون الخيار علي الفور أو علي التراخي علي قولين.

لا يخفي ان هذا النزاع جار في كل خيار لم يكن لمدة الخيار تحديد من الشرع كخيار العيب و نحوه.

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

(2) الاول: في عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» و انه هل يتمسك به في زمان الشك ام لا الذي هو مدرك القول بالفور.

(3) الثاني: في استصحاب الخيار الذي هو مدرك القول بالتراخي.

الثالث: في انه علي فرض المناقشة في كليهما هل هناك ما يرجع إليه لتعيين احدهما ام لا.

______________________________

(1) المائدة: 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 475

اقول: و يمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة، اما في وجوب الاقتصار علي المتيقن فلأنه غير متجه مع الاستصحاب. و أما ما ذكره في جامع المقاصد من عموم الازمنة، فإن اراد به عمومها المستفاد من اطلاق الحكم بالنسبة الي زمانه الراجع بدليل الحكمة الي استمراره في جميع الازمنة، فلا يخفي ان هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت

العموم، فإذا فرض خروج فرد منه، فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان ما إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتي يقتصر عند الشك فيه علي المتيقن، نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم (1) و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل، لكن وقع الشك في ان ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الازمنة أو عام لجميعها، فإن اللازم هنا استصحاب حكم الخاص (2) اعني الحلية لا الرجوع فيما بعد الزمان المتيقن الي عموم التحريم، و ليس هذا من معارضة العموم للاستصحاب، و السر فيه ما عرفت من تبعية العموم الزماني للعموم الافرادي فإذا فرض خروج بعضها، فلا مقتضي للعموم الزماني فيه حتي يقتصر فيه من حيث الزمان علي المتيقن، بل الفرد الخارج واحد دام زمان خروجه أو انقطع.

______________________________

(1) قوله نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم التنظير بالتحريم من جهة انه يقتضي الدوام و الاستمرار مع كون الزمان ظرفا محضا غير ماخوذ في موضوع الحكم.

(2) قوله فان اللازم هنا استصحاب حكم الخاص و ربما يورد عليه بان مدار جريان استصحاب حكم الخاص علي كون الزمان ظرفا في دليل الخاص لا علي كونه ظرفا في دليل العام و لكن يمكن الجواب عنه بانه قدس سره يصرح في الاصول بانه إذا كان الزمان قيدا في دليل الخاص يستكشف منه كونه قيدا في دليل العام و مثل لذلك بما إذا ورد اكرم العلماء ثمّ ورد لا تكرم زيدا يوم الجمعة قال إذ الاستثناء قرينة علي اخذ كل زمان فردا مستقلا فحينئذ يعمل عند الشك بالعموم و علي هذا إذا كان الزمان ظرفا بالنسبة الي حكم

العام يكون ظرفا بالنسبة الي الخاص فلا مانع من جريان الاستصحاب من هذه الجهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 476

نعم لو فرض افادة الكلام للعموم الزماني علي وجه يكون الزمان مكثر الافراد العام، بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما، الاقتصار علي المتيقن، لأن خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه، كما إذا قال المولي لعبده:

اكرم العلماء في كل يوم بحيث كان اكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام ذلك العالم في اليوم الآخر، فإذا علم بخروج زيد العالم و شك في خروجه عن العموم يوما أو ازيد، وجب الرجوع في ما بعد اليوم الأول الي عموم وجوب الاكرام، لا إلي استصحاب، عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع إلي أصل آخر، كما ان في الصورة الاولي لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب لم يجز الرجوع الي العموم فما اوضح الفرق بين الصورتين (1).

______________________________

التمسك بآية الوفاء بالعقد عند الشك

و أما المورد الاول فالكلام فيه في جهتين:

الاولي: في انه إذا ورد عام افرادي يتضمن العموم الازماني و خصص ذلك بخروج بعض افراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة ثمّ شك في ان خروجه عنه في تمام الأزمنة أو بعضها، فهل يرجع في زمان الشك الي عموم العام ام لا؟

الثانية: في خصوص (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

اما الاولي: فتفصيل الكلام فيها في الاصول، و انما نشير الي ما هو الحق في المقام بنحو الاجمال و حاصله:

(1) ان المصنف رحمه الله ذهب الي ان العام ان كان له عموم ازماني و كان كل زمان

موضوعا مستقلا لحكم مستقل لينحل العموم الي احكام عديدة بتعدد الزمان يتمسك بعموم العام، فانه من عدم التمسك به يلزم التخصيص الزائد و أما إذا لم يكن له عموم ازماني بهذا المعني، بل كان الزمان ظرفا للحكم، و كان المجعول حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد فلا يتمسك به، فانه ليس في خروجه عن تحت العام دائما زيادة تخصيص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 477

ثمّ لا يخفي ان مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في الصورة الاولي من الاطلاق المحمول علي العموم بدليل الحكمة و كونه في الصورة الثانية عموما لغويا، بل المناط كون الزمان في الاولي ظرفا للحكم و ان فرض عمومه لغويا، فيكون الحكم فيه حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد، فيكون مرجع الشك فيه الي الشك في استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب و الزمان في الثانية مكثر لافراد موضوع الحكم فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني الي ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الأول و معلوم ان المرجع فيه إلي أصالة العموم، فافهم و اغتنم

______________________________

في العام حتي يقتصر عند الشك فيه علي المتيقن.

و الجواب عنه امران:

الأول: انه لا بد من التمسك بالعام في المورد الثاني ايضا، و ذلك يبتني علي بيان مقدمات:

منها: ان الاطلاق عبارة عن رفض القيود، و عدم دخل شي ء من الخصوصيات لا دخل جميع القيود.

و منها ان العام الذي اخذ الزمان ظرفا لاستمرار حكمه له حيثيتان: احداهما:

عمومه الافرادي، ثانيتهما: اطلاقه الزماني، بمعني ان مقتضي اطلاقه استمرار الحكم الثابت لكل فرد في الزمان المستمر.

و منها ان المطلق إذا خرج منه فرد بقي الباقي بنفس الظهور الذي استقر فيه اولا إذا عرفت هذه الامور تعرف انه بعد مضي

زمان التخصيص يتمسك بعموم العام لا بحيثية عمومه بل بحيثية اطلاقه، بلا فرق بينه و بين سائر المطلقات.

لا يقال: انه إذا ثبت الحكم بعد ذلك الزمان لا يكون استمرارا للحكم الأول بل هو حكم آخر، فيلزم تعدد الواحد.

فانه يرد بان معني استمراره الثابت بالاطلاق المزبور ليس استمراره خارجا، بل جعل ظرف واحد لهذا الحكم الوحداني لا جعل حصتين من طبيعي الظرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 478

و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد بأن آية أَوْفُوا و غيرها مطلقة لا عامة، فلا تنافي الاستصحاب الا ان يدعي ان العموم الاطلاقي لا يرجع الا الي العموم الزماني علي الوجه الأول، فقد ظهر ايضا مما ذكرنا من تغاير موردي الرجوع الي الاستصحاب و الرجوع الي العموم، فساد ما قيل في الأصول من ان الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الاولي، زعما منه ان الاستصحاب قد خصص العموم. و قد عرفت ان مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع الي العموم و لو علي فرض عدم الاستصحاب، و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع الي الاستصحاب و لو علي فرض عدم العموم، فليس شي ء منهما ممنوعا بالآخر في شي ء من المقامين، إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول، لأن العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به في زمان واحد و بين عدم وجوبه رأسا، نظير العقد الجائز دائما، فليس الامر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته، حتي يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن (1)

______________________________

فان قلت: ان المطلق له ظهور واحد في معني واحد مستمر، فإذا انقطع لا ظهور يتمسك به.

يرد عليك ان التقييد انما يكون لقيام

حجة اقوي من الحجة المزبورة، فلا يرفع اليد عن ذلك الظهور الواحد. و تمام الكلام في محله.

الثاني: انه لو تم ما افاده كان مختصا بما إذا كان التخصيص من الوسط، و أما إذا كان فرد خارجا عن العام من الأول فمن عدم التمسك بالعام بعد مضي زمان التخصيص يلزم التخصيص في العموم الافرادي ايضا، فنفس عمومه من تلك الحيثية يكفي في الحكم بثبوت حكم العام و التمسك به.

و في المقام وجهان آخر ان: احدهما للمحقق اليزدي، و الآخر للمحقق النائيني رحمه الله،

ذكراهما لعدم جواز التمسك بالعام بعد مضي زمان التخصيص إذا لم يكن له عموم زماني و قد اجبنا عنهما في زبدة الاصول و ليس المقام مقام ذكره فالاظهر هو التمسك بالعام مطلقا.

(1) و أما الجهة الثانية فالحق انه لا عموم زماني له بنحو يكون العقد في كل زمان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 479

فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار علي ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم ايضا، نعم يتمسك فيه حينئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات.

و أما استناد القول بالتراخي الي الاستصحاب، فهو حسن علي ما اشتهر من المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم الشرعي الثابت بغير الادلة اللفظية المشخصة للموضوع، مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء. و أما علي التحقيق من عدم احراز الموضوع في مثل ذلك علي وجه التحقيق، فلا يجري فيما نحن فيه الاستصحاب، فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع فلا معني لانسحابه في الآن اللاحق، مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل، لأن هذا موضوع آخر يكون اثبات الحكم له

من القياس المحرم. (1) نعم لو احرز الموضوع من دليل لفظي علي المستصحب أو كان الشك في رافع الحكم حتي لا يحتمل ان يكون الشك لأجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب.

______________________________

موضوعا مستقلا، و لكن له اطلاقا زمانيا، بمقتضي مقدمات الحكمة، و انه لو لم يكن حكما ثابتا في عمود الزمان لزم لغوية جعله: إذ لا أثر للزوم العقد في زمان واحد،

و بناء علي ما اخترناه من ثبوت الخيار من حين العقد يكون الخارج خارجا من الأول:

فيتمسك بالعام حتي علي المسلك الآخر.

استصحاب الخيار

اما المورد الثاني فقد اورد علي التمسك بالاستصحاب بوجوه:

(1) الاول في المتن، و حاصله: انه إذا كان دليل الحكم لفظيا مشخصا للموضوع و كان الشك في بقاء الحكم مع احراز الموضوع يجري الاستصحاب، و أما إذا كان غير لفظي أو لفظيا غير مشخص له و كان يحتمل كون الموضوع عنوانا لا يكون باقيا، فلا يجري الاستصحاب للشك في بقاء الموضوع،

و المقام من قبيل الثاني، فان دليل هذا الخيار الاجماع أو حديث لا ضرر،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 480

و أما ما ذكره في الرياض، ففيه انه ان بني الأمر علي التدقيق في موضوع الاستصحاب كما اشرنا هنا و حققناه في الاصول، فلا يجري الاستصحاب و ان كان المدرك للخيار الاجماع، و ان بني علي المسامحة فيه كما اشتهر جري الاستصحاب و ان استند في الخيار الي قاعدة الضرر، كما اعترف به ولده قدس سره في المناهل مستندا الي احتمال ان يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم و ان ارتفع الا ان يدعي انه إذا استند الحكم الي الضرر، فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره و هو غير محقق في الزمان اللاحق

كما اشرنا

______________________________

و لا يكون الموضوع مشخصا في شي ء منهما، و لعله العاجز عن تدارك الضرر بالفسخ لا المتضرر بما هو متضرر، فلا يكون الاستصحاب جاريا.

و فيه: اولا: ان الموضوع ليس هو العاجز قطعا، لأنه لا يبقي مع الخيار و نفس الخيار رافع للعجز، فلا يعقل ان يكون هو الموضوع له.

نعم يمكن ان يقال بكونه علة لثبوت الخيار، لكن ذلك كالاجنبي عن دخله في الموضوع.

و ثانيا: ان ما افاده لو تم فانما هو لو قلنا بان المعتبر في الاستصحاب بقاء الموضوع الدليلي، و أما ان قلنا بان المعتبر بقاء الموضوع العرفي و ان لم يكن الموضوع الدليلي باقيا كما هو مبناه في الاصول، فلا يتم، فان الميزان حينئذ بقاء الموضوع بنظر اهل العرف الذين يرونه موضوعا بواسطة مناسبة الحكم و الموضوع.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله من ان الشك في بقاء الخيار في المقام شك في المقتضي لا في الرافع، فانه لا يشك في مسقطية شي ء للخيار، بل في بقاء الخيار بحسب طبعه في عمود الزمان، مع قطع النظر عن طروء زماني عليه، فلا يجري.

و فيه: ان الخيار انما يشك في بقائه لو تمكن المكلف من اعماله و لم يعمله، و أما مع قطع النظر عن ذلك فله استعداد البقاء في عمود الزمان، فليس من قبيل الشك في المقتضي، مع ان الحق جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي ايضا.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله ايضا، و هو: ان دليل هذا الخيار ان كان هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 481

ثمّ انه بني المسألة بعض المعاصرين (1) علي ما لا محصل له فقال ما لفظه ان المسألة مبتنية علي ان لزوم العقد معناه ان اثر

العقد مستمر الي يوم القيامة، و ان عموم الوفاء بالعقود عموم زماني للقطع، بأن ليس المراد بآية الوفاء بالعقود آنا ما، بل علي الدوام و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار ان الوفاء بها العمل بمقتضاها. و لا ريب ان مفاده عرفا و بحسب قصد المتعاقدين الدوام، فإن دل دليل علي ثبوت خيار من ضرر، أو اجماع أو نص في ثبوته في الماضي، أو مطلقا

______________________________

حديث لا ضرر يكون الموضوع عنوان المتضرر، و حيث انه يحتمل ان يكون الموضوع هو الموصوف، فيكون باقيا، و ان يكون هو الوصف فلا يكون باقيا، فلا يكون بقاء الموضوع محرزا، فلا يجري الاستصحاب.

و فيه: اولا: ان عنوان المتضرر و وصفه يكون باقيا، و مجرد تمكنه من تداركه لا يرفعه.

و ثانيا: ان المعتبر بقاء الموضوع عرفا لا دليلا كما تقدم.

الرابع: ما افاده المحقق النائيني رحمه الله ايضا، و هو: ان مدرك هذا الخيار ان كان حديث لا ضرر يكون الموضوع هو الحكم المعنون بالضرر، و يدل الحديث علي رفعه، فلزوم العقد ان كان ضرريا يكون مرفوعا، و الا فلا، و من يتمكن من اعمال الخيار و لو آنا ما فاللزوم ليس ضرريا عليه اصلا فالقضية المتيقنة غير المشكوك فيها باسرها موضوعا و محمولا و نسبة.

و فيه: بعد اصلاحه بارادة كون اللزوم بعد ذلك الآن ضرريا اقدم عليه، و الحديث يرفع حكم ما لم يقدم عليه، ان مدرك هذا الخيار عندنا و عنده هو الشرط الضمني، و لازمه ثبوت الخيار للشخص، فمع الشك في بقائه يستصحب،

فالحق ان هذا الاستصحاب لا محذور فيه سوي كونه من قبيل استصحاب الحكم، و المختار عدم جريانه لمحكوميته لاستصحاب عدم الجعل علي ما حققناه في محله.

(1) قوله

ثمّ انه بني المسألة بعض المعاصرين علي ما لا محصل له محصل ما يفيده هذا المحقق ان المسألة مبنية علي ثبوت العموم الزماني و عدمه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 482

بناء علي الاهمال لا الإطلاق في الأخبار، فيكون استثناء من ذلك العام و يبقي العام علي عمومه، كاستثناء ايام الاقامة و الثلثين و وقت المعصية و نحوها من حكم السفر، أو ان اللزوم ليس كالعموم و انما يثبت ملكا سابقا، و يبقي حكمه مستصحبا الي المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين، و الثاني وارد علي الأول فيقدم عليه و الأول اقوي، لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضي بعدم اعتبار السابق اما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق، انتهي.

و لا يخفي ان ما ذكره من المبني للرجوع الي العموم و هو استمرار اللزوم مبني لطرح العموم و الرجوع الي الاستصحاب (1) و أما ما ذكره اخيرا لمبني الرجوع الي الاستصحاب.

______________________________

و علي الاول يحكم بانه علي الفور و علي الثاني يحكم بانه علي التراخي فهو ممن لا يفرق في التمسك بعموم العام بين ان يكون الزمان ظرفا له ام قيدا كما اخترناه و قد ذكر في وجه وجود العموم في المقام امرين احدهما ان معني الوفاء العمل بما يقتضيه العقد ابدا و لو من جهة ان مفاد العقد الدوام،

ثانيهما القطع بانه ليس المراد بالآية الوفاء بالعقد آنا ما بل علي الدوام و ذكر في وجه عدمه ان معني أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ترتيب اثر الملكية في اول الوهلة و علي الثاني انه انما يحكم ببقاء الملكية من جهة ان شأن الملكية المطلقة البقاء ما لم يرفعها رافع- و انما يحكم باللزوم للاستصحاب و عليه فعلي الاول بما ان العموم

موجود فمع الشك في الخيار يتمسك به و يحكم بعدم الخيار- و علي الثاني- مع الشك في الخيار بما ان الخيار ثابت قبل ذلك فيستصحب بقائه و هو حاكم و مقدم علي بقاء اثر العقد و هو قدس سره يختار الاول و محصل ما ذكره في وجهه ان اللزوم و وجوب الوفاء المستفاد من الآية الشريفة انما لا يحكم ببقائه لو زال علته و أما مع بقائها كما في الآية من جهة ان علته المعاهدة علي الملكية الدائمية و هي باقية فاللزوم ايضا باق.

(1) قوله مبني لطرح العموم و الرجوع الي الاستصحاب هذا علي مسلك المصنف رحمه الله من التفصيل في التمسك بالعموم بين كون الزمان ظرفا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 483

و حاصله ان اللزوم انما يثبت بالاستصحاب، فإذا ورد عليه استصحاب الخيار قدم عليه، ففيه ان الكل متفقون علي الاستناد في اصالة اللزوم الي عموم آية الوفاء، (1) و ان امكن الاستناد فيه الي الاستصحاب ايضا، فلا وجه للإغماض عن الآية. و ملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب الخيار، ثمّ انه قد علم من تضاعيف ما اوردناه علي كلمات الجماعة ان الاقوي كون الخيار هنا علي الفور،

لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان الثاني بالعموم لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزماني في هذا المقام الي استمرار الحكم في الافراد، فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل علي العود إليه، كما في جميع الاحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع و لا باستصحاب الخيار لما عرفت من ان الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ، فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له، بل قد يستظهر ذلك

من حديث نفي الضرر تعين الرجوع الي اصالة فساد فسخ المغبون (2) و عدم ترتب الأثر عليه، و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة و هذا ليس كاستصحاب الخيار، لأن الشك هنا في الواقع.

فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي، فافهم و اغتنم و الحمد لله.

______________________________

ام قيدا و أما علي مبني المستدل الذي هو المختار عندنا فاستدلاله تام لا يرد عليه هذا الايراد.

(1) قوله ففيه ان الكل متفقون علي الاستناد … الي عموم آيه الوفاء يرد عليه انه ايضا ممن يتمسك بعموم الآية و لكن يقول انه علي فرض عدم العموم للآية يكون مدرك اللزوم الاستصحاب فاستصحاب الخيار يقدم عليه للحكومة.

اصالة فساد فسخ المغبون

و أما المورد الثالث: فقد تمسك المصنف رحمه الله للقول بالفور.

(2) باصالة فساد فسخ المغبون، و عدم ترتب الاثر عليه مراده بها بحسب الظاهر استصحاب بقاء الملكية الثابتة قبل فسخ المغبون، و قد تقدم في مبحث المعاطاة ان هذا الأصل يجري، و لا يرد عليه شي ء مما اورد عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 484

هذا مضافا إلي ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من اجازة عقد الفضولي و نكاحه و غيرهما من ان تجويز التأخير فيها ضرر علي من عليه الخيار و فيه تأمل.

ثمّ ان مقتضي ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الاخير هي الفورية العرفية (1) لأن الاقتصار علي الحقيقية حرج علي ذي الخيار، فلا ينبغي تدارك الضرر به و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم علي رده بين اهل هذا القول، لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب علي القول بفوريته ما هو اوسع من الفور العرفي. قال خيار العيب ليس علي الفور علي

ما تقدم، خلافا للشافعي، فإنه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدد و لا الركض للرد و ان كان مشغولا بصلاة أو اكل أو قضاء حاجة فله الخيار الي ان يفرغ، و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها، فلا بأس اجماعا. و كذا لو لبس ثوبا أو اغلق بابا و لو اطلع علي العيب ليلا فله التأخير الي ان يصبح و ان لم يكن عذر،

انتهي.

و قد صرح في الشفعة علي القول بفوريتها بما يقرب من ذلك و جعلها من الاعذار، و صرح في الشفعة بأنه لا يجب المبادرة علي خلاف العادة، و رجع في ذلك كله الي العرف فكل ما لا يعد تقصيرا لا يبطل به الشفعة و كل ما يعد تقصيرا و توانيا في الطلب، فإنه مسقط لها، انتهي.

______________________________

فتحصل: ان مقتضي العمومات و الاستصحاب هو القول بالفور، و لكن بما ان مدرك خيار الغبن هو الشرط الضمني، فما دام لم يجز العقد و لم يلتزم به، يكون الخيار باقيا. و لا يرد عليه بان تجويز ذلك ضرر علي من عليه الخيار، فانه لا ضرر عليه مع فرض انه غير ممنوع من التصرف في زمان الخيار، فالأظهر انه علي التراخي.

المراد من الفورية

(1) بقي الكلام في المراد من الفورية،

و تنقيح القول في ذلك: ان الفورية قسمان: فورية حقيقية، و هي اول مراتب الامكان دقة و فورية عرفية و لها مراتب، منها ما لا يلزم من الاقتصار عليه حرج علي من له الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 485

و المسألة لا يخلو عن اشكال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول الليل عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دليل عليه، نعم

لو توقف الفسخ علي الحضور عند الخصم أو القاضي أو علي الاشهاد، توجه ما ذكر في الجملة مع ان قيام الدليل عليه مشكل الا ان يجعل الدليل علي الفورية لزوم الاضرار لمن عليه الخيار، فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه، فإن هذا هو الذي يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه و كون تصرفاته فيه في معرض النقص، لكنك عرفت التأمل في هذا الدليل، فالانصاف انه ان تم الاجماع الذي تقدم عن العلامة علي عدم البأس بالأمور المذكورة و عدم قدح امثالها في الفورية، (1) فهو و إلا وجب الاقتصار علي اول مراتب امكان انشاء الفسخ و الله العالم.

ثمّ ان الظاهر انه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر، (2) إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن، و الجاهل بحكمه، و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه و لو جهل الفورية.

فظاهر بعض الوفاق علي المعذورية و يشكل بعدم جريان نفي الضرر هنا لتمكنه من الفسخ و تدارك الضرر، فيرجع إلي ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد و عدم صحة فسخ المغبون يعد الزمان الاول

______________________________

(1) و منها: ما هو اوسع من ذلك كالأمثلة المذكورة في كلام العلامة ره و منها: ما هو اوسع من ذلك، و هو ما إذا لم يلزم منه ضرر علي من عليه الخيار، الا ان هذا اللفظ لم يرد في الدليل كي يقع النزاع في المراد منه، بل لا بد من الرجوع الي دليل الفورية و استخراج الحكم، و قد عرفت ان دليل الخيار لا إطلاق له فيشك في الخيار بعد مضي

زمان يتمكن من انشاء الفسخ، و المرجع فيه عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و عليه فإذا كان الفسخ غير متوقف علي شي ء سوي قول فسخت فالمتعين هو البناء علي الفورية العرفية بالمعني الأول كما لا يخفي.

(2) و هل يكون الجاهل بالخيار معذورا في ترك المبادرة الي الفسخ علي القول بالفورية ام لا؟ وجهان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 5، ص: 486

و قد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار التأخير و المناط واحد و لو ادعي الجهل بالخيار فالاقوي القبول الا ان يكون مما لا يخفي عليه هذا الحكم الشرعي الا لعارض ففيه نظر.

و قال في التذكرة في باب الشفعة انه لو قال اني لم اعلم ثبوت حق الشفعة أو قال أخرت، لأني لم اعلم ان الشفعة علي الفور، فإن كان قريب العهد بالاسلام أو نشأت في برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله و له الاخذ بالشفعة و إلا فلا، انتهي.

فإن اراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه الجهل فلا حاجة إليه، لأن اكثر العوام و كثير من الخواص لا يعلمون مثل هذه الاحكام، و ان أراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه عدم العلم ففيه انه لا داعي الي اعتبار الظهور مع ان الأصل العدم و الاقوي ان الناسي في حكم الجاهل و في سماع دعواه النسيان نظر من انه مدع و من تعسر اقامة البينة عليه و انه لا يعرف الا من قبله.

و أما الشك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع علي الغبن ثمّ السؤال عن صحته شرعا فهو متمكن من الفسخ العرفي، إذ الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر

فافهم و الله العالم.

______________________________

الظاهر ان مدرك القول بعدم ثبوت الخيار مع العلم بالغبن و حكمه انما هو انه مع ذلك لا يكون شارطا بالشرط الضمني تساوي المالين، و يكون مقدما علي الضرر، فالضرر انما يجئ من ناحية اقدامه، و حديث لا ضرر لا يرفع مثل ذلك، و عليه فلا وجه للتوقف في معذورية الجاهل بالجهل المركب و الغافل و لو كان جهله عن تقصير، فانه مع ذلك يكون شارطا و غير مقدم علي الضرر.

و توهم ان العالم بالخيار لا يبقي خياره، و المفروض ان الجاهل بالحكم غير معذور،

فيجري عليه حكم العالم فاسد، فان الحكم ببقاء الخيار مع الجهل ليس من جهة الجهل بعنوانه، بل من جهة كون الجاهل مشمولا لدليل الخيار بالتقريب المتقدم، مع ان هذا الحكم ليس لزوميا كي يكون مقصرا غير معذور في عدم تعلمه فيكون محكوما بحكم العالم.

و الحمد لله اولا و آخر و ظاهر و باطنا

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.